الاعلام الفلسطيني بين النظرية والتطبيق/ سري القدوة

أن تجربة الاعلام الفلسطيني في ظل السلطة الفلسطينية تجربة وليدة وفي نفس الوقت تجربة غنية بكل المقاييس فارتبط تطور الاعلام الفلسطيني منذ قيام السلطة وكان لهذا أن نشأت العديد من الصحف ووسائل الاعلام المسموعة والمرئية ووكالات الانباء .. تطورت سريعا وأحدثت تغيرات مجتمعية هامة ساهمت في بناء اعلام تنموي ووطني هادف بعد أن كان الاعلام المحلي محاصرا من سلطات الاحتلال الاسرائيلي ..

في عام 1995 صدر قانون رقم (9) لسنة 1995 بشأن المطبوعات والنشر عن السلطة الوطنية الفلسطينية واعتمد للعمل بموجبه في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية والذي اخذ علي عاتقه تنظيم العلاقة بين وسائل الاعلام الفلسطينية والجمهور والسلطة السياسية في اليات تشكيل المجتمع الفلسطيني ..

منذ ذلك التاريخ استمر العمل بموجب هذا القانون والذي اخذ علي عاتقه تنظيم العمل الاعلامي في المناطق الفلسطينية ومع تطور وسائل الاعلام واقتحام ثورة تكنلوجيا المعلومات تطورت وسائل الاعلام الفلسطينية اما القانون الفلسطيني بقي علي حاله ولم تفلح كل المحاولات الرامية وورش العمل التي اشرف عليها متخصصين في المجال الاعلامي في انقاذ المجتمع الفلسطيني من مأزق هذا القانون الذي بات اليوم يشكل سيفا علي المجتمع الفلسطيني وبات لا يلبي تطور وسائل الاعلام ولا الحاجة الفلسطينية لتنظيم عمل العديد من الصحف بل كان للانقسام الاسود وسيطرة حماس علي غزة الضرر الذي انعكس علي وسائل الاعلام سواء في غزة او الضفة الغربية حيث باتت تعاني وسائل الاعلام الفلسطينية من الرقابة ومأزق القوانين الوضعية بل لجئت حركة حماس في غزة الي اغلاق كل الصحف التي كانت تصدر في قطاع غزة ومنعها من العمل وأيضا اغلقت وكالات الانباء والإذاعات ومنعت الاعلاميين من ممارسة عملهم وقامت بإنشاء مؤسسات خاصة بها تخدم فكرتها في السيطرة والانقلاب ونسفت كل ما كان نتاج السلطة الفلسطينية في خرق فاضح للقانون ..

اما الان وبعد دخول عالم التقنيات الرقمية بأجياله المختلفة بات من الضروري العمل علي تطوير التشريعات الإعلامية الفلسطينية بإعادة النظر بخصوص إنشاء الصحف والقنوات الإذاعية وتعريف الصحفي والمطبوعات والإجراءات القضائية المتخذة في التعامل مع قضايا النشر وكذلك ما يتعلق بالعقوبات الخاصة بالصحافة وعدم تطبيق أي عقوبة إلا بحكم قضائي ، وتحديد دور واضح لوزارة الإعلام لتطبيق هذا القانون والحد من صلاحيتها فيما يتعلق بتقدير حرية المهنة.

وبات من المهم القيام بإجراءات واضحة تكفل إعادة النظر في تبعية وملكية وسائل الإعلام العامة ، وشروط رئيس التحرير , والقيود المفروضة على المطابع والموزعين , والعمل علي ايجاد سبل تخدم التطور الفني والنوعي والتخصصي للصحافة الفلسطينية و تحقق تحرر وسائل الإعلام من أي قيود وتتيح تعددها وأن تكون مواد القانون محددة وواضحة وأن لا يتضمن القانون مبادئ خاصة بمشروع قانون الصحافة والمطبوعات.

وبات من المهم أن تعمل الحكومة الفلسطينية علي تبني خطة واضحة المعالم بشان تحسين الوضع المعيشي للصحفي الفلسطيني حيث حتى الآن لم تظهر أي بوادر في تحسين وضع الصحفيين المعيشي، وأن الصحفي الفلسطيني يعمل كموظف وأنه أفقر من نظائره في الدول العربية.

أن تلك القضايا تعد من أهم واخطر التحديات والإشكاليات التي تواجه الصحافة الفلسطينية , وان العمل علي تحسين وضع الصحفي في المقام الأول من خلال وضع خصوصية معينة لرسالة الصحفي في المجتمع, ومن خلال قانون نظام الوظائف والمرتبات والأجور التي بحاجة الي تطبيق عملي ، وان من شان تفعيل عقود عمل جماعية للصحفيين في الصحف الأهلية والحزبية ، حيث حتى الان ما زال يعمل الصحفي بلا ضمانات في الصحافة الحزبية ، وأنه لا حرية في ظل معاناة الصحفيين .

أن من شان تحسين ظروف عمل الصحفي الفلسطيني المعيشية تفعيل حرية الصحافة بالتأكيد حيث بالقدر الذي نؤمن بحرية الصحافة , لا نقر ممارسة السب والشتم والقذف ، وان من شان هذه الأساليب أن تسيء للمهنة ، وأن الصحافة ليس ملك الصحفيين وحدهم وإنما هي ملك الجميع, وبات المطلوب اليوم من كل المعنيين من أحزاب ومنظمات جماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني التضافر لتطوير وتحسين الوضع الصحفي , حيث يجب أن لا يظل الصحفي يعيش في معاناة مع فرض عليه الإملاءات السياسية وبات من المهم التحرر من أي قيود سياسية تمارس علي وسائل الاعلام الفلسطينية سواء الحزبية او الحكومية .

أن تطوير قانون الصحافة والمطبوعات يعد من أهم القوانين في السلطة الوطنية الفلسطينية ويعبر عن حق ورغبة مجتمعية في ايجاد رؤية وطنية ووحدوية لتفعيل المجتمع وبناء مؤسسات اعلامية قادرة علي توفير جو ديمقراطي .

إن المجتمع بمختلف فئاته وإشكاله الثقافية مطلوب منه اليوم المشاركة في صياغة وتطوير قانون الصحافة والمطبوعات لضمان حرية التعبير وحرية عمل الصحفي بعيدا عن القيود وبعيدا عن الانقسام ونتائجه وعلى أساس أن تكون مهنة الصحافة هي مهنة البحث عن الحقيقة والعدالة وتقريبها للمواطن وتكون فعلاً هي السلطة الرابعة ومن اجل أن تقوم وسائل الإعلام بدورها التنموي في ترسيخ العملية الديمقراطية والإسهام في الوحدة الوطنية وحماية شعبنا الفلسطيني العظيم يجب أن تكون حرة وأن تعمل بصورة مهنية وفاعلة.

ان حرية الصحافة وتعديل القانون مهمة جداً لتطوير المجتمع المدني حيث إن هناك مواد في قانون الصحافة الفلسطينية وطبيعة الاجراءات لا تنسجم مع القانون الدولي، وإن حرية الصحافة يجب أن يتضمنها القانون وان يتوقف ممارسة أي ضغط علي وسائل الاعلام الفلسطينية لتواكب التطور التقني والأعلام الالكتروني الفلسطيني الذي شهد نقلة نوعية في السنوات الخمس الماضية ..

أن تقييد حرية الصحافة لا يكون مشروعاً إلا في إطار القانون ويحدد لغرض ولهدف مشروع وأن يكون موجهاً لتحقيق هذا الهدف من خلال التعبير عن رغبة الجماهير وحريتها وتجربتها الوطنية ليس في نظاق السلطة بل الحرص علي التوجه الوطني العام وصياغة الكينونة الفلسطينية والحفاظ علي اخلاقيات المهنة وصولا الي قانون يعبر عن اماني وتطلعات الجماهير الفلسطينية .

ولابد لقانون المطبوعات الفلسطيني أن يتسم بالوضوح والدقة وينبغي أن يتلاشي الغموض حتى يتمكن الآخرين من فهمه وترجمته عمليا علي ارض الواقع حيث يضمن احترام سمعة الآخرين وحماية الأمن القومي والنظام العام والثقافة والأخلاق .

إن حرية الصحافة لها خمسة جوانب هامة ينبغي أن يتمتع بهذا الحق كل الأشخاص وفي مقدمتهم الاعلاميين دون تمييز وأن يحصل على حرية الحصول على المعلومة أو إرسالها أو استقبالها وأن يعبر عنها بأي وسيلة كانت حيث إن حرية الصحافة هي القاعدة والقيود هي الاستثناء وينبغي أن يتم ذلك في إطار القانون.

وهنا نوضح بان هذه الرؤيا باتت في غاية الاهمية لضمان بناء مؤسسات اعلامية فلسطينية بعيدا عن الحزبية وقيود السلطة ومن اجل مصلحة الوطن والشعب الفلسطيني وممارسة الاعلام الحر بشكل مهني وتقني وحيادي يحمل في جوانبه عناصر الصدق والمصداقية بعيدا عن الاستغلال والسلطة والتسلط ..

رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق