مخــاوف الأقبــاط/ مهندس عزمي إبراهيـم

سأبدأ مقالي بإدراج حقائق لا يختلف في صحتها أو واقعيتها قبطي أو مسلم.
الحقائق الواقعة ضد الأقباط في مصر والمتزايدة بشكل مضطرد متسارع مع قدوم وتزايد الإسلاميين وتزايد نفوذهم في شوارع مصر وفي حكم مصر، خاصة بعد 25 يناير 2011، وبالأكثر بعد فوز الأخوان المسلمين بالحكم وانتعاش شقيقاتها وتفريعاتها الإرهابية والمتطرفة لدرجة ملحوظة ملموسة. هذه الحقائق لن ينكرها مسلم ولا مسيحي.
مخاوف الأقباط مخاوف مُسَبَّبّة واقعية ملموسة يشعرها، بل يعيشها، كل قبطي داخل مصر وخارجها. وهذه حقيقة أيضاً لا ينكرها أي مسيحي، ولا ينكرها مسلم لديه ذرة من ضمير أو دين أو شعور إنساني أو تقديس لله خالق الكل.
طرَحَ أو اقترح أفراد أو مجموعة من بعض أقباط المهجر حلاً قاسياً لمخاوف أو مشاكل الأقباط، وهو فكرة تقسيم أرض مصر. ولا أقول أنه حل عمليّ أو غير عمليّ ولا أقول أني أوافق عليه أو أعارضه. ولكنه حل كريه بغيض سأنظر إليه أنه مجرد اقتراح يؤيده البعض وتعارضه الأغلبية من الأقباط لأن الفكرة كما قلت قاسية وطنياً حيث تدعو لتمزيق الوطن، وطن الأجداد وأجداد الأجداد، علاوة على أنها تقتل الأمل في إمكانية التعايش مستقبلا مع المسلمين أخوتنا في الوطن مثلما عشنا في الماضي قروناً. وطبعاَ يعارض المسلمون الفكرة شكلاً!!
وأكرر شكلاً!!! فغالبية المسلمين المتطرفين كلهم، وحتى بعض المعتدلين منهم يأملون في مصر "الإسلامية" البحتة، ويتمنون فناء أو إبادة الأقباط، أو على الأقل رحيلهم عن مصر. أجزم بذلك كحقيقة واضحة كالشمس لا ينكرها إلا أعمى. فهي وازع ديني لدى المتطرفين ويرونها كأمر من إلهَهم وكتابهم ورسولهم. وازع لا يمكننا نحن أن نتغاضى عن مدلوله. وهو هدف وسبيل متَّبع لديهم. وما على من ينكر ذلك مسيحي أو مسلم إلا أن ينظر في الماضي البعيد وكيف انتشر الإسلام بالسيف والدم لا بالدعوة، سواء داخل شبه الجزيرة أو خارجها بدءاً من غزو دول الجوار الأربعة مصر والشام والعراق وفارس ثم ما تبعهم من دول أخرى شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. وما على من ينكر ذلك أيضاً إلا أن ينظر إلى الحاضر لما وصلت إاليه اليمن وأفغانستان والصومال والسودان والسعودية وهي دول خلت من اليهود والمسيحيين وكانوا أصل البلاد. وحتى لبنان وسوريا ومصر والعراق وليبيا والجزائر وايران ونيجيريا وغيرها التي بها بقايا لا تذكر من غير المسلمين. ما عدا مصر التي بها نسبة ملموسة لفصيل الأقباط تقف شوطة في حلق المسلمين المتطرفين، ولا أقول كل المسلمين فهناك العاقلون المعتدلون منهم يعترفون بأننا الخميرة الطيبة في مصر وخيرة من فيها.
ولن أغوص بالقاريء في أعماق أربعة عشر قرن مضت.. بل سأسبح معك إلى النصف الأول من القرن العشرين حين وصل الشرق الإسلامي (كما يسمونه) إلى أزهى عصوره الحضرية قاطبة. حين كانت الشام وبالأخص لبنان سويسرا الشرق وكانت غالبيتها مسيحية، وحين كانت مصر درة الشرق وقائدته ثقافياً واقتصادياً وفنياً وأخلاقياً ودينياً، عندما كانت متوازنة الأديان بسماحة وتواطن بين مسلمين ومسيحيين ويهود وغيرهم، ومتجانسة مضيافة سمحاء لمواطنين شوام وسودانيين وأرمن وطلاينة ويونانيين وغيرهم. وحين كان الشرق عامة يحترم الأديان والأجناس، ويحكمُهم القانون وعدل القانون. ولا يُحكـَمُ بالدين في الشارع أو في دواوين الحكم ودساتير الدول. كانت غالبية الشرق مسلمين لا متأسلمين، وكان يقودهم علماء وأئمة دارسين متنورين لا شيوخ متطرفين وفقهاء ارتجاليين ودعاة جهلة متسلقين انتهازيين. وكان الإسلام حينئذ دين وسبيل للجنة وإرضاء الله، وليس سياسة وسبيل للسلطة وشهوات ومآرب شخصية وإرضاء داعية مغرض أو مرشد في قصر من عاج. وكان الإنسان المسلم حينئذ ينظر "للأمـــام" مرتفع الرأس بالعِلم والعمل مسايرا لمسيرة الحضارات، لا "للخلـــف" مفتخراً بلحية وزبيبة ومنشغلا بقميص وحجاب!!!
الأمر اليوم مختلف تماماً. فاضت حديثاً على دول الشرق عامة ومصر خاصة أمواج المتأسلمين المتطرفين ولعبوا بكل ورقة غش وزيف وخداع ورشاوي وتقية ولؤم وخبث وغسيل مخ وتعاقُد مشبوه مع الشيطان في الداخل والخارج من الشرق والغرب حتى اكتسبوا غالبية المسلمين، بسطاء أميين ومثقفين مهنيين. هؤلاء المتأسلمون المتطرفون صار لهم القول في تشكيل الحكم بمصر، وصار لهم كرسي الرئاسة بمصر، وصارت لهم الحرية في طبخ دستور مصر، وصارت في قبضتهم مفاصل التشريع والقضاء والتعليم والتوظيف وباقي أجهزة وحيويات الدولة، وصار لهم الصوت الأعلى بشوارع مصر... حقائق لا تنكر.
هؤلاء لا يؤمنون بالمشاركة والمواطنة والتعايش مع "الآخريــــن" ولو تظاهروا بغير ذلك، ولو رفعوا شعارات تصرخ بغير ذلك. حقيقة ومن يريد أن ينكرها ذلك فلينكر. لا مكان "للآخريـــن" مع المتطرفين بمصر. وحيث أنه لم يبق بمصر من "الآخريـــن" إلا "الأقبـــاط" فلا حياة كريمة متوقعة للأقبـاط "مع المسلمين المتطرفين". ولا أقول مع المسلمين عامة بل أكرر "مع المسلمين المتطرفين". هذا رغم أن الأقباط هم المصريون أصلاً ومعظم المتطرفين (لا كل المسلمين) وافدين عليها إن لم يكن جسدياً فعقلياً وعقائدياً، وربما هذه الحقيقة هي ما تدفع المتطرفين إلى زيادة عيار الحقد والضغط والعنف ضد الأقباط.
من يرقب ويزن تطورات الأمور بمصر بعين ثاقبة يدرك أن وضع الأقباط بها سيتفاقم، أي يسير إلى أسوأ مما هو عليه اليوم من سوء. حيث لم يُبدِ الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية حتى الآن أي بادرة لتغيير أو معارضة أو نقد لما جرى ويجري ضد الأقباط. كما لم يُبدِ أي اتجاه أو محاولة بشفافية لتحسين وضعهم كمواطنين أو السماع لشكاويهم أو اقرار العدل في قضاياهم. بل كل معالم مسيرته وقراراته حتى الآن تدل وتُنبئ وتُثبت اتجاهه قِدماً إلى وضعِ أسوأ للأقباط مما عاشوه في العصور السوابق.
فلنتذكر المجازر الوحشية والإبادات الجماعية التي قامت بها تركيا الاسلامية المتطرفة تجاه الملايين من مسيحييها. ولا يجب أن ننسى ما قامت به الحكومات العربية الاسلامية طوال قرون ضد أقباط مصر وكان تعداد الأقباط حينئذ أكثر منه اليوم نسبياً لتعداد المسلمين، ولكنهم كانوا الحكام المستعمرين المتطرفين. بل يجب أن نتذكر ما حدث من الحكومات المتطرفة في جنوب السودان ومجازر دارفور وغيرها حديثاً.
لن يتغير الأمر إلا بمعجزة... وأتمنى من  الله الا يكون قد أنهى زمن المعجزات.
ولن تأت المعجزة من ناحية الأقباط. فإن لم تأت المعجزة من المسلمين العاقلين المعتدلين المثقفين المؤمنين بدينهم وبعدالة القانون (وهي عدالة الله الحقة) وبسيادة وحرية الإنسان وبمدنية الدولة وباستقرار ورقي الوطن.. فقل على زمن المعجزات السلام.. وقل على أمان وسلامة الأقباط بمصر السلام!!
هذا هو المرتَجَى من جانب مسلمي مصر الأحرار، أن يروا النور من الظلام والعدل من الظلم إن أرادوا حقيقة رضاء الله رب النور والعدل والإنسانية. تقسيم مصر عمل كريه بغيض يؤلم كل مسيحي ومسلم يعشق هذا الوطن الحبيب. إن مصر ليس مجرد وطن نعيش فيه، إنه وطن يعيش فينا
أما المطلوب من جمعيات الأقباط والهيئات القبطية العديدة (العديدة العديدة) أن تتحد وتتوحد قيادة وهدفاً. أرجو قادتها ان كانت لهم المقدرة على تكوين تلك الهيئات والجماعات العديدة أن تكون لهم المقدرة على التوحيد بينها والتضحية لعدد أقل من القادة والفاعلين ليقودوا بتركيز وفاعلية أفضل.
كما أرجو أن يفتح قادة تلك الهيئات والجماعات عقولهم ويلجأوا إلى مخزون ذكائهم لكل مُقتـَرَح يُعرَض أو مُحتمل ويصلوا إلى خير حل لمخاوف الأقباط بأن يدرسوا كل البدائل والحلول الممكنة مهما بدت منحرفة أو متطرفة أو غير واقعية أو غير عملية أو قاسية أو بعيدة. فمن يري البعيد فهو بعيد النظر، أما من لا يرى إلا ما تحت قدميه فهو قصير النظر.
الأمر جد خطير. فأمامنا حقائق وبوادر ودلالات لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها أو التظاهر بعدم وجودها. غباء منا أن نتجاهل "الحلــول" بأنواعها. فاليوم بين أيدينا "حلــول".
غـداً.. لو استمر الحال كما هو اليوم.. فلن تكون هناك حلــول لندرسها أو نختار منها!!!
مهندس عزمي إبراهيـم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق