هذا المقال يتحدث عن هجرة الآباء لأبنائهم وهي بمثابة المقدمة لسلسلة من المقالات سأتحدث فيها بالتفصيل عن كل حالة من الحالات المطروحة و أوضح أسباب الفجوة التي يصنعها الأباء بينهم و بين أبنائهم ،سأطرح في كل مقال قضية جديدة و قصة مختلفة في روايتها، و لكن النتيجة التي يتوصل لها الأباء واحدة وهي عقوق الأبناء ،يعق الأبناء أباءهم فهل سأل الأباء ما سبب هذا العقوق ؟
يعق الأباء أبناءهم قبل أن يعق الابناء آبائهم ،ماذا يتوقع الأب الذي ترك البيت وأهمل الزوجة و الأبناء ثم هاجر سواء أكانت الهجرة هجرة الجسد أو هجرة الفكر و المشاعر لكن في الحالتين فهو غير حاضر ،غاب عن المنزل دون أن يسأل عن أحوال أبنائه إن كانوا جياعاً أم لا ،ماذا ينتظر الأب من أبنائه ،هل يتوقع منهم أن يكونون باريين ،عجباً كيف يصنع بعض الأباء بأنانيتهم مجتمعا مريضاً ، يجب أن نفتح مدارس لتربية الأباء و الأمهات قبل أن يصبحو آباءً .
هذه الآفة أصبحت تغزو مجتمعنا فعن أي آفة أتحدث ؟أتحدث عن أفة الزواج لغايات مريضة لايكون الهدف الأساسي فيها بناء أسرة مكونه من زوج و وزوجة و أبناء .
أحدهم يتزوج الفتاة طماعاً براتبها وهذا كثير الحدوث و إن تمردت الفتاة عن اعطاء زوجها كامل المهية ،تصبح الحياة بالنسبة له مستحيلة ،عجبي من الرجل الذي يقبل أن تصرف عليه إمرأة .
لم يفكر هذا الأناني ولو للحظة بأنه أصبح ملزماً ببيتٍ و أولاد ،فهو ينهي هذا الزواج بكل بساطة و يغادر المنزل و لا يلتفت خلفة ليرى ماذا سيحل بالأبناء .
و هناك تصرف أناني آخر الزوج يشعر بالملل و يبدأ باختلاق المشاكل حتى يبرر لنفسه أنه مسكين يعيش في جحيم ،و تلك المسكينة التي تتأذى من كلامة الجارح ماذا تفعل؟ يطلب منها المجتمع أن تصبر ،تتلقى الاهانة باستمرار و تصبر و إن اعترضت تصبح امرأة نكدة كثيرة الشكوى لاتعرف كيف تسعد زوجها .
و منهم من يختصر الطريق يترك الجمل بما حمل و يسافر بحثاً عن مستقبله و كأنه يعيش بمفرده و يتناسى أن له زوجة و أبناء و بعد أن يتوه في دوامة الحياة يبدأ شعور الندم يأتيه ويشعر أنه بمفرده و لكن يأتي هذا الندم متأخراً ،يأتي بعد أن يتحجر قلب الأبناء، و الزوجة التي اعتادت على تحمل المسؤولية بمفردها و اعتادت على فراق الزوج.
دائما أقول أننا لا ندفع مالاً مقابل حسن الخلق ،لا أخسر عندما أعبر عن حبي لوالداي ،و غيري لن يخسر عندما يصرّح عن حبه لأبنائه بل سيكسب كثيراً سيكسب قلب الأبناء ، و الأبناء سيشعرون أن حبهم لأبائهم ليس مسطنعاً.
حالة أخري، يعيش الأب بجسده في المنزل أو يعتبر هذا المنزل بمثابة الفندق ،يأتيه عند النوم ،ويفَضّل و يآثر أن يقضي يومه برفقة أصحابه ، و جلسات الأرجيلة أهم من الزوجة و الأبناء ،ثم يسأل الزوج لماذا زوجتي تعاملني دائما معاملة سيئة .
هذا النوع الأناني من الرجال الذي يريد البيت و الزوجة و الأبناء لكونون مثل الشجرة المزروعة في المنزل ،وهو له الحرية المطلقة ليسهر و يخرج و يعيش حياته كما يشاء ،و لايجب على الزوجة أن تسأل أو تعترض لأنها ستتحول إلى الزوجة التي تختلق المشاكل ،وهو يصبح الرجل المظلوم الذي يتحمل فوق طاقته .
هذا الرجل الذي يجعل زوجته آخر من يعلم ،الجميع يعرفون عن أموره و كلها أسرار بالنسبة للزوجة ،يثير في نفسها فضول ،يبقى الرجل الغامض و هذا يدفعها للسؤال ،و طبيعة الرجل لاتقبل أي سؤال من زوجته ،يعتبرها اهانة فهي تتدخل بشؤونه الخاصة فيبدأ الابناء بسماع الأصوات العالية و يعلو صوت الشجار بين الإثنين ،و هذا يدفع الأبناء لعدم ارتباطهم بالمنزل فلم يعد هذا المنزل المكان الذي يلجأون إليه في أحلك الأوقات بل يتحول هذا المنزل إلى مأوى للنوم و لتناول الطعام فيه...الخ ،و أغلب الأوقات يقضونها مع أصدقائهم حتى يشعرون بنوع من الراحة .
هناك أباء عبارة عن بنك مفتوح يؤمن للأبناء المصروف و المعيشة و الرفاهية ،هذا كل ما يربطهم بوالدهم ،لو توقف هذا المصروف توقفت علاقتهم به،لايسمح له أن يتدخل بأسلوب حياتهم ،فهو لم يتدخل منذ البداية لذلك يجب أن يبقى عبارة عن جيب ممتلئ بالمال و لا يطلب من أبنائه المزيد لأنهم لا يملكون مشاعراً يقدمونها له .
و هناك الأب المتحرر الذي يعَلّم أبنائه على الحرية المطلقة في الملبس و المأكل و في إبداء الرأي ،علماً أننا لا نستطيع تقديم الحرية المطلقة للأبناء دون رقابة ، فتصبح جميع الأمور مستباحة لهم ،لذلك عندما يتحول الأب من متحرر إلى أبٍ واعظ فيجب أن يعلم بأن أبناؤه لن يُنسطون لما يقول ،اتخذ موقفاً حيادياً في حياتهم ،فلن يقبل منه أن يتدخل بهم عندما يكبرون .
و الحالة الأخيرة التي سأطرحها هي الأب المزواج ،و ينجب من كل زوجة ابنة و يتركها لوالدتها حتى تربيها ،و قلت ابنه لأنه ابتلي بخلفة البنات و لا يعرف ان كانت نعمة عليه أم نقمة في كلتا الحالتين فهو ليس أب إلا في شهادة الميلاد .
لم أقصد جميع الرجال رغم أنني سأقابل هجوماً من العديد من هؤلاء الأباء الذين لم يقرأو سوى عبارات معينة و يعتبر أنه المعني بها.
هناك رجال ولو كانو أقلة يبحث عن بيته و يهتم بإسعاد زوجته التي تركت منزل والدها لتصبح مسؤولة عن منزل هي حجر الأساس فيه ،وهناك رجالٌ يجب أن يبقو عزاباً أفضل من زواجهم الذي لا يدر على المجتمع إلا بأباء مستهترين أو أزواج أنانين و ينجبون أبناءً عاقين .
الحالات السابقة لا تعبر عن المجتمع بأسره و سيعترض بعض الاباء بأنهم لا يمثلون أيُ حالة من تلك الحالات ولكن لو أمعن النظر لوجد أن هذه الحالات موجودة و بكثرة و قِلة من هم آباء أصحّاء يسعون لبناء أبنائهم بشكل سوي في بيئة أُسرية صحيحة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق