من أغرب ما وصلني من رسائل على "إيميلي" رسالة من أحد مؤيدي الأسد الصغير ومحبيه حتى الثمالة، وقد أطفأ سراج عقله وألغى صفحة فكره، ويقول في بداية رسالته: (بشار.. الله.. بوتين وبس) ثم يسرد في رسالته قصة هي أقرب إلى الخيال من الحقيقة، وضرباً من الأساطير التي كم سمعنا جدتنا تحكيها لنا في بعض ليالي الشتاء ونحن نتحلق حولها بالقرب من المدفأة.
يقول هذا المتيم بسفاح بلدي وقاتل أهلي ومنتهك مقدساتي وحرماتي، ومهدم مدني وبلداتي وقراي، وناهب أموالي ومحاصيل زرعي وكنوز أرضي:
"مساكين أولئك الذين لا يحبون القائد بشار الأسد ويتظاهرون يريدون رحيله، وهذا من سابع المستحيلات، وما عرفوا أن الأسد تسنده دولة عظمى رئيسها سوري الأصل وله صلة قرابة بالرئيس الأسد".
ويسرد هذا المحب.. الأعمى البصيرة.. المسلوب العقل.. الفاقد لحس الإنسانية، قصة الرئيس الروسي الذي يدعي أنه سوري الأصل، ويحلف على ذلك بالأيمان المغلظة دون أن يسأله أحد عن صدق ما يدعيه، وحلفه لهذه الأيمان المغلظة دليل على كذب روايته وما يدعيه، يقول هذا المحبكجي:
"فلاديمير بوتين سوري الأصل، وجده الخامس سوري من أهل الساحل العظيم واسمه علي، وكان مشهوراً بحبه لفاكهة التين، وقد أطلق عليه سكان منطقته لقب (أبو التين)، وقد هاجر إلى روسيا وانضم إلى ثورة لينين وأصبح أحد المقربين منه. ومن هنا جاء اسم (بوتين) الذي حافظت عليه الأسرة من الجد إلى الحفيد في تواصل مستمر حتى وصل إلى (فلاديمير بوتين) الحالي، الذي فاز برئاسة روسيا الاتحادية عن جدارة للمرة الثالثة. ولدى مراجعة شجرة عائلة الأسد وجد أن بوتين يلتقي مع الأسد عند الجد السادس، وبالتالي فإن عائلة بوتين ترتبط بعائلة الأسد بأواصر القرابة، (ونسي هذا المغفل أن عائلة الأسد منبتة عند الجد سليمان الذي جاء إلى الساحل السوري من فارس أيام الانتداب الفرنسي، وحل ضيفاً غير مرحب به عند أبناء المنطقة لغلاظته وخشونته وقد لقبوه بالوحش، والذي كان قريباً من الفرنسيين وعيناً لهم على الثوار في المنطقة، وكرموه لتعاونه معهم بتبديل كنيته من وحش إلى أسد، كما جاء في كتاب باترك سيل - الأسد) وقد أقر بوتين بهذه القرابة – على زعم الراوي صاحب الرسالة - واعتبرها مثار افتخار وزهو واعتزاز، ومن هنا فإن بوتين لن يتخلى عن قريبه بشار الأسد مهما كلف الثمن، وسيحميه ويسنده ويقدم له الحماية في كل المحافل الدولية، ويقدم له كل أشكال الدعم العسكري، حتى يخرج من هذه الأزمة منتصراً ويهزم مجموعات العصابات المسلحة التي تسعى لإسقاطه".
ثم يقدم هذا المحب نصيحة للشعب السوري "بأن يكف هؤلاء المتظاهرون عن الخروج إلى الشوارع ويعودوا إلى بيوتهم ويقبلوا بما أصدر بشار من قوانين ومراسيم إصلاحية، لأنهم لن يحصدوا من تظاهراتهم إلا الموت والدمار وسحق جنازير دبابات بوتين ورصاص وصواريخ ابن عمه بشار".
ضحكت طويلاً وأنا اقرأ هذه القصة التي لم يوفق هذا الشبيح بحبكها بصورة جيدة، واستذكرت النكتة المضحكة التي أطلقها طاغية ليبيا المقبور معمر القذافي عندما ادعى أن الأديب البريطاني وليم شكسبير أصله عربي ليبي ينتسب إلى أسرة الشيخ زبير.
هم هكذا كل الطغاة والمستبدين يربطون مصالحهم بمصالح الأجانب مستغفلين شعوبهم، لظنهم أن الارتهان للأجنبي أقل كلفة من الارتهان إلى الشعوب، وعندما تثور شعوبهم عليهم لا يجدوا من حليف أو منقذ إلا الأجانب الذين رهنوا أنفسهم وبلادهم إليهم، يستمدون منهم القوة والعون في محاربة شعوبهم، بهدف البقاء في كرسي الحكم مهما تناثر حوله من جماجم وسالت تحته من دماء، ولم يتعظ هؤلاء مما حاق بمن سبقهم وما آلت إليه حالهم وقد عميت أبصارهم وتبلدت أحاسيسهم وفقدت إنسانيتهم، فلم يعد هؤلاء يروا إلا كرسي الحكم يتشبثون به تشبث الغريق بطوق النجاة، فحياتهم مرهونة بالكرسي وفقدانه يعني فقدانهم للحياة، ومن هنا فإنهم – كما نراهم – يقدمون على أعمال بربرية ووحشية، ويرتكبون من الفظائع والمبقات والجرائم ما لم يسبقهم إليها أحد، مطفئين سراج عقلهم دون إعمال العقل وقد فقدوه في لحظة جنونهم الهستيري، وما عرفوا أن الشعوب لا تقهر ولا تهزم مهما كانت سطوة الحاكم وقوته وجبروته، وتلك حقيقة تؤكدها نواميس الحياة ودروس التاريخ القريب منها والبعيد، ولن ينفع فلادمير بوتين بشار إلا كما نفع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر رضا شاه بهلوي، وإذا ما نجح بوتين في إنقاذ بشار فلن يكون إلا كإنقاذ هتلر لموسوليني الذي كانت نهايته شنقاً معلقاً من قدميه!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق