د. أحمد غالب يكشف عن معاييب الدستور المصرى الجديد لعام 2013

أستاذ قانون بجامعة برلين ـ دولة ألمانيا 

 أهم الملاحظات التى وردت على دستور 2013  بحسب ترتيب المواد-

المادة 67 وتتعلق بحرية الإبداع الفنى والأدبى، فقد ورد بها هذا النص"ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها."

هذا النص كان من الواجب إحالة تحديد عقوباته بالكامل للقانون، فالمبدعون لن يرضوا عن توقيع عقوبات سالبة للحرية بالنسبة لهم بسبب أعمالهم الفنية رغم اقتصارها على حالات ثلاث على سبيل الحصر هى التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، كما أن المحافظين والتيارات الإسلامية سيرون فى هذا النص حماية لأعمال فنية خطيرة على المجتمع لا يشملها هذا النص وستكون العقوبة المالية غير رادعة (مثل الأعمال الفنية المسيئة للأديان أو الأفلام الجنسية) لذلك يتعين ترك مثل هذه العقوبات لينظمها المجلس التشريعى حسب حالة المجتمع.

وهو ما ينطبق أيضا على المادة 71 المتعلقة بالصحف ووسائل الإعلام، إذ تضمنت أيضا الاستثناءات الثلاثة سالفة الذكر.(علما بأن العديد من الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا تضع عقوبات سالبة للحرية على جرائم مثل الحض على الكراهية للأديان وغيرها) 

المادة 102 والتى ورد بها النص على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية تعيين عدد من الأعضاء فى مجلس النواب لا يزيد على 5%، ويحدد القانون كيفية ترشيحهم."

هذه المادة نصت أيضا على أن عدد أعضاء مجلس النواب لا يقل عن 450 عضوا، أى أن الرئيس سيعين ما لا يقل عن 22 عضوا، وهى كتلة برلمانية لا يستهان بها قد تؤثر فى الائتلافات البرلمانية أو فى ترجيح التصويت بصفة عامة، وقد وجدنا فى انتخابات سابقة أحزابا سياسية كبيرة لم تتمكن من الحصول على هذا العدد.

كما أنه قد تثور شبهة تعارض مصالح إذا أراد الرئيس الترشح لفترة رئاسية ثانية فيطلب تزكية ال 20 عضوا الذين عينهم ليتمكن من الترشح(دون الحاجة لأن يجمع 25 ألف توقيع من المواطنين فى المحافظات) أو إذا كان الرئيس فى فترته الثانية فيطلب منهم إعطاء التزكية لمرشح معين فى مقابل أن يتم تعيينهم مرة أخرى بمجلس النواب فى حالة فوزه، لذلك كان من الأفضل ألا يتم تعيين أى أعضاء بمجلس النواب أو إنقاص هذا العدد لأقصى قدر منعا للشبهات.

المادة 137 وتتعلق بسلطة رئيس الجمهورية فى حل مجلس النواب بعد استفتاء الشعب، ففى حالة رفض الشعب حل البرلمان فإنه لا يترتب على ذلك استقالة الرئيس، رغم أن المادة 161 اعتبرت مجلس النواب منحلا إذا اقترح المجلس سحب الثقة من رئيس الجمهورية ولم يوافق الشعب على ذلك فى الاستفتاء، فالرئيس يقترح حل البرلمان دون خطورة على منصبه، أما مجلس النواب فإن اقتراحه سحب الثقة من الرئيس يعرضه للحل فى حالة رفض الشعب، الأمر الذى لا يحقق التوازن المطلوب بين سلطة الرئيس وسلطة مجلس النواب.

المادة 146 أعطت رئيس الجمهورية الحق فى تشكيل الحكومة ولو كانت من حزب الأقلية فإذا لم يمنحها مجلس النواب الثقة فإن الحزب أو الائتلاف الحاصل على الأغلبية يقترح إسم رئيس مجلس وزراء آخر يكلفه الرئيس بتشكيل الحكومة...هنا أصبح البرلمان ملزما بالموافقة على ما سيفعله رئيس الوزراء الذى اقترحه مهما كانت اختياراته للحكومة سيئة ومهما انحرف بسلطته فى تشكيلها وإلا يتم حل مجلس النواب فورا ودون استفتاء شعبى، بالإضافة إلى أنه فى جميع الأحوال تظل للرئيس سلطة اختيار الوزارات السيادية الدفاع والداخلية والخارجية والعدل. (وغير معلوم سبب إضافة وزارة العدل ضمن تلك الوزارات، لأنه إذا كانت هناك نية لتحقيق استقلال حقيقى للقضاء فهى لن تصبح من الوزرات السيادية)

المادة 154 المتعلقة بفرض حالة الطوارئ، بعد أن استلزمت عرض القرار على مجلس النواب خلال أسبوع وموافقة أغلبية الأعضاء على ذلك، جعلت أقصى مدة لها ثلاثة أشهر ولا تمتد إلا لثلاثة أشهر أخرى وبموافقة ثلثى مجلس النواب،وهذا لا يمنع من إعادة فرض حالة الطوارئ مرة أخرى إذا كان الرئيس يضمن الأغلبية فى المجلس، ومن مدها مرة أخرى إذا كان يضمن أغلبية الثلثين، وقد كانت ضمانة الاستفتاء الشعبى التى تم حذفها أقوى من اشتراط أغلبية الثلثين لصعوبة التحايل عليها.

المادة 185 تنص على أن "تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها..." وفى هذا تكريس لتفتيت السلطة القضائية فى الدستور، واستخدام مصطلحات ليس لها مدلول، فالتفرقة بين الجهة والهيئة لا مبرر لها، فأصبحت السلطة القضائية تتكون مما يشبه الدويلات المنعزلة، وتمت الاستجابة إلى مطالب كل جهة وهيئة فى إضافة اختصاصاتها فى صلب الدستور دون إجراء إصلاحات حقيقية تؤدى إلى قيام سلطة قضائية متماسكة كما هو الواقع فى باقى الديمقراطيات، وظل وضع النيابة الإدارية كما هو رغم أن وظيفتها بالنسبة للقضاء التأديبى بمجلس الدولة تتماثل مع وظيفة النيابة العامة بالنسبة للقضاء الجنائى، كما أن وظيفة هيئة قضايا الدولة هو الدفاع عن الدولة فى الدعاوى المنظورة أمام المحاكم وتقف فى موقف الخصم الحقيقى ضد أطراف أخرى لصالح الدولة، وإطلاق وصف الهيئة القضائية عليها ينافى الواقع وكان من الأوفق إلحاق هذه الهيئة العريقة بمجلس الوزراء وفقا لطبيعة عملها كمدافع عن الحكومة، مع عدم الانتقاص من مميزاتها القضائية المكتسبة.

المادة 190 التى تنظم مجلس الدولة، وقد ورد بها هذا النص ضمن اختصاصاته "ويتولى وحده الإفتاء فى المسائل القانونية للجهات التى يحددها القانون، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية" 

كان مجلس الدولة ضمن جهات أخرى تتولى مراجعة صياغة القوانين واللوائح، فأصبح بهذا النص هو الجهة الوحيدة التى تتولى صياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية ومراجعتها، وإلا أصبحت هذه القوانين والقرارات غير دستورية، فإذا تصورنا أن كافة قوانين الدولة وقراراتها ذات الصفة التشريعية ستصب فى مجلس الدولة لصياغتها ومراجعتها فإن هذا سيؤدى إلى بطء شديد فى إصدار القوانين وفقا لإمكاناته المتاحة.

المادة 192 تنص على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح،وتفسير النصوص التشريعية..."

هذا النص منقول من دستور 1971 ولكن تم نقله بصورة خاطئة، فكان نص المادة 175 كما يلى:- "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على  دستورية القوانين واللوائح, وتتولى تفسير النصوص التشريعية.." المعنى فى هذه المادة أن المحكمة الدستورية تتولى دون غيرها الرقابة الدستورية، إلا أنها تشترك مع غيرها من المحاكم فى تفسير النصوص التشريعية، وذلك بسبب تكرار كلمة "تتولى".. أما بعد حذف هذا التكرار فى التعديل الأخير فقد أصبحت المحكمة الدستورية دون غيرها تتولى تفسير النصوص التشريعية، وهذا أمر مستحيل عملا، إذ من المعلوم أن الوظيفة الأساسية للقضاء هو تفسير النصوص التشريعية عند تطبيقها، وهو ما استقرت عليه أحكام محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، وليس من المعقول أن تطلب جميع المحاكم من المحكمة الدستورية تفسير كافة النصوص التشريعية عند التطبيق بسبب أنها الآن أصبحت مختصة بذلك دون غيرها.

كما أن إلغاء الرقابة السابقة على القوانين المتعلقة بالمجالس المنتخبة قد يؤدى إلى عدم استقرار هذه المجالس، وأنه لا مبرر لعدم الأخذ بالاقتراح الجيد للجنة القانونيين العشرة بألا يترتب أثر عدم الدستورية بالنسبة لحل هذه المجالس وإجراء تعديل تشريعى فى قوانينها وفقا لحكم المحكمة إلا بعد استكمال مدتها.

المادة 204 تنظم القضاء العسكرى، وهى تتضمن توسيعا كبيرا فى اختصاصات هذا القضاء بالفصل دون غيره فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة" كما سمحت بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، .... أوالجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. "

الأمر هنا يتضمن سلطة تقديرية واسعة للقضاء العسكرى فى تقدير اعتبار الواقعة تدخل فى اختصاصه من عدمه، ومن غير الوارد عملا أن يتمكن القضاء العادى من انتزاع الاختصاص من القضاء العسكرى فى حالة تمسكه بهذا الاختصاص، ومن المؤكد أن القضاء العادى – مهما تضمن من عيوب بالإمكان إصلاحها – يشكل ضمانة مهمة للمواطن بالمقارنة بالقضاء العسكرى، إذ يتضمن مبادئ راسخة تتعلق بالحقوق والحريات والإجراءات والسوابق القضائية أرستها محكمة النقض المصرية التى أنشئت عام1931 كامتداد للمحاكم المختلطة(1875) والمحاكم الأهلية(1883) مما يمكن المحاكم على اختلاف درجاتها من تصحيح أى عوار يصيب أحكامها، فكان يتعين منع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية بشكل كامل.

 المادة 210   وتتضمن اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالفصل فى الطعون على قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات فى الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية ونتائجها، ونصت على أن "يحدد القانون مواعيد الطعن على هذه القرارات على أن يتم الفصل فيه بحكم نهائى خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن."

كان يتعين ترك ميعاد الفصل فى الطعون للقانون، وعلى سبيل المثال: كيف تستطيع المحكمة الإدارية العليا الفصل فى الطعن فى نتيجة انتخابات الرئاسة خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن، فإذا كان الهدف من هذا النص هو تحصين قرارات اللجنة فى إعلان النتائج فكان يتعين النص على ذلك صراحة مع وضع استثناء لحالة الطعن بسبب التزوير المادى دون النص على ميعاد محدد للفصل فيه.

المادة 230  والتى لم توافق عليها اللجنة عند التصويت النهائى، وقد انتهوا إلى أن تحديد أسبقية إقامة الانتخابات البرلمانية قبل الانتخابات الرئاسية والعكس من سلطة الرئيس المؤقت صاحب سلطة التشريع.

وهذا النص يتعارض مع المادة 142 التى تتطلب فى شروط الترشح للرئاسة تزكية 20 عضوا من مجلس النواب أو تزكية 25 ألف مواطن من المحافظات، فيتعين أن يكون مجلس النواب قائما عند الترشح للرئاسة حتى يمكن تطبيق الجانب الأول من هذه المادة وإلا سيتم الطعن بعدم دستورية القانون المعطل لها.

المادة 234 والتى تنص على أن "يكون تعيين وزيرالدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور."

وهذا النص يتعارض تماما مع المبادئ الديمقراطية، وسيصبح الموقع الوظيفى لوزير الدفاع أقوى وأكثر استقرارا من الرئيس المنتخب، وذلك لمدة 8 سنوات، فرغم أن وزير الدفاع هو جزء من السلطة التنفيذية التى يرأسها رئيس الجمهورية بنص المادة 139 إلا أن الأخير لا يمكنه تغيير وزير الدفاع دون قبول المجلس الأعلى للقوات المسلحة مثل باقى الوزراءمهما خرج الوزير عن السياسة العامة للوزارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق