المعنى الآخر للكُفر!/ عـادل عطيـة

من الكتّاب القلائل الذين أقرأ مقالاتهم بتمعّن زائد، هو عادل عطية، لأنه يدافع عن حقّه في الحياة، دون أن ينتزع حقوق الآخرين. هو يؤمن بأن الله أرحم الراحمين، أوجدنا كي نعيش متحابين، لا متخاصمين، أصحاباً لا أعداء، ومن هذا المنطلق كتب كلمته الرائعة هذه، التي تعبّر عما يجول في عقول جميع الشرفاء، من جميع الأديان، في كل مكان.
شربل بعيني
**
.. "هلك في هذه الأيام مانديلا الكافر"!
قالها الداعية عبد الرحمن البراك، الذي يتمتع بمكانة دينية ومعنوية رفيعة في السعودية، تعقيباً على خبر وفاة الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا..،  ثم تساءل عن سبب تمجيد هذا الكافر الهالك، معتبراً أن المترحم عليه وقع في ناقض من نواقض الإسلام، ويصبح مرتداً بحال اصراره على ذلك!
لقد نزع الداعية، الكلمة من قاموسها اللغوي؛ لتشير باتجاه واحد، غير مدرك بأن عدم ايمانه بما يؤمن به الآخر يجعله، هو أيضاَ، كافراً!
وكشف عن جهله بما خطه نظيره الداعية السعودي عائض القرني، في رسالة سابقة إلى مانديلا، معبّرأ فيها: عن اعترافه بجهاده، وأنه من المعجبين بصموده، ومن المتعجبين من تضحياته واستبساله في سبيل مبادئه، ولاجل حريته وحرية شعبه؛ حتى صار نجماً في أفق الحرية، وزعيماً في مدرسة النضال، ومنظّراً عبقرياً بدستور حقوق الإنسان؟!..
فان كان نيلسون مانديلا، الذي يحمل كل هذه الصفات، كافراً هالكاً، كما يزعم!
وان كان البابا يوحنا بولس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي ندد بالرأسمالية المتوحشة في تعليمه الاجتماعي، وحارب الاجهاض، والموت الرحيم، وعفا عن المسلح التركي محمد على أغا، الذي أراد أغتياله، حيث زاره في السجن، وتنازل عن حقه هناك، وأمر باطلاق سراحه، هو أيضاً كافراً هالكاً، كما يزعم غيره!
وان كان البابا تواضروس الثاني، بابا الكنيسة القبطية، الرجل الوطني والمتسامح، والذي قال لوفد الكونجرس: حرق الكنائس جزء من ثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب، هو كسابقيه من الكافرين الهالكين، كما يزعمون!
ان كانت كل هذه المآثر العظيمة، هي من ثمار الكافرين؛ فأنتم ودون أن تدروا: أضأتم الجانب المظلم من كلمة الكُفر، وأصبحت الكلمة تحمل معاني ومدلولات جديدة، ورائعه؛ لأنها أصبحت تشير إلى كل بطل، وكل وطني، وكل محب، وكل متسامح!...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق