الحنين، اللغة، برودسكي/ اسعد البصري

الكتابة عن الحنين ، تعني الكتابة عن برودسكي . لجأ الشاعر الروسي جوزيف برودسكي إلى الولايات المتحدة عام 1972 م ، لأسباب سياسية خارجة عن إرادته . ومنها تم تصنيفه كأحد فحول الشعراء الأمريكان . و حصل من هناك على جائزة نوبل للآداب كشاعر روسي حر و مبدع . كانت تهمة برودسكي " الطفيلية " ، و "الإنحلال الأخلاقي " ، و "الحداثة " . هذه التهم مجتمعة في الإتحاد السوڤيتي ، أدت إلى حجر هذا الشاعر في " مصح عقلي " ، ثم الحكم عليه خمس سنوات أشغال شاقة في سيبيريا . لكن محاكمته التي تم تهريب نصها إلى الصحافة ، و تلقفها الأدباء الأوربيون والأمريكان ، أدت إلى عاصفة إعلامية ، وضغط دولي ، نتج عنه إطلاق برودسكي مبكراً من سيبيريا . و من ثم لجوئه إلى الولايات المتحدة . وهذا أدناه ترجمتي الشخصية ، لنص المحاكمة السوڤيتية :
" القاضي : ما هي مهنتك عموماً ؟؟
برودسكي : أنا شاعر ، و مترجم أعمال أدبية .
القاضي : ومن منحك لقب شاعر ؟ . من صنفك ضمن الشعراء ؟
برودسكي : لا أحد . ومن تراه صنفني ضمن البشر ؟!
القاضي : كيف أصبحت شاعراً ؟ أنت حتى لم تحاول الحصول على الثانوية العامة . أين يتم تأهيل الشعراء ؟ . أين يتم تعليمهم ؟ .
برودسكي : لم أكن أظن أنه يمكن تعلم الشعر في المدرسة .
القاضي : وكيف إذن ؟؟
برودسكي : أعتقد بأن ذلك يأتي من الله . "

يصف برودسكي الأديب من المنفى بذلك "الذي يعيش كسمكة في الرمال " ، مع هذا لم يرجع بعد سقوط الإتحاد السوڤيتي ، و عودة روسيا . أخبر ديفيد ريمنك ، الصحفي في الواشنطن بوست ، بأن هذه التغييرات السياسية الكبرى في بلاده ، عديمة الأهمية بالنسبة لسيرته الشخصية ، و تفتقر إلى اهتمامه . إن وفاءه كان للغة " أنا أنتمي إلى الثقافة الروسية ، أشعر بأنني جزء منها ، من تكوينها ، ومهما تغير مكان إقامتي ، فإنه لن يغير هذه الحقيقة النهائية . اللغة أكثر قدماً من البلد ، و هي شيء لا يمكن تجاوزه . أنا أنتمي إلى اللغة الروسية " .
أغنية حب
...............
جوزيف برودسكي / ترجمة شخصية

لو تغرقين ، أجيء لإنقاذك
ألفك بملاءتي ، وأغلي لك الشاي
لو كنتُ شرطياً ، أقبض عليكِ
أبقيكِ في زنزانة ، بالقفل والمفتاح
لو كنتِ طائراً ، أسجل لك أسطوانة
وأصغي طوال الليل ، إلى تغريدكِ الرفيع
لو كنتُ ملازماً ، تكونين تحت التدريب
و يا عزيزتي ، أؤكد لك أنك ستحبين التمرين
لو كنتِ صينية ، أعشق اللغة الصينية
أضرم المفرقعات ، أرتدي ثياباً مضحكة
لو كنتُ مرآةً ، كنتُ عصفتُ بالسيدات
أمنحك شفاهي الحمر ، و أزين أنفك
لو تحبين البراكين ، أكون الحمم
أتفجرُ باستمرار ، من مخبئي الخفيّ
ولو كنتِ زوجتي ، أكون حبيبك
فالكنيسة ترفض الطلاق بقوة

برودسكي الغريب ، المدخن الذي لم يعش سوى خمسة و خمسين عاماً . لم يتوقف برودسكي عن التدخين ، حتى بعد عمليات القلب المفتوح التي أجراها بأمريكا . ولد في لينين غراد 1940م ، و هرب إلى أمريكا 1972م ، أصبح مواطناً أمريكياً عام 1977م . مات بسكتة قلبية 1996م ، حيث تم دفنه على الماء ، في ڤينيس إيطاليا ، بمقبرة سان مايكل . الشاعر الذي استشهد بمقولة أودين ، عن الشاعر ييتس في آخر حوار معه " إرلندا المجنونة ، توجعك في الشعر " ويضيف : ما الذي يوجعك في الشعر ، أو في الأدب سوى اللغة ؟ . إحساسك باللغة ، وليس فلسفتك الخاصة ، ولا لهفتك الخلاقة ، أو فتوتك . مات برودسكي الذي شبه الزمن بالماء مرة ، و سخر من نفسه قائلاً : " إنه لا يستطيع فقدان كرشه ، بالسهولة التي يفقد بها شعره و عقله " . و كان من آخر ما كتب " اهتمامي الأساسي يتمحور حول طبيعة الزمن ، هذا ما يثير اهتمامي بالدرجة الأساس . ماذا يفعل الزمن بالإنسان ؟؟ . هذه واحدة من أهم التأملات ، وأقربها إلى طبيعة الزمن التي يمكننا العثور عليها في الحياة . "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق