دموع هنار السراج ومرضى الثلاسيميا/ د. رافد علاء الخزاعي


للسنة الثانية على التوالي تتألق المذيعة هنار السراج  عبر برنامجها الرمضاني صحتك في رمضان من خلال إطلالتها في فضاء قناة الفيحاء  الفضائية من امتلاكها اللطافه اللفظية والابتسامة الطبيعية النابعة من روحها الجميلة واستحضاراتها المعرفية عن موضوع الحلقة المعد سلفا  والمنتقى للمتطلبات المرجوة لفائدة المتلقي من معلومات طبية وحياتية وسلوكية وأنماط صحية عبر انتقائها للأطباء ذوي الاختصاصات المختلفة وهي تحاورهم من محافظة السليمانية وضيوفها في بغداد والبصرة ولندن وأمريكا والاتصالات تنهال عليها من المشاهدين  في محاورة لطيفة وهادئة وهادفة لحل بعض المعضلات الطبية والعلاجية ومن خلال هذه المحاورات تبعث رسائل إعلامية ونصائح طبية إلى باقي المشاهدين من اجل تعميق الوعي الصحي والوقائي وتعزيز الأنماط والسلوكيات الصحية التي تجعل الإنسان يعيش بصحة مستدامة.
وكنت ضيف في إحدى حلقات البرنامج وكان عنوان الحلقة  اتكيت الإفطار وقد عرفت المذيعة هنار  الاتكيت انه الأسلوب الحضاري الأفضل للتعامل مع الآخرين.
وقد تحدثت عن أهمية الصيام كرياضة روحية وجسدية في إن واحد للسمو بالسلوك الإنساني والأخلاقي بما يسمى في العرف الكهنوتي بالتقوى الذي هو أساس الدرجة السلوكية المطلوبة للإنسان من الخالق. 
وهكذا هذه العبادة الجمعية التنافسية في زيادة مقدرة التحمل والصبر وتعميق الإحساس الإنساني بمعاناة الآخرين من الجوع والعطش تحت رقابة الخالق تعمق الشعور بان الإنسان مراقب  وتعميق هذا الشعور السلوكي يجعل الإنسان في التفكير الجدي قبل الشروع في أي عمل لمعرفة نتائجه المسبقة.
إن الصوم  هو عيادة صحية مجانية لتخليص الجسد  من السموم المتراكمة والتخلص من العادات الضارة  والرتابة اليومية  وهكذا تجلت الرحمة الإلهية في إعطاء إجازة أو رخصة من الصوم للمكلفين بالصوم في حالة السفر والمرض.
إن الرخصة الشرعية للمكلف هي محصورة بين الطبيب والمجتهد (المشرع) والمكلف.هذه المسؤولية التي ألقيت على  كاهل الطبيب المسلم مسو ولية تحديد معيقات الصوم وإيجاد السبل الكفيلة لانجاز هذه الفريضة  ووضع ضوابط وأنماط سلوكية وغذائية من اجل التكيف مع الصوم وإبداء النصح العلاجية والغذائية من اجل تسهيل الصوم بدون مضاعفات وتحقيق الفائدة الصحية المرجوة والاستحضارات المطلوبة  للمكلف قبل بدء شهر الصيام مثلا مريض السكر  النوع الثاني الذي يعالج بالأدوية المخفضة   للسكر عليه الاستعداد مبكرا قبل شهرين في التداول مع الطبيب المعالج للوصول إلى السيطرة العلاجية المطلوبة على نسبة السكر في الدم من خلال الحفاظ على نسبة السكر تحليل السكر التراكمي اقل من 6,7ملي مول حتى يستطيع المريض الصوم بسلاسة وبدون مضاعفات لان تأثير نسبة السكر المرتفعة في الدم مزدوجة على الصائم حيث أن كثرة التبول وحرارة الجو تزيد من العطش والجفاف وحالات الصداع. إن مهمة الطبيب هي تكيف الصوم من خلال إرشادات صحية وغذائية وسلوكية للمكلف من اجل صوم مفيد وصحي.
وفي إحدى فواصل البرنامج طرحت مناشدة من عائلة بصرية أب وأم يعرضون معاناة بناتهم الاثنتين المصابتين بفقر دم  البحر الأبيض المتوسط  (الثلاسيميا) وهو مرض من أهم أمراض الدم الوراثية الانحلالية- التي تسبب تكسر كريات الدم الحمراء- الشائعة على مستوى العالم بشكل عام وعلى مستوى منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص والعراق في جنوبه واربيل و الثلاسيميا نوعان الألفا و البيتا  ويختلف من شدة المرض الشديد والمتوسط والبسيط وحين يأتي الحديث عن هذا المرض فإننا نقصد به (البيتا ثلاسيميا).
و الثلاسيميا كلمه يونانية الأصل تعني فقر دم منطقة البحر الأبيض المتوسط حيث أن هذا المرض عرف واشتهر في هذه المنطقة بشكل كبير و ، ويعرف أيضا باسم أنيميا البحر المتوسط (Mediterranean   anemia) وفي الولايات المتحدة الأمريكية كان يعرف باسم  أنيميا كوليز (Cooleys anemia) وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط كان لا بد أن يخضع كل مولود جديد بعد ولادته بشهور لهذا الفحص لمعرفة ما إذا كان حاملا أو مصابا بالبيتا ثلاسيميا .أما في منطقة الخليج العربي يحمل كل فرد من بين 20 فرد لهذا المرض أي نسبه حاملي صفة المرض في الخليج 5 % وهي نسبه لا يمكن تجاهلها حيث أنه في كل مرة  تحمل فيه امرأة حاملة للمرض ومتزوجة من رجل أيضا حامل للمرض فإن احتمال إصابة الجنين تصل إلى 25% وان اكثر من 60% من أطفال هذه الأسرة السليمين أيضاً حاملين للمرض. وتكمن مشكلة المرض في عدم قدرة الجسم من تكوين كريات الدم الحمراء - التي تنقل الغذاء والأكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم – بشكل سليم نتيجة لخلل في تكوين الهيموجلوبين( خضاب الدم) أدى إلا عدم اكتمال نضج الكريه الحمراء  و تكسرها وتحللها بعد فتره قصيرة من إنتاجها  (يذكر أن عمر كريه الدم الحمراء تكون 120 يوما) لذ فان المريض يحتاج إلى نقل دم بشكل دوري كل 3-4 أسابيع حسب عمره و درجه نقص الهيموجلوبين  ويجب ان تكون تحت رقابة طبية 
   ومتابعة  تامة وهذه تحمل خطورة في نقل بعض الإمراض وزيادة نسبة الحديد في الدم ولذلك يحتاج المريض الى  إعطاء علاج طارد للحديد من الدم وكذلك المريض معرض للإصابة بتضخم الطحال والكبد واليرقان وحصى المرارة والعلاج الناجع لهذا المرض هو عملية زرع نخاع العظم من متبرع يحمل نفس الصبغة الوراثية من خلال فحوصات المطابقة والمريض بحاجة الى متابعة لصيقة لمتابعة حالته الصحية بعد العملية. 
والأب يناشد ذوي الضمائر  الحية من اجل التبرع عبر القناة من اجل علاج البنتين بعملية زرع نخاع العظم وهي عملية علاجية ناجعة لشفاء هذا المرض ولكنها مكلفة حيث تبلغ كلفتها في الهند 60000-70000$  وهو مبلغ كبير على العوائل الفقيرة وخارج تغطية وزارة الصحة للحالات المرضية المرسلة للعلاج لخارج العراق للحساب على نفقة الدولة.
بعد نهاية التقرير انسلت الدموع  من عيون مقدمة البرنامج  الإعلامية هنار السراج وغصة الم في صوتها وهي تسألني عن رأي في التقرير.
وكنت حيران في الإجابة بين دموع هنار ومعاناة الأبوين وطفلتيهما والواقع الصحي المتردي في العراق لعدم تحقيق المتطلبات العلاجية لهذه الشريحة من المرضى غير تأسيس مراكز صحية  بائسة فقط تقدم نقل الدم التعويضي الشهري للمحافظة على خضاب دم اعلي من 10 غرام/100ملم دم وإعطاء علاجات طاردات الحديد من الجسم وسط معيار تفتقر للرعاية الصحية المرجوة لتقليل الخوف والفزع عن الأطفال المصابين.
إن مرض الثلاسيميا هو مرض وراثي وهو منتشر بكثرة في محافظة البصرة وميسان والناصرية وواسط وبغداد واربيل والسليمانية والسبب الرئيسي هو الزواج بين الأقارب,
إن الاستتراتيجية المرجوة هي إدخال الفحص للكشف عن مرض  الثلاسيميا ضمن فحوصات ما قبل الزواج  وتقليل الزيجات بين العوائل الحاملة لهذا المرض.
وثانيا يجب إن تتكاتف  مجالس المحافظات من خلال مشروع البترو دولار في إنشاء مركز متطور لزراعة نخاع العظم  مثلما موجود في دول الجوار وان الإمكانيات البشرية متوفرة في العراق من كوادر طبية متخصصة في هذا المجال حيث أجريت عملية زرع نخاع العظم الذاتية قبل 2003 بكوادر عراقية ومساعدة ايطالية ويمكن الاستفادة من دول لها نفس المعاناة مع الثلاسيميا مثل ايطاليا واليونان وقبرص والهند لما لها تجارب ناجحة في هذا المجال. وان المركز ستكون فائدته اعم واشمل لحالات أخرى مثل اعتلال نخاع العظم أو تليف نخاع العظم او علاج اللوكيميا  مرض ابيضاض الدم وإمراض أخرى. ولو تناولنا الموضوع من جانب أخر لعرفنا الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع أكثر من إرسال الحالات إلى خارج العراق يكلف مادية عالية لإجراء عملية زرع نخاع العظم.
إن دموع هنار السراج وأمهات وإباء  المرضى تتطلب منا بدء حملة واسعة من اجل إنشاء هذا المركز بتكاتف الخيرين والمسورين والأوقاف والمرجعيات الدينية  ومجالس المحافظات من اجل هذا المركز الذي سيخفف الأعباء عن كاهل الكثير من العوائل المبتلية بهذا المرض ويقلل استهلاك الدم العراقي ويعيد الابتسامة إلى وجوه متعبة والى المذيعة المتألقة هنار السراج وأطفال العراق ليكون العراق خاليا من فقر الدم وفقر الجيوب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق