صوت الحياة في الخارج جميل ومختلف هذه الليلة، مع ذلك أخاف أن أرفع الستارة لأرى كم فاتني منها. ربما هو ذات الحال بعد كل تجربة كانت جديدة وممتعة، في النهاية اعود وأغلق الستارة، وحيدة مثل مخلوق فضائي هبط على الأرض لاكتشافها، وبعد انتهاء المهمة لم يبقَ منه غير عذاب الندم والحنين إلى البداية. لكن هذا الصوت، كنفخ الصور، يخترق حواجز الروح، يعلن بأن دائما هناك غدا جديدا بلا اخطاء وندم.
حواسي معطلة ومُغيبة عن الواقع، لا تعمل وتتفاعل إلا مع اللغة. بالأمس كنت في أكبر محل لبيع الكتب في كندا، توقفت عند القسم الخاص بالشعر، كان عدد الكتب فيه لا يتجاوز المئة كتاب، معظمها للشباب والمراهقين، وكم كتاب للموهومين مثلي. كسد سوق اللغة، وخمدت نار الكلمات. لم يعد هناك حاجة للخيال المعبر عن المشاعر والأحاسيس المعطلة بسبب النقص وانعدام الحرية، لا مرض نفسي، لا قمع عاطفي، لا اضطهاد ديني، لا جوع، لا قهر, فقط حقيقة لواقع خيالي يحتاج بدل العمر عمرين للتمتع به. سأرفع الستارة وأرى العجوز التي مارست الحب مع رجال بعدد شعر رأسها، مازالت شهوة الحياة تتفجر مع صراخها وصخبها رغم ستيناتها. سأرى المهاجرة السمراء التي استعانت بالشرطة لطرد زوجها بعد أن قرفت من لحيته المخضبة بالحناء ودشداشته القصيرة. سأرى جارتي الشقراء، ميلسا، تفترش عشب الحديقة شبه عارية، تنعم بحمامها الشمسي بينما عشيقها يطارد كركرات طفلتها الصغيرة بمسدس الماء. سأرى العجوز الزنجي الذي تركته بالأمس مستلقيا على صدر زوجته يتأمل الغابة النائية وعلى شفتيه ابتسامة مشرقة كبياض أسنانه. سأرى بأنني مازلت مخلوق شوهته الحروب ولم يعد ينتمي لا لهذا ولا ذاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق