يختلف المعلّقون والمحلّلون في توصيف الحالة السورية.
هل هي ثورة شعبية؟
وهل هي مؤامرة خارجية؟
إنها ثورة شعبية تنبع من تطلّعات الشعب السوري في التغيير واعتماد دستور جديد يتيح تداول السلطة وهذا حقّ مشروع لا يختلف عليه اثنان، وهكذا تكون ثورة سورية شرعية مباركة، وعلى كلّ أحرار العالم دعمها ومساندتها من الحُرّ الأول والمُحرّر الأول وليد جنبلاط إلى آخر ملك من ملوك العالم مُمسك بزمام السلطة منذ عقود وعقود أباً عن جد وجد عن جد..!
لكن قبل أن نحسم هذا التوصيف وإطلاق صفة الثورة على ما يجري في سوريا، تستوقفنا جملة من الأسئلة قد تنزع عن الحراك السوري صفة الثورية وقد تلصق به صفات أخرى.
حين كشف الحراك عن وجهه السافر..
لماذا اقتصر الحراك السوري على مناطق معيّنة من سوريا وفئات محدّدة فكان بعض الناس في درعا وحمص وإدلب هم الذين يتحرّكون ولهذه المناطق خصوصيتها الجغرافية، فهي مناطق حدودية توصل درعا بالأردن وإدلب بتركيا وحمص بشمال لبنان وهذا يعني أنّ بعض هذا الحراك كان بدعم ومساندة خارجية وموضوع شك وحذر في البداية.
لكن، سرعان ما كشف عن وجهه السافر من خلال إنشاء مجلس اسطنبول اللاوطني، والشروع بحملة إعلامية منسّقة ومدروسة في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة تعمل على بثّ الفتنة والسموم وتحريض الشعب السوري على بعضه البعض، وجاءت بعدها التهديدات التركية ثمّ اجتماعات ما يُسمّى بالجامعة العربية التي أصبحت الجامعة العبرية بعدما أخرجت سوريا منها، وتوجّهوا إلى مجلس الأمن وفشل مسعاهم وها هي "الجامعة العبرية" عوض أن ترعى مؤتمراً لفلسطين وغزة ترعى مؤتمراً لأعداء سوريا الذين يدّعون صداقتها.
فمؤتمر أعداء سوريا في تونس هو الوجه السافر والسافل والبشع للتدخل الخارجي في سوريا، وهكذا أصبحنا أمام حالة تسمّي نفسها ثورة ولكنها مدعومة من الخارج وهذا ما يُفقِد الثورة إحدى أبرز صفاتها.
فأكبر وأعظم ثورة في العقود الحديثة والتي لا تضاهيها من ثورات الماضي إلا الثورة الفرنسية العظيمة كانت الثورة الإيرانية التي بدّلت من طبيعة الصراع على مستوى المنطقة والعالم، وما يجري في سوريا اليوم إلا محاولة للقضاء على هذه الثورة، فنحن إذاً أمام ثورة سورية ولكنها للمفارقة مدعومة من الخارج الذي لا يقيم وزناً لكلّ مبادئ الحرية وحقوق الإنسان حيث الإنسان هو مجرّد رقم.
العرعور يريد إصلاحاً!
الثورة تريد الإصلاح والتطوير وتداول السلطة، وهذا الأمر هو حقّها البديهي والطبيعي والمشروع الذي يجب على الأحرار أن يدعموها من فتى العروبة الأغر والمحرّر الأول للشعوب العربية في المنطقة والمهجر الشيخ سعد الحريري إلى مرشده الروحي الشيخ محمد علي الجوزو الذي يسترشد بهدى المرشد الأول لأحرار العالم الشيخ عدنان العرعور الذي يدعو إلى وسائل سلمية في قبول الآخر والحوار معه تقوم على ذبحه وفرمه وإطعامه للكلاب عوضاً عن محاكمته أو نفيه..!!
فهذا العرعور يريد إصلاحاً لكن رجال الدولة في سوريا وعلى رأسهم الرئيس الدكتور بشار الأسد شرعوا ومنذ العام 2000 بمسيرة تطوير وتحديث سوريا على مختلف الصعد الثقافية والإعلامية والاقتصادية والسياسية كرؤية متدرّجة للإصلاح كي لا يعطي نتائج عكسيّة، فلا يكفي أن تُقرّ قانوناً أو نظاماً قبل تهيئة وتحضير الناس على هذه المفاهيم والأفكار الجديدة، وعند مطالبة البعض تسريع الإصلاح تجاوب الرئيس الأسد وأعلن استعداده لذلك فأقرّ قانوناً جديداً للانتخابات النيابية، وأعلن استعداده لتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما عهد إلى لجنة أنجزت مؤخراً مسودة جديدة للدستور في سوريا عرضه للاستفتاء الشعبي كما تفترض الأصول الديمقراطية، لكنهم وإزاء كلّ هذه الخطوات الإصلاحية، ردّوا برفض الحوار ورفض الإصلاح ورفض كل شيء، وهنا، زال الشكّ الأخير وحلّ محله اليقين واتضحت الصورة وانكشفت الأقنعة وأصبحت الحقيقية هي التالية:
لا إصلاح ولا ثورة ولا من يحزنون..
مجموعة من السوريين في مناطق معيّنة يطالبون بالإصلاح ويرفضونه عندما يُعرض عليهم يدّعون الولاء لسوريا ويستمدّون الدعم من أعداء سوريا من الأجنبي – الخارجي، وأصبحت الصورة ساطعة كعين الشمس. إنها المؤامرة على سوريا... لا إصلاح، لا ثورة ولا من يحزنون... إزاء ذلك، لم يعد أمام الحكومة السورية سوى رفع الأذى عن الشعب والنظام وردّه إلى نحور من يطلقه.. فمن يريد إصلاحاً فهذا الإصلاح موجود وقائم والحوار بشأنه يستمرّ حتى الصيغة الأفضل.
أما من أعماه الدولار والدينار والريال فلم يبقَ إلا مواجهته بنفس السلاح الذي يستخدمه، فالكلمة بالكلمة والشارع بالشارع والرصاصة بالرصاصة والبادئ أظلم، وقد قالها الرئيس الأسد أرادوها معركة فلتكن، فهم مستمرّون في حربهم ومؤامرتهم العسكرية لا السلمية والردّ عليها سيكون بالسلاح عينه، فإرضاءً لبعض المؤامرات الخارجية التي ترمي إلى حرف سوريا عن موقعها ودورها في المنطقة يستمرّون في حربهم يقتلون الناس ويعطّلون الاقتصاد ولا يتورعون عن نشر إعلانات مدفوعة الأجر لتجنيد سوريين بأجور مرتفعة وخيالية لإدخالهم في قتل شعبهم وأهلهم، فهي ثورة وهم ثوار مدفوعو الأجر، أما العقائد والمبادئ فلا مكان لها في أفكار من ارتضى أن يكون العرعور قائده ومرشده..
الرصاصات الغادرة سترتدّ لصدور مطلقيها
بدءاً من الأسبوع المقبل في السابع والعشرين من شهر شباط 2012، ستدخل سوريا مرحلة جديدة عنوانها الصراع بين الإصلاح والمؤامرة، فيوم الجمعة في 24 شباط 2012 اجتمع أعداء سوريا في تونس وأعلنوا الحرب المفتوحة لإسقاط ممانعة سوريا أو تقسيمها ورصدوا المليارات لعملاء الداخل والخارج ولوسائل الإعلام كي تكون مجنّدة في خدمة هذه الحرب المفتوحة.
فهذا هو هجومهم الأخير الذي لن يتحقق مهما حشدوا وضللوا وأنفقوا من أموال كان يفترض أن تخصّص لتنمية ورقي شعوبنا العربية لا لقتلها، فالرصاصات الغادرة التي يموّلها النفط العربي توجّه إلى صدور أبناء الجيش العربي السوري الذي ذنبه أنه يدافع عن شعبه سترتدّ إلى صدور من أطلقها وموّلها.. إنها الأيام قبل إعلان الهزيمة والاستسلام بفضل تكاتف القيادة والجيش والشعب في سوريا، فمؤتمر أعداء سوريا كان الأجدى به أن يفهم أن كلّ محاولاته على مدى عام قد فشلت ولا يمكنها أن تنجح اليوم، والممرّات الإنسانية الآمنة هي في حال حصولها ممرات لنقل السلاح وتقسيم سوريا تحت ستار الدفاع عن حقوق الإنسان، وكأنّ الإنسان لا حقوق له إلا إذا ارتمى في أحضان العمالة وانخرط في مخطط لقتل شعبه وتدمير وطنه.
أما المسار الإصلاحي فسيتكرّس يوم الأحد في 26 شباط 2012 من خلال استفتاء السوريين على الدستور السوري الجديد، الذي قد لا يُجمع عليه السوريون، وقد تكون النسب شبه متقاربة بين المؤيدين والرافضين له، لكنه يشكّل محاولة جريئة للإصلاح، فهناك حزب حاكم مُمسك بالسلطة يتخلّى عن هذا الامتياز لتحقيق المساواة مع سائر الأحزاب في سوريا، وهذا أمرٌ قلّما يحصل في دول العالم ذات الحزب الواحد، لكنه في سوريا حصل بفضل وعي القيادة لأهمية هذا الأمر لتوسيع المشاركة في الحياة السياسية. وهناك رئيس حدّد ولايته بمدة معيّنة ما يسمح أيضاً بتداول للسلطة.
سوريا ستبقى بين الإصلاح والمؤامرة، إصلاح تنشده القيادة وأكثرية الشعب ومؤامرة خارجية مجموعة من المخرفين لكنهم سيخسرون.. فللباطل ساعة وللحق حتى قيام الساعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق