البنوك والجوال والاتصالات والكهرباء وحكومة التكنوقراط القادمة؟!/ عبد الكــريم عليـــان


الشركات والمؤسسات الوطنية في غزة تضرب بعرض الحائط شكوى الناس وهمومها من سوء الخدمة المقدمة لهم، بالإضافة إلى نهب ما يمكن نهبه من جيوبهم دون حسيب أو رقيب!! لا من حكومة أو من قضاء، أو من مجلس تشريعي..؟ كل المسئولين ارتقوا إلى مناصبهم كي يخدموا أنفسهم وذويهم ونسوا، أو تناسوا أن مواقعهم هي لخدمة الناس، ونشك في أعضاء المجلس التشريعي بأنهم يعرفون وظائفهم والمهام الملقاة على عاتقهم، ونعتقد أن على المجتمع أن يبتكر منظمة تتابع عمل نواب المجلس التشريعي الذين انتخبوهم الناس من أجل أن ينفذوا مصالحهم ويراقبوا عمل الحكومة إن كانت تنفذ السياسات والبرامج بحسب قاعدة "أن وظيفة الحكومة الأساسية هي خدمة المواطن بأقل تكلفة وأعلى جودة ممكنة" وإن كان هؤلاء النواب لا يقومون بعملهم كما يجب؛ على المنظمة تعريتهم وفضحهم حتى تسقطهم الجماهير في انتخابات جديدة.. وإذا كانت الصحافة والإعلام في العالم بمثابة السلطة الرابعة؛ ففي فلسطين ليست لها سلطة ولا تحرك ساكنا.. لا عند مسئول، ولا عند الشركات المحتكرة؛ فها هي الصحف والمواقع تعج بصراخ المواطنين، ووصل حدا بأن عدد من الصحفيين والكتاب تبنوا ثورة وشعارا لإسقاط شركة جوال!! إلا أن الشركة زادت من تعنتها ومن سرقتها لأموال الناس دون أن تتدخل الحكومة بشيء..؟ وكأنها تعيش في كوكب آخر..! أو أنها تشارك هذه الشركة، وشركات أخرى سرقة الناس..

في تجربة لي حيث كنت كتبت عن الطحين الفاسد الذي وزعته وكالة الغوث في عام 2007، وعلى أثر ما كتبته قدم لي مدير عمليات الوكالة في ذلك الوقت السيد جون كينج دعوة لزيارته في مكتبه، بعد أن قام بعمل الإجراءات والترتيبات اللازمة لوقف الفساد ومحاسبته .. وعند تلبيتي لدعوته، قابلني المسئول الإعلامي للمؤسسة حيث عرفني بنفسه وقال لي : أنه من سيقوم بالترجمة بيني وبين المدير، وتابع يقول : أنه من قام بترجمة مقالاتي الأخيرة للمدير، وكانت قاسية جدا بحق المؤسسة! ـ هكذا فهم مسئول إعلامي عربي الصحافة ـ أما المدير الأجنبي ومن خلال حديثي معه كان مفهومه مختلفا تماما ، حيث عبرت له بما يشبه الأسف إذا كانت بعض كلماتي قاسية بحق المؤسسة، فقال : على العكس تماما حيث كنت موضوعيا وصادقا، وأخذنا موضوعك على محمل الجد للتغيير وأنا أتفق معك تماما في كل ما طرحته، وأشكرك كل الشكر على ما كتبت وعلى تلبيتك للدعوة، وأكد لي: بأن ما تراه أنت والإعلاميين وتحسون به، لا يمكن أن تراه المؤسسة، أو لا يمكن لموظفيها نقل الصورة الحقيقية لأنها قد تنعكس بشكل سلبي على عملهم.. من هنا كان فهم المدير الذي هو أوروبي، بالتأكيد فهمه للصحافة ودورها بأنها السلطة الرابعة.. أما المسئول العربي والذي يعمل في نفس المؤسسة كان فهمه وتفسيره للمقالات قد يكون من منطلق حقد، أو كما تعودنا في ثقافتنا بأن النقد عيب..! أو كما قال جون كينج بأنها قد تنعكس سلبيا على الموظفين.. هكذا هي إذن السلطة الرابعة وجدت لتكون أقوى من السلطات الثلاث إذا ما أردنا أن نكون مجتمعا ديمقراطيا يبتغي الرقي بشعبه إلى درجة الشفافية والنزاهة خال من الفساد والغش إلى حد كبير يبدع فيه المواطن ويزداد حبه واعتزازه بالوطن الذي ينتمي له.. فهل يمكن أن تكون الصحافة لدينا هي : سلطة رابعة حقا..؟ قبل عدة سنوات انحرف قطار في الهند عن مساره، على أثره قتل وجرح عدد من المواطنين، بعدها وزير المواصلات الهندي قدم استقالته؛ لأنه شعر بالتقصير في عمله، علما بأن الحادث كان قضاء وقدرا!! لكن لدى العرب، هم وزراء ونواب إما بالوراثة، أو بالمحسوبيات والشلليات الحزبية، أو بالصدفة..!؟

ها هي أزمة الكهرباء في غزة تستفحل أكثر من السابق والتيار الكهربائي الذي يصل المواطنين قد تناقص كثيرا عن السابق، بعد أن خصمت الحكومة من رواتب موظفي غزة مبالغ هائلة لتغطية عجز الشركة، ووعدت الشركة في حينها بزيادة كمية التيار الكهربائي، وكذلك سوف تشجع تلك الخطوة على الجباية من موظفي الوكالة والمؤسسات الدولية وحكومة المقالة التي خصمت من موظفيها مرة واحدة فقط ! وأيضا ما هو مستحق على المؤسسات الحكومية التي لم تدفع فلسا واحدا بحجة الانقسام الذي انتهي، وكذلك التجار.. لكن الحقيقية غير ذلك، فكمية الكهرباء تقلصت أكثر من أول بكثير، ولم يجبى فلسا واحدا من الفئات الأخرى، أو أن الشركة كاذبة وتضحك على الكل، فلو تقدمت في موضوع الجباية لقلت نسبة العجز وزادت من كمية الكهرباء، وفي هذه الأيام تقوم بزيادة الفصل عن الناس لتغطية استراحات وكازينوهات بحر غزة التي لم ينقطع عنها التيار الكهربائي البتة؟؟ ماذا يعني هذا يا شركة توزيع الكهرباء..؟ تقولين أن لديك عجزا في كمية الكهرباء المتوفرة، وفي نفس الوقت تغطي كل شواطئ غزة بالكهرباء تحت مبرر أن مستهلكي الكهرباء على الشاطئ يسددون كل المستحقات التي تقع عليهم.. إن كان كذلك؛ فالأولى بالشركة تزويد كل الموظفين بالكهرباء خصوصا أن الشركة أصبحت مديونة كثيرا للموظفين الذين لم يستهلكون بقيمة الخصم من رواتبهم.. وصار واضحا أن الشركة أصبحت تستفيد من هذه الطريقة حينما يتم تغطية العجز في ميزانيتها من رواتب الموظفين، فإلى متى يبقى الموظف يسدد أرباح شركة الكهرباء، وها هي الحكومة القادمة على المحك إن استطاعت حل هذه المعضلة؟!

أما بنوك غزة راحت تستغوِل وتتوحش في سرقة أموال الناس بشكل منظم دون وازع أخلاقي، أو ضمير وطني.. عدد من هذه البنوك تلتحف بأغطية إسلامية ووطنية مستغلين بذلك ضعف المواطن المنهك، والذي يحتضر منتظرا الموت كخلاص وحيد من أزمته المستشرية.. فأحيانا عند دفع الرواتب لموظفي السلطة عبر تلك البنوك، وبحجة عدم وجود عملة إسرائيلية(الشاقل) وهي عملة التداول في أسواق غزة والضفة أيضا، وهي العملة التي ضختها السلطة في البنوك، ولأن الرواتب تحسب بالعملة الإسرائيلية كذلك.. راحت هذه البنوك استبدال الرواتب بالدولار الأمريكي، أو بالدينار الأردني بسعر أعلى من السعر الحقيقي في السوق السوداء، وهذا السعر أيضا اتفقت بنوك غزة على تحديده كي توفر لها ربحا ثابتا.. يخرج الموظف من البنك ليحول الدينار أو الدولار الذي استلمه إلى العملة الإسرائيلية المتداولة في الأسواق كي يغطي تكلفة حياته وحياة أسرته، فيجد أنه قد خسر من راتبه مبلغا يتراوح ما بين 0.5 ـ 1.5 % إن لم يكن أكثر في بعض البنوك حسب سعر الدولار فيها.. إضافة لما يعرف بمصطلح (المدين دوار) فهو عبارة عن منح الموظف راتب كامل أو راتبين مسبقا من البنك بضمان الراتب أو بضمان مدخراته من التأمين والمعاشات... هذه الطريقة السحرية والملتوية، وهي غير متوفرة حتى في دول الليبرالية المتوحشة.. قد تساعد الموظف وتحل له مشكلة محدودة مرة واحدة لكنه يبقى يسدد فوائدها شهريا طيلة الحياة.. بمعنى أن البنك ضمن من الموظف ربحا ثابتا ما لم يسدد هذا الراتب؟ ولو افترضنا أن البنك يجني فائدة بنكية من كل راتب بمعدل 35 شاقلا على الأقل ولو كان عدد الموظفين المدينين دوار 10 آلاف موظف في كل بنك، فكل بنك منهم سيحقق دخلا شهريا يقارب الـ 100 ألف دولار فقط من هذه الوسيلة؟ ما دامت هذه البنوك مؤسسات لا فائدة وطنية منها ولا تعمل على التنمية.. وتعمل فقط على كيفية الاستفادة من رواتب الموظفين، إذن فلتتحول إلى مؤسسات حكومية توظفها الدولة لتسهيل صرف رواتب موظفيها.. أو تستغني عنها وتجد طريقة أخرى لتسليم الموظفين رواتبهم بدلا من أن تكون هذه البنوك وحشا يأكل لحم المواطنين!!

أما شركة الاتصالات والجوال في غزة فقد فاقت الجميع في النهب المنظم، وإذا كانت البنوك في غزة قد توحدت في سياسة واحدة بدلا من المنافسة في تقديم الخدمة الأجود وبتكلفة أقل، واستطاعت أن تجد لها هامشا من الربح في ظروف غزة، بقت شركة الاتصالات والجوال تلعب في الساحة دون منافس، وتعلق سوء الخدمة على شماعة الاحتلال والانقسام، فأحيانا تبرر سوء الخدمة بأن الاحتلال لم يسمح لها القيام بتدخيل أجهزة ومعدات لغزة، وفي نفس الوقت تقوم ببيع المزيد من الاشتراكات والخطوط الجديدة مما تشكل ضغطا إضافيا على المساحة المخصصة لها فتزداد الخدمة سوء على سوء، إضافة لما يتم سرقته من أموال المشتركين نتيجة هذا الضغط، وكذلك سرقة نتيجة المشاركة في المسابقات والدعايات الكاذبة التي تبثها الشركة عبر أجهزة المواطنين.. فهل تمتلك وزارة الاتصالات الآلية التقنية لمراقبة عمل الشركة وطريقة سرقتها للأموال؟؟ كذلك الخطوط الأرضية والإنترنت سيئة الخدمة وأسعارها مرتفعة جدا، بدلا من تقديمها بأسعار في متناول جميع المجتمع الغزي.. صبر أهل غزة فاق كل حدود خلال سنوات الانقلاب، ومنهم من يسميها انقسام وآخرون بدؤوا يسمونها سنوات الإهمال.. فهل تستطيع الحكومة القادمة تغيير تلك المسميات إلى اسم جديد هو فلسطين الموحدة الجميلة والتي تحتضن الجميع؟؟.

بدي أصير وزير/ عطا مناع

قال لي صديقي.... يا أخي الواحد فينا صار مثل حمار الفرح يا للمية يا للحطب، وقال كمان أنا اليوم ملتي مديونير ونفس أصير رئيس حتى اكب على وجه الدنيا، وخاصة انو هاشغلة مش صعبة، بمعنى أن تكون وزيراً على سبيل المثال هذا يعني انك ولدت في ليلة القدر أو امك داعيالك، فالوزير في بلدنا له امتيازات بترفع الراس حتى لو شغل منصبة بضعة أشهر وهذا أحسن لأنة سيصبح وزير سابق، والوزير السابق له امتيازات، ولاولادة امتيازات ولأصدقائه امتيازات، يا أخي مرتب عمال على بطال ويقال أن مرتب الوزير خمسة الآلاف دولار غير البراني وجواز السفر الأحمر.
بعد حوار تنازل صديقي عن الوزارة واكتفي بان يطرح أسمة للوزارة القادمة وخاصة أنة لا ينتمي إلى الفصائل ألفلسطينية، بمعنى أنة والحمد للة تكنوقراط مية في المية، وبدقة اكبر ما دخل في وجعة الراس وانتمى لفتح أو لغير فتح من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية اللي روحها عم تطلب الرحمة وقراءة الفاتحة اللهم إذا بعثت من جديد كما الفنييق لتعيد لشعبها الاعتبار.
صديقي معو حق، ومن حقو وحق كل مواطن لا ينتمي للفصائل أن يصبح وزيرا، لكن صديقي دائما متعجل فهو من أنصار كن فيكون، وهو لا يتقن فن الانتظار، لأنة ببعض الانتظار قد يصبح وزيراً خاصة أنهم في الحوار طرحوا حوالي 170 مرشح لوزارة المصالحة حفظها اللة، وكل هؤلاء لا علاقة لهم بالفصائل، وتكنوقراط على سن ورمح.
شردت قليلاً وحاولت أن أجيب على سؤال لذاتي فقط، ما الفرق بين التكنوقراط والمهني والوطني والحربجي؟ المشكلة أن يكون هناك فرقاً، فعلى كل الوجوه وكيف ما دورتها أنت في مشكلة لانك تقع في فخ التمييز، فمن يغير المعقول أن لا يكون التكنوقراطي وطني، وجريمة إن نتعاطي مع فكرة أن الوطني الذي ينتمي إلى الفصائل إرهاب، والمشكلة الأكبر أن الفصائل وخاصة المتصالحة خرجت علينا وكأنها اكتشفت إكسير الحياة لشعبنا لتقول اطمئنوا الحكومة مش فصائلية الحكومة تكنوقراطية.
تعمقت في شرودي الذي وصل لمرحلة الهبل، وتذكرت حديث"العجايز" عندما كنا نقول لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة ولا صوت يعلو فوق صوت منظمة التحرير في الانتفاضة الأولى وما قبلها، وكيف أن بعض الأصدقاء قضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال، وان الآخرين كانوا يكسروا قرارات القيادة الموحدة ويذهبوا للعمل في المستوطنات ليتحولوا إلى مقاولين وبالمناسبة المقاولين أشكال وألوان ولتمر السنوات لصبح بعضهم اليوم من أصحاب الأيادي البيضاء أو تكنوقراط.
تذكرت كيف كان الشباب منغمسين في العمل الجماعي والتطوعي وينظموا المهرجانات التطوعية ويشاركوا في مخيم العمل التطوعي في الناصرة ويقطعوا الأميال ليصلوا إلى هذا الجبل أو ذاك ليمارسوا وطنيتهم على طريقتهم الخاصة، هؤلاء اليوم أصبحوا بين المطرقة والسنديان لا تكنوقراط ولا فصائل، وتذكرت احدهم كيف باع الأخضر واليابس وبول على كل من حوله وتحول اليوم إلى تكنوقراط، بالطبع هناك استثناءات ولكنني أتحدث من حيث المبدأ واستجدي جهابذة السياسة والفكر الفلسطينيين والعرب ليقولوا لي ما الفرق الجوهري بين الفصائلي والتكنوقراطي سوى رضا رب نعمتنا العم سام والدولة التي تتحكم بلقمة خبزنا وبحياتنا وكأنها قدرنا.
نبهني صديقي وتنبهت إلى نفسي لأعود للواقع التعس واقع يعيد إلى الأذهان صحراء التيه والهروب من الحقيقة التي تقول لا وزير ولا غفير ولا غيرو، وحتى إخواننا من ترشحوا للمجلس التشريعي كانت عيون بعضهم إلى الراتب والسيارة والوجاهة، ومن عايش الانتخابات الأولى والثانية يدرك ذلك، وقد قادني حظي التعس أنني أجريت العديد من الندوات الانتخابية على المحطات المحلية ما زاد من قناعتي أننا نلعب لعبة مضحكة، ففي إحدى المرات جاء الإخوة المرشحين ومن دون ذكر الأسماء، وقبل الظهور على الهواء بدأت ارتب لإلية الندوة لأنهم كانوا يدفعون 300 دولار على الساعة لمالك المحطة، فإذا بأحدهم يقول لي أنا لا أريد أن أتحدث، تفاجأت وقلت له لماذا أنت هنا إذا؟ فقال لقد حلفت يمين أن لا أتحدث هذه الليلة، يا صديقي .... هذا يمثلني ويمثلك في المجلس التشريعي.
اتفق معك يا صديقي أننا أسرى الحالة الغريبة العجيبة، فنحن بلد العقداء والوزراء والتحكم برقاب البلاد والعباد باسم دولة القانون التي تفتقر إلى القانون، فالقانون عليك وعلي، والقانون لا يحمي الفقراء ولا يخدم سوى باشاوات المرحلة الجدد الذين يقفزون من السفينة مع أول عاصفة ولنا في ذلك تجارب كثيرة، ألا تذكر الذي سرقوا قوتنا وهربوا أنهم الباشاوات، يا صديقي أننا نعيش زمن الأنفاق والاتوات والحكومات وصواريخ البزنس وزواج الأربع.
لا تفكر يا صديقي أن تكون وزيرا، فأنت تنتمي للذي ضرب حتى تقفع قفاه، وأنت يا صديق من قال يا راية العمال والفلاح، وأنت ما بيلبقلك تكون وزير، لانك لا تنتمي إلى العالم التكنوقراطي، وانتم عثر من مهدك إلى لحدك، وأنت لا تمسح الاخذيه ولا تلمع الزجاج، ولذلك أنا ادعوك يا صديقي لان تكون مع الشعب لان الديمومة لمن أعادوا لك ولي كرامتنا في ميدان التحرير وساحات الكرامة العربية، لذلك لا أنصحك بان تكون وزير ولا غيرو وبقية القصة عندك.

"الرحيل" الأول المطلوب عربيا/ نقولا ناصر


(الوضع العربي الراهن هو وضع ناتج أولا وأخيرا عن الاحتلال الأجنبي وقواعده العسكرية وأساطيله الحربية، وعندما لا تكون بوصلة الحراك الشعبي العربي متجهة نحو تغيير هذا الوضع فإن حرفها عن هذا الاتجاه سوف يقود إلى ديمومته لا إلى تغييره)


عندما تنشر صحيفة الاينديبندت البريطانية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري بأن المعدل الشهري للعراقيين الذين يسقطون قتلى يزيد على الثلاثمائة، ويقول معهد بروكينغز الأميركي إن ربع مليون رصاصة تستهلكها الولايات المتحدة من أجل قتل مقاوم عراقي واحد، وتنقل الأسوشيتدبرس عن الكولونيل الأميركي ريجينالد ألين الذي يقود قوات الاحتلال في خمس محافظات جنوبية عراقية قلق بلاده من "البيئة التي تزداد خطورة" نتيجة تصاعد المقاومة العراقية في الجنوب، ويكون نوري المالكي المحاصر إلى جانب قيادة قوات الاحتلال في "المنطقة الخضراء" ببغداد يتمتع بصلاحيات يحسده عليها أي حاكم عربي دكتاتور أو مستبد كرئيس للوزراء وقائد عام للقوات المسلحة وبالوكالة وزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية ووزيرا للأمن ورئيسا لجهاز المخابرات وتأتمر بأمره قوات "خاصة" لمكافحة "الإرهاب"، بينما تستمر منذ الخامس والعشرين من شباط / فبراير الماضي الانتفاضة الشعبية السلمية ضد حكمه وضد حكومته احتجاجا على فسادها وإنعدام الأمن وفقدان الخدمات الأساسية في ظلها وضد الاحتلال الأميركي الذي يحميها، ويستمر كذلك القمع الدموي لها، عندما يحدث كل ذلك وغيره الكثير ويظل العراق خارج دائرة الضوء في ثورات ما أطلقت عليه وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، مصطلح "الربيع العربي" في خضم الدفق السياسي والإعلامي الأجنبي والعربي المحرض على تغيير الأنظمة و"رحيل" القادة، فإن إشارة تحذير حمراء يجب أن تنطلق على الفور كي لا يفقد الحراك الشعبي العربي بوصلته، وبخاصة في العراق.

والوضع العربي الراهن الذي تهتز أركانه في مواجهة الحراك الشعبي العربي المطالب بتغييره هو وضع ناتج أولا وأخيرا عن الاحتلال الأجنبي وقواعده العسكرية وأساطيله الحربية فوق الأرض والمياه العربية، وعندما لا تكون بوصلة الحراك الشعبي العرب متجهة نحو تغيير هذا الوضع الراهن فإن حرفها عن هذا الاتجاه سوف يقود إلى ديمومته لا إلى تغييره.

إن الضخ الإعلامي في اتجاه يعاكس الاتجاه الطبيعي لبوصلة الحراك الشعبي العربي الذي يعتم حاليا على حقيقة أن الرحيل الأول المطلوب عربيا في الوقت الحاضر هو رحيل الاحتلال عن العراق وفلسطين ورحيل القيادات العراقية والفلسطينية والعربية التي تتأقلم مع الاحتلالين كأمر واقع هو ذات التعتيم الإعلامي الذي دفن الحقائق المرعبة التي كشفتها وثائق "ويكيليكس" العام الماضي والتي قدمت "أدلة كافية لإدانته (نوري المالكي) بأكثر من 50 قضية تضمنتها الوثائق، وبوقائع محددة، منها قيادته لمليشيات .. يشرف عليها ارتكبت جرائم حرب مركبة من جرائم إبادة وجرائم ضد الانسانية، ووثائق الإدانة لا تقبل الشك أو التأويل، لأنها وثائق صادرة عن الجيش الأميركي وأكد المسؤولون الأميركيون مصداقيتها"، كما كتب الأكاديمي العراقي د. عادل البياتي في حينه مضيفا أن وزيرة حقوق الإنسان في حكومة المالكي صرحت بأنها لم تفاجأ بالوثائق وأنها كانت تعرف وقائعها.

قدر رافع العيساوي، وزير المالية في حكومة المالكي، الانفاق المتوقع في الميزانية العراقية للسنة المالية 2012 بحوالي (115) تريليون دينار عراقي (حوالي 102.9 مليار دولار أميركي) في بلد عربي أكد مسؤولوه الحاليون مؤخرا أنه يملك ثاني أكبر احتياطات نفطية العالم. ومع ذلك فإن المواطن العراقي مجيد "أبو عراق"، الذي يعمل مصلحا لأجهزة الهاتف الخلوي، والمغرم بحب وطنه حبا دفعه إلى إطلاق اسم عراق على ابنه البكر واسم بغداد على ابنته، قد انضم إلى المحتجين في ساحة التحرير بالعاصمة العراقية وهو يلف جسمه بالعلم العراقي لأنه عاطل عن العمل ولا يستطيع بناء سكن يملكه بالرغم من وطنيته كما قال للكريستيان ساينس مونيتور يوم الثلاثاء الماضي، مع أنه ليس واحدا من كل ستة عراقيين يعيشون في فقر على ما يعادل دولارين في اليوم، لأن مسؤولا في القاعدة العسكرية والاستخبارية الأميركية التي تسمى سفارة الولايات المتحدة في المنطقة الخضراء يعد "أبو عراق" قائلا على ذمة الصحيفة الأميركية ذاتها: "أنا لا أعتقد بأن العراق سوف يكون في أي وقت من الأوقات دولة بترولية" بسبب النمو المتسارع في عدد السكان الشباب حيث أن حوالي (40%) من ثلاثين مليون عراقي تقريبا هم الآن دون سن الخامسة عشرة، وكأنما يخير هذا المسؤول الأميركي العراقيين بين التمتع بثروتهم الوطنية وبين الاستمرار في التكاثر الطبيعي بمنطق يوحي بأنه من الأفضل "خصيهم".

لذلك من الطبيعي أن يكون رحيل الاحتلال الأميركي في رأس مطالب الحراك الشعبي السلمي العراقي. وكان عنوان جمعة الغضب العراقي الأخيرة هو "جمعة الوعد الكاذب"، في إشارة إلى وعد المالكي بتلبية مطالب انتفاضة 25 شباط خلال ثلاثة أشهر يطلب الآن تمديدها، للتأكيد بأن أي وكيل للاحتلال الأميركي الذي انكشفت كل ذرائعه لغزو العراق واحتلاله عن أكاذيب فاضحة لا يمكن أن يكون أصدق من الاحتلال الذي يحاول تمكينه من الحكم بالنيابة عنه.

وفي هذا السياق يلفت النظر المناورات التي تقوم بها "الكتل السياسية" المؤتلفة أو المختلفة في إطار "العملية السياسية" الأميركية للتفريق بين المحتل الأجنبي وبين وكيله المحلي. فالمظاهرة التي حشد لها "التيار الصدري" في نهاية الأسبوع الماضي للمطالبة برحيل الاحتلال الأميركي خير مناورة للحق الذي يراد به باطل. فالجماهير التي خرجت بعشرات آلافها للمطالبة برحيل الاحتلال وعدم التمديد لبقاء قواته في العراق لا يمكن إلا أن تكون صادقة في مطلبها ودوافعها، غير أن التساؤل عن السبب الذي يمنع قيادتها الصدرية من حشدها للانضمام إلى الحراك الشعبي السلمي المطالب برحيل حكومة وكيل الاحتلال ورئيسها وفسادها كجزء لا يتجزأ من الاحتلال ونظامه وإرثه، أو الانضمام بسلاحها الذي يتمتع ب"إجازة" من مقاومة الاحتلال إلى المقاومة الوطنية للاحتلال التي لم تأخذ إجازة ولو ليوم واحد منذ الغزو عام 2003، فإنه تساؤل يكشف الباطل الذي يتستر وراء هذا المطلب الحق والمحق. فالفضل في وصول نوري المالكي إلى سدة الحكم الذي يطالب الحراك الشعبي برحيله يعود إلى "التيار الصدري" ودعمه، لذلك فإن حكومة المالكي هي حكومة التيار الصدري أيضا.

وعشية الموعد المقرر لرحيل قوات الاحتلال الأميركي نهائيا عن العراق في نهاية العام الحالي كان من الطبيعي أن تتفكك شراكة الأمر الواقع الأمنية بين إيران وبين الولايات المتحدة في العراق، ومن الطبيعي كذلك أن يطالب "أنصار وأصدقاء" إيران برحيل الاحتلال الأميركي دون المطالبة برحيل وكيله المحلي المتمثل فيهم، ومن الطبيعي أيضا أن يكون الحراك الشعبي السلمي المستمر والمتصاعد تهديدا للاحتلال الأجنبي بقدر ما هو تهديد لهم، ولذلك كان لا بد من حرف بوصلته مرة بالتظاهر ضد أميركا وأخرى بالتظاهر للتضامن الطائفي لا القومي أو الإنساني مع "الأشقاء في البحرين"، لكن ولا مظاهرة ضد الممثل المحلي للاحتلال الأميركي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعبين العراقي والبحريني على على حد سواء، دون أي حرج من التناقض بين الدعم والتحريض ضد الحكم في البحرين الذي عمره من عمر الاستقلال الأميركي تقريبا والذي كان موجودا قبل أن ترث الامبراطورية الأميركية سابقتها البريطانية في الهيمنة على المنطقة بوقت طويل بدعوى الدعم الأميركي له وبين الدفاع عن الحكم الذي أقامه الاحتلال الأميركي في العراق منذ ثماني سنوات فقط وبالكاد يقف على قدميه حتى الآن في مواجهة المقاومة الوطنية له.

إن اغتيال المدير التنفيذي لهيئة اجتثاث البعث التي أنشأها الاحتلال الأميركي وأعطاها وكلاؤه المحليون اسم هيئة المساءلة والعدالة، علي سيف حمد اللامي، يوم الخميس الماضي قد سلط الأضواء على مشكلة انعدام الأمن التي تتفاقم في العراق بالرغم من وجود حوالي مائة ألف جندي و"متعاقد أمني" أميركي وحوالي مليون مجند في أجهزة "قوى الأمن" العراقية التي أنشأها الاحتلال، أو ربما يكون الأدق القول بسبب وجودها في المقام الأول، بعد مضي ثماني سنوات من الاحتلال. فخلال نيسان / أبريل الماضي، حسب وزارة الداخلية في حكومة المالكي، وقعت خمسون عملية اغتيال مماثلة بأسلحة كاتمة للصوت كان منهم قادة في الجيش والشرطة ونائب وزير ورئيس مصلحة الضرائب وعضو برلمان وقاضي ورئيس المسرح الوطني. وحسب وزارات الدفاع والداخلية والصحة قتل (211) عراقيا في الشهر ذاته منهم (120) مدنيا وجرح (377) عراقيا منهم (190) مدنيا، بينما قتل في الشهر الذي سبقه (247) عراقيا وجرح (370). وفي تشرين الأول / اكتوبر من العام الماضي صرح مؤسس موقع ويكيليكس، جوليان اسانج، لفضائية السي إن إن إن بأن الوثائق الأميركية التي كشفها تحدثت عن "حمام الدم" في العراق وأوضحت أن عدد الضحايا العراقيين للاحتلال الأميركي يزيد خمس مرات على عدد ضحايا الحرب الأميركية على أفغانستان. ومع ذلك ما زال العراق خارج دائرة ضوء الدعوة إلى "التغيير والرحيل".

غير أن اغتيال اللامي يسلط الضوء كذلك على العقوبة الجماعية التي يفرضها الاحتلال ووكيله في المنطقة الخضراء عبر "مصفاة" هيئة المساءلة والعدالة على الملايين من خيرة الكوادر العراقية الماهرة والمدربة التي تحتاجها الدولة العراقية بحجة "اجتثاث" حزب البعث، لكن بهدف استنزاف المزيد من الثروة الوطنية في التعاقد مع بدائلهم من "الخبراء" الأجانب. إن الضجة السياسية التي أثارها إقصاء الهيئة لأكثر من خمسمائة مرشح في الانتخابات الأخيرة، حسب "مفوضية الانتخابات"، قد أعادت تسليط الضوء على هذه العقوبة الجماعية. وفي شباط / فبراير العام الماضي "اجتثت" الهيئة (376) ضابطا من المراتب العليا في الجيش والشرطة كان منهم مدير الاستخبارات العسكرية، ثم يأتي وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى بغداد مؤخرا ل"لإقناع" وكلائه فيها بطلب التمديد لبقاء قوات الاحتلال بحجة عدم جاهزية الجيش العراقي بعد!

لكن الأخطر في قرارات "الاجتثاث" أن القوائم الي تعلنها الهيئة لمن تشملهم بقراراتها سرعان ما تتحول إلى قوائم للتصفية الجسدية خارج نطاق أي قانون على أيدي عملاء المخابرات الإيرانية والمليشيات الطائفية الموالية لها. إن اعتقال قوات الاحتلال الأميركي لعلي اللامي في أيلول / سبتمبر عام 2008 في مطار بغداد أثناء عودته من لبنان إلى العراق بجواز سفر مزور قبل ان تفرج عنه في آب / اغسطس العام التالي بتهمة كونه قائدا بارزا في مثل هذه المجاميع الإيرانية ومسؤولا عن تصفيات جسدية مماثلة لأكثر من (450) "مجتثا" هو اعتقال يذكر بأن هذه الهيئة التي كان يقودها مع أحمد الشلبي وانتفاض قنبر هي إحدى أهم الواجهات الإيرانية في العراق. إن مسؤولية هذه الهيئة عن الآف التصفيات الجسدية خارج القانون وعن حرمان مئات الآلاف من العراقيين من الحق في العمل وكسب الرزق سوف تظل بانتظار محاكمة عادلة للهيئة ومسؤوليها، لكنها إلى ذلك الحين قد تحولت إلى دافع قوي للحراك الشعبي العراقي من أجل "التغيير والرحيل".

إن الغليان في الشارع العراقي لا يقل بل يزيد على أي غليان في أي شارع عربي، إذ بالإضافة إلى كل الأسباب السابقة وغيرها للثورة الشعبية في العراق و"في خضم كل هذه الاحباطات، فإن الاقتصاد لا يخلق وظائفا، والخدمات لا يتم تقديمها كما ينبغي – فأين يوجد عدم الثقة؟ إنه في السياسيين"، كما قالت د. سيمونا مارينسكيو التي تشرف على إعادة هيكلة (176) شركة تملكها الدولة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإعادة هيكلة هذه الشركات تنذر بمزيد من البطالة التي تحرك قطاعا كبيرا من الشارع العراقي كون القطاع العام للدولة يشغل أكثر من ستين في المائة من قوة العمل العراقية.

ومن المؤكد أن المالكي قد فشل في الوفاء بوعوده الخاصة بتوفير الخدمات خلال مائة يوم تنتهي في السابع من حزيران / يونيو المقبل. وقد أنشأت حوالي عشرون منظمة شبابية "هيئة تنسيق الحراك الشعبي" وأعلنت عن "جمعة القرار والرحيل" في العاشر من الشهر المقبل لتكون "يوم الفصل والقصاص وحدا فاصلا لكل الذين شاركوا في إذلال هذا الشعب. فلقد اشترك الجميع في هذه الجريمة ولن نستثني أحدا ممن اشتركوا في حكومة المحاصصة الطائفية الفاسدة" كما قال ناصر الياسري الناطق باسم حركة 15 شباط الشبابية (ايلاف)، مما ينفي ما تنبأ به تيم أرانغو ومايكل شميدت في النيويورك تايمز في الثامن عشر من هذا الشهر من أن "الاحتجاجات" العراقية "قد انتهت كما انتهت إليه الاحتجاجات في البحرين وسلطنة عمان".

ف"يوم الغضب" العراقي الشعبي الذي انطلق في الخامس والعشرين من شباط / فبراير الماضي يبدو مرشحا لانفجار مزيد من الغضب، ويبدو المالكي وحكومته مستعدون للتصدي لهذا الحراك حتى لو قاد ذلك إلى الولوغ أكثر في دماء العراقيين. ويتلخص موقفهم في قصة الناشطة الشبابية فاطمة أحمد التي أوردتها منظمة العفو الدولية في تقريرها عن العراق للشهر المنصرم: "إذا لم توقفي نشاطاتك السياسية المعارضة، فإننا سوف نختطفك، ونغتصبك، ونصور الاغتصاب على شريط فيديو" كما هددها مسلحون ذهبوا إلى بيتها أثناء "يوم الغضب". إن مثل هذه التهديدات، وصحوة المالكي على المصالحة الوطنية التي دعا إليها مؤخرا باستثناء مع البعثيين، وإلغاء صفقة شراء طائرات إف-16 الحربية الأميركية بعد انفجار يوم الغضب العراقي، هي جميعها شواهد على خوف حقيقي من الحراك الشعبي العراقي ضد حكومته وضد "العملية السياسية" التي جاءت بها وضد الاحتلال الذي هندسها ويحميها.



وبالرغم من كل ذلك وغيره، ما زال العراق خارج دائرة الضوء الإعلامي والسياسي ل"الربيع العربي" الذي لن تزهر براعمه حقا إلا إذا احتل العراق المرتبة الأولى في الدعوة الجارية إلى "التغيير والرحيل".



* كاتب عربي من فلسطين

* nassernicola@ymail.com




سباق بين إعلان لبنان دولة فاشلة والاستيلاء على هذا اللبنان/ لاحظ س حداد


حزب الله يحضِّر الساحة جنوبيا وعون يستكمل تقويض الدولة في الداخل!

1) الاعتداء الأخير على قوات الأمم المتحدة إشارة متقدمة لنوايا حزب الله في دفع هذه القوات إلى التخلي عن دورها وترك مهمتها في تنفيذ القرار رقم 1701 والعودة إلى بلادها..
ونتساءل: هل في إخلاء جنوب لبنان من قوات الأمم المتحدة يخدم لبنان ويحمي حدوده أم أنه سيُعيد قوات المقاومة الإسلامية إليه ومعها بالطبع "جحافل العائدين" ستقوم بهذه الحماية، أم أن الأمر لا يعدو كونه تحويل الأنظار عما يجري في "القطر" السوري؟ في كلتا الحالتين سيكون مبرراً هاماً أمام الأمم المتحدة لإعلان لبنان دولة فاشلة!

2) استفزاز وزير تكتل الاصلاح والتغيير وتحريك موضوع شبكة الاتصالات الثالثة في هذا الوقت بالذات الذي إن دل على شيء فهو استكمال خطوات زعيم الرابية ( واجهة حزب الله السياسية ) في تقويض مؤسسات الدولة، بعد استمرار تعطيله تشكيل حكومة العهد الثانية، ومثابرته على التهجّم على رئيس الجهورية ومعه الرئيس المكلّف، كل هذه المؤشرات تؤكد الشك بيقين العلم أن وزير الاصلاح والتغيير كان يحضّر لتفكيك أجهزة هذه شبكة الاتصالات وتسليم مخزوناتها إلى حزب الله، بما فيها "الداتا" المطلوبة من شعبة المعلومات عن تحركات الخاطفين المخطوفين من أستونيا..

3) كل هذه التحركات المشبوهة تشير بوضوح ليس بعده أن السباق بين إعلان لبنان دولة فاشلة والاستيلاء على هذا اللبنان واستبدال نظامه الديمقراطي بنظام شمولي دكتاتوري يبدأ بِ" تحت الزنار" وينتهي بِ " فك الرقاب"..
ما يشجّع على هذا اليقين أن هذا السباق واقعي بين هاتين الحالتين، أثبته الشعب السوري بتنقيس غضبه يوم جمعة "حماة الديار" بتمزيقه صور حسن نصرالله بعد تأكيد اتهام حزبه والإيرانيين بالاعتداء على وقتل المتظاهرين في مدن سوريا، خاصة بعد خطاب نصرالله الأخير الإرشادي والداعم للنظام الأسدي..
ربما كان هذا الدافع أساسي لإسراع حزب الله وزعيم الرابية في توجيه ضربتيهما النوعيتين إلى حماة الديار اللبنانية، جيشه وقوه الأمنية معاً وفي وقتٍ واحد، وفي ظنهما أن عملهما هذا سيحول دون تحرُّك الشارع اللبناني للدفاع عن اللاجئين من إنتقام النظام السوري وذلك بجعل لبنان الدولة خارج تعهدات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان..
ومن هنا كان موقف زعيم الرابية الفوري ودعم حزب الله له فيما تصرَّف به وزير الاتصالات عن سوء نية واضحة لتحويل الأنظار أيضاً إلى الداخل اللبناني، عوض الاهتمام بباقي الأمور المستحقة، والمباشرة في تحدي رئيس البلاد على الوجه الذي رأيناه في الوقت الذي يتابع الحزب مهماته لخلخلة الاستقرار في الجنوب..

4) صحيح أن رئيس البلاد، رئيس الجمهورية، هو المسئول والقائد الأعلى للقوات المسلحة اللبنانية كما ينص الدستور وليس كما يصفه زعيم الرابية في مؤتمره الصحافي، باستخفاف منقطع النظير:"" هو يقول "، لهذا نحن ندعم طلب زعيم الرابية في التسليم الكلي لإرادة الرئيس للتصرف بما يمليه عليه دستور البلاد الذي أقسم بالمحافظة عليه، ولكن ليس كما يطالب زعيم الرابية أو حزب الله أو أي طرف آخر يعرقل سير الدولة كي يطالب بتدميرها!

أهم ما نعتقده ملحاً اليوم هو أن يضع رئيس البلاد يده بالكامل مع يد الرئيس المكلَف فيشكلا الحكومة المطلوبة على الشكل الذي في نظرهما يحقق حماية الدولة ونظامها من جميع المخاطر التي تهدد البلاد من الخارج إضافة إلى تهديدات من لم يعد يعشعش في عقولهم سوى التمكّن الكلي من السلطة، وبكل وسيلة ممكنه حتى ولو بتدميرها، إذ أن لبنان بات بالنسبة إليهم دولة شمشون الذي هدم هيكلها تحت شعار: عليّ وعلى أعدائي!
أجل ، فخامة الرئيس، لبنان اليوم في أشد الحاجة إلى تحركٍ سريع من قبلكم يقي البلاد مغبة السقوط في أيدي الغباء السياسي المستشري في عقول هؤلاء السياسيين الذين لم ولن يألوا جهداً في تدميرها لاستلامها وتغيير نظامها؛ هؤلاء باتوا متأكدين أن سقوط سوريا في فخ التغيير لن يساعدهم في تحقيق مآربهم الشخصية مهما غلفوها بشعارات محاربة الفساد وسفسطائية تناظرية عن الدستور وسوء استعماله في الوقت الذي يقطعون أوصاله يوماً بعد يوم..

إن لبنان في حاجة ماسّة إلى يدٍ حديدية تُمسك بتلابيب كل معتدي على أمنها تحت أية مسميّات فالوقت بات داهماً وما لم تبادروا إلى اتخاذ الخطوات المناسبة فإن سقوط لبنان في أيدي حزب الله وواجهته، سوداء الجبين، سوف يقود البلاد حتماً إلى صراع مخيف أين منه حرب الأيام السوداء التي ضربت لبنان طوال السنوات العجاف الماضية وذهب ضحيتها ما يزيد عن 200 ألف قتيل ومئات ألاف الجرحى والمعوّقين..

إعلان لبنان دولة فاشلة سيحيل بلدنا إلى انتداب أممي أين منه الانتداب القديم إثر الحرب الثانية والذي عاني لبنان واستقلاليّوه سنوات من الجهاد للخلاص من ربقته..
إقطعوا يد المارقين قبل أن يقطعوا رقاب اللبنانيين.. وشكراً .

التيار السيادي اللبناني في العالم / نيوزيلندا


ـ 15 آذار وضرورة الاستمرار/ رؤية أحمد عرار

مدون ناشط مجتمعي


لقد بدأت التحركات الشبابية بلا أي تنظيم ولم يكن يسعى الشباب الداعي إلى إنهاء الانقسام إلى وضع خطط وأهداف إستراتيجية وبعيدة الأجل ، كان هدفهم فقط إنهاء الانقسام ووحدة الوطن.
واليوم بعد توقيع المصالحة ماذا يريد الشباب هل ستنتهي تحركاتهم أم سيواصلون من اجل مطالب أخرى؟
بالنسبة لي سيستمر الشباب وسيكمل مشواره من اجل تحقيق مطالب عديدة فشعار انهاء الانقسام كان يُبطن الكثير من مطالب الشباب والت لم يكن يجدي الحديث عنها في ظل الانقسام الجغرافي والسياسي.

العناصر المكونة لنجاح أي تحرك اجتماعي

الاستمرارية:
إن من أهم عوامل نجاح الحركات الاجتماعية الاستمرارية. يؤكد عالم الاجتماع غولد وكولب أهمية الجهود المستمرة لجماعة اجتماعية تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة لجميع الأعضاء فالفعل المستمر هو الذي يؤهل الممارسة الاحتجاجية إلى الانتماء مفهوميا إلى الحركة الاجتماعية كجهود منظمة وغير عابرة تروم كتابة زمن آخر ينتفي فيه واقع ويتأسس فيه آخر.
التنظيم:
يعتبر التنظيم عنصر مهم في التأسيس لأي حركة اجتماعية، فالحركة الاجتماعية تفترض درجة معينة من التنظيم لبلوغ هدف التغيير والتجاوز يقول غي روشي إنها تنظيم مهيكل ومحدد له هدف علني يكمن في جمع بعض الأفراد للدفاع عن قضايا محددة.
وكل حركة اجتماعية تتطلب حدا ادني من التنظيم مع ما يستتبع هذا التنظيم من آليات وقواعد للسلوك والتدبير والتعبير، وهي محددات أساسية للبنية التحتية للفعل الاحتجاجي.

أهداف واضحة:
إن من الشروط الأولى لوجود حركة اجتماعية وجود أهداف خاصة بها، ويعغتبر وضوح هذه الأهداف شرط ضروري لنجاح أي تحرك اجتماعي.

معايير:
من أهم المقومات لوجود حركة اجتماعية ناجحة وجود معايير تتم على أساسها عملية التعبئة والتحشيد تكون مقبولة اجتماعيا ومن الممكن أن يتحقق في صددها نوع من الإجماع في شكل تضامن وتأييد مطلق أو تعاطف نسبي . فالمعايير تعتبر بمثابة النموذج أو النمط الواجب أن يتبعها أعضاء الحركة.

الخطاب:
لا يمكن إطلاقا أن نتصور حركة اجتماعية بلا خطاب مؤطر وموجه لفكرة الاحتجاج فالخطاب يعبر عن البنية الفوقية للحركة الاجتماعية.

تبادل الأراضي ينسف حدود 1967/ نقولا ناصر

يقود الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم وعلنا "حملة" عالمية، بالنيابة عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضد مسعى مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية للحصول على عضوية "دولة فلسطين" في الأمم المتحدة، ويعتبر هذا المسعى "ببساطة غير واقعي" و"خطأ" ومجرد عمل "رمزي .. لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة... ولن يحقق هدفه المعلن في الحصول على دولة فلسطينية"، ويتعهد بأن لا تكون الولايات المتحدة "متعاطفة" معه وبأنها "سوف تظل" تدافع عن رأيها هذا "في الأمم المتحدة وفي اجتماعاتنا المختلفة حول العالم على حد سواء".

ويصر الرئيس الأميركي الرابع والأربعين على أن لا يترك أي مجال للدفاع عنه لمن ما زال من عرب فلسطين والعرب بعامة يراهن عليه كي ينجح في ما فشل فيه كل أسلافه في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بل كي يشذ عن سياسة الانحياز الكامل وازدواجية المعايير لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الصراع العربي معها.

فهو اليوم قد تجاوز الحد الفاصل بين إدعاء العجز عن الوفاء بوعوده لهم وبين الجرأة المكتشفة حديثا لديه على تبني جدول أعمال أكثر حكومة متطرفة في رفضها حتى لشروط الحد الأدنى لأي تسوية سياسية في تاريخ دولة المشروع الصهيوني ليحول بلاده علنا وعمليا إلى شريك لدولة الاحتلال في احتلالها، وهو ما كانت الدبلوماسية العربية والفلسطينية تدركه دائما دون أن تفصح عنه أملا في "معجزة" قد تحدث يوما فتجعل واشنطن تمنح ألأولوية للمصالح الأميركية على مصالح دولة الاحتلال بعد عقود طويلة من الزمن طغت فيها المصالح الثانية على الأولى.

وهو خلال جولته الحالية التي تستغرق ستة أيام في أربع دول أوروبية "شن حملة لإقناع القادة الأوروبيين بعدم الموافقة على محاولة فلسطينية منفصلة للحصول على دولة" كما قالت صحيفة لوس أنجيليس تايمز الخميس الماضي، ناسبة إلى مسؤولين أميركيين القول إن أوباما وضع هذه "القضية في رأس أولوياته طوال جولته" كي يحول قمة الثمانية الكبار إلى "جبهة متحدة" في مواجهة المسعى الفلسطيني.

وعلى ذمة "ذى غلوب اند ميل" الكندية يوم الأربعاء الماضي سعى أوباما إلى إصدار بيان موحد من القمة يؤكد على "طريق تفاوضي إلى دولة فلسطينية" ك"هدف رئيسي" للقمة التي انعقدت في مدينة دوفيل الفرنسية من أجل "استباق" إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة "يعلن دولة فلسطينية ضد إرادة إسرائيل". وباراك أوباما يعرف بأن "الفيتو" الأميركي قادر منفردا على إجهاض المسعى الفلسطيني.، لكنه يسعى إلى تأليف "جبهة عالمية" لإجهاضه.

إن منظمة التحرير لا تسعى إلى اعتراف بدولة فلسطينية أعلنتها منذ عام 1988. وكما أعلن سفير مصر لدى الأمم المتحدة، مجد عبد العزيز، في نيويورك مؤخرا، يوجد اليوم 112 دولة عضو في الهيئة الأممية تعترف بها. بل تسعى المنظمة إلى قبولها عضوا في الأمم المتحدة. وحسب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، جوزيف دايس، في مقابلة نشرتها "جاكرتا بوست" الاندونيسية الخميس الماضي، هناك ثلاث خطوات على المنظمة اتباعها لهذا الغرض، أولها تقديم طلب بذلك إلى الأمين العام، وثانيها وجوب أن يعرض الأمين العام هذا الطلب على مجلس الأمن لمناقشته ثم يحيل المجلس توصية له بهذا الشأن إلى الجمعية العامة، وثالثها أن تتخذ الجمعية العامة قرارا بشأن الطلب تحتاج الموافقة الايجابية عليه إلى تأييد ثلثي الأعضاء البالغ عددهم الآن 192 عضوا، أي 128 عضوا.

ومن الواضح أن حق النقض "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن هو ممر إجباري مجرب فلسطينيا وعربيا، ومن المؤكد أن أوباما يوصد هذا الباب تماما أمام الطلب الفلسطيني، ويقود "حملة" عالمية لإجبار منظمة التحرير على العودة إلى طاولة مفاوضات أثبتت عقمها حتى الآن، ومن المؤكد أن خطابيه الخميس قبل الماضي والأحد الذي تلاه وكذلك خطابي رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في الكنيست ثم في الكونغرس الأميركي لم يتركا مجالا لأي مفاوضات يمكن أن يدخلها أي مفاوض فلسطيني بماء وجه يكفي للنظر في أعين شعبه.

لقد طالب أوباما بتجميد الاستيطان كشرط لاستئناف التفاوض وتراجع عندما تبنى الرئيس محمود عباس ما طالب به. وأعلن أوباما في أيلول / سبتمبر العام الماضي عن أمله في رؤية الدولة الفلسطينية عضوا في الأمم المتحدة في الشهر ذاته من هذا العام وعندما بدأ عباس يستعد لذلك فعلا تراجع أوباما ثانية وها هو اليوم يشن "حملة" عالمية لمنع عباس من الحصول على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة.

ومع أن المؤمن لا يلدغ من الجحر ذاته مرتين فإن الرئيس عباس وفريق مفاوضيه ينوون كما يبدو أن يثبتوا بأن بني آدم خطاء بالرغم من ايمانه، ولهذا بدأوا يلوحون باستئناف المفاوضات، فالرئيس عباس يكرر بأن "المفاوضات ما زالت خيارنا الأساسي" و"يرحب" بحملة أوباما الدولية من أجل استئنافها كبديل للتوجه إلى الأمم المتحدة، واللجنة التنفيذية للمنظمة لا اعتراض لديها على تبادل الأراضي كأساس لاستئنافها وتشترط فقط أن يكون استئنافها "عملية سياسية جادة" و"وضع آلية فعلية وجدول زمني" لها قبل أيلول / سبتمبر المقبل كما قال أمين سرها ياسر عبد ربه وهو يكرر باسم اللجنة "الترحيب" بموقف أوباما، وهو ذاته موقف نتنياهو الذي هلل له الكونغرس الأميركي.

لقد اعتبر مفوض العلاقات الخارجية في حركة فتح د. نبيل شعث، هذا الموقف "إعلان حرب على الفلسطينيين"، معبرا بذلك عن إجماع وطني لا يشذ عنه سوى المفاوض الذي رحب به. إن ترحيب المنظمة "بجهود أوباما" التي تنصب على إجهاض تحركها في اتجاه الأمم المتحدة يبدو كاستسلام في هذه الحرب قبل أن تبدأ، ربما لأن هذا المفاوض على الأرجح لا يأمل في نجدة من لجنة المتابعة العربية في الجامعة التي عجزت عن عقد مؤتمر قمتها العادية هذه السنة، ولا يأمل في اللجنة الرباعية الدولية التي خذلته بتأجيل اجتماعها المقرر الأخير مرتين.

وتنذر بوادر استسلام مفاوض المنظمة لجدول أعمال أوباما – نتنياهو بخطر على المصالحة الوطنية يهدد بتجريده من مصدر القوة الوحيد المتبقي له وهو الوحدة الوطنية المأمولة من اتفاق المصالحة الأخير في القاهرة.

عندما نسف أوباما رؤيته لدولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 بربطها ب"تبادل للأراضي" فهمت دولة الاحتلال تماما التناقض بين الأمرين، لكنها كانت تريد تأكيدا معلنا وتفصيليا ولذلك أصدر مكتب نتنياهو بيانا جاء فيه إنه "يتوقع إعادة تأكيد من الرئيس أوباما على التزام الولايات المتحدة بالتعهدات التي قدمتها عام 2004"، وكان يشير إلى التعهدات التي قدمها جورج دبليو. بوش، سلف أوباما، في رسالة إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق آرييل شارون في 14/4/2004، ومنها عدم الانسحاب إلى خطوط 1967 من أجل السماح لدولة الاحتلال بضم المستعمرات الاستيطانية الكبرى وضمان يهودية دولة الاحتلال بعدم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إليها. وقد استجاب أوباما لهذا الطلب في خطابه أمام منظمة "ايباك"، الذي امتدحه نتنياهو، لأن أوباما "منحه نصرا دبلوماسيا كبيرا" كما كتب ألوف بن في هآرتس. ومن تلك التعهدات بدأ التركيز على فكرة "تبادل الأراضي".

إن قبول مفاوض المنظمة بهذه الفكرة بل ودخوله في مفاوضات فعلية على أساسها هو تخبط قصير النظر يدفع هذا المفاوض ثمنه الآن بحيث لم يصدر عنه أي نقد أو احتجاج على مطالبة أوباما بأن "يتفاوض الإسرائيليون والفلسطينيون على حدود مختلفة عن تلك التي كانت موجودة في الرابع من حزيران / يونيو 1967"، فالرئيس الأميركي في نهاية المطاف جدد ما تعهد به سلفه لدولة الاحتلال وما كان مفاوض المنظمة قد وافق عليه.

وإذا كان نتنياهو يشترط التزام الولايات المتحدة بتعهدات بوش لشارون كمرجعية أساس للدخول في مفاوضات، فإن صدقية المنظمة في المطالبة بدولة فلسطينية على حدود 1967 تقتضي، كشرط مسبق للتفاوض، أن تتخلى واشنطن عن هذه التعهدات لاثبات صدقيتها بدورها في أنها تسعى حقا إلى حل دولتين على أساس تلك الحدود. وإذا كانت المنظمة قد اخطأت بذهابها إلى مؤتمر أنابوليس عام 2007 ثم أخطأت بموافقتها على استئناف المفاوضات في مستهل ولاية اوباما لأنها لم تطالب بذلك فإن تلميحها الآن باستعدادها لاستئناف المفاوضات دون المطالبة به سوف يتحول إلى خطيئة لا تغتفر.
* كاتب عربي من فلسطين


مجاز كروي/ المحامي جواد بولس


أوشكت مباراة منتخب إسرائيل مع منتخب إيرلندة على الانتهاء. في سيارة إحدى الدوريات، شرطيان يتابعان مجريات اللعبة على صوت الراديو والخيبة. جووووول، صرخ المعلق. عباس صوان، اللاعب السخنيني العربي ولاعب المنتخب الإسرائيلي، يحرز هدفًا ثمينًا لصالح منتخبه وينقذ الدولة من فشل مبكر محقق في نهائيات مونديال ٢٠٠٦.
من جهازه اللاسلكي يسارع الشرطي بزف البشرى إلى زميله المرابط في دورية أخرى. يسأل المبشَّر عن صاحب الهدف، وبلهفة تلقائية وعفوية يجيبه المبشِّر، وبدون أن يحترس من وجود شريكه العربي الجالس في المقعد بجانبه، "إنّه المخرب!".
لم يسمع عباس دويّ هذه اللهفة الساقطة. مباشرة، تهافتت عليه عدسات الفرح وميكروفوناته، وبإيمانه طار على أجنحة الحلم وتمنى أن يعزز هدفُه التعايش السلمي في إسرائيل. وكلاعب عربي في منتخب الدولة يأمل أن يحقق ما يعجز السياسيون عنه!.
أفرح هدف صوان قلوب إسرائيليين كثر. فرحة وقفت على أنف حذائه الرياضي ولم تصمد أكثر من "ركلة برق" تلاشت مباشرة بعد أن هدأت شباك المرمى الايرلندي وتخلصت من رعشتها.
عاد عباس ابنًا لصوان سخنين وحصى شوارعها، وعاد هدفًا وفزّاعة، كجميع أبناء قومه، كما صاغته حمأة الخيال الممسوس ووطأة الواقع الإسرائيلي المعطوب العليل.
"لا عرب لا أهداف"، فاخر النائب الطيبي بعد هذه المباراة. تصريحه، الذي تحوّل إلى مانشيت بارز في الإعلام الإسرائيلي، زاحم مانشيتًا ساد وتصدّر عناوين ذلك الإعلام وأفاد: "لا عرب لا إرهاب".
"ما هي كرة القدم هذه؟ ما هذا السحر الجماعي الذي لم يحل لغزه الشائع أحد؟" هكذا تساءل الشاعر الدرويش في إحدى نثرياته الجميلة التي كتبها مفتونًا ببطل وساحر ذلك الزمن "مارادونا" حينها كتب: "مع من سنسهر بعدما اعتدنا أن نعلق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ لمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم، بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود وأجج فينا عطش الحاجة إلى بطل نصفّق له، ندعو له بالنصر. نعلق له تميمة ونخاف عليه وعلى أملنا في الانكسار؟".
من "ماردونا" الذي ثُأر "بيد إلهية" لبلاده الأرجنتين من بريطانيا عام 1986، إلى "عباس" المخرب رغم أنف الجدارة، إلى "فتوحات" إتحاد أبناء سخنين وهزائمه، ما زلنا نلهث وراء "البطل" ووراء "القدم المعجزة"، تركل أكوام قمامة القهر وتفتح كوّة لأمل، كلما بزغ ديسَ بأقدام "فيلٍ" دائمِ الغلمة والهيجان!.
"هي مجاز الحياة" قرر الوجودي سارتر ولم يكُن يعرف ما لهذا الإقرار من صحة ووقع، عندما تحيلُ أمة خيباتها كرةً في "مباراة الحرب والوعيد" ويصير فوز أبطال سخنين "فوزًا لكل الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل" ويرفرف العلم الفلسطيني في "الدوحة"، قاهرًا رموز الدناسة والعنصرية البيتارية في "مدرجات الدوري الصهيوني".
سخنين تنازل "بيتار أورشليم"، في لعبة عندنا هي "مجاز" حق لتقرير المصير، وتظفر بنصر يتيح لرمل شواطئ عكا وحيفا ويافا أن يستعيد بهجة الشمس وذهبها المحمّل على سفن القراصنة وقوافل السحاب المهاجر. "بيتار أورشليم" لم يهزم في سخنين، فلولا إرهاب "أصحاب الأرض" وما فرضوه من أجواء همجية، لكان مصير المعركة بهيًّا مشابهًا لنصر مستوطنات "مسغاف" و "تيفن" شواهد "النصر" النزيه وغلبة "الحق" على "الأقدام المعجزة".
هكذا هي اللعبة عندنا، يصح فيها رأي من عارض سارتر وأقر: "الحياة هي مجاز لكرة القدم" فحتى أفراحنا الصغيرة يستكثرونها علينا، ولن يسعف سخنين وقوافل العطاش لندى السراب إن قاد نصرها من كان اسمه "شلومي دورا" فلأن "المجاز" لن يفضي به إلا طائرًا ضلّ طريقه وخان السرب.
"مجاز" البيتاريين، كدمهم، أصفر عليل "ومجازنا" بلون صباح البلاد، تدفق من ثنايا كوفية ذلك الشيخ العربي يندفع وبيديه يحيط بشلومي دورا ويعانقه محتفلا بفرح الحياة العارية الهاربة إلى الملاعب. فرح الواقع الآخر. فرح الجدارة. فرح الأمل والأحلام.
دغدغني "نصرنا" في سخنين. فرحت وبعض من راحة داخلية سكنتني. لم أركب السحاب ولا شققت الثياب. أنّه فرح أقرب لشماتة بمن أدمن تمني الموت لي ولأبناء قومي. لكنّه أقل من فرح شلومي دورا وصحبه. فرح عادي، أقصر من فرح الليل بزهور اللوز. فرح بلا كراهية، مع أن من إعجاز اللعبة تسويغ وإجازة الكراهية وإن كانت مقنَّعة ومبطَّنة.
أعترف بهذا، وبأنني لا أتابع اللعبة بشكل حثيث ومثابر، لا سيما الدوري الإسرائيلي. أعترف وأخاطر بأن يتهمني الباحثون في فقه الهوية والانتماء بأنني أعاني خللا ما، أو أنني، ربما، مصاب بعدمية قومية أو حتى "متأسرل" فكيف أجرؤ على إبعاد القلب عن "الدوحة"؟ وكيف لي أن أنام دون أن أشارك حارسًا لمرمى الأمل والنصر؟.
أستعيد هدوئي عندما أتيقن أن نصر سخنين "أمميًا" كان. فعلاوة على "القائد" المدرب، في الفريق عدد من اللاعبين الأجانب واليهود. وجودهم يعيق حتى المجاز من إسقاطي في امتحان الهوية والانتماء. هنا كانت الهوية كروية الشكل عديمة الزوايا والقوائم، ومع ذلك، عجبي، ما لهذه اللعبة أن تفعل؟ ففي تلك الليلة رددت، شامتًا بالمهزومين: "سخنين يا حبيبتي/ أعدت لي هويتي/ أعدت لي كرامتي". إنّه ترف المجاز وفيض قلب أعيته الهزائم. فرح بنصر في حرب أسماها درويش "أشرف الحروب" فهنيئًا لكل المنتصرين!


JAWADDB@yahoo.com

التوافق السياسي والالتزام الأخلاقي/ زهير الخويلدي

" ليس بوسعنا السيطرة على سلوك الآخرين ولا نستطيع التصرف سوى بالطريقة التي نريد للآخرين أن يتصرفوا بها."[1]
السلام الأهلي وحده هو الذي يجعل المستحيل ممكنا والمثالي واقعيا ونشوب الحروب والنزاعات المسلحة أمرا ممتنعا والتمتع بمحاسن النظام الديمقراطي حقيقة معيشة. اللافت للنظر أن الناس لهم حقوق طبيعية يتمتعون بها بحكم القانون الطبيعي وكثيرا ما تتعرض هذه الحقوق الى الانتهاك من بعضهم ضد البعض، ولذلك يؤلفون حكومة جيدة لحماية هذه الحقوق الفردية وضمان الاستقرار والأمن وتمتعهم بالحريات. بيد أن الحكومة التمثيلية كثيرا ما تتخطى الهدف الموكول اليها وتحيد عن دورها وتمارس الاستبداد باسم الديمقراطية والملكية الفردية باسم الملكية الجماعية ويحتاج الشعب الى أجهزة رقابة ومحاسبة للحد من التسلط والاحتكار ويكون للناس الحق في الثورة من أجل مقاومة الفساد وتصحيح الأوضاع.
" كل من يستخدم القوة بدون أن يكون له حق بذلك، كما يفعل كل الناس في المجتمع، دون سند قانوني ، يضع نفسه في حالة حرب مع أولئك الذين يستخدم القوة ضدهم."[2]
المشكل هو كيف نجمع بين التسامح الديني والابداع الثقافي وبين الالتزام بالقيم والرخاء المادي وبين السلام الاجتماعي والتطور الاقتصادي وبين التعايش الفكري بين الأفراد والتنافس النزيه بين القوى وبين تحقيق المصالح الشخصية والتعاطف مع الآخرين والتضحية من أجلهم. ان الشعب يستطيع أن يستمر دون مال ومنافع لكنه لا يقدر على البقاء دون نظام عادل وحكومة جيدة. ان الفروق الفردية ضرورية لتطوير المهارات وتنمية الحريات وتحقيق الاضافة والانخراط في تجارب الخلق والابداع ولكن يجب ألا تتحول الى سبب للفرقة والتباغض والى مصدر للخلاف والتصادم. ان هيمنة الظلم يؤدي الى خراب العمران ويهدد تماسك المجتمع وأن العدل هو فضيلة ضرورية لقيام الكيانات السياسية واستمرارها.
ان مهام الحكام هي العناية بالأجساد عن طريق اتباع منهج السياسة الحيوية وتدبير النفوس عن طريق الارشاد العقلي الى الدين الحقيقي دون فرض شكل من الاعتقاد على الجميع وتبنيه كمذهب رسمي للدولة. وان الحكام ينتظرون الطاعة من الأفراد من خلال سلطة الاقناع وليس الارغام ويتوجهون الى الناس بالنصح والتحذير والتوجيه والتنبيه وليس بالتخويف والاخضاع وفرض العقوبات والالزام بالقوة.
لكن " من العبث دعوة شعب اعتاد الاعتماد على سلطة مركزية الى اختيار ممثلين لتلك السلطة بين وقت وآخر، فهذه الممارسة النادرة والقصيرة لاختيارهم الحر، مهما كانت أهميتها ، لن تمنعهم من أن يفقدوا تدريجيا قدراتهم على التفكير والاحساس والتصرف بأنفسهم وبالتالي من السقوط تدريجيا دون مستوى البشرية."[3]
ان المطلوب ترسيخ القيم الديمقراطية في المجتمع عن طريق التدريب المتواصل على الانتخاب والتداول السلمي وارساء تقاليد مؤسساتية مبنية على المشاركة واحترام القانون وقبول نتائج اللعبة السياسية . وان العدالة لا تعني توزيع المنافع وفق المجهود والاستحقاق وانما القيام باجراءات عادلة لفائدة الفئات القل حظا والدفاع عن الحريات والحقوق الفردية باعتبارها مبادئ تاريخية لا يمكن التفويت فيها بأي شكل.
ان التوافق مبني على وجود أحزاب لها برامج مستقلة ومميزة وتستدعي مشاركة سياسية من طرف الأفراد وان المشاركات تتطلب بناء شركات تعمل على توسيع دائرة المشاركات والابتعاد عن التأييد العاطفي والتشجيع التلقائي والعمل على الاختيار الحر والمتبصر للبرامج وللتوجهات.
ان المشاركة ضرورية من أجل تقوية درجة الوعي ومساحة التأثير وتدعم مساحة الديمقراطية في المجتمع وتزيد من شروط نجاح التجارب السياسية الناشئة وتقلص من فرص الانقضاض على الحكم وتفسح المجال لبناء مشروع مجتمعي مشترك وتضاعف مجهود الموطنين من أجل الاستقلالية والابتكار.
كلما حصل توافق بين اللاعبين السياسيين تضاعفت منافع الناس وعملت قيم الصداقة والتراحم وضعفت دوافع العدوان وغرائز الاقصاء والتمييز. من هذا المنطلق كان الالتزام الأخلاقي والقيمي هو المطلب الذي لا استغناء عنه من أجل انجاح التوافق السياسي والتشارك الحزبي والمؤسساتي وان الفضيلة الأولى التي يجب أن يتصف بها المشاركون هي الجنوح الى الاعتدال في كل شيء والزيادة في المساواة في أحوال الناس المادية والمعنوية واحلال المشاركات مكان النفوذ الفردي.
" لا يحق للسلطة التشريعية أو أي سلطة عليا، أن تعطي سلطة لنفسها للحكم بموجب مراسيم كيفية مرتجلة، لكنها ملزمة بأن تقيم العدل والفصل في حقوق الناس بموجب قوانين معلنة وثابتة، ومن جانب قضاة معروفين ومخولين بإصدار القرارات."[4]
على هذا النحو ينبغي أن توجه أسهم النقد نحو الطغاة الذين يبنون حقوقهم في الغطرسة على الامتياز والتفرد ويجب الشروع الجدي في بداية كيان سياسي جديد تتخذ فيه القرارات بالتشاور والتوافق والتشريك للأغلبية مع احترام آراء الأقلية وذلك لأن الأشياء تتضمن التناقض وتحقق التوافق من خلال التفاعل.
زد على ذلك يطرح البعض ضرورة التوجه الى النظام التلقائي الذي يعطي للمجتمع المدني سلطة أعلى من سلطة الدولة ويشترط التوفيق والتعايش بين النظام التلقائي الذي تسير وفقه الجماعات و يتكون من الأعراف والتقاليد ويكون معقدا والتنظيم القانوني والاداري الذي تتبعه الدولة ويكون بسيطا وشفافا.
" النظام التلقائي ينشأ من توازن جميع العناصر التي تؤثر فيه وبتفاعل جميع تلك الأفعال فيما بينها"[5].
ان الأوكد بالنسبة الى أجنحة الأمة والوطن من دعاة الحرية ومن أنصار العروبة ومجتهدي الاسلام ورفاق الكادحين أن يتفقوا على كلمة سواء من أجل الاحتكام الى الارادة الشعبية والوفاء الى مبادئ الثورة.
أليست " الأمة التي يفقد فيها الأفراد القدرة على تحقيق أشياء كبيرة بمفردهم ، دون الحصول على وسائل لتحقيقها بجهود مشتركة، سترتد سريعا الى البربرية."[6]؟ وكيف يؤدي مبدا التشارك والتأثير المتبادل للناس الى تطوير العقل البشري وحشد المشاعر والقلوب والأفكار من أجل تحصيل الخير العام؟
المراجع:
الفردية والمجتمع المدني، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008،
السلام والتوافق الدولي، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008،
التشكيك في السلطة، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008.
الحقوق الفردية، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008،
النظام التلقائي، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008،
[1] ايرل سي. رافينال، دواعي فك الارتباط الاستراتيجي، ورد في كتاب السلام والتوافق الدولي، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص.48.
.[2] جون لوك، عن الملكية والحكومة، ورد في كتاب الحقوق الفردية، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص40
[3] أليكسس دو توكوفيل، أي نوع من الاستبداد ينبغي أن تخشى منه الشعوب الديمقراطية، ورد في كتاب التشكيك في السلطة، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص.56.
[4] جون لوك، عن الملكية والحكومة، ورد في كتاب الحقوق الفردية، ص.30.
[5] ف هايك ، الأنظمة المصنوعة والأنظمة التلقائية، ورد في كتاب النظام التلقائي، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص.84.
[6] أليكسس دو توكوفيل ، المشاركة في الحياة المدنية، ورد في كتاب الفردية والمجتمع المدني، مفاهيم الليبرتارية وروادها، سلسلة مصباح الحرية، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى 2008، ص.51.

صراع المشاريع الأجنبية على الأرض العربية/ صبحي غندور

في حقبة التسعينات من القرن الماضي، ظهر على السطح السياسي للمنطقة العربية جملة مشاريع إقليمية ودولية كانت تريد توظيف نتائج المتغيّرات التي حدثت دولياً، بسقوط الاتحاد السوفييتي، وعربياً في استثمار ما أدّت إليه حربا الخليج الأولى والثانية من إضعافٍ للقوّتين العسكريتين في منطقة الخليج العربي، إيران والعراق، واستنزاف المال النفطي العربي في هاتين الحربين. في تلك الظروف، التي شهدت أيضاً انتشاراً عسكرياً أميركياً في المنطقة، جرى مؤتمر مدريد من أجل تحقيق التسوية الشاملة بين العرب وإسرائيل. وقد استتبع انعقاد المؤتمر دعوة أميركية (مدعومة من حزب العمل الإسرائيلي) لإقامة "شرق أوسطي جديد" يسوده حال التطبيع بين العرب والإسرائيليين بغضّ النظر عن مسارات المفاوضات التي شملت كلّ الجبهات مع إسرائيل.

في تلك الفترة أيضاً، تحرّكت فرنسا من أجل إقامة "شرق متوسطي" يربط مجموعة دول البحر المتوسط في صيغة علاقات تكون فرنسا هي محورها. وكان هدف هذه الدعوة الفرنسية هو التنافس مع مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة والذي كان ينافس فرنسا أيضاً في دولٍ أفريقية عدّة.

فسقوط "الاتحاد السوفييتي" وخروجه من ساحة المنافسة مع الولايات المتحدة و"حلف الناتو" لم يكن نهايةً للصراع الدولي على "الشرق الأوسط" وما فيه من ثروات نفطية، وما هو عليه من موقع جغرافي إستراتيجي يربط بين القارات، وما على أرضه من أماكن مقدّسة لجميع الرسالات السماوية. على العكس تماماً، فإنّ نهاية "القطب الشيوعي" المنافس فتَح الشهية أكثر على المنطقة العربية، تحديداً في ظل إدارة بوش الأبن، التي سعى "المحافظون الجدد" فيها لفرض واقع "الإمبراطورية الأميركية الوحيدة" في العالم من خلال الهيمنة العسكرية على "منطقة الشرق الأوسط" وثرواتها الطبيعية، وممّا يُسهّل المنافسة الأميركية الجارية مع الصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى النامية في القرن الجديد.

رافق هذا الحال على صعيد المشاريع الدولية أيضاً وجود مشاريع "إقليمية" هامّة على جوار الأمّة العربية وفي قلبها المحتلّ إسرائيلياً.

الآن نجد المنطقة العربية من جديد في حالٍ من الانشداد إلى هذه المشاريع الدولية والإقليمية دون وجود حدٍّ أدنى من رؤية عربية مشتركة أو "مشروع عربي" يملأ الفراغ الحاصل بالمنطقة.

فالمراهنات العربية على الخارج كانت سمة السياسات الرسمية العربية لحوالي قرن من الزمن، وبوادرها كانت في مراهنة الزعماء العرب بمطلع القرن العشرين على الأوروبيين لمساعدتهم في التخلّص من "الهيمنة العثمانية" التي اشتدّت بها آنذاك حركة التتريك العنصري، وباستثناءٍ محدود في عقديْ الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فإنّ الاستقطاب الدولي لدول المنطقة العربية كان الحالة الغالبة على قضاياها وحكوماتها. وهاهي المنطقة الآن تعيش مرحلة جديدة من الاستقطابات الدولية/الإقليمية في ظلّ غيابٍ متواصل لمشروع عربي مشترك ولإرادة عربية مشتركة.

ولعلّ آخر مرّة شهدت فيها المنطقة العربية حالةً من التضامن العربي الفعّال، ووجود رؤية عربية مشتركة، كانت في مرحلة ما بعد حرب العام 1967 حينما حصلت قمّة الخرطوم وما جرى فيها من اتفاق على "استراتيجية عربية مشتركة لإزالة آثار العدوان الإسرائيلي". وقد نجحت هذه السياسة التضامنية رغم أجواء "الحرب الباردة" وسياسة الاستقطاب بين المعسكرين الدوليين آنذاك، وكانت حرب أكتوبر 1973 أبرز نتائجها الإيجابية. لكن منذ خروج مصر/السادات من الرؤية العربية المشتركة للصراع العربي/الإسرائيلي، حصل الانهيار في بيت التضامن العربي، ولم يتمّ حتى الآن إعادة بنائه من جديد رغم محاولات الترميم المحدودة التي حصلت أكثر من مرّة ولم تعمّر طويلاً.

الآن تنتظر المنطقة العربية نتائج التحوّل السياسي الذي يحدث في مصر بعد "ثورة يناير" لمعرفة كيف سيكون عليه الدور المصري في عموم المنطقة وما مدى تأثيراته المرتقبة على المشاريع الدولية والإقليمية.

فمرحلة الخمسينات والستينات من القرن العشرين قد تميزت (مع كلّ ما تخلّلها من إيجابيات وسلبيات) بقيادة مصر للمنطقة العربية عموماً، وبصناعة الأحداث الهامّة فيها، وبالتأثير المباشر على معظم أوضاعها، وعلى المصالح الأجنبية فيها.. بينما أدّت معاهدات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل إلى إضعاف هذا الدور المصري وإلى خلل كبير في قيادة المنطقة.

ورغم تنوّع التحدّيات التي يواجهها العرب الآن واختلاف ساحاتها، فإنَّ كلاً منها يصيب المنطقة العربية كلّها ولا يعني بلداً دون الآخر، كما أنَّ للولايات المتحدة دوراً حاسماً في كيفيّة التعامل سلباً أم إيجاباً مع كلِّ عنصرٍ من هذه التحدّيات.

والمؤسف في واقع الحال العربي، أنَّه رغم الاشتراك في التحدّيات والهموم، فإنَّ الحكومات العربية تعاملت مع هذه المسائل (وغيرها أيضاً) من منظورٍ فئويٍّ خاصّ وليس في إطار رؤيةٍ عربيةٍ مشتركة تصون الحقَّ وتردع العدوان وتحقِّق المصالح العربية.

كانت المشكلة عربياً هي بانعدام القرار العربي في وضع رؤيةٍ عربية مشتركة، وفي عدم تحمّل مسؤوليات الدور القيادي المنشود لأكثر من طرفٍ عربي. فقد كان النظام الإقليمي العربي مرتاحاً لهذا الواقع العجوز طالما أنَّه حافظ على استمرار النظم والمصالح الخاصَّة الموروثة فيها!

ورافق تهميش الصراع مع إسرائيل، صراعات عربية/عربية وتراجع دور الجامعة العربية وأنواع العمل العربي المشترك، وحروب داخلية هدّدت وحدة الكيانات الوطنية ودمّرت مقوّمات الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ظلّ تأجّج المشاعر الانقسامية بين أبناء الشعب الواحد، إنْ لأسباب داخلية أو بتشجيعٍ وتحريض من قوى خارجية.

وانسجمت هذه التطوّرات العربية مع السياسة الإسرائيلية التي تراهن على تمزيق المنطقة العربية إلى دويلات طائفية وأثنية تكون إسرائيل فيها هي الدولة الدينية الأقوى التي ترتبط بخيوط وعلاقات مع الكيانات العربية المتصارعة، وبشكلٍ مشابه للسياسة التي مارستها إسرائيل في لبنان قبل وبعد اجتياحه عام 1982.

***

الأمّة العربية الآن أمام مفترق طرق، خاصّةً بعد الثورة المصرية والآمال العربية عليها: الاختيار بين تكامل وتطوير نظم الوطنيات العربية القائمة أو الانحدار أكثر في تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية متصارعة فيما بينها ومتفِّق كلّ منها مع إسرائيل وقوى إقليمية ودولية كبرى!

فلا استمرار لصيغة الكيانات الحالية في ظلّ المشاريع الدولية والإقليمية والإسرائيلية، وتحت وطأة اهتراء الأوضاع الداخلية العربية في أكثر من بلد عربي، وعنف داخلي للحفاظ على الحكم أو للوصول إليه! .

ولعلّ مدخل التعامل مع هذه الأوضاع العربية هو اعتماد البناء الديمقراطي في الداخل الوطني ومع الآخر العربي، وتحريم أسلوب العنف في العمل السياسي العربي - وصولاً للسلطة أو حفاظاً عليها- وفي العلاقات بين الدول العربية.

المصريون عمرهم ما كانوا عرب/ لطيف شاكر

مستقبل الثقافة في مصر هو كتاب لـ"طه حسين"، اتنشر في القاهره سنة 1938، ومع انه بيعتبر من أصغر كتبه لكن في نفس الوقت بيعتبر من أهم الكتب لدرجة إنه لسه بيتناقش وبتتعمل ندوات عنه لحد دلوقتي. "طه حسين" كتب "مستقبل الثقافة في مصر" بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، وكتب فيه أفكاره بخصوص اللي المفروض يحصل طالما مصر نالت الاستقلال، وما بقاش ناقصها غير إنها حاجات عشان تبقى دولة متقدمة ومتحضرة.

الكتاب كمان بيقول إن المصريين عمرهم ما كانوا عرب ولا حيكونوا، مع إن مصر وسط المنطقة العربية لكن ليها تاريخ وثقافة وعادات مختلفة عن العرب، وأن ثقافتها وتاريخها أقرب لثقافة وتاريخ الدول المتوسطية زي اليونان وإيطاليا، بعكس العرب اللي ليهم ثقافتهم الخاصة واللي اتفرضت مع الوقت على بقية المنطقة وان الاحتلال التركى قبل فتره "محمد علي" دخل مصر في العصور الوسطى، زى ما كان في أوروبا زمان. وحذر الكتاب كمان من التطرف الديني المدعوم من جهات بره مصر أو من الرجعيين والخطوات سياسية اللي ممكن تدخل مصر في مشاكل كتيرة هى ملهاش دعوه بيها، وإيد تطبيق الديموقراطية و الليبرالية اللي كانت في قوتها وعصرها الدهبي وقتها). الكتاب اتنشر تانى بدعم من الدوله فى تمنينات و تسعينات القرن العشرين وقت ما كان فيه موجة تطرف وإرهاب.

مناقشات عن الكتاب يعتبر من أكتر كتبه اللى بتتناقش أفكاره، وبتتعمل عنه ندوات لحد دلوقتي ما بين مؤيد لكلامه بخصوص ان مصر دولة مستقلة ومختلفةه عن العرب وان الأفكار وثقافتهم اتفرضت على المصريين مع الوقت بعد ما العرب فتحوا/ غزو مصر، والمعارضين للفكرة ولطه حسين نفسه بتوصل لحد التكفير من مجموعات من المتطرفين الليى بيقولو إن مصر عربية وحتفضل كده طول عمرها و كلام عن القومية العربية.

كلام عن الكتاب "جابر عصفور" (أمين المجلس الأعلى للثقافة عن مشروع طه حسين الثقافي): "اللي يقرا كتاب طه حسين مستقبل الثقافة في مصر يلاقي إن فيه حاجات لسه حلم".

قال أسامة أنور عكاشة: إن فيه ناس كتيره فاكرة أن أكبر حسنات طه حسين كانت إعلانه إن العلم زى المايه والهوا حق لكل المصريين بحيث إن إعلانه ده كان أساس لتطبيق مبدأ التعليم المجاني. لكن في رأي أسامة أنور عكاشة إن أهم إنجازات طه حسين كانت معركة الفكرية وتراثه الأدبي والنقدي وبيدعو كل المصريين بقراية أصغر كتبه وهو كتاب مستقبل الثقافة في مصر لإنهم جايز بقو النهارده محتاجين جداً يقرو الكتاب ده.

اقتباسات” مصر ثقافيا وحضاريا، هى دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة. فالعالم ينقسم إلى حضارتين لا ثالث لهما. الأولى، تأخذ جذورها من الحضارة المصرية القديمة وفلسفة اليونان والقانون الرومانى. والثانية، تأتى من الهند...

وإذن فالعقل المصري القديم ليس عقلا شرقيا اذا فهم من الشرق الصين واليابان والهند وما يتصل بها من الاقطار .↑ ... مصر تنتمى إلى الحضارة الأولى. فلماذا إذن ينظر المصريون إلى أنفسهم على أنهم من أهل الشرق؟ يأتى هذا بسبب اللغة والدين. والمشاركة فى هموم الإحتلال والتخلف. وما دمنا متخلفين مثل دول الشرق، ونتحدث بلغتهم، فنحن مع حضارة الشرق. ولكن تاريخ مصر يقول عكس ذلك... مصر كانت عبر التاريخ على إتصال بدول البحر المتوسط وبحر إيجة. وكانت هى نفسها مهد حضارة غمرت الآفاق آلاف من السنين. هذه الحضارة هى جذور وأصل الحضارة الغربية الحديثة. وخلال التاريخ، كان تأثير حضارة مصر على اليونان، وتأثير حضارة اليونان على مصر واضح ومستمر. وحتى عندما كانت مصر جزءا من الدولة الإسلاميه.

كما أكد الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي الشاعر المعروف أن مصر بها حاليًا عناصر مدنية وعناصر دينية أُدخلت منذ حوالي 40 سنة منذ بداية تولي الرئيس السادات إلى اليوم، ولكن الأساس في مصر هي الدولة المدنية، فطالما أن هناك دولة وطنية ذات دستور موضوع وقانون وضعي وتقسيمات للقانون وسلطات مستقلة مثل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية فكل هذا سمات الدولة المدنية، بالإضافة إلى الطابع الوطني في مصر طابع قوي بسبب أن المصريين منذ فجر التاريخ يعيشون في حدود جغرافية واضحة لم تتغير حتى الآن ولهم تاريخهم الطويل.

وأكد مشددًا على أن مصر ليست دولة إسلامية لأن المصريين لهم ديانات متعددة والدولة الحديثة في مصر هي دولة مدنية وطنية، أما الدولة الدينية فلا تصلح لهذا العصر لأنها دولة تحكمها سلطة دينية مفوضة من الدين، وهذا النوع من الدول كان موجود في العصور الوسطى وأختفى بلا رجعة، ولكن هناك بعض الدول تحاول إرجاعه مثل إيران والسعودية ولكنهم للأسف يسيرون عكس التاريخ لأن ذلك لا يتفق مع الحضارة الحديثة.

واستنكر فكرة أن المادة الثانية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر قائلاً إنها ليست المصدر الرئيسي للتشريع حتى الآن، فهي مادة موجودة ولكن كل القوانين هي قوانين وضعية ولكنها أُضيفت للدستور إرضاءًا لبعض الجماعات الدينية المشتغلة بالسياسة.

وأكد أن الدستورالمصري مُستقَى من الدساتير والقوانين المعمول بها في العالم المبنية على القيم والحقوق المدنية والمساواة والديموقراطية لكل المواطنين بصرف النظر عن انتمائاتهم الدينية سواء مسيحيين أو مسلمين أو يهود أو حتى ديانات أخرى.

وبسؤاله عن أن بعض المسلمين يعتقدون أن المادة 40 التي تكفل حرية العقيده الدينية ويعتقدون أن كلمة الدين تشير إلى الأديان الإرسالية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والإسلام) رفض ذلك الفهم قائلاً إن الدين يُقصد به كل الأديان، وفهمهم بتلك الطريقة هو تأويل خاطئ ومتحيز ومتعصب، وأكد أن حرية الإعتقاد مُطلقة وللمصري الحرية أن يعتنق أي دين، وأشار إلى أن حد الردة لا يوجد في الإسلام بل هو حد من وضع الفقهاء وهو كلا م يردده بعض المتعصبين والمتشددين ويأخذون حديث الرسول الذي يقول فيه (من بدّل دينه فاقتلوه) فهو حديث مشكوك في صحته، فهذا الحد غير موجود شرعًا بل كان يُستخدم بشكل سياسي لخدمة أغراض الدولة الدينية.

وأشار إلى أن البعض يؤكد على الدولة الدينية في مصر لأن مصر بها ثقافة إسلامية عربية، ولكنه أكد أن هذه الثقافة ليست إسلامية عربية خالصة لأنها تدخل ضمن موروث ثقافي منذ عصر الفراعنة، فلا زال حتي الآن الفلاح المصري يستخدم التقويم القبطي في الزرع ويخضع كل نشاطه الزراعي للسنة القبطية ويستخدم التقويم الإسلامي في المناسبات، لذا عندما نتحدث عن الثقافة المصرية فيه ثقافة مختلطة مع الثقافات السابقة لها خاصة المسيحية والتي اندمجت فيها.

وطالب بعوده دستور 1923 وتعديل المادة الثانية من الدستور بأن تكون مصدر من مصادر التشريع وليس المصدر الرئيسي، وأكد على أن يكون اسم مصر هو (جمهورية مصر) فقط ولا حاجة لكلمة (جمهورية مصر العربية) لأن مصر هي قلب العالم العربي دون الإعلان عن ذلك في اسمها وأن كل بلد لها خصوصيتها ومصر لها خصوصية خاصة بها غير موجودة في أي بلد عربي آخر.

وأنهى حديثه أن ثقافة مصر مشتركة وليست إسلامية صرف حتى يدعي البعض بعودة الدولة الدينية، وأن أساس مصر هو الدولة المدنية.

ما بين جيلي الترانزستور والإنترنت/ د. عبدالله المدني

نحن جيل الخمسينات أو الجيل الموصوف ظلما بـ "جيل الهزيمة"، أي الجيل الذي ولد أفراده قــُبيل أو بـُعيد إنتصاف القرن العشرين، وتشكلت رؤاهم الفكرية وإكتمل نضجهم ووعيهم مع بزوغ عقد السبعينات أو قبله ببضع سنوات، عشنا في فقر مدقع إلى الدرجة التي لم يكن الواحد منا يملك قوت يومه، أو مخدعه الخاص، أو عدة قروش إضافية ليشتري بها جريدة يومية يستقي منها آخر أخبار العالم. فقط الموسرون منا كانوا قادرين على الإستمتاع بذلك الترف، بل وكانوا يمتلكون أجهزة الترانزستور التي غزت بها الدول المتقدمة مجتمعات العالم بأسره، فشكلت هويتها ووجهت بوصلتها (ظهر المذياع الترانزستور لأول مرة في الولايات المتحدة الإمريكية في عام 1947 ، قبل أن يطوره اليابانيون في عام 1954 وينتجون منه البلايين للتسويق بأسعار رخيصة في عقدي الستينات والسبعينات). والكلام نفسه ينطبق على أجهزة التلفاز (يعود الفضل في إختراعها في العقد الثاني من القرن العشرين إلى الأسكتلندي "جون لوجي بيرد" والإمريكي "فيلو تايلور فارنسوورث") التي كانت في تلك الحقبة لا تلتقط سوى قناة واحدة باللونين الأسود والأبيض، ولا يتجاوز دورها دوري الترفيه والتثقيف البريئين، بمعنى أنها لم تكن تبث الدعايات والإعلانات الإستهلاكية المفرطة من تلك المثيرة للحنق، أو البرامج السياسية المثيرة للجدل، بما فيها نشرات الأخبار المحرضة أو الحوارات الأيديولوجية الفاقعة.
لقد دار بنا الزمن، وطال بنا العمر حتى ولجنا بوابة القرن الحادي والعشرين لنرى نتائج ما أحدثته العقود الأخيرة من القرن العشرين من متغيرات رهيبة في القيم والسلوكيات والعادات والأفكار، بالتزامن مع إنقلاب إيجابي في مستويات المعيشة وأشكالها (على الأقل في منطقة الخليج).
وهكذا رأينا أن الجيل الذي كان لا يذهب إلى فراشه إلا وهو متأبطا لجهاز ترانزستور صغير (ماركة سوني أو توشيبا أو هيتاشي أو إيوا)، مؤشره مصوب في الغالب الأعم إلى إذاعة ألـ "بي بي سي" البريطانية أو إذاعة "صوت العرب" المصرية، ليستقي من أحدهما أو كليهما مجريات الأحداث في العالم المترامي الأطراف، مصحوبة أحيانا بتعليقات تحريضية أو تحليلات مغرضة بحسب الأجندة السياسية للدول الراعية لتلك الإذاعات، حل مكانه جيل مختلف، لا يذهب إلى مخدعه إلا بصحبة جهاز "اللاب تاب" - الذي لا يختلف كثيرا ما أحدثه من إنقلاب في حياة شباب اليوم وعاداتهم عما أحدثه الترانزستور في حياة شباب الخمسينات والستينات - فيلتقط من على شاشته مئات الفضائيات، والمواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الإجتماعي العربية منها والأجنبية، ويستقي منها، ويبث من خلالها الأخبار والرسائل الطازجة - سواء أكانت مرسلة من أو إلى "ووغودوغو" الإفريقية أو "وولومولوو" الأسترالية دون أن يكلفه الأمر سوى "كبسة زر"، بحيث صارت مقولة "إن العالم قد تحول إلى قرية صغيرة أو حجرة إستقبال ضيقة" حقيقة لا مراء فيها!
ومشكلة هذه الثورة التكنولوجية الحديثة في عالم الإعلام والتواصل، التي لم تساهم شعوبنا وبلداننا فيها بمجرد مسمار صغير، أنها مليئة بالغث والسمين، وبالصالح والطالح. بمعنى أنها تتيح للجميع - أفراداً أو جماعات حقوقية مغرضة أو تنظيمات مرتبطة بدول وحكومات – أن تسطـّر وتبعث وتروج، دون سيطرة أو رادع، ما تشاء من أفكار وأطروحات ومفاهيم وأخبار، تحت أسماء وهمية أو حقيقية. فتتولد من هذه المشكلة مشكلة أكبر هي السيطرة على عقول الشباب والصغار ومن في حكمهم ممن لم يكتمل وعيهم ونضجهم، وبالتالي زرع كم كبير من الأكاذيب والتلفيقات والإدعاءات فيها، وصولا إلى إستخدام تلك العقول الطرية في مخططات ومؤامرات ضد أوطانها تحت يافطة المحرومية، أو المظلومية، أو الحريات والحقوق. وهذا ما لم يواجه جيل الترانزستور، بسبب إختلاف تقنيات الأخير وبالتالي محدودية سطوته على العقول والقلوب.
وبطبيعة الحال، فإن كل غريب ومستحدث هو سلاح ذو حدين، غير أنه في الوقت الذي يستخدمه أصحابه ومكتشفوه بما يعود عليهم بالفائدة، وتهذيب السلوكيات، وتعزيز القيم التي قامت عليها نهضتهم، وتفعيل المدارك والمواهب الكامنة، نجد أن شعوب العالم الثالث المستهلكة، غالبا ما تستخدمه في السفه والتفاهات، أو نشر الرذيلة، أو التحريض على العنف والتخريب، أو إيقاد نيران الفتن الدينية والمذهبية، أو إزدراء الآخر المختلف، أو رمي الناس بأقذع الشتائم والإتهامات الجزافية.
وإستطرادا يمكن القول أن الجيل القديم، على الرغم من فقره وقلة حيلته وبؤسه المعيشي المعروف وتواضع تواصله مع الآخر، ناهيك عما كان يختلج فؤاده من أحلام ثورية رومانسية زرعها أثير الترانزستور ، لم يجد في كل هذا مبررا لحمل السلاح والإنخراط في الجماعات الإرهابية، أو لشق عصا الطاعة على مجتمعه، أو لتخريب وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، بينما الجيل الحالي، رغم كل ما هو فيه من رفاهية وراحة، وكل ما يملكه من وسائل معرفية، يثبت يوما بعد يوم أنه جيل جزوع، لا مكان في قاموسه للصبر والكفاح المعيشي، بل ويستخدم كل ما تحت يديه من وسائل الترف والثورة التكنولوجية لإلحاق الأذى بنفسه ومستقبله، وحرق وطنه ومجمل مكتسباته، كيلا نقول تسليم عقله لمن يريدون تضليله وتلويث ضميره.
إنها بإيجاز شديد حالة جيلين: الأول تربى على القيم الوطنية الأصيلة، ودرس في معاهد تربوية صارمة، وتلقى العلم على أيدي مربين أكفاء مخلصين لمهنتهم، وتشرب مناهج تربوية معتدلة في مضاميمها ونظرتها إلى الآخر المختلف، وترعرع في وسط أسر غيورة على بلادها، ولاؤها الأول للأرض والوطن قبل العقيدة أو المذهب أو الإيديولوجيا. والثاني جيل تـُرك له العنان ليستقي قيمه من المنابر المضللة، أو من الأحزاب المأدلجة أو من المؤسسات المرتبطة بالأجنبي الحاقد، وتلقى تعليمه على أيدي مربين "غير أفاضل"، في مدارس يسودها التفسخ والتسيب وغياب الإنضباط، وتدار وفق مناهج تعليمية متشددة المضمون، وبرامج تخلو من التسامح وإطلاق حرية الإبداع والخلق، بل وتخلو أيضا من قاعدة "مكافأة المثابر ومعاقبة المتمرد العاق دون تهاون". هذا ناهيك أن أفراد هذا الجيل ولدوا وعاشوا وترعرعوا في ظل مجتمع الطفرة، حيث أغلب العائلات لم تكن لتكترث بمستقبل أبنائها أو توجيههم الوجهة السليمة، قدر إهتمامها بكم تكسب، وكم تراكم من المال، وأين تقضي العطلة الصيفية مثلا؟
فمن هو يا ترى الجيل الذي يجب أن يوصم بـ "جيل الهزيمة" بعد ذلك؟ ومن كان أكثر مناقبية ووطنية وصلاحا؟ جيل الترانزستور المعدم، أم جيل الإنترنت المرفه؟ سؤال نترك إجابته للقاريءالحصيف.
د. عبدالله المدني
*محاضر وباحث أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة : مايو 2011
الإيميل:elmadani@batelco.com.bh

أين اللوبي العربي في أميركا؟/ صبحي غندور

مقارنة بين حالة العرب في أميركا وحالة اليهود الأمريكيين

هناك خصوصية تتّصف بها الجالية العربية في أميركا: فأفراد الجالية هم أبناء ثقافة واحدة لكن ينتمون إلى دول وأوطان متعددة، يأتون إلى أميركا التي هي وطن وبلد واحد لكن يقوم على أصول ثقافية متعدّدة.

ولهذه الخصوصية انعكاسات مهمة جداً على واقع ودور العرب في أميركا. فهُم بنظر المجتمع الأميركي – وحتى المنطقة العربية- "جالية واحدة" بينما واقع الأمر أنّهم يتوزّعون على "جاليات" عربية. وتنشط غالبية الجمعيات من خلال تسميات خاصة بالأوطان، بل بعضها يحصر انتماءه في أطر مناطقية من داخل البلدان العربية. وقد أدّت هذه الخصوصية إلى كثير من المعضلات في دور العرب على الساحة الأميركية. فالتسمية النظرية هي: جالية عربية، بينما الواقع العملي في معظمه هو تعدّد وانقسام على حسب الخصوصيات الوطنية أو المناطقية أو الطائفية أحياناً، إضافةً طبعاً للصراعات السياسية التي تظهر بين الحين والآخر.

أمّا بالنسبة لثقل العرب في أميركا، فإنّ عددهم لا يتجاوز الواحد في المائة نسبةً إلى عدد السكان الأميركيين. هناك أكثر من 300 مليون أميركي منهم حوالي 3 ملايين عربي، فواحد بالمائة من السكان لا يغيّرون كثيراً من واقع الحال، وإن كان عدد كبير من أفراد الجالية هم أصحاب كفاءات مهنية مهمة. لكن هذه الكفاءات العربية هي في حالة عمل فردي أكثر ممّا هو عمل جماعي منظم. هناك ظواهر حركية منظمة أحياناً، لها تأثير موضعي مرتبط بزمان ومكان محدّدين، كحالة دعم عدد من المرشحين العرب في الانتخابات الأميركية، لكن ترشيح أسماء عربية لا يعني بالضرورة أنّها ستكون من مؤيدي القضايا العربية.

مقارنة بين حالة العرب في أميركا وحالة اليهود الأمريكيين

هي مقارنة خاطئة تتكرّر أحياناً في الإعلام العربي والفكر السياسي العربي، وهي مقارنة حالة العرب في أميركا بحالة اليهود الأمريكيين‏.‏ فالواقع أنّ "العرب الأميركيين" هم حالة جديدة في أميركا مختلفة تماماً عن الحالة اليهودية‏.‏ العرب جاءوا لأمريكا كمهاجرين حديثاً من أوطان متعدّدة إلى وطن جديد‏،‏ بينما اليهود في أمريكا هم مواطنون أمريكيون ساهموا بإقامة وطن (إسرائيل‏) في قلب المنطقة العربية،‏ أي عكس الحالة العربية والإسلامية الأميركية وما فيها من مشكلة ضعف الاندماج مع المجتمع الأميركي‏.‏

حالة العرب في أميركا مختلفة أيضا من حيث الأوضاع السياسية والاجتماعية،‏ فكثيرٌ منهم أتوا مهاجرين لأسباب سياسية واقتصادية، وأحياناً أمنية تعيشها المنطقة العربية،‏ ممّا يؤثر على نوع العلاقة بين العربي في أمريكا وبين المنطقة العربية‏.‏ بينما حالة العلاقة بين اليهود الأميركيين وإسرائيل هي حالة من شارك في بناء هذه الدولة وليس المهاجر (أو المهجّر) منها‏.‏

أيضاً، ليس هناك حالة تنافس موضوعي على المجتمع الأمريكي‏.‏ فليس هناك مؤسسات رسمية أو إعلامية أميركية محايدة تتنافس عليها الجالية العربية مع الجالية اليهودية، وهذا بذاته يجعل المقارنة غير عادلة‏.‏

إنّ اللوبي الإسرائيلي في أميركا يتعامل مع علاقة واحدة خاصة هي علاقة إسرائيل بأمريكا، بينما تتعامل المؤسسات العربية-الأمريكية مع علاقات عربية متشعبة ومختلفة بين أكثر من عشرين دولة عربية وبين الولايات المتحدة.

إنّ العرب الأمريكيين يتعاملون مع واقع عربي مجزّأ بينما يدافع اللوبي الإسرائيلي عن كيان واحد هو إسرائيل.

من ناحية أخرى، فإنّ للعرب الأمريكيين أزمة تحديد الهويّة ومشكلة ضعف التجربة السياسية، وهي مشكلة لا يعانيها اليهود الأميركيون‏.‏ لقد جاء العرب إلى أميركا من أوطان متعددة ومن بلاد ما زالت الديمقراطية فيها تجربة محدودة، إضافة إلى آثار الصراعات المحلية في بلدان عربية على مسألة الهويّة العربية المشتركة.

أيضاً، من المهمّ التمييز بين حالاتٍ ثلاث مختلفة‏:‏ فهناك "أمريكيون عرب"، وهم أبناء الجيل المهاجر الأول،‏ و"عرب أمريكيون" وهم الأجيال التالية التي لم تذب تماماً بعد في المجتمع الأميركي، لكنها مندمجة فيه بقوّة وتشارك في العمليات الانتخابية،‏ وهناك "عرب في الولايات المتحدة" وهؤلاء لم يصبحوا مواطنين أميركيين بعد.‏ وبينما نجد أغلب "الأمريكيين العرب" غير متواصلين مع البلاد العربية الأم، نرى أنّ‏ الفئة الثالثة غير متواصلة بعمق مع المجتمع الأمريكي نفسه،‏ ولكلٍّ من هذه الفئات نظرة مختلفة للحياة الأمريكية ولدورها في المجتمع‏. وأضيف على ذلك أيضاً، تعدّد الانتماءات الدينية والطائفية في الجالية العربية‏.‏ فالبعض مثلاً يندفع نحو منظمات دينية وهو ما يستبعد نصف الجالية العربية. فأكثرية الجالية العربية هي من جذور دينية مسيحية بينما أكثرية الجالية الإسلامية هي من غير أصول عربية.

إذنّ، كلّما كان هناك طرح لفكر عربي سليم فيما يتعلق بمسألة الهوية تعزّزت معه إمكانات هذه الجالية في أن تنجح عملياً وتتجاوز كثيراً من الثغرات‏.‏

أيضاً، الجالية العربية في أميركا تعيش محنة ارتجاج وضعف في الهويتين العربية والأميركية معاً. فالمهاجرون العرب، أينما وُجِدوا، ينتمون عملياً إلى هويتين: هوية أوطانهم العربية الأصلية ثمّ هوية الوطن الجديد الذي هاجروا إليه. وقد تفاعلت في السنوات الأخيرة، خاصّة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، جملة تطوّرات انعكست سلبياً على الهويتين معاً. ففي الحالة الأميركية أصبح المواطن الأميركي ذو الأصول العربية موضع تشكيك في هويته الأميركية وفي مدى إخلاصه أو انتمائه للمجتمع الأميركي. وقد عانى الكثير من العرب في عدّة ولايات أميركية من هذا الشعور السلبي لدى معظم الأميركيين حيال كل ما يمتّ بصلة إلى العرب والعروبة والإسلام.

أيضاً، ترافق مع هذا التشكيك الأميركي بضعف "الهويّة الأميركية" للأميركيين ذوي الأصول العربية، تشكّك ذاتي حصل ويحصل مع المهاجرين العرب في هويّتهم الأصلية العربية، ومحاولة الاستعاضة عنها بهويّات فئوية بعضها ذو طابع طائفي ومذهبي، وبعضها الآخر إثني أو مناطقي أو في أحسن الحالات إقليمي.

وإذا كان مردّ التشكيك الأميركي ب"الهويّة الأميركية" للمهاجرين العرب هو "الجهل"، فإنّ سبب ما يحدث من تراجع وضعف في مسألة "الهويّة العربية" على الجانب الآخر هو طغيان سمات مجتمع "الجاهلية" على معظم المنطقة العربية، وانعكاس هذا الأمر على أبنائها في الداخل وفي الخارج.

وعلى الرغم مما تحقق للجالية العربية في الولايات المتحدة الأميركية من إنجازات في العقود الثلاثة الماضية وظهور العديد من المنظمات النشطة التي جعلت للعرب الأمريكيين صوتاً سياسياً يُسمَع، فإن عمل العرب الأمريكيين ما زال عاجزاً عن دخول أبواب الكونغرس المفتوحة لاحتضان اللوبي الإسرائيلي.

فنجاح "اللوبي الإسرائيلي" لا يعود سببه فقط إلى خبرة اليهود الأميركيين بالعمل السياسي في أمريكا منذ نشأة الأمة الأميركية، أو أنهم أكثر عطاءً بالتطوع والمال، فالعنصر المرجح لكفة اللوبي الإسرائيلي إنما سببه أن السياسة الأمريكية نفسها لم تكن طرفاً محايداً يتنافس عليه العرب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. فأمريكا أسهمت منذ البداية في الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وزودته وما زالت تزوده بكل إمكانات التفوق النوعي على الدول العربية.

ومن المهم، على الجانب الرسمي العربي، إعادة النظر بالمقولة التالية: "أن أميركا غير عادلة في المنطقة لأن اللوبي الإسرائيلي يتحكم في سياستها الخارجية". بينما الواقع هو أن أميركا لها مصالحها الخاصة الاستراتيجية في المنطقة، وقبل وجود إسرائيل. وهي، أي أميركا، استخدمت الوجود الإسرائيلي لتحقيق هذه المصالح الأميركية مقابل مساعدات لإسرائيل. فأميركا كانت تحتاج لإسرائيل حيث لا تريد هي - أو لا تستطيع - أن تكون مباشرة (أي مفهوم الوكيل أو الأجير في قضايا محددة..). فتصاعد الدعم الأميركي لإسرائيل ارتبط بتصاعد السيطرة الأميركية على المنطقة بعد تقليص نفوذ الآخرين (الحلفاء والأعداء).

***

إنّ المهاجر العربي الحديث إلى أميركا يجد نفسه منتمياً إلى "هويات" متصارعة أحياناً، قد تكون بين "أوطان" عربية، أو اتجاهات سياسية أو حتى دينية وطائفية، وذلك هو انعكاس لما هي عليه المنطقة العربية منذ حوالي ثلاثين سنة بعدما كانت الهوية العربية في السابق هي الأساس وراء تأسيس جمعيات ومراكز عربية تشجّع على الهوية الثقافية المشتركة بين العرب المهاجرين.

إنّ ضعف الهوية العربية يساهم حتماً في ضعف دور الجالية العربية في أميركا وفي مسؤوليتها عن نشر المعرفة الصحيحة بالعرب والإسلام وبالقضايا العربية. و"فاقد الشيء لا يعطيه"، ولا يمكن أن ينجح العرب في الغرب بنشر الحقائق عن أصولهم الثقافية القومية والحضارية الدينية إذا كانوا هم أنفسهم يجهلونها، بل ربّما يساهم بعضهم من المتأثّرين سلباً بما هو سائد الآن من تطرّف بالمفاهيم الدينية والإثنية في نشر مزيد من الجهل في المجتمعات الغربية، وفي تأجيج المشاعر السلبية بين الشرق العربي والإسلامي وبين الغرب العلماني والمسيحي.

ثمّ إنّ انعدام التوافق على "الهوية العربية" لدى المهاجرين العرب سيجعلهم يتحرّكون وينشطون في أطر فئوية محدودة تقللّ من شأنهم وتأثيرهم، كما تغشي بصيرتهم عن أولويّات العمل المطلوب، فينحصر الهمّ لدى بعضهم ب"الآخر" من أبناء الوطن أو الدين الواحد المشترك. وفي الأحوال هذه، لا يمكن أن تكون هناك جالية عربية واحدة، أو عمل عربي مشترك مؤثّر في عموم المجتمع الأميركي أو الغربي عموماً.

الملامة هنا لا تقع على المهاجرين العرب أنفسهم وحسب بل على المناخ الانقسامي السائد في معظم البلدان العربية، وعلى سيادة الأفكار والتصريحات التي تفرّق بين أبناء المنطقة العربية ولا توحّد. فالفهم الخاطئ للعروبة والدين هو حالة مرضية قائمة الآن في المجتمعات العربية كما هي علّة مستديمة في المجتمعات الغربية.