مضى 45 عاماً على حرب العام 1967 واحتلال إسرائيل لأراضي ثلاث دول عربية إضافةً للقدس الشريف المفترض أنّها عاصمة الدولة الفلسطينية. ومضى 30 عاماً على ذكرى الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية واحتلال العاصمة بيروت بعد حصارها وقصفها لأشهرٍ طويلة.
وتأتي هذه المناسبات والعرب عموماً في حال انشغالٍ بعيدٍ كلَّ البعد عن الصراع مع إسرائيل ومستلزماته الوطنية والقومية. بل حتّى الجانب الفلسطيني من هذا الصراع أصبح مهمّشاً عربياً ودولياً بينما القوى الفلسطينية المعنيّة بقيادة الشعب الفلسطيني مشغولة هي أيضاً بصراعات السلطة ومواقع النفوذ على الأرض الفلسطينية المحتلّة أصلاً.
الآن، هناك قوًى لبنانية تدعو إلى ضمان الهدوء على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل وترفض أيَّ توتّرٍ هناك، بينما يعمل بعض هذه القوى على توتير الحدود الشمالية مع سوريا بحجّة مساندة الحراك الشعبي السوري.
وهناك قوًى سياسية سورية تدين المقاومة اللبنانية وترفع شعاراتٍ ضدّها بينما تحتفل هذه المقاومة بالذكرى 12 لتحريرها لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.. وبينما يتحدّث مسؤولون إسرائيليون عن أملهم الكبير ببعض الثورات العربية "التي لم تعد تتظاهر ضدّ إسرائيل، بل ضدّ حكوماتها فقط".
الآن تضغط الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة من أجل تحرّكٍ دولي في قضايا داخلية عربية، بينما رفضت إسرائيل والإدارة الأميركية التصويت على إعلان الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصّران على عزل الملف الفلسطيني عن مرجعيته الدولية وعن مجلس الأمن.
الآن هناك خوفٌ إسرائيلي من خروج مصر تدريجياً من التزامات المعاهدة المصرية/الإسرائيلية، بعدما فشلت إسرائيل سابقاً في كسر إرادة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. لكن المراهنة الإسرائيلية هي على تعويض خسارة نظام مبارك من خلال محاصرة مصر بأزماتٍ عربية تخضع الآن لحالٍ من التدويل والتقسيم، وبتحويل ما يحصل فيها من انتفاضاتٍ شعبية إلى حروبٍ أهلية داخلية. فالسودان على جنوب مصر يشهد معاناة التقسيم والتدويل معاً، وكذلك يسير الآن الواقع الليبي على غرب مصر إلى حالٍ من الصراعات الداخلية بعد تدويل معركة إسقاط النظام السابق، بينما اليمن، باب البحر الأحمر، مهدّدٌ بمستقبلٍ مجهول. أمّا "الجبهة الشرقية" لمصر فهي أرض وساحة التدخّل والحروب الإسرائيلية طيلة العقود الماضية التي استتبعت المعاهدة المصرية مع إسرائيل. فمنذ اجتياح إسرائيل للبنان عام 1978 ثمّ احتلال عاصمته في العام 1982 وصولاً إلى الحرب على غزّة في نهاية العام 2008، وإسرائيل تقود حروباً مدمّرة من أجل دفع سوريا ولبنان والمقاومة الفلسطينية إلى ما توصلّت إليه من معاهدات مع مصر السادات ومع الأردن. والغايات الإسرائيلية كانت، وما تزال، تعتمد على إثارة حروبٍ أهلية لدى (وبين) الأطراف الفلسطينية واللبنانية والسورية، إضافةً إلى الهدف الذي تحقّق بتدمير مؤسسات الدولة العراقية وزرع بذور الفتنة والتقسيم بين ربوع شعبه وأرضه.
إنّ إسرائيل تراهن (كما قال نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي) على متغيّراتٍ عربية لصالحها، تراهن على "دويلات" عربية جديدة من داخل "الأمَّة العربية" المنقسمة.. لا على إعلان دولة فلسطينيّة من على منبر "الأمم المتحدة".. تراهن على بقاء مصر منشغلة في همومها الداخلية وبتحويل هذه الهموم إلى صراعاتٍ مفتوحة زمنياً.
إنّ الدور المصري في المنطقة هو دائماً حاضر، لكنّه إمّا دورٌ إيجابيٌّ فاعل أو دورٌ سلبيٌّ قاتل. الأمل طبعاً أن تُسفِر التطورات الحالية في مصر عن عودة دور مصر الإيجابي الطليعي في أمّتها العربية.
فمصر الآن أمام مرحلةٍ انتقالية نأمل فعلاً أن تصل إلى بناءٍ ديمقراطيٍّ سليم، لا تقتصر فيه الديمقراطية على حقّ "تعبير الشعب عن نفسه بالشكوى فقط، بل ترقى لإزالة الأسباب التي جعلته أساساً يشكو". كذلك، حينما تصبح مصر محكومةً من نفسها وبنفسها فلا خوف عندئذٍ على سياستها الخارجية. فالشعب المصري البطل رفض كل حالات التطبيع مع إسرائيل رغم التشجيع الرسمي له في حقبتيْ السادات ومبارك. وحينما يحكم هذا الشعب العظيم نفسه فإنّه يعرف من هو شقيقه أو صديقه ومن هو خصمه أو عدوّه. وسيصادق من يصادقه ويعادي من يعاديه، وسيحرص على دور القاهرة وفق انتماء مصر لدوائرها المتعدّدة ولهويّتها العربية الواحدة.
وستحاول قوًى كثيرة، داخل مصر وخارجها، أن "تستوعب" هذه الثورة وإنجازاتها أو أن تجعلها كزهرة جميلة مصطنعة لكن لا جذور وطنية مصرية وعربية لها. ستحاول هذه القوى توصيف هذه الثورة وكأنّها ثورةٌ على ماضي مصر الوطني والعربي حتّى تبقى السياسة الخارجية لمصر كما كانت في العهد الساداتي/المباركي، وتنحصر إنجازات الثورة في بعض الإصلاحات الدستورية والاقتصادية فقط.
وصحيحٌ أنّ الانتفاضات الشعبية العربية قد كسرت جدار الخوف السميك الذي أقامته أنظمة عربية في مصر وفي جناحي الأمَّة بالمشرق والمغرب، لكن يبدو أنّ الحراك الشعبي العربي الجارف يحدث أيضاً دون وضوحٍ فكري أو ضوابط في الأساليب. ربما ذلك ما شجّع قوى خارجية عديدة على محاولات توظيف أو تحريف مسار وأهداف الحراك الشعبي العربي أينما حدث.
إنّ ممارسات بعض قوى المعارضة العربية لم تختلف عن أساليب الحكومات التي ينتفض الشعب ضدها. كذلك فإنّ ما حدث في ليبيا، وما يحدث الآن في سوريا، يضع علامات استفهامٍ كبيرة عن دور الخارج في تحريف التغيير المحلي المنشود، كما يُظهر أيضاً الفارق الكبير مع ما حدث في تونس ومصر من تغييرٍ سلمي شمل عامّة الناس، رغم العنف الذي مارسته السلطات آنذاك بحقّ المتظاهرين السلميين.
هي مراهنةٌ خطيرة جداً في المجتمعات العربية أن يحدث التغيير بواسطة التحرّك الشعبي المسلّح لأنّ النتيجة ستكون حروباً أهلية وتفتيت كيانات لا إسقاط أنظمةٍ فقط. كذلك هي مراهنة خاطئة أيضاً ومميتة أحياناً عندما تُمارس الحكومات العنف الدموي القاسي ضدّ قطاعاتٍ من شعبها، حتّى لو كان وسط هذه القطاعات مندسّون وإرهابيون. فالعنف المسلّح الداخلي (مهما كان مصدره) يُولّد مزيداً من الأزمات الأمنية والسياسية، ولم ينجح في أيِّ مكان بتحقيق مجتمعاتٍ موحّدة مستقرّة.
فمن المفهوم استخدام العنف المسلح في مواجهة اعتداءٍ خارجي، أو من أجل تحرير أرضٍ محتلة، لكن لا يجوز ولا ينفع هذا الأسلوب في تحقيق تغيير سياسي أو في الحفاظ على نظام سياسي. فالخطأ من جهة لا يبرّر الخطأ من الجهة الأخرى، والخطأ زائد خطأ لن يعادل صحّاً. فلا خلاف في البلاد العربية على أهمّية وضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي.. لكن الخلاف هو على الوسائل الممكنة لتحقيقه. فالإصلاح الشامل المطلوب يحتاج إلى ضغوطٍ سياسية وشعبية تراكمية وتكاملية لا إلى عملية انقلابية محدودة ضدّ أشخاصٍ فقط.. ووسيلته الناجعة هي الحركة السلمية المتواصلة مهما كانت درجة عنف السلطات، فأسلوب القوّة والعنف المسلح، من قبل الحاكمين أو المحكومين، وبوجود مشاريع إقليمية ودولية مستفيدة منه أو متصارعة حوله، سيكون هو شرارة إشعال الأوطان التي قد تصل بها إلى الحروب الأهلية المدمّرة للجميع.
نعم هناك ضرورة قصوى للإصلاح والتغيير في عموم المنطقة العربية ولوقف حال الاستبداد والفساد السائد فيها، لكن السؤال هو كيف، وما ضمانات البديل الأفضل، وما هي مواصفاته وهويّته؟! فليس المطلوب أن نكسب الآليات الديمقراطية في الحكم بينما نخسر وحدة الأوطان أو نخضعها من جديد للهيمنة الأجنبية، إذ لا يمكن الفصل في المنطقة العربية بين هدف الديمقراطية وبين مسائل الوحدة الوطنية والتحرّر الوطني والهويّة العربية.
إنّ الثورات والانتفاضات العربية حالياً ظواهر مشرقة واعدة بغدٍ أفضل يضع حدّاً لأنظمة الفساد والاستبداد، لكن النور الساطع لهذه "المتغيّرات" الحاصلة لا ينبغي أن يحجب ما يستمرّ "ثابتاً" في المنطقة من خطر الاحتلال الإسرائيلي، بل والتدخّل الإسرائيلي غير المباشر في تداعيات أحداث المنطقة، إضافةً إلى محاولات تكريس الهيمنة الأجنبية على عدّة بلدانٍ عربية، وفي ظلّ أجواء طائفية ومذهبية تنخر الجسم العربي وتهدّد وحدة أوطانه، وتُسهّل السيطرة الخارجية عليه.
وتأتي هذه المناسبات والعرب عموماً في حال انشغالٍ بعيدٍ كلَّ البعد عن الصراع مع إسرائيل ومستلزماته الوطنية والقومية. بل حتّى الجانب الفلسطيني من هذا الصراع أصبح مهمّشاً عربياً ودولياً بينما القوى الفلسطينية المعنيّة بقيادة الشعب الفلسطيني مشغولة هي أيضاً بصراعات السلطة ومواقع النفوذ على الأرض الفلسطينية المحتلّة أصلاً.
الآن، هناك قوًى لبنانية تدعو إلى ضمان الهدوء على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل وترفض أيَّ توتّرٍ هناك، بينما يعمل بعض هذه القوى على توتير الحدود الشمالية مع سوريا بحجّة مساندة الحراك الشعبي السوري.
وهناك قوًى سياسية سورية تدين المقاومة اللبنانية وترفع شعاراتٍ ضدّها بينما تحتفل هذه المقاومة بالذكرى 12 لتحريرها لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.. وبينما يتحدّث مسؤولون إسرائيليون عن أملهم الكبير ببعض الثورات العربية "التي لم تعد تتظاهر ضدّ إسرائيل، بل ضدّ حكوماتها فقط".
الآن تضغط الولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة من أجل تحرّكٍ دولي في قضايا داخلية عربية، بينما رفضت إسرائيل والإدارة الأميركية التصويت على إعلان الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصّران على عزل الملف الفلسطيني عن مرجعيته الدولية وعن مجلس الأمن.
الآن هناك خوفٌ إسرائيلي من خروج مصر تدريجياً من التزامات المعاهدة المصرية/الإسرائيلية، بعدما فشلت إسرائيل سابقاً في كسر إرادة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. لكن المراهنة الإسرائيلية هي على تعويض خسارة نظام مبارك من خلال محاصرة مصر بأزماتٍ عربية تخضع الآن لحالٍ من التدويل والتقسيم، وبتحويل ما يحصل فيها من انتفاضاتٍ شعبية إلى حروبٍ أهلية داخلية. فالسودان على جنوب مصر يشهد معاناة التقسيم والتدويل معاً، وكذلك يسير الآن الواقع الليبي على غرب مصر إلى حالٍ من الصراعات الداخلية بعد تدويل معركة إسقاط النظام السابق، بينما اليمن، باب البحر الأحمر، مهدّدٌ بمستقبلٍ مجهول. أمّا "الجبهة الشرقية" لمصر فهي أرض وساحة التدخّل والحروب الإسرائيلية طيلة العقود الماضية التي استتبعت المعاهدة المصرية مع إسرائيل. فمنذ اجتياح إسرائيل للبنان عام 1978 ثمّ احتلال عاصمته في العام 1982 وصولاً إلى الحرب على غزّة في نهاية العام 2008، وإسرائيل تقود حروباً مدمّرة من أجل دفع سوريا ولبنان والمقاومة الفلسطينية إلى ما توصلّت إليه من معاهدات مع مصر السادات ومع الأردن. والغايات الإسرائيلية كانت، وما تزال، تعتمد على إثارة حروبٍ أهلية لدى (وبين) الأطراف الفلسطينية واللبنانية والسورية، إضافةً إلى الهدف الذي تحقّق بتدمير مؤسسات الدولة العراقية وزرع بذور الفتنة والتقسيم بين ربوع شعبه وأرضه.
إنّ إسرائيل تراهن (كما قال نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي) على متغيّراتٍ عربية لصالحها، تراهن على "دويلات" عربية جديدة من داخل "الأمَّة العربية" المنقسمة.. لا على إعلان دولة فلسطينيّة من على منبر "الأمم المتحدة".. تراهن على بقاء مصر منشغلة في همومها الداخلية وبتحويل هذه الهموم إلى صراعاتٍ مفتوحة زمنياً.
إنّ الدور المصري في المنطقة هو دائماً حاضر، لكنّه إمّا دورٌ إيجابيٌّ فاعل أو دورٌ سلبيٌّ قاتل. الأمل طبعاً أن تُسفِر التطورات الحالية في مصر عن عودة دور مصر الإيجابي الطليعي في أمّتها العربية.
فمصر الآن أمام مرحلةٍ انتقالية نأمل فعلاً أن تصل إلى بناءٍ ديمقراطيٍّ سليم، لا تقتصر فيه الديمقراطية على حقّ "تعبير الشعب عن نفسه بالشكوى فقط، بل ترقى لإزالة الأسباب التي جعلته أساساً يشكو". كذلك، حينما تصبح مصر محكومةً من نفسها وبنفسها فلا خوف عندئذٍ على سياستها الخارجية. فالشعب المصري البطل رفض كل حالات التطبيع مع إسرائيل رغم التشجيع الرسمي له في حقبتيْ السادات ومبارك. وحينما يحكم هذا الشعب العظيم نفسه فإنّه يعرف من هو شقيقه أو صديقه ومن هو خصمه أو عدوّه. وسيصادق من يصادقه ويعادي من يعاديه، وسيحرص على دور القاهرة وفق انتماء مصر لدوائرها المتعدّدة ولهويّتها العربية الواحدة.
وستحاول قوًى كثيرة، داخل مصر وخارجها، أن "تستوعب" هذه الثورة وإنجازاتها أو أن تجعلها كزهرة جميلة مصطنعة لكن لا جذور وطنية مصرية وعربية لها. ستحاول هذه القوى توصيف هذه الثورة وكأنّها ثورةٌ على ماضي مصر الوطني والعربي حتّى تبقى السياسة الخارجية لمصر كما كانت في العهد الساداتي/المباركي، وتنحصر إنجازات الثورة في بعض الإصلاحات الدستورية والاقتصادية فقط.
وصحيحٌ أنّ الانتفاضات الشعبية العربية قد كسرت جدار الخوف السميك الذي أقامته أنظمة عربية في مصر وفي جناحي الأمَّة بالمشرق والمغرب، لكن يبدو أنّ الحراك الشعبي العربي الجارف يحدث أيضاً دون وضوحٍ فكري أو ضوابط في الأساليب. ربما ذلك ما شجّع قوى خارجية عديدة على محاولات توظيف أو تحريف مسار وأهداف الحراك الشعبي العربي أينما حدث.
إنّ ممارسات بعض قوى المعارضة العربية لم تختلف عن أساليب الحكومات التي ينتفض الشعب ضدها. كذلك فإنّ ما حدث في ليبيا، وما يحدث الآن في سوريا، يضع علامات استفهامٍ كبيرة عن دور الخارج في تحريف التغيير المحلي المنشود، كما يُظهر أيضاً الفارق الكبير مع ما حدث في تونس ومصر من تغييرٍ سلمي شمل عامّة الناس، رغم العنف الذي مارسته السلطات آنذاك بحقّ المتظاهرين السلميين.
هي مراهنةٌ خطيرة جداً في المجتمعات العربية أن يحدث التغيير بواسطة التحرّك الشعبي المسلّح لأنّ النتيجة ستكون حروباً أهلية وتفتيت كيانات لا إسقاط أنظمةٍ فقط. كذلك هي مراهنة خاطئة أيضاً ومميتة أحياناً عندما تُمارس الحكومات العنف الدموي القاسي ضدّ قطاعاتٍ من شعبها، حتّى لو كان وسط هذه القطاعات مندسّون وإرهابيون. فالعنف المسلّح الداخلي (مهما كان مصدره) يُولّد مزيداً من الأزمات الأمنية والسياسية، ولم ينجح في أيِّ مكان بتحقيق مجتمعاتٍ موحّدة مستقرّة.
فمن المفهوم استخدام العنف المسلح في مواجهة اعتداءٍ خارجي، أو من أجل تحرير أرضٍ محتلة، لكن لا يجوز ولا ينفع هذا الأسلوب في تحقيق تغيير سياسي أو في الحفاظ على نظام سياسي. فالخطأ من جهة لا يبرّر الخطأ من الجهة الأخرى، والخطأ زائد خطأ لن يعادل صحّاً. فلا خلاف في البلاد العربية على أهمّية وضرورة الإصلاح السياسي والاجتماعي.. لكن الخلاف هو على الوسائل الممكنة لتحقيقه. فالإصلاح الشامل المطلوب يحتاج إلى ضغوطٍ سياسية وشعبية تراكمية وتكاملية لا إلى عملية انقلابية محدودة ضدّ أشخاصٍ فقط.. ووسيلته الناجعة هي الحركة السلمية المتواصلة مهما كانت درجة عنف السلطات، فأسلوب القوّة والعنف المسلح، من قبل الحاكمين أو المحكومين، وبوجود مشاريع إقليمية ودولية مستفيدة منه أو متصارعة حوله، سيكون هو شرارة إشعال الأوطان التي قد تصل بها إلى الحروب الأهلية المدمّرة للجميع.
نعم هناك ضرورة قصوى للإصلاح والتغيير في عموم المنطقة العربية ولوقف حال الاستبداد والفساد السائد فيها، لكن السؤال هو كيف، وما ضمانات البديل الأفضل، وما هي مواصفاته وهويّته؟! فليس المطلوب أن نكسب الآليات الديمقراطية في الحكم بينما نخسر وحدة الأوطان أو نخضعها من جديد للهيمنة الأجنبية، إذ لا يمكن الفصل في المنطقة العربية بين هدف الديمقراطية وبين مسائل الوحدة الوطنية والتحرّر الوطني والهويّة العربية.
إنّ الثورات والانتفاضات العربية حالياً ظواهر مشرقة واعدة بغدٍ أفضل يضع حدّاً لأنظمة الفساد والاستبداد، لكن النور الساطع لهذه "المتغيّرات" الحاصلة لا ينبغي أن يحجب ما يستمرّ "ثابتاً" في المنطقة من خطر الاحتلال الإسرائيلي، بل والتدخّل الإسرائيلي غير المباشر في تداعيات أحداث المنطقة، إضافةً إلى محاولات تكريس الهيمنة الأجنبية على عدّة بلدانٍ عربية، وفي ظلّ أجواء طائفية ومذهبية تنخر الجسم العربي وتهدّد وحدة أوطانه، وتُسهّل السيطرة الخارجية عليه.
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com
Sobhi@alhewar.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق