لا يمر يوم على الفلسطينيين إلا ويحمل معه ذكرى أليمة يفوح منها عبق الدم المسفوك على الأرض الذي يكافح شعبها من اجل الحرية والاستقلال، مئات الآلاف من الشهداء والجرحى دفعوا ضريبة الأرض عن طيب خاطر، أسماء بعضهم محفورة في الذاكرة الفلسطينية والعربية ومنهم من توحدوا في الأرض لتتحقق جدلية الأرض والإنسان، لدرجة انك عندما تتحدث عن الأرض التراب والتاريخ فأنت تستحضر الشهداء الأرض والأرض الشهداء.
ليست هي الحلقة المفقودة بالنسبة للذين عاشوا فلسطين وعاشتهم، فهم يدركون تلك المعادلة الغير صعبة، إلا وهي الأرض بكل ما تعنيه من تكامل لا يقبل القسمة إلا على واحد رغم وعورة وادي الموت الذي مشى فيه الشعب كل الشعب، ولا يمكن أن ندعي أن لليوم ارض يطل علينا في آذار وإنما هذا اليوم يختصر كل ما يمكن آن يقال عن أرضنا الشهداء وشهدائنا الأرض لما له من رائحة مميزة تختلف عن كل الأيام.
قد لا نولي أهمية ليوم الأرض كما في سابق السنوات وهذا يعود لأسباب نعيش نتائجها، لكن يوم الأرض هو الثابت ونحن المتغير، يأتنا رغما عنا ليذكرنا بنصف التفاحة الأخر الذي صمد في ارض البرتقال الحزين وبقي ممسك على الجمر والهوية ولم يتعرض للتعرية بفعل المتغيرات السياسية التي عصفت بالمنطقة.
نحن فلسطينيون أب عن جد، بقينا هنا لنحرس شوارعها، وفي كل يوم يقف بعضنا على كرملها ويلقي تحية الصباح على بحرها الذي لا زال يحمل ذات الرائحة، أمواجه تأتيك حاملة معها الذي كان يغمرك بالسكينة وببعض الذكريات وحكايات سمعتها عن الذين كانوا هنا وتوحدوا بزبدها الذي لن يذهب هباء.
جاء يوم الأرض، وحمل معه من هناك بعضاً من رائحتها، خليط من الزعتر والحنون وحكايات من عاش هناك ومن لا زال يمسك الشراع، يبشرك بالانبعاث القادم شقائق نعمان تزين ما تبقى من تلالها، في هذا اليوم تركع الطبيعة والجغرافيا أمام التاريخ ويخرجون عليك من حيفا ويافا والناصرة وبيسان شقائق نعمان لطالما ميزت وطننا فلسطين التي تنفرد بهذه الأعجوبة التي تمزج بين الإنسان والأرض، مزيج يتجاوز الحواجز وينادي في الناس الشهداء يعودون في آذار شقائق نعمان.
لان الثابت هي الأرض ونحن المتغير لا يمكن اجتثاث الذي كان حتى لو أغمضنا أعيننا، فهناك الأهل في الأرض المحتلة الذين يلبون نداء الأرض ليس في يومها فقط ويقفون في وجه محاولات تزوير التاريخ وسرقة الحكاية وروايات من سبقونا، يتسابقون لدرء المخاطر عن المسجد الأقصى بعشرات الآلاف ويضعوننا أمام الاستحقاق، يذكروننا بان الأرض لا تخضع للديماغوجيا السياسية ولا للتقاسم، يقولون لنا لا زلتم على الجيل فعلى ماذا تتقاتلون؟
في يوم الأرض الخالد الذي استهدف فيه الصهاينة الجليل الفلسطيني المحتل وصادروا الآلاف الدونمات الذي دفع بشعبنا في الأراضي المحتلة عام 1948 للوقوف في وجه العنصرية ليسقط الشهداء من سخنين وكفر كنا وعرابه والبطوف ليتوحد شلال الدم الفلسطيني في كل فلسطين وتهدم الحواجز والحدود ما بين الأرض المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة والذين شردوا في أصقاع الأرض.
لماذا يوم الأرض خالد فينا؟ لأنة اسقط الرهانات الصهيونية التي هدفت تقسيم شعبنا الفلسطيني، ولان فلسطين وحدتنا بالدم والحكاية التي لا زالت محفورة في عقول من راهنوا أنهم سينسون المجزرة، جمع من جديد بين الجليل وغزة والناصرة بيت لحم، هو يوم الأرض الذي لبى خلاله مخيم جنين النداء لينتصر لشفا عمر، فلسطينيون نحن كما كنا وزلنا في يوم الأرض أينما كنا نخرج للعالم رافعين الصوت إنا هنا باقون رغم العنصرية وسياسة التهجير وما يسمى بالمفاوضات التي تستهدف أرضنا التي هجرنا منها.
اليوم ينصهر البعد التاريخي لقضيتنا بالبعد السياسي، واليوم تذوب التقسيمات التي حاولوا رسمها على أرضنا، شعبُ واحد في الضفة وغزة والأراضي المحتلة، في لبنان وسوريا والأردن وكل مواقع الشتات، هي ضريبة الدم المسفوك على أرضها لتتعانق كنسية المهد وكنيسة البشارة، ولتصدح أجراس القيامة تبشر الأقصى بان الخلاص قادم، وان الذين دمائهم في أعناقنا لم يتحولوا إلى صدى بل هم التراب والإنسان والحلم، تلك هي الأبجدية الخالدة التي نسجت من عذابات الفلسطينيين الذين يقيمون في أحضانها شهداء وهناك من ينتظر اللقاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق