سوريا إلى أين؟/ محمود شباط

سوريا إلى أين ؟ سؤال مؤلم جداً يتردد في وسائل الإعلام وعلى ألسنة السوريين و مواطني الدول المجاورة لسوريا، والجواب يأتي غالباً طبقاً للهوى والتمنيات، مؤازرو الرئيس الأسد واثقون من نهاية سعيدة وكذلك مناوئوه. المؤيدون يزعمون أنهم تجاوزوا الأصعب وبأن "المؤامرة أصبحت خلفنا" طبقاً لما صرحت به مستشارة الرئيس السوري السيدة بثينة شعبان بعيد ثلاثة أشهر على اندلاع أعمال العنف. ولكن الوقائع اليومية الدامية تشي بعكس ذلك وباستمرار ، بل بتصاعد الأزمة. أما المعارضة ومن يساندها ويتعاطف معها، على الأخص من يتملقها ويستخدمها مطية لمصالحه كأميركا، فلا يكلون عن الإدلاء بتنبؤاتهم بأن "أيام الأسد معدودة" ولكن عملية العد طالت واستطالت إلى أن أصبحت تلك العبارة محط تندر وتهكم واستخفاف.
الطرفان موجوعان، والشعب موجوع أكثر. ولكن ماذا عن مستقبل سوريا كوطن موحد ؟ إلامَ ستؤول إليه الأمور فيما لو لا سمح الله مسَّ سكين التقسيم جسد البلد؟ وما هو تأثير ذلك التشظي على الدول المجاورة : تركيا ، لبنان ، العراق، والأردن ؟. حقيقة يصعب استبشار الخير، لا رابح داخلياً ولا عربياً ولا تركياً. الرابحون هم من يطبخون الحل بما يتناسب مع مصالحهم : أميركا وأوروبا وروسيا وإيران، إضافة إلى اللاعب الخفي : إسرائيل.
مشاريع الحلول كثيرة. آخرها ما اصطلح على تسميته بأفكار مجوجلة ومغربلة سربتها وسائل الإعلام بعد زيارتي نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والمبعوث العربي-الأممي الأخضر الإبراهيمي لموسكو حيث طرحت النقاط الست التالية :
1- تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات كاملة يشارك فيها النظام والمعارضة.
2- الدعوة إلى حوار وطني يؤدي إلى ميثاق وطني يرسم معالم سوريا الجديدة.
3- إجراء انتخابات وتشكيل سلطة تشريعية تضع دستوراً جديداً للبلد يُعرض على الاستفتاء.
4- إجراء انتخابات رئاسية في العام 2014.
5- إجراء مصالحة وطنية وإطلاق سرح المعتقلين.
6- وضع خطة لإعادة إعمار البلد.
في النقاط المبينة أعلاه الكثير من الألغام التي إذا ما انفجر أحدها سوف يستغرق الجدل حوله إلى ما بعد انتهاء الولاية الحالية للرئيس الأسد، وتحديداً في النقاط الثلاث الأولى، حيث يصعب تعريف عبارة "صلاحيات كاملة" في النقطة الأولى، و عبارة "سوريا الجديدة" في النقطة الثانية، و "الدستور الجديد" في النقطة الثالثة. كيف سيتم تفسير ذلك وطبقاً لأية معايير ستتم قراءته ؟. طالما أن مبادرة النقاط الست ولدت ميتة فليس هناك من حل، سيما أن الحكم يعلم بأن الحجر الأساس في نظامه سوف يتزعزع فيما لو تخلى الرئيس عن أدنى صلاحية مما لديه الآن. وطالما أن المعارضة لا تجرؤ على التراجع عما التزمت به علانية حيال الداخل والخارج.
كُتِبَ الكثيرُ عن وجوب تحلي المعارضة بواقعية أكثر تستلزم تنازلات قد تكون مؤلمة بالنسبة لها. كما تطرقت بعض المقاربات إلى تخوف النظام من خطر فقدان سيطرته التي طالما تمتع بها في القرون الخمسة الماضية. محللون آخرون يرون ما فحواه أن على الطرفين المتصارعين أن يتذكرا عبارة الإمام الأوزاعي لأبي جعفر المنصور "لو دامت لغيرك لما وصلت إليك" . وأبيات المتنبي :
أين الأكاسرةُ الجبابرةُ الألى ***كنزوا الكنوزَ فما بيقنَ ولا بقوا
من كل من ضاقَ الفضاءُ بجيشه***حتى ثوى فحواهُ لحدٌ ضيِّقُ
الموتُ آتٍ والنفوسُ نفائسٌ***والمُستَعزّ بما لديه الأحمقُ
لا ريب بأن هناك قوىً خارجية تعمل على مساندة المعارضة، على أن ذلك لا ينبغي أن يغرقنا في إلقاء تبعية المسؤولية على "المؤامرات الخارجية" فحسب. الحل الأنسب هو قطع الطريق وطرح حلول قابلة للترجمة على الأرض حتى لو كلف ذلك المعارضة تنازلات وكلف الحكم تغييراً جذرياً ، وطوعياً، إذ أصبح من الواضح أنه لن يعودَ بأية حالٍ إلى ما كان عليه قبل بدء المظاهرات في درعا.
لا تبدو علائم نهاية لهذا الجحيم في الأفق، بل يستشري وباء الانقسام أكثر فأكثر، ويتصاعد حجم الدمار الهائل أصلاً، ويتكاثف دخان حرائق الأبنية والمنشآت، و تزداد أنهار الدم السوري في ظل ميزن قوى يتأرجح ميدانياً على الجثث والركام ومصير الوطن والشعب، إذ لا النظام قادر على الحسم ولا المعارضة بدورها في وضعٍ يتيحُ لها ربح المعركة كما صرح نائب الرئيس السيد فاروق الشرع.
عود على بدء. السؤال إياه يضج بهديره ويناشد الطرفين : كفى عبثية و استلهما عاطفية ومنطقية "أم الصبي" .
في 17/01/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق