وجهة نظر ل سعدي يوسف كتبها مؤخراً بمناسبة اليوم العالمي للشعر تقول بأن البحث عن شعر يجب أن يكون خارج العالم العربي لأن العربي لا يستطيع الخروج من الخيمة .
عجيب هذا الرأي حقاً . وهل يستطيع الشاعر العربي أن يوجد أساسا خارج الخيمة ؟ . ولو أن سعدي يوسف نفسه لم يدخل الخيمة الشيوعية في حياته هل كان يمكن له أن يظهر ؟ . هذا واقعنا ونحن جميعا جزء منه .
الشاعر الجواهري لولا خيمة العائلة النجفية الشيعية العريقة ، ولولا خيمة الشيوعيين ، ولولا خيمة الملوك الذين مدحهم هل كان يمكن لنا أن نسمع به ؟ .
الجواهري عاش تحت مئة خيمة حتى أصبح هو نفسه اليوم خيمة يلوذ بها الخائفون وقت الشدة . كما شاهدنا كيف لاذ به سعدي يوسف نفسه حين هاجمه كاتب محترف كرشيد الخيون على خلفية شتمه السيستاني فاستشهد بأبيات الجواهري على صفحته هكذا
" عدا عليّ ، كما يستكلِبُ الذِّيبُ
قومٌ ببغدادَ
أنماطٌ أعاجيبُ
عشرون كلباً عوى خلفي
وفوقَهمو
ضوءٌ من القمرِ المنبوحِ
مسكوبُ "
الجواهريّ العظيم
هل بعد هذا يأتي أحد يلوم شاعرا معجونا بالعذاب والحرمان لأنه يَحْتَمي مثلا بالعروبة أو الإسلام ؟ . خيمة أخيرة تأويه من هذا العراء الشاسع ؟ .
بعد قصيدة " عائشة " التي وصفها سعدي يوسف بأنها " صنم النبي " عبر سعدي بوضوح عن رغبته في أن يقضي أيامه الأخيرة وحيدا . بهذه الشتيمة للنبي محمد يعبر سعدي عن اعتذار واضح للسيستاني و لفخري كريم وكل الذين شتمهم لأنه يرفعهم إلى درجة النبي محمد . حتى الفلوجة التي شتم السيستاني باسمها لا يستطيع دخولها بعد شتم النبي .
إنه يريد أن يقول بأن الحياة انتهت لا قضية ولا شعب ولا أي فكرة في الوجود تستحق الموت وحيدا . حتى الموت والدفن سيكون غريبا . الموت تغسيل و صلاة و ذكر ل محمد عند المسلمين ربما هو سيوصي بطريقة خاصة به . حتى الشعر ربما لا يعني له شيئا . من الصعب علينا أن نفهم المأساة الشخصية و سنتعب أنفسنا في البحث عن تفسير لأشياء تحدث بلا تفسير .
" كان محمّدٌ ، ما بين رُكعته ، وتالي رُكعةٍ ، ينوي يُباشرُها
وأحياناً يرى ما بين ساقَيها ، صلاةً ..."
هذا كثير ولا يمكننا تبريره أو تأويله ... ثم لا توجد ضرورة أو اضطرار عليه ... إنها فقط رغبة إنسان بتحطيم نفسه لا أرى شيئا آخر " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون" / سورة الحجر .
سأل أحدهم المفكر ادوارد سعيد لماذا كتاباته في الصحافة الأمريكية عن الفلسطينيين لينة جدا و معتدلة ، فقال بأنه يحرص على أن يكون مسموعا و إذا رفع نبرة صوته سيخسر المستمعين ، و يخسر فرصة إقناعهم . فإذا كنت تكتب بالعربية و كان كلامك شتيمة صريحة لنبي المسلمين فهل هناك موضوع بعد ذلك ؟ وهل هناك مَن يرغب بسماع رأيك أو موقفك ؟ . حين تشتم فأنت عادة تضع وجودك مقابل وجود المشتوم فإذا كان المشتوم هو النبي فإنك تختفي لا يعود لك وجود .
لقد عاش أبو العلاء المعري وهو يحاول جاهدا أن يدفع عن نفسه تهمة سب الأنبياء . لماذا ؟ . لأنه كأديب له تراثه في الأمة واللغة يحرص أن يبقى و يستمر فلا يضيع ميراثه و جهده بسبب اتهام الوشاة له بالزندقة ، وهذا حدث لمواهب كثيرة ضيعت كتبها بسبب حماقتها وأولهم ابن الراوندي الزنديق الشهير الذي لم يترك الوراقون لنا مصنفا واحدا باسمه . كل ما بقي منه هو كلام الآخرين عنه . أما أن يتبرع شاعر هكذا و يشتم النبي محمد ؟ فهذا تبرع سخي حقاً .
أرى أن نوجه نحن إليه النقد على هذا الفعل الشنيع أفضل من أن يرميه سهم غريب فنتعب أنفسنا طلبا لثأره . فهو شاعر كبير بمعنى أنه ربما أكبر من البياتي و بلند الحيدري لكن هل أكبر من السياب ؟ هل أكبر من الجواهري ؟ .... هذا دون أن يصيبنا الجنون ونفكر بالمتنبي والمعري والبحتري . ثم أنه كتب شعرا أكثر من كل الشعر العربي كما يقول من الجاهلية إلى بداية القرن العشرين ؟ . شعر ؟ بهذا الحجم ؟ . ابن زريق ترك قصيدة واحدة و كذلك مالك بن الريب فما هي القصيدة الواحدة التي يتركها سعدي ؟ . لقد كتب شعرا أكبر من ديوان المتنبي ب مئة مرة . والله شيء عجيب . نحن نغض النظر عن أشياء كثيرة و ندافع عن الشاعر المستهدف المحاصر بسبب مواقف وطنية لكن هل ندافع عنه وهو يشتم النبي و يخوض في عرضه ؟ . هذا مرفوض ..
عن مارتن لوثر كنغ كتب أحد الكتاب الأمريكيين مؤخراً كتابا بعنوان " البطل المريح " ، وحين سألوه عن العنوان قال بأن البطل المريح هو البطل الميّت الذي يمكنك أن تمجده وأنت مطمئن لأنه قد مات ولم يعد بإمكانه أن يخيب أملك كما كما خيب سعدي يوسف آمالها الكثيرين بشتمه للنبي الكريم محمد بن عبد الله
عندما حضرت الحطيئة الوفاة أوصى أن يعلق هذا الشعر على كفنه
"'لا أحدٌ ألأم من حطيئة
هجا البنين وهجا المريئة "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق