الزيارات إلى غزة ما بين رسم السياسات وباب المزايدات/ ماجد هديب

ما أن بدأت الحرب على غزة ,بل وحتى قبل أن يشتد لهيب وحمم القذائف والصواريخ الصهيونية , حتى سارع الجميع  لقطف ثمار تلك الحرب حيث سعى كل طرف ,سواء كان ذلك من أطرافها المباشرين ,أو من خلال وكلائهم أو حتى المحاور التي ينتمون إليها إلى أن تصب  حلوله في اتجاه خدمة أجنداته السياسية ,وإذا ما افترضنا جدلا بان إسرائيل سعت من خلال هذه الحرب  للقضاء على قدرات المقاومة العسكرية لتجاوزها حدود اللعبة المرسومة إقليميا ودوليا مع الاحتفاظ بحكم حماس في غزة آمنا, فان حماس لا بد وان تسعى هي الأخرى من خلال هذه الحرب لشرعنة استيلائها على غزة  لانتزاع تمثيلها عربيا على قاعدة باب المقاومة والجهاد , فالي أي حد  يمكن أن تسهم تلك الزيارات الرسمية للوفود العربية في رسم السياسات,وخاصة بعد أن بدأت  الوفود العربية تتوالى تباعا للحجيج إلى  حيث يوجد إسماعيل هنية باعتباره عنوان الوجود السياسي لحركة حماس ورمزا لصراع الشرعيات ما بين حركة حماس نفسها والسلطة الوطنية ؟.
وهل يمكن القول أن تلك الزيارات مهما علا مستوى التمثيل فيها لم ولن تخرج عن باب المزايدات السياسية , وأنها ما كان لها أن تتم إلا كمحاولة من باب حفظ ماء الوجه لبعض الحكومات  وخاصة بعد أن جاءت لنجاحها في اختطاف ثورات قادها مغامرون ؟.
باعتقادي إن الزيارات الرسمية التي قام بها بعض المسئولين العرب إلى غزة لالتقاء السيد إسماعيل هنية قد خرجت هذه المرة عن باب المزايدات, ليس بفعل تبدل سياسات تلك الدول نتيجة ما يسمى بثورات الربيع العربي لان تلك السياسات لم ولن تتبدل حتما, بل لان المسئولين العرب الذين تولوا المناصب الرسمية بفعل تلك الثورات باتوا يدركون إلى أين يتجهون في ظل السيناريوهات المرسومة لهم  ,كما أن دعم هؤلاء للمقاومة الفلسطينية  كما يعتقد البعض ومدها في سبل المواجهة وتطوير أساليبها فيها ضرب من الخيال لان ذلك يتناقض حتما  مع مشروعهم المتفق عليه دوليا وخاصة بعد أن باركت أميركا امتطاء هؤلاء للثورات واستنزاف طاقاتها.
إذا ومن خلال استقرائنا للواقع السياسي, وطبقا لما يحدث على ارض الميدان من مواجهة ما بين المقاومة وجيش الاحتلال الإسرائيلي, وفي ظل ضبابية معطيات القراءة العسكرية وعدم فهم ما يجري من قصف متبادل بين الطرفين فان الأوضاع في غزة هي باتجاه احتمالين لا ثالث لهما.
الاحتمال الأول هو إن تلك الزيارات جاءت لرسم السياسة لحركة حماس مع المتابعة والاشراف على اليات تنفيذها على ان يبدا ذلك الاشراف بعد أن ينهي الجيش الإسرائيلي مهامه في القضاء على قدرات المقاومة العسكرية وإنهاء كل ما يمكن أن  يؤثر ليس على مدن إسرائيل فقط, بل والقضاء على كل مايعكر صفو امن مستوطناتها على حدود  غزة. حينها يمكن لحركة حماس أن تستمر في حكمها لقطاع غزة في ظل هدنة طويلة الأمد تستطيع خلالها إرساء دعائم حكمها الاخواني بعيدا عن السلطة الوطنية الفلسطينية التي باتت تشكل عائقا امام كل منهما في الوصول الى تحقيق اهدافهما التوسعية, بل واستئصال كل ما يمكن أن يدعم خيار الوحدة الوطنية وهذا ما سيؤدي حتما ليس الى إضعاف السلطة الوطنية فقط , بل وربما إنهائها بالضفة مع الدخول لسنوات معها في صراع الشرعيات ليس في المجالس العربية فقط , وإنما الدولية أيضا .
الاحتمال الثاني  الذي يمكن تأتي به تلك الزيارات وهو الاحتمال الأضعف هو بان تلك الزيارات ها كان لها أن تتم دون موافقة مبدئية من حركة حماس  واستعدادها  أن تمنح تفويضا للدول العربية وللرئيس محمود عباس معا من اجل عقد هدنة مع إسرائيل لوقف القتال  تجنبا لإنهاء حركة حماس سياسيا في ظل الإصرار الصهيوني على إنهائها عسكريا  على أن تتجه قيادة حركة حماس السياسية سريعا للانخراط في بحث آليات لتشكيل حكومة انتقالية  يكون لحماس الأغلبية في تشكيلها من اجل دعم التوجه السياسي للرئيس محمود عباس وبذلك تستطيع حركة حماس أن تحافظ ولو على قدر ادني من الوجود التمثيلي في مؤسسات السلطة لتجاوز مرحلة استئصالها سياسيا في هذه الحرب بعد إنهائها عسكريا  ليس بفعل جيش الاحتلال الإسرائيلي فقط, بل بفعل السياسات العربية أيضا لان ثورات ما يسمى بالربيع العربي بحاجة إلى خريف لولادة حكومات وطنية تعمل من  شعوبها قبل أن تعمل من اجل فلسطين .
لن تطول الأيام التي ستخبرنا بما كانت فيه حبلى من مفاجئات لان الساعات القادمة ستجعلنا نقرا  الصورة بإيضاح دون حاجة لتحليل  إذا ما كانت تلك الزيارات لرسم السياسات وتنفيذها أو لا .
Alazhar76@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق