مشروع الوطن القومي لليهود لم ينته بعد/ نبيل عودة

هل من مستقبل للقوة ولا شيء غير القوة؟
كشف وزير الدفاع ايهود براك عن عقليته الاحتلالية محققا سبقا حتى على رئيس أكثر حكومة استيطانية بيبي نتنياهو، مُحدِثاً مفاجأة لكل من كان يتوهّم، انه أكثر وزراء حكومة اليمين المتطرف اعتدالاً وعقلانية بكل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني.
رغم انشغال الثنائي براك نتنياهو بالتخطيط لعملية عسكرية ضد ايران، أضافوا لها دعما بشخصية سياسية مدانة بالعار، هو الوزير السابق تساحي هنغبي، الذي عاد الى الليكود بعد هجرة لم تطل في كاديما. الا ان هناك اولويات، لم يسبق ان كشفت بمثل هذه الصلافة والفظاظة السياسية، واعني هوس السيطرة على الأرض الفلسطينية، حتى بمخالفة كاملة وواضحة للقانون الدولي، بشكل يعيد لذاكرتنا تفاصيل نكبة 1948.
طبعا إسرائيل تعتمد على عاملين حاسمين. اولا قوتها العسكرية التقليدية، وقوتها النووية غير المعلن عنها، التي أصر عالم الماني، وهذا ليس بالشيء الجديد، انها تملك على الأقل 300 سلاح نووي، وثانيا على الدعم الأميركي غير المشروط، وظاهرة "المنافسة الصبيانية" بين المرشحين للرئاسة الأميركية حول من يحتضن المؤسسة السلطوية في إسرائيل (وليس المواطنين الذين ينشدون الأمن والسلام) ويستجيب لمطالبها أكثر من الآخر، وأعني احتضان سياسة إسرائيل القائمة على التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني والاحتلال لكل التراب الوطني الفلسطيني وحصاره عسكريا، واستمرار احتلال اراض عربية، والتهديد العسكري لكل دولة شرق أوسطية تفكر ببناء قوة عسكرية توازي القوة الاستراتيجية الإسرائيلية.
قبل الحديث عن هوس ايهود براك الاحتلالي الجديد، ارى نفسي مضطرا للتساؤل. هل هناك نظام عربي؟ هل توجد دول عربية؟ هل توجد أحزاب عربية؟ هل توجد جماهير عربية؟
هل اختلف العالم العربي بمضمونه عن عام 1948؟
توجد بلاد تسمى عربية، وجماهير مقموعة باستبداد يذكرنا بالقرون الوسطى، حكام يحافظون على فقر شعوبهم وعوزها ولا يقلقهم ان مجتمعاتهم في حضيض المجتمعات البشرية، يمنعون بغبائهم تطورها في العلوم، اقتصادها لمصلحة قطط سمان ومجموعة من الحرامية، لا شيء من التنور والرفاهية يلامس أحلام المواطنين في المجتمعات العربية. المهم ان امن نظامهم بخير. لم يتوقعوا انتفاضة شعبية. المخابرات تُخرِس حتى التأوّهات المؤلمة من الواقع المريض. الجيش مضمون ولاؤه، ضباطه يكافؤون بلا حساب، قبيلة الرئيس وطائفته ضمانة يعتمد عليها. ربما الربيع العربي الذي فجّرته تونس هو خطأ جيني غير متوقع. مصر ليست تونس وليبيا ليست تونس وسوريا ليست تونس. الجينات هناك غيرها في تونس. في النهاية تبين انه مرض عربي جيني سريع الانتشار. الحلم لم ينجز. الربيع العربي سقط في الغيبيات المدمرة لكل فكر نهضوي، استبدل استبداداً سياسياً باستبداد ديني. طفرة النفط لعبت سابقاً وتلعب اليوم أيضاً دوراً معطلاً للتقدم العقلي والحضاري، بدل ان تكون رافعة للتقدم العمراني والنهضة الشاملة. الأنطمة الساقطة والتي لم تسقط بعد، حطّمت كل بارقة أمل لتطوير حركات اجتماعية وسياسية ومدنية نشطة ومؤثرة تعطي للمجتمع المدني العربي مساحة من حرية التفكير واللحاق بركب التطور الفكري. حقبة النفط السعودية على المستوى العربي العام فرضت فكرها الماضوي وأبرزت محدودية حقوق الإنسان العربي وأقصد بالإنسان المرأة ايضا. حتى اليسار العربي وصل الى مرحلة الشيخوخة المبكرة ويقف عاجزاً مفكَّكاً أمام ما يُرتكب من جرائم بحق الشعوب العربية عامة وبحق الشعب السوري على الأخص من نظام طائفي عائلي بني على الإجرام من ساعاته الأولى. الحركة القومية العربية تلاشت بموت جمال عبد الناصر، لأنها لم تتجاوز الحالة العفوية الحماسية الارتجالية الى صياغة نهج فكري واجتماعي ومدني وسياسي يشكل طريقاً لبناء نظام على أسس جديدة لا تجترّ الماضي، وأعني الانتقال من الحماسة الناصرية، الى فعل يشبه بشكل ما وليس تقليداً او نسْخاً، ما أحدثه كمال أتاتورك في الامبراطورية العثمانية المريضة، واضعاً الشعب التركي على طريق الانفتاح الفكري والتطور العمراني ومقارنة بسيطة مع مصر التي تتساوى بعدد سكانها مع تركيا، نجد ان الانتاج القومي الاجمالي التركي يساوي خمسة أضعاف على الأقل الانتاج القومي المصري. الفرق بسيط، تركيا انتقلت نهائياً لنظام برلماني ديمقراطي على الطريقة الغربية. وانا لا أعتبر تركيا نموذجاً يحتذى، ولكنها تشكل اشارة للطريق. ومصر حسب كل المعطيات تملك قدرات نهضوية هائلة في جميع المجالات، من يعطلها؟!
 عربيا بقينا مع أمراض الطفولة القومية، وانغلاق فكري، وانتشار ظاهرة فتاوى مقلقة  شوّهت كل الفكر الديني.
حان الوقت للتعامل مع الولايات المتحدة بعقلية المصالح
سؤالي قبل العودة الى هَوَس بَراك الاحتلالي الجديد، ألا توجد مصالح أميركية واسعة وهامة ومؤثرة لدرجة قاتلة على الاقتصاد الأميركي في العالم العربي؟ واضح ان النفط هو جانب هام، ولكن لنترك النفط ونتساءل عن وجود مصالح اميركية أخرى تتفوق على كل ما يشكله النفوذ الإسرائيلي في الادارة الأميركية، او يعادله على الأقل؟ مصالح تجعل الأدارات الأميركية ومرشحي الرئاسة يربطون ألسنتهم، ويفكرون مرتين على الأقل قبل التصريحات المهووسة بحب إسرائيل ودعمها والتغطية على مخالفاتها لكل القانون الدولي، ومدها بتغطية تشكل خرقاً للسلام العالمي والسلام في المنطقة، وتوفر لها الدفاع عن تميزها وتفوقها العسكري واستبدادها الاحتلالي وكونها الدولة الوحيدة التي تملك السلاح النووي وتفرض منعاً على الآخرين. حتى همسة احتجاج عربية لا ترتفع، شيوخ الفتاوى، بغياب دور للحركات الحزبية والمدنية الجماهيرية، لا يجرؤون ان يخالفوا أوامر السلطان واجباتهم تقييد التفكير شلّ العقل وفرض النقل.
رأيي بكل وضوح وفظاظة وألم ان العالم العربي كما تتّضح تطوراته اليوم، هو في بداية حقبة جليدية (او صحراوية) ستخرجه من التاريخ الإنساني لفترة غير محدودة بزمن يمكن تعريفه. من هنا أرى ان هجرة العقول العربية، وهي حالة كارثية باتّساعها اليوم، وبمدى ما تسببه من خسائر مادية فلكية من ناحية قيمتها المالية والعلمية، هذه الظاهرة ستتعمّق وتتضاعف وتكثّف انهيار المجتمعات العربية في عالم لا ينتظر القاصرين ولا يرحمهم. ان ما يشغل الفكر العربي اليوم، لا يتجاوز بديهيات محفوظة ومنقولة وقد ملَّها كل من يملك بعضاً من وعْي.
إذن، هل نتفاجأ من هوس براك الاحتلالي؟ هل من تحدٍّ يجعلهم يفكروا مرتين؟
هل من شيء غير مريض في العالم العربي؟
هل كان من الممكن ان لا يقع الربيع العربي فريسة لقوى لم تساهم في الانتفاضة ولم تحركها أصلا؟
عندما أقرأ ان إسرائيل أمام خيارين، إما دولتين لشعبين، إسرائيل وفلسطين او دولة واحدة للشعبين، أصاب بالحكّة في قشرة الرأس.
السؤال المحرج ليس هنا.
إسرائيل تنفذ مشروعها الصهيوني. تسيطر على 60% من اراضي الضفة الغربية المصنفة مناطق "ج" ولا أرى انها ستعود للسلطة الفلسطينية، الحلّ الإسرائيلي واضح، دفع المواطنين الى خارج مناطق "ج" الوقت ليس مشكلة. الاحتلال يتواصل منذ نصف قرن، نصف قرن آخر لا يؤثر في ظل الواقع العربي المريض والمتدحرج الى الخلف. الفلسطينيون داخل الحصار. قريبا سنجد ان الاحتلال يبتدع ما يجعل كل شاب فلسطيني متعلم يختار الهجرة. هذا قائم اليوم ايضا بقوانين تمنع مئات الآلاف من العودة لوطنهم. المياه تحت سيطرة مطلقة للاحتلال. الزراعة الفلسطينية تفتقد للري. يحصل المواطن الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة على معدل أقل من 60 لتراً من المياه للاستخدام المنزلي في اليوم الواحد مقابل 280 لتراً للمستوطن. بشكل عام يحصل المواطن الفلسطيني على أقل بكثير من 100 لتر من المياه في اليوم وهو الحد الأدنى من كمية المياه التي يتوجب توافرها للفرد بحسب توصية منظمة الصحة العالمية. وهناك من لا يصل الى 20 لتراً من المياه يومياً.
الأرض في مناطق "ب" و "أ" تُصحَّر وتُعزل وأصحابها يعانون من الوصول اليها. في النهاية سيبعون أراضيهم، ليس غداً، إسرائيل قادرة على انتظار الجيل القادم، السماسرة ينشطون، والتزوير بات جزءا من تنفيذ مشاريع السيطرة على الأرض. راجعوا ما كتبه باحثين يهود عن اساليب شراء الحركة الصهيونية للأراضي الفلسطينية قبل 1948 خاصة ما جاء في كتاب "عرب صالحون" للباحث من جامعة القدس هيلل كوهين. (مترجم للعربية).
اليوم قطر تعلن انها ستعيد بناء غزة التي دمّرها الاحتلال. ما المنطق من بناء سجن كبير؟ وما هو الهدف القطري؟ معاناة أهل غزة أولاً هو الحصار، ثانياً حالة الانشقاق والتفسّخ في الصف الفلسطيني، ثالثاً التدمير بعد كل بناء. إسرائيل لن تشنَّ حرباً على مدينة مدمَّرة ومحاصرة. تقصف وتدمّر ما لم يدمَّر في الحرب السابقة، لن تنقصها الحجج لتدمير غزة من جديد. الهدف ان يصبح قطاع غزة بلد أشباح.
أذكّركم ان الخطة الصهيونية لإقامة دولة إسرائيل، نهجت على تدمير البلدات التي هرب ساكنوها خوفاً من الموت قتلاً، وبعضها ارتكبت فيها مجازرُ مرعبة. دمرت 520 بلدة على الأقل. لم تكن قيمة عسكرية للتدمير. كان الهدف جعل الأرض بلا سكان لسكان بلا أرض. حتى من خرجوا بالاتفاق مع الجيش وأقرت المحكمة الإسرائيلية العليا حقهم بالعودة الى بلدتيهما، جرى "التحايل" على قرار العليا واستعمال قانون أراضٍ آخر بواسطة وزير المالية (وما أكثر قوانين الأراضي في إسرائيل وكأنها امبراطورية لا تغيب الشمس عن أراضيها) يمنع عودة الأهالي بحجة المصادرة للصالح العام، والقصد أهالي قريتي اقرت وكفربرعم.
ما يقوم به الاحتلال اليوم مدروس ومبرمج. غياب الدور العربي بات تقليدا سياسيا، الدور الفلسطيني والدولي (نتيجة الموقف الأميركي) مشلول عن تشكيل قوة سياسية مانعة في مواجهة الاحتلال والاستيطان.
براك يخطط لهدم ثماني قرى فلسطينية في الخليل
آخر هذه الخطط، وهي حلقة جديدة من حلقات الزحف الاستيطاني، ايهود براك، وزير الدفاع، أبلغ به المحكمة العليا بأن الجيش سيهدم ثماني قرى في جنوب جبل الخليل.
يعيش في هذه القرى 1500 مواطن فلسطيني، والحجة ان المنطقة هامة جدا لتدريبات الجيش، وتقع حسب ما نشر ضمن "منطقة النار 918" وان دولة إسرائيل عبّرت عن مخاوفها ان يقوم المواطنين الفلسطينيين بجمع معلومات أمنية حول أساليب الجيش الإسرائيلي، لاستعمالها في عمليات تخريبية.
أي ببساطة أعلنت وزارة دفاع ايهود براك ان القرى الفلسطينية الثمانية هي "منطقة نيران" او "منطقة أمنية هامة" وهذا التعبير استعمله الحكم العسكري في إسرائيل بعد حرب 1948 ضد المواطنين العرب الباقين في وطنهم، من أجل مصاردة أراضيهم، والان يطبق نفس القانون على الفلسطينيين الذي احتلت إسرائيل اراضيهم في حرب 1967.، لأن الحكم العسكري (قانون احتلالي أقره الانتدابي البريطاني) الذي استنفذ بطشه ضد العرب في إسرائيل قبل ان يُلغى، يسري مفعوله اليوم على الشعب الفلسطيني في الأراضي التي احتلت عام 1967.
يذكر ان "المنطقة الأمنية الهامة" تشمل اراضي زراعية فلسطينية قرب المستوطنات يمنع أصحابها من الوصول اليها، عمليا لم تصادر، لكنها ممنوعة عن أصحابها لأنها "منطقة امنية هامة"!!
المستهجن ان وزارة الدفاع أعدّت شهوداً، فلسطينيين، يشهدون ان سكان تلك القرى، لهم منازل في قرى أخرى، وان الموضوع لا يعتبر تشريداً او نقلاً غير قانوني للسكان.
طبعا القانون الدولي يعتبر الضفة الغربية منطقة احتلال، وإخلاء المواطنين، بحجج "منطقة نيران" او "منطقة امنية"، هي خطوة تظهر هوس ايهود براك الاحتلالي، وان إسرائيل لا تلتزم بأي قانون دولي.. والأخطر ان مشروع اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لم ينته بعد.
من يلزم إسرائيل بالقانون الدولي؟ دول القمع للشعوب العربية؟ دول الطوائف؟ دول التخلف العلمي والاجتماعي؟ دول سحق المواطن وسحق حقوق المرأة؟ دول فتاوى ارضاع الكبير والجماع مع الجثة الجديدة وغيرها من الهرطقة التي تروج باسم الدين؟
 لا جديد في هوس الاحتلال التوسع بالمزيد في الأراضي الفلسطينية. ولا جديد في نقض ومخالفة القوانين الدولية. القانون لا أسنان له. والدول العربية بلا أسنان عن سبق إصرار وتعمُّد، دولهم لم تتجاوز الظاهرة الصوتية. جيوشهم للاستعراض وضمان أمن النظام.
لماذا الشكوى وما يملأ المعدة بالقروح؟ ستبقى للشعب الفلسطيني دولة الأشباح في غزة!!

السيطرة الإسرائيلية على الجولان هي حتميّة استراتيجيّة وأخلاقيّة/ سعيد نفاع


هذا هو عنوان البحث الذي أصدره مؤخرا معهد "بيجن- السادات" للأبحاث الاستراتيجيّة أجراه رئيس المعهد البروفيسور إفراييم عنبار من جامعة بار إيلان، موضوع هذا البحث الذي يلخصّه العنوان يثير التساؤل أو السؤال: ما هذا التوقيت ولماذا؟!
هذا البحث والممتد على 30 صفحة يجتر الادعاءات الإسرائيليّة المعروفة حول هضبة الجولان والمشهور منها هي الادعاءات الدفاعيّة الاستر اتيجيّة، ولكن البحث أضاف أو أبرز البعد "الأخلاقي" مدعمّا إياه ب"حقائق تاريخيّة" وأخرى "شرعيّة دوليّة" ، فيقول:
"على إسرائيل أن تدعم بقاءها في هضبة الجولان اعتمادا على حدود قابلة للدفاع بدوافع تاريخيّة وقانونيّة وشرعيّة. فالعودة لحدود ال1967 غير مقبولة من الناحية الأخلاقيّة لأن معناها هو إنقاذ سوريّة من مسؤوليتها ومن تحميلها الثمن عن الإخلال الفظ بالشرعة الدوليّة حين هاجمت إسرائيل في ال67، ومن الناحية التاريخيّة فلإسرائيل حقوق تاريخيّة في هضبة الجولان تم الاعتراف بها في وثائق دوليّة في القرن العشرين ولذا فهي جزء من أرض إسرائيل، فعدا عن بضع سنوات امتدت من ال46 إلى ال67 كانت فيها تحت السلطة السوريّة، كانت الهضبة عمليّا لليهود وعلى إسرائيل أن تعيد لنفسها التفوّق الأخلاقي لتظهر أنها تدّعي على أرض من تراثها التاريخيّ وليس مجرد أرض احتلت بقوة الذراع.".
ويضيف في هذا السياق:
"استطاعت الحركة الصهيونيّة أن تضمن اعترافا بحق اليهود الأخلاقي اعتمادا على التاريخ في مؤتمر سان ريمو الذي عقده الحلفاء في نيسان 1920 للبحث في مصير تركة الامبراطوريّة العثمانيّة، وقد حوّل هذا المؤتمر وعد بلفور الذي لم يتعدّ كونه إعلان نوايا بريطانيّ إلى وثيقة قانونيّة أمميّة ملزمة ونافذة...وفقط العلاقات التبادليّة الإمبرياليّة بين فرنسا وبريطانيا أدت إلى ضم الجولان للانتداب الفرنسيّ ومن ثمّ لسوريّة.".     
لا يمكن قراءة هذا البحث القديم الجديد بمعزل عن توقيته والمؤلف بنفسه سهّل علينا هذا الادعاء إذ أدخل في معرض بحثه إشارة لما تتعرّض له سوريّة الآن، وإن اعتراضيّا، لكنه يقول:
"سوريّة اليوم تعيش في وضع من انعدام النظام ولا يعرف أحد ما يخبئه لها المستقبل، هذا الوضع يجعل التفاوض على السلام غير واقعيّ. إذا هدأت الأمور في سوريّة وإذا لم يقم حكم إسلاميّ متطرف في سوريّة فمن المتوقّع أن نداء للعودة لطاولة المفاوضات سوف يُسمع مرّة أخرى.". ويضيف:
"حتّى إن بقي حكم الأسد، ممنوع الاستخفاف بالخطر العسكريّ الكامن الذي ستكون إسرائيل عرضة له، ومن هنا الضرورة على الحفاظ على حدود قابلة للدفاع مع سوريّة.".
إن من يتجاهل أو يستخفّ أو لا يعطي بالا لما يصدر عن معاهد الأبحاث الإسرائيليّة وبالتالي لا يعرف دورها في التأثير على الساسة الإسرائيليين لا بل على رسم السياسة الإسرائيليّة، فينقصه الكثير عن تقدير أو قراءة المخططات والخطوات الإسرائيليّة تجاه المنطقة برمتها وليس فقط تجاه دولة بعينها. أُضمّن هذه الملاحظة مقالي هذا ليس فقط لأهميتها وإنما لأنه في مقال لي قبل أسابيع استعرضت تقديرات رجالات الصف الأول من الأمنيين الإسرائيليين تجاه الحاصل في سوريّة ورأيهم في "النظام" السوريّ وخطره عليهم، فجاءتني من قاريء "ليبراليّ متجمّل أو إسلاميّ ليبراليّ" رسالة يطالبني بعدم إرسال حماقاتي إليه معتبرا إياها استخفافا بعقله، لأن كثيرا من أولئك "اللبراليين" والمرسِل منهم، لا يقبلون حتى التلميح إلى إسرائيل إذ أنها بنظرهم بريئة ك"حمام مكة" من أي دور في "ربيعهم الخليجيّ أو الإسلاميّ" وأي إشارة إليها تمسّ شعورهم اللبراليّ المرهف.
إنّ إعادة هضبة الجولان إلى الواجهة على يد هذا الباحث وهذا المعهد وفي هذا التوقيت الذي لا تجري فيه مفاوضات حولها ولا مبادرات بشأنها في الأفق ولن تكون، ليست مجرّد اجتهاد بحثيّ معزول عن العدوان المركّب على سوريّة، وحتى لو لم يُشر الباحث لذلك وحتى لو كان أشار إليه  تورية لا صراحة، يرتكب القاريء وأي كان متابعا مواليا أو معارضا أو مسؤولا خطأ فادحا إن لم يصل إلى الاستنتاج إنّ بقاء الأسد ليس الشخص وبقاء سوريّة ليس الأرض وإنما الموقف والموقع فيهما خطر كامن ستكون إسرائيل عرضة له، ودون أن يقول ذلك الإسرائيليّون أمنيّون أو باحثون.
إذا كان هذا لا يكفي فلنعد إلى المناورات العسكريّة الدوريّة الإسرائيليّة الجارية منذ ال2007 تحت مسمّى نقاط التحوّل، وكان أخرها المناورة نقطة تحوّل رقم 5 عام ال-2011. فمن هو العدو الاستراتيجي في هذه المناورات؟ أهو مثلا جيوش السعوديّة والخليج المرابطة على أكناف بيت المقدس ؟ أم الجيش العربيّ السوريّ وأجنحته لبنانيّا وعراقيّا إيرانيّا ؟
صحيح أن هذا التحالف "الديموقراطي المتنور" بدء بالظواهري ومرورا بحمد ونتانياهو وأردوغان وانتهاء ببراك حسين أوباما استطاع أن يشغل هذا الجيش بمعركة استباقيّة لكنه سيبقى وأكثر من الماضي لأنه اليوم مُوسما بدم شهدائه، مكمن الخطر الأساسي على قاعدة الأمن القوميّ الغربيّ الأماميّة في الشرق الأوسط ، إسرائيل، وعلى ضِباع حماتها، تماما كما قال إفرايم عنبار هذا وهو أصدق ألف مرّة من كلّ الغُربان ومن العُربان وحُداتهم من "المثقفين المفكّرين الليبراليين" دعاة الحريّة والديموقراطيّة. وبكلماته: "إن بقي حكم الأسد، ممنوع الاستخفاف بالخطر العسكريّ الكامن الذي ستكون إسرائيل عرضة له، ومن هنا الضرورة على الحفاظ على حدود قابلة للدفاع مع سوريّة".
أواخر تموز 2012
Sa.naffaa@gmail.com    
    

يا مقسم الأرزاق/ صالح خريسات

  رحم الله أبا ذر الغفاري، هذا الصحابي الجليل الثائر، الذي ما فتئ يدعو إلى إلغاء مطلق للملكية الشخصية، وإيلاء اهتمام أكبر، بتوزيع الثروة داخل  الدولة الإسلامية، من أجل إقامة مجتمع يسوده التساوي التام.
     وقدر هذا الرجل، أن تؤدي الفوارق الهائلة بين الأغنياء والفقراء، إلى خلق ظروف تتميز بقدر كبير من عدم الاستقرار. وحمل رأيه إلى الخليفة عثمان بن عفان، فنصحه وقرأ عليه:" لإيلاف قريش إيلافهم، رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" وقال: إني تركت الناس خلفي يهيجون ويميجون، وقد ارتفع صوت فقيرهم فوق صوت سيده وولي نعمته. فانظر ما عساك أنت فاعل لهم؟!
      فغضب عثمان من قولته،  وتعلل بأنه يعطيهم ما جعل الله لهم من بيت المال. ولكن أبا ذر سأله عن قيمة ما يعطيه لمروان بن الحكم وأقاربه. فقال عثمان: أعطيهم من مالي الخاص. فرد عليه أبو ذر: وهل يعلم الناس ما لك وما لبيت مال المسلمين؟! ووقف في وجهه وقال: إني رأيت عليا يعطيهم بسخاء، وحين سألته عن ذلك، قال: إذا ذهب الفقر إلى بلد، قال له الكفر خذني معك! وألح عليه، حتى ضاق به عثمان، فأرسله إلى معاوية، ووصاه أن يعطيه حاجته وزيادة، لكي يسكت، ويكف عن الشغب.
     لكن أبا ذر الغفاري، وهو الرائد الأول للمساواة في التاريخ الإسلامي، لم يسكت، وظل يجوب أسواق  دمشق، ومن حولها قصور معاوية المتخمة بخزائن الذهب، ولم يكف عن ترديد هذه العبارة النارية "ويل للأغنياء من الفقراء!" وكان ينادي: " إن كان المال لله، فلماذا تمنعوه عن عباد الله ؟ وإن كان المال للمسلمين، فلماذا لا تعطوهم مالهم ؟" حتى ضاق به معاوية أيضا، فأعاده إلى عثمان، فمات في الطريق.
    لقد كان هذا الصحابي ملتزما بعمل ذي معنى، جسد فيه البطولة، والقداسة، والصوفية. ولم يكن كغيره من العفويين، الذين يقذفون بفكرة ما، مدفوعين بانفعال طارئ، فيبقون على هامش التاريخ والحياة، لا يجدون نفعاً.     ولكن أبا ذر العظيم، لم يترك أتباعا وأنصاراً لنظريته، بل إن الاتجاه المعاكس، هو الذي استأثر بالعقول والأنظمة في كل الأمة الإسلامية.
    وبمقياس الفكرة، إنه لا أمن ولا آمان، بل ولا كرامة للإنسان، ما دام يهدده الجوع والمرض، أو يفني كل ساعاته في جهد جاهد من أجل الحصول على الضروريات المادية، فالتحرر المادي أول مرحلة في سبيل التحرر الفكري والمعنوي .. ولا تحرير في الميدان الاقتصادي إلا عن طريق العمل والعدالة في توزيع الثروات.
    خطر لي هذا الكلام، وغيره كثير، وأنا أقرأ يوميا ما تكشفه لنا محطات المعرفة، عن قيمة الثروات
 وخزائن الذهب، وأرصدة البنوك في العالم، التي يملكها القادة والزعماء العرب.وهي أرقام خيالية، يعجز عن قراءتها نقيب المحاسبين. ويدهشني أكثر حجم  ما تنفقه النساء على مظاهر الزينة والسفرات الطويلة، وما يتصرف به الأولاد والبنات. إننا نرى أن اخذوا  أكثر مما ينبغي، وأكثر مما يستحقون، إن كانوا يستحقون!.
    فاللهم أنت ربنا، واسع الرزق سبحانك، مدبر الأمر فتدبر أمورنا. اللهم  يا مقسم الأرزاق، اجعل نصيبنا  من الرزق،  في هذا اليوم وفي كل يوم، أكبر نصيب من الرزق إلى يوم الدين، رغم أنف  كل أثرياء العرب والمسلمين. اللهم آمين! اللهم استجب! اللهم افعل شيئا أو ينقرض الفقراء، فمن يدعوك ويتوسل إليك في الليل والنهار؟!  

مرسى وهنية.. وسيناريو إحتلال سيناء/ مجدى نجيب وهبة


** لم يكن تسريب كميات الأسلحة التى دخلت مصر بصورة مروعة .. هو من باب المتاجرة ، كما نشرت بعض الصحف المضللة .. وروج لذلك إعلام مصرى فاسد .. بل هو إستكمال للسيناريو والمؤامرة المتفق عليها بين "أمريكا والإخوان وإسرائيل" .. بتقسيم مصر وإستقطاع منطقة "سيناء" لإستيطان قطاع غزة بالكامل بها .. ثم خلق مناخ يدفع بإسرائيل لعمل حزام آمن لها فى عمق سيناء ، لا يقل عن 25 كم ، على طول الحدود بين إسرائيل ومصر ..
** وحتى يعلم كل شعب مصر .. أننا تعرضنا لنشر هذا السيناريو أكثر من مرة .. وهو ما يدفعنا لنعيد النشر لأهميته .. وتواكبه مع الأحداث الجارية على الحدود .. والتى إشتعلت بصورة غير مسبوقة بعد تولى "محمد مرسى" رئاسة مصر .. أو بالأحرى بعد تولى جماعة "الإخوان المسلمين" رئاسة مصر ..
** تبدأ المؤامرة بالمناوشات المفتعلة التى تدور بين حماس وإسرائيل لإجبار الأخيرة على الهجوم على غزة ، وطرد كل الشعب الغزاوى حتى عمق سيناء ، وعودة إستيطانهم .. ثم يتم سيناريو التقسيم للحدود الجديدة لإسرائيل ، ودولة "حماس" الجديدة فى سيناء بمساعدة جماعة الإخوان المسلمين .. لإجبار أهالى قطاع غزة على الهروب من القطاع ، والإستيطان فى عمق سيناء ، وبناء المخيمات .. وهذه المؤامرة لم تكن وليدة الأمس ، بل بدأ التخطيط لها منذ عام 1999 ، فى مشروع قدمه "جون كيرى" إلى الإدارة الأمريكية ، وأطلق عليه "جنة إسرائيل 2010" ..
** ويبدأ المشروع بزيادة أعداد الطائرات والدبابات ، على أن يقل الإهتمام بالمدرعات .. لأن الرسالة ، أن حرب عام 2010 ، لن يتم حسمها فقط بالدبابات .. إذ يعتمد الجيش الإسرائيلى على منظومة أقمار صناعية تجسسية ، وهو ما يؤكد ما كشف عنه ، رئيس الحملة الرسمية لترشيح "عمر سليمان" ، عن مستندات لديه ، حول 36 مركز تجسس على الأراضى المصرية ..
** هذا بجانب إطلاق عدة أقمار صناعية ، بجانب تطوير الصاروخ "جيل" ، وهو صاروخ يحمل على الكتف ، يصل مداه إلى 2500 متر ، وهناك صاروخ "سيباك" ، الذى يحمل على الكتف ، ومداه 4 كم .. ويمكن توجيهه من خلال جهاز خاص للتوجيه .. بجانب تزويد السلاح الجوى الإسرائيلى بأكثر من 110 من طائرات ، طراز "إلاف 16 أى" ، كما سيتم تزويد إسرائيل بطائرة المستقبل "إلاف 22" ، والمتواجدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها .. كما سيهتم المشروع كذلك بأسطول الهليوكوبتر الإسرائيلى .. كما سيتم تزويدها بالمروحيات المتطورة .. ومنها الـ "JSF" ، الجيل المتطور من المروحيات الأمريكية "الأباتش" ، وسيتم شراء طائرات تزويد وقود وإمداد ، وطائرات إنذار ، وطائرات إستطلاع للإنذار المبكر !!! ..
** هذا بجانب مشروع عسكرى قدمته فرنسا ، للجيش الإسرائيلى ، طويل الأجل ، يطلق عليه "الكتاب الأبيض" ، ويستمر حتى 2015 .. كما أفادت بعض التقارير أن الولايات المتحدة ، ستبقى قوة عسكرية عظمى وحيدة فى العالم عام 2010 .. وقد إعتبرت إسرائيل هذا المشروع هو بمثابة "فتح جميع الحنفيات عن أخرها" .. وأن مصر بعد إنهيارها هى الجائزة الكبرى التى تعهدت أمريكا بتقديمها إلى إسرائيل !! .. وشركائهم فى تنفيذ هذا المخطط ، هم جماعة الإخوان المسلمين .. وهو ما يؤكد المباحثات التى جرت بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الإدارة الأمريكية فى 2008 ، ويؤكد إصرار تأييد الإدارة الأمريكية وتهنئتها بتسليم الإخوان سدة الحكم فى مصر ، ويؤكد الزيارات المفاجئة من الإدارة الأمريكية للإجتماع بجماعة الإخوان المسلمين ، بمقر حزبهم .. ويؤكد الزيارة الأخيرة للسيناتور "جون كيرى" ، لرئيس حزب الحرية والعدالة "محمد مرسى" ، والسفيرة "آن باترسون" للتأكد من سير الخطة الموضوعة كما تم الإتفاق عليها !!! ...
** ولتنفيذ هذا المخطط ، وإسقاط دولة مصر ، وإٍسقاط جيشها يسير وفق ما خططت له جماعة الإخوان من إشعال الميادين ، وخلق الأزمات ، والمطالبة بحل الحكومة ، ووضع الدستور ، وإنتخاب رئيس دولة يكون إنتماءه لحزب الحرية والعدالة ، أى "جماعة الإخوان المسلمين" .. ومن ذلك نتأكد أن الإخوان هم الذين أشعلوا كل الميادين ، وهم الذين يوجهون أكاذيبهم إلى الجيش المصرى لإلهائه ، وشغله فى الميادين والأزمات .. وهم وراء كل ما يتم فى مصر ..
** لقد حذرنا منذ أكثر من عدة شهور أن هناك سيناريو يعد لتدمير مصر ، ومنطقة الشرق الأوسط  بأكملها ، كما حذرنا الجيش المصرى بعد أحداث 28 يناير بإخلاء التحرير وعدم الإنسياق للإعتصامات أو الوقفات الإحتجاجية والضرب بيد من حديد على كل هذه التظاهرات ، تفاديا لإحتلال مصر .. كتبنا فى أحد المقالات مقال بعنوان "إغلقوا التحرير قبل إحتلال الوطن" ، ولم نكن نقصد التحرير فقط ، بل كل بؤرة تندلع فيها الأحداث الطائفية أو خروج السلفيين للتظاهر ، أو تحريض الإخوان المسلمين لإشعال الشارع المصرى والأن يجرى تحرشات بين الجيش الإسرائيلى وقطاع غزة ، وقد أوضحنا فى مقالات سابقة أن حماس لن تستطيع الدخول فى أى حرب مع إسرائيل فهى تعلم جيدا أن الثمن هو إبادتها ولكن السيناريو التى تعده حماس والإخوان المسلمين وإسرائيل بزعامة أمريكا هو أن تطلق حماس بعض الصواريخ على مدن إسرائيلية وهى صواريخ لا تحدث إلا إصابات طفيفة ولكنها تسبب إزعاج وإرتباك فى الشارع الإسرائيلى .. وهذا هو ما يدور منذ فترة ليست بالقليلة ، وحذرنا منها أكثر من مرة .. والأن بدأت قيادات مركزية بالجيش الإسرائيلى إرسال كتائب عسكرية من دبابات ومدرعات ومدفعية على حدود قطاع غزة إستعدادا لإقتحامه .. أما ما يحدث بعد ذلك فسوف يفر كل من بقطاع غزة هروبا من قصف النار بين حماس وإسرائيل .. هذا القصف الوهمى الذى تم تدبير كل شئ له وهو الهروب الجماعى لكل أفراد عائلات وأسر قطاع غزة داخل سيناء .. وفى التو واللحظة سيتم بناء مخيمات لتسكين هؤلاء الفارين وستتبادل حماس وإسرائيل ضربات النار التى ستسقط على قطاع غزة بعد أن يكون أفرغ تماما من سكانه .. وأتوقع حدوث مناوشات على الحدود المصرية عند معابر رفح ليس بين الإسرائيلين والمصريين ولكنها ستكون بين بعض الكتائب الإرهابية من الجيش الإسلامى وكتائب القسام والجيش المصرى ، وهم يحاولون إقتحام المعابر الذى سيؤدى إلى إحداث فوضى ينتظرها جماعة الإخوان من داخل مصر لإشعال الشارع المصرى والمطالبة بالثأر ليس من جماعة الجهاد أو جماعة حماس ، وإنما سيكون الزحف المصرى من بعض جماعات إرهابية داخل الوطن إلى الحدود مع إسرائيل للمشاركة مع قطاع حماس فى تحرير قطاع غزة ولكنه لن يحرر قطاع غزة .. بل سيمكن الإحتلال الإسرائيلى منه ، وعندما تتمكن إسرائيل من إحتلال القطاع بالكامل ستتدخل أمريكا طالبة جميع الأطراف بالتهدئة وضبط النفس ووقف القتال فورا .. ولكن بعد أن يتمكن أهالى قطاع غزة من الإستيطان فى سيناء .. الأن السيناريو ينفذ فلا يهم أن يعلن أن هناك مدرعات إسرائيلية تتحرك تجاه قطاع غزة أو مدفعية إسرائيلية تتحرك ، فكل هذه الأشياء هى سيناريو أعد مسبقا منذ فترة طويلة ، بدأ من عام 1992 ، وهذا السيناريو أطلق عليه "جنة إسرائيل 2010" ..
** المؤامرة كبيرة والتخطيط لها يسير كما تبغى أمريكا ولا أملك إلا أن لكم الله ياشعب مصر وأبنائها !!..
صوت الأقباط المصريين

الرئيس مبارك بين العاشر من رمضان 1973والعاشر من رمضان 2012/ سلوي أحمد‏

في تاريخ الاوطان احداث لا تنسي بل تحفر في الذاكرة وفي الوجدان من تلك الاحداث حرب السادس من اكتوبر سنة 1973ميلادية العاشر من رمضان سنه 1393 هجرية.

كان الرئيس مبارك واحدا من الذين صنعوا هذا النصر العظيم فهو قائد القوات الجوية التي فتحت ابواب النصر هذا النصر الذي اعاد العزة والكرامة  لامة باكملها وليس لمصر فقط  في هذا اليوم كان مبارك يصنع لمصر نصرا ويعيد لوطن كرامته وسيادتة وهيبته وعزته كان يصنع للاجيال مستقبلا مشرقا يعيشون فيه مرفوعي الرأس مصاني الكرامة هكذا كان مبارك يفعل من تسعة وثلاثين عاما فماذا يفعل معه بنو وطنه اليوم ؟

انهم يضعونه في غرفة في مستشفي سجن طرة بعد ان وصل الي الرابعة والثمانين من عمره هذا العمر الذي افناه في العمل والتضحية من اجل مصر وشعبها حربا وسلما اليوم يضعه بنو وطنه في تلك الغرفة بعد ان حكموا عليه بالسجن المؤبد اليوم اصبح هذا البطل عميل وخائن اليوم نهدر كرامة من اعاد الينا كرامتنا وعزتنا اليوم نهين من رفع رؤوسنا وحررننا اليوم نسينا ما  قدمه لنا مبارك فلم يجد منا غير القسوة ونكران الجميل

وصل بنا الحال اننا نستكثر علي الرجل حقه الذي كفله له القانون  بان يحصل من هو في مثل حالته الصحية وعمره علي الافراج الصحي وذلك كما ورد في قانون السجون الصادر سنة 1956والذي تنص مادته رقم 36 علي الاتي"كل محكوم عليه يتبين لطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر أو يعجزه عجزا كليا يعرض أمره على مدير القسم الطبى للسجون لفحصه، بالاشتراك مع الطبيب الشرعى للنظر فى الإفراج عنه، وينفذ قرار الإفراج بعد اعتماده من مدير عام السجون، وموافقة النائب العام وتخطر بذلك جهه الإدارة والنيابة المختصة. ويتعين على جهه الإدارة التى يطلب المفرج عنه فى دائرتها عرضه على طبيب الصحة لتوقيع الكشف الطبى عليه كل سته أشهر وتقديم تقرير عن حالته يرسل إلى مصلحة السجون لتبين حالته الصحية توطئة لإلغاء أمر الإفراج عنه إذا اقتضى الحال ذلك

  حتي حقه القانوني كمواطن عادي يعيش علي ارض مصر اصبحنا نمنعه عنه , ماذا فعل مبارك لنا حتي نفعل معه كل ما نفعله اليوم هل لانه احب مصر وعاش محافظا عليها علي مدار ثلاثين عاما؟ هل لانه حارب من اجل ان تعيش احرار علي ارضينا ؟هل لانه رفض التدخل الاجنبي في مصر؟

في العاشر من رمضان سنه 1393 كان مبارك يقاتل من اجلنا وفي العاشر من رمضان من هذا العام نضعه نحن خلف الاسوار نحاسبه ونحاكمة ونهينه ونسبه ابداااااااا لن ينسي لنا التاريخ ما فعلناه مع هذا الرجل ولن يسامح كل من شارك فيه بقول او بفعل بكلام او بصمت اننا نهين ابطالنا ورموزنا وقادتنا ونشوه تاريخنا وتاريخهم لا لشئ سوي انهم احبوا اوطانهم ووهبوا حياتهم من اجلها

 

عن "رمضان" وأيام سفر بلك ومظاهر أخرى/ راسم عبيدات

..... مع مغيب الشمس وعندما أرى الصائمين ينفرون خفافا وثقالا الى محلات بيع القطايف والفول والحمص والعصائر والمكسرات والخبز بأنواعه المختلفة،ويشترون كل ما يقع تحت ايديهم من مواد غذائية أتخيل بأننا مقبلين على أيام المجاعة الكبرى عام 1929 ،أيام"سفربلك"،وأتحسر على رمضان أيام زمان،وأشعر بأن هذا الشهر الفضيل فقد كل معانيه وقيمه السامية ولم يعد شهراً للعبادة والتضامن وشعور الغني مع الفقير والتطهر من الخطايا والذنوب والترقب الى الله بالعبادة،بل اجد انه تحول الى عادة اجتماعية وشكل من اشكال الاستثمار والاستغلال بأنواعه المختلفة،فهناك من يجد في هذا الشهر فرصة لكي يكرس حضوره ووجوده وزعامته وقيادته الاقتصادية أو الاجتماعية او السياسية،وحتى العشائرية،فهو يقوم بعمل الافطارات الجماعية،ليس بغرض التكفير عن الخطايا والذنوب او التعاطف والتعاضد مع المحتاجين من فقراء ومساكين،بل من أجلت حقيق  أغراض واهداف ومنافع شخصية،ومثل هذه التجليات لا تجدها فقط في عمل الافطارات الجماعية مردودة الهدف والقصد والغاية والتي يكون طلب الرحمة والمغفرة اخر ما يكون منها،فأنت ترى في هذا الشهر الفضيل أن الكثيرون من يمارسون الدجل والنفاق والنصب والاحتيال وأيضاً الأشخاص الذين تكثرعلامات الاستفهام على سمعتهم الوطنية يتقاطرون الى المسجد الاقصى والجوامع ويحتلون الصفوف الامامية خلف الامام،وبقدرة قادر يتحولون الى وعاظ وزهاد ونساك واتقياء وورعين من كثرة الخشوع و"الإيمان" تدمع أعينهم،وهم المشهود لهم بأن الشياطين وابليس تتعلم من افعالهم وممارساتهم فيما يخص ممارسة كل اشكال وانواع الدجل والنفاق والعهر والفساد والبلطجة والزعرنة وسوء الائتمان وسعة الذمة والمتاجرة بالدين وحتى التعامل مع العدو ..الخ.
والأمور ليست وقفاً على هذا الحد،بل تجد الصائمين النافرين الى الجهاد عند عودتهم من التسوق يغلقون الطرقات والشوارع ويطلقون أبواق سياراتهم بشكل هستيري،ويستنفرون وترتفع حدة أعصابهم،ومن ثم تتطور الأمور الى  المشادات الكلامية والملاسنات ومن بعدها عراك واشتباكات و"طوش" سرعان ما تتحول الى معارك داحس والغبراء،وتجد أن هذه الجموع الصائمة المؤمنة تتحول في لحظات الى مجرد رعاع هائج ليس له علاقة بالدين ولا ينفع لا شعبان ولا رمضان ولا دين ولا قيم ولا أخلاق في تهدئته ولجم هيجانه في مشاهد توحي لك بأننا نعيش في مرحلة ما قبل التاريخ أو أن هناك خلل كبير في ثقافتنا وتربيتنا.
أما من زاوية أخرى فهذا الشهر المفترض فيه ان تقل المصاريف وتخفض الاسعار للسلع والبضائع،حيث أن اليهود غير المؤمنين في فترة اعيادهم وصومهم يقوموا بعمل عروض على كل البضائع وتخفيضاسعارها حتى يتمكن الناس من الشراء والتمتع بالعيد والصوم،ومن هذه الزاوية تجد العديد من الأسر المقدسية تتوجه الى المحلات التجارية الإسرائيلية في القدس الغربية وغيرها لكون الأسعار لنفس السلع والبضائع ارخص مما هي في محلاتنا التجارية،رغم أن الأيدي العاملة في تلك المحلات رواتبها اعلى من  رواتب العاملين في المحلات العربية،ونحن اذ لا نشجع او ندعو الى التوجه للمحلات التجارية الإسرائيلية،ولكن بالمقابل يجب ان يكون هناك سياسة اقتصادية تشجع مثل هؤلاء الناس وتخلق لديهم قناعات وحوافز،بضرورة الشراء من المحلات العربية،وهذه مسألة بحاجة الى نقاش جدي للبحث في أسبابه وأين تكمن المشكلة والخلل،وما الذي يدفع المواطنين للشراء من المحلات التجارية الإسرائيلية؟.
أما نحن المؤمنين الأتقياء والورعين،ما ان يهل شهر رمضان حتى تبدأ الأسعار بالارتفاع بشكل جنوني،والتجار الذين قال عنهم النبي المصطفى محمد بأن فئة قليلة جداً جداً منهم سيحشرون مع الأنبياء والصديقين يوم القيامة في الجنة فهو يعلم ويدرك بأن الجزء الأكبر منهم سيحشر في مكان آخر، فهم يتحينون هذه الفرصة لكي يستغلوا الناس من خلال احتكار البضائع والسلع ورفع الأسعار،وعرض ما هو موجود في مخازنهم من بضائع كاسدة او فاسدة ومنتهية الصلاحية والتاريخ،حتى أن العديد منهم يقومون بإعادة تغليف البضائع واللعب بتواريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية من أجل تسويق البضائع الفاسدة،دون أي وازع أخلاقي او إنساني او ضميري،فهم فقط يحركهم جشعهم وطمعهم ومنفعتهم ومصلحتهم الخاصة،على اعتبار أن الناس في هذا الشهر تقوم بشراء أي شيء يقع تحت أيديها،وهي فرصة لترويج وتسويق مثل هذه البضائع على الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل،حيث أن ضيق الحال وقلة الامكانيات،مع سعر منخفض لأسعار تلك البضائع يغريها بالشراء،وهي لا تدرك بأن ثمن ذلك صحة أفرادها والكثير من الأمراض والموت البطيء.
نحن في شهر رمضان الفضيل نريد ان نجد أن هناك من يدق جدران الخاص،نريد من يعلق الجرس،نريد من خطباء الجوامع التركيز على مثل هذه الظواهر السلبية،أن من يريد القدوم للصلاة في الجامع أو الاقصى ليس مبرراً أو عذراً له،أن يضع أو يركن سيارته بشكل يغلق الطريق او الشارع العام،والقول بأني فعلت ذلك من أجل الصلاة،فهذا عذر أقبح من ذنب،وكذلك تحذير التجار ومطالبتهم بالتخفيف عن الناس ومراعاة ظروفهم الاقتصادية،وليس العمل على استغلالهم بطريقة جشعة تتعارض مع ما كل ما هو إنساني وأخلاقي،نريد منهم القول للجماهير والناس،أن الصوم ليس عن الطعام والشراب فقط،فهذا أسهل أنواع الصوم،ولكن الصوم عن افتعال المشاكل والطوش والاحتراب العشائري والقبلي،فهي الأكثر خطورة على وحدة نسيجنا الاجتماعي في القدس وفلسطين.
نريد منهم في خطبهم التطرق الى من يقومون بتسريب الأملاك والعقارات والأراضي الى اليهود،ويقفون في الصفوف الأمامية في الاقصى والجوامع،بأنه لن يقبل منهم لا توبة ولا صوم ولا صلاة،فهذه الأعمال من الكبائر،التي لا ينفع معها التستر والتمسح بالدين،نريد منهم القول بأن من يجلب حارس أملاك الغائبين إلى أخيه أو أبيه في عقار أو بيت،فهو أيضاً لا مغفرة ولا رحمة له،فهذا العمل وكذلك عمليات التسريب للأملاك والعقارات والأراضي من الكبائر التي لا تقبل فيها لا رحمة ولا توبة.
نريد منهم القول بأن الإفطارات الجماعية المقامة في فنادق خمس نجوم وكذلك العزائم الرمضانية والتي يلقى فيها الكثير من الأكل في حاويات القمامة والكفيل بإطعام مئات الأسر المحتاجة حرام،وبدلاً من أن يخلق ألفة ولحمة اجتماعية،فهو يخلق المزيد من التفكك الاجتماعي والنظرة السلبية إلى واقعنا الاجتماعي.
أنا أدرك بأن جهدا كبيراًًيجب أن يبذل في هذا الجانب،وفي الكثير من جوانب حياتنا الاجتماعية،حتى يكون هناك تعديل ايجابي في سلوكنا،وهذا واجب الجميع ومسؤوليات القيادات الدينية والوطنية والمجتمعية عليها أن تمارس دورها الايجابي والقيادي حتى تتغير الكثير من عاداتنا ومسلكياتنا السلبية والمدمرة.


مرتا، مرتا، وأولويات المدارس الكاثوليكية/ الياس بجاني


"باركوا ولا تلعنوا. افرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين. كونوا متفقين، لا تتكبروا بل اتضعوا. لا تحسبوا أنفسكم حكماء. لا تجازوا أحداً شراً بشر، واجتهدوا أن تعملوا الخير أمام جميع الناس. سالموا جميع الناس إن أمكن، على قدر طاقتكم". (رومة 12/14-18)
مما لا شك فيه أن كلفة استئجار "صالة السفراء" الفخمة في كازينو لبنان حيث أقامت اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في 27 تموز/12 عشائها السنوي، هو أمر مكلف وبالتأكيد احتاج لرزمة كبيرة ومنتفخة من الدولارات كان بالإمكان الاستفادة منها في مساعدة مجموعة كبيرة من الطلاب في المدارس الكاثوليكية الذين ومنذ أن بدأت العطلة الصيفية ممنوع عليهم استلام علامات ونتائج فحوصاتهم لآخر السنة على خلفية الضيقة المالية التي يعاني منها ذويهم الغير قادرين على دفع ما هو متأخر على أولادهم من أقساط.
بالتأكيد لو كان مبدأ التواضع ومد اليد للمحتاجين معمولا به من قبل الأساقفة الكرام لكان بالإمكان إقامة هذا العشاء في أي صالة من صالات الكنائس والمطرانيات والمدارس الكاثوليكية، وما أكثرها، والاستفادة من المبلغ الذي دُفع لاستئجار "صالة السفراء" في حل أزمة الطلاب المحرومين بسبب فقر ذويهم من فرحة النجاح بمجهود وتعب سنة مدرسية كاملة.
اللافت أن الكلمة التي ألقاها خلال العشاء رئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، المطران انطوان نبيل العنداري، تناولت وطأة الضائقة الاقتصادية على العائلة ونتائجها الاجتماعية، حيث قال: "تعاني العائلة في لبنان والشرق الأوسط ضائقة اقتصادية خانقة بسبب الحروب الدائرة والأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، فانعكست حرمانا وتوترا وهجرة وشرذمة. وتتعرض العائلة إلى انتهاك قدسيتها وتشويه وجهها عبر الانجرافات الخلقية التي تحط من كرامتها بسبب أجواء العنف والعبثية وانحطاط القيم والأخلاق وغياب الأهل وضعف السلطة الوالدية".
جدير ذكره ولعلى في التذكير بعض من الفائدة، فقد جاء في رسالة القديس يعقوب 2/26: " لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت". من هنا نسأل ما نفع الكلام إن كان لمجرد الكلام، وما نفع المواعظ إن كانت فقط نظرية وغير مقرونة بالأعمال؟
بمحبة وبصراحة متناهية نرى إيمانياً وانسانياً أن تصرف إدارة المدارس الكاثوليكية "العسكري والمستبد" مع شريحة كبيرة من طلابها بهذا المنطق المالي الصرف هو أمر مستنكر، لا بل هو خطيئة وفيه الكثير من مكنونات الاستكبار والشرود والجحود التي لا يمكن فهمها إلا بعقلية التاجر الذي يبغي الربح لمجرد الربح. كما أنه تصرف بعيد كل البعد عن جوهر الإنجيل المقدس وعن أسس الدعوة الكهنوتية وعن نذورات العفة والطاعة والفقر، والأهم هو تصرف لا يمت بصلة لرسالة المدارس الكاثوليكية.
أين هو سلم الأولويات، وأين هم القيمين على المدارس الكاثوليكية من قول السيد المسيح: "مرتا، مرتا تهتمين بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد"؟ والمطلوب هنا يا سادة ويا قيمين على المدارس الكاثوليكية هو احترام كرامة الفقير من أهلنا وتأمين التعليم لأولاده دون ذل وإهانات وتفرقة. ترى أليست تصرفات مهينة كهذه سبباً مهماً من أسباب هجرة المئات من العائلات اللبنانية المسيحية كل شهر؟
 المستغرب في متاهات التناقضات والأولويات التي يعاني منها رجال الدين الأجلاء في وطن الأرز، وأيضاً على خلفية إيمانية هو أن الكنيسة تعمل بجهد لافت من خلال مؤسسات كثيرة كنسية وغير كنسية ومحلية واغترابية على تسجيل أبناء المغتربين اللبنانيين المسيحيين في السفارات بهدف محافظتهم على جنسيتهم اللبنانية، كما تشجع هؤلاء المغتربين على العودة إلى الوطن الأم ولو بقصد الزيارات والمشاركة في الانتخابات وفي دعم الاقتصاد وغيرها الكثير من  أمور المواطنية. هذه جهود مشكورة وكما نعلم فهي تكلف الملايين التي يتبرع بها عدداً كبيراً من المقتدرين المقيمين والمغتربين.
نسأل بحزن، أين هم هؤلاء المقتدرين ولماذا لا يساعدون من هم فعلاً بحاجة لمساعدة؟
ترى أين هو المنطق، وأين هي الحكمة، وأين هي روحية الإنجيل، وأين هي أسس المحبة والأخوة في إذلال عدد كبير من الأهالي غير القادرين على دفع ما تبقى على أولادهم من أقساط في المدارس الكاثوليكية؟ وهل يعود لكل الجهود الكنسية الأخرى المتعلقة بالمغتربين أي فائدة فيما يُدفع المقيم للهجرة؟
يا سادة يا كرام، يا من دُعيتم لحمل رسالة البشارة أين هي ينابيع المحبة في ممارساتكم التي شرح مفهومها القديس بولس الرسول (1 كورنثوس 13/01-08: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسا يطن أو صنجاً يرن، وإن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئا، وإن أطعمت كل أموالي ، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئا، المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السؤ ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدا . وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل")

في الخلاصة، المطلوب الرجوع  إلى حضن المحبة على أن ترافقها صحوة ضمير كهنوتية مع عودة إلى جوهر الرسالة والدعوة والنذورات قبل فوات الأوان.
مع القديس يعقوب (02/05) نختم قائلين لمن يعنيهم الأمر: "اسمعوا يا إخوتي الأحباء: أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان، وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه؟ ومن من له أذنان صاغيتان فليسمع.

الخاتمة هي تفتيت الأوطان/ صبحي غندور


تعيش المنطقة العربية حالياً مرحلة سقوط "النظام العربي الرسمي المريض" في ظلّ تنافس دولي وإقليمي حاد على موقع المنطقة وثرواتها. هي مرحلةٌ لا يمكن الدفاع فيها عن واقع حال هذا "النظام العربي الرسمي" أو القبول باستمرار هذا الواقع، لكن التغيير المنشود ليس مسألة شعارات فقط، بل هو أيضاً ممارسات وأساليب وبرامج وتمييز دقيق في المراحل والأجندات والأولويات والصداقات. فمن الواضح الآن أنّ هناك سعياً محموماً لتدويل الأزمات الداخلية في المنطقة العربية ممّا يُعيد معظم أوطانها إلى حال الوصاية الأجنبية، التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي.
كذلك نجد الآن أنّ هناك توظيفاً واسعاً واستثماراً كبيراً للحراك الشعبي العربي من أجل خدمة مصالح وأجندات خارجية، تماماً كما حدث مع العرب بمطلع القرن العشرين، عندما حصلت في تلك الفترة مراهناتٌ عربية على دعم الأوروبيين لحقّ العرب المشروع في الاستقلال وفي التوحّد بدولة عربية واحدة. وسُمّيت تلك المرحلة ب"الثورة العربية الكبرى"، وهي ثورة قام بها الشريف حسين حاكم مكة عام 1916 ضدّ الدولة العثمانية بدعمٍ من بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى، لكن الإمبراطورية البريطانية لم تنفّذ وعودها مع العرب بل حصل تنفيذ الوعد البريطاني الذي أعطاه آرثر بلفور باسم الحكومة البريطانية لليهود بمساعدتهم على إنشاء "وطن قومي يهودي" لهم في فلسطين. وقد استتبع هذا "الوعد" البريطاني آنذاك "اتفاقية فيصل – وايزمان" التي وُقّعت من قبل الأمير فيصل بن الشريف حسين مع حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية في مؤتمر باريس للسلام 1919م والتي أعطى بها الأمير فيصل لليهود تعهدات بتسهيلات لإنشاء وطن يهودي في فلسطين.
فما بدأ كثورةٍ عربية مشروعة في أهدافها انتهى إلى ممارسات وظّفتها القوى الأوروبية لصالحها، كما استفادت الحركة الصهيونية منها، فنشأت "دولة إسرائيل" ولم تنشأ الدولة العربية الواحدة!.
وقد خبِرَت الأمَّة العربية، وجرّب العرب، في العقود الأربعة الماضية كلَّ البدائل الممكنة عن نهج وتيار العروبة الذي ساد في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فقد كانت زيارة أنور السادات لإسرائيل في العام 1977 بداية الانقلاب الفعلي على نهج العروبة في مصر وعموم المنطقة العربية. وشهدت مصر بعد ذلك سياسة الانعزال عن العرب، والتطبيع مع إسرائيل بدعمٍ كبير من الدول الغربية. ولم يكن نهج التقوقع الإقليمي والانعزال هو وحده البديل الذي ساد في بلاد العرب، عقب عزلة مصر التي فرضتها اتفاقيات "كامب ديفيد" والمعاهدة مع إسرائيل، بل ظهرت أيضاً بدائل أخرى بألوان دينية وطائفية، بعضها كان متجذّراً في المنطقة لكن دون تأثيرٍ سياسيٍّ فعّال، وبعضها الآخر كان نتاجاً طبيعياً لمرحلة الحروب الإسرائيلية وتداعياتها السياسية في المشرق العربي.
وقد ترسّخت في العقود الأربعة الماضية جملة شعارات ومفاهيم ومعتقدات تقوم على مصطلحات "الإسلام هو الحل" و"حقوق الطائفة أو المذهب" لتشكّل فيما بينها صورة حال المنطقة العربية بعد ضمور "الهويّة العربية" واستبدالها بمصطلحاتٍ إقليمية ودينية وطائفية.
وهاهي الآن بلاد العرب تنتعش بحركات تغيير وحراك شعبي واسع من أجل الديمقراطية، لكن بمعزل عن القضايا الأخرى المرتبطة بالسياسات الخارجية وبمسائل "الهويّة" للأوطان وللنظم السياسية المنشودة كبديلٍ لأنظمة الاستبداد والفساد.
وهاهي ثورات حدثت تترافق مع تساؤلاتٍ عديدة عن طبيعة الحكم القادم في كلٍّ منها في ظلّ تزايد المخاوف من هيمنة اتجاهات سياسية دينية على مقدّرات الحكم.
وهكذا تمتزج الآن على الأرض العربية مشاريع تدويل أزمات داخلية عربية مع مخاطر تقسيم مجتمعات عربية، وسط رياحٍ عاصفة تهبّ من الشرق الإقليمي ومن الغرب الدولي، ومن قلب هذه الأمّة حيث مقرّ المشروع الصهيوني التقسيمي.
للأسف، يعيش العرب اليوم عصراً أراد الفاعلون فيه، محلياً وخارجياً، إقناع أبناء وبنات البلاد العربية أنّ مستقبلهم هو في ضمان "حقوقهم" الطائفية والمذهبية، وفي الولاء لهذا المرجع الديني أو ذاك، بينما خاتمة هذه المسيرة الانقسامية هي تفتيت الأوطان والشعوب وجعلها ساحة حروب لقوى دولية وإقليمية تتصارع الآن وتتنافس على كيفيّة التحكّم بهذه الأرض العربية وبثرواتها.
هناك حتماً أكثريّة عربية لا تؤيّد هذا الطرح "الجاهلي" التفتيتي ولا تريد الوصول إلى نتائجه الوخيمة، لكنّها أكثرية "صامتة" إلى حدٍّ ما، ومن يتكلّم منها بجرأة يفتقد المنابر الإعلامية والإمكانات المادية، فيبقى صوته خافتاً أو يتوه هذا الصوت في ضجيج منابر المتطرّفين والطائفيين والمذهبيين الذين هم الآن أكثر "حظّاً" في وسائل الوصول إلى الناس.
لقد استغلّت أطراف خارجية ومحلية سلبياتٍ كثيرة ترافق وجود حال "النظام الرسمي العربي المريض"، لكن هذه الأطراف قزَّمت الواقع العربي إلى مناطق ومدن وأحياء في كلّ بلد عربي، فتحوّلت الهوية الوطنية إلى "هُوية مناطقية"، والهويّة الدينية الشمولية إلى "هويّة طائفية ومذهبية" في مواجهة الشريك الآخر في الوطن، إنْ كان من طائفةٍ أخرى أو مذهبٍ آخر، أو حتّى من اتجاهٍ سياسيٍّ آخر!
إنّ الخطر الأكبر الذي يواجه العرب حالياً هو انشغال شعوب المنطقة بصراعاتها الداخلية. فمن رحْم هذه الأزمات تتوالد مخاطر سياسية وأمنية عديدة أبرزها الآن مخاطر الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية، إضافةً إلى الصراعات السياسية والتنافس على السلطة. ذلك كلّه يحدث في ظلِّ المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تقسيم البلاد العربية، بحيث تكون الدولة اليهودية في المنطقة هي الأقوى وهي المهيمنة على الدويلات المتصارعة.
وعلى جوار حدود الأرض العربية، تنمو مشاريع إقليمية تستفيد من غياب المرجعية العربية ذات المشروع الضامن لمصالح الأمّة العربية. ولو لم يكن حال الأمّة العربية بهذا المستوى من الوهن والانقسام، لما كان ممكناً أصلاً استباحة بلاد العرب من الجهات الأربع كلّها.
لكن دروس التاريخ تعلّمنا أيضاً أنّ المنطقة العربية هي نهرٌ جارف لا بحيرة راكدة. وهذا ليس بخيار لأبناء هذه الأمَّة، بل هو قدَرُها المحكوم بما هي عليه من موقع استراتيجي مهم، وبما فيها من ثروات طبيعية ومصادر للطاقة، وبما عليها من أماكن مقدّسة لكلِّ الرسالات السماوية. فحتّى لو اختارت بعض شعوب الأمَّة العربية العزلة عن جوارها وعن العالم المحيط بها، فإنّها لا تقدر على ذلك بسبب خيارات القوى الأخرى الإقليمية والدولية التي تطمح إلى السيطرة على ما في هذه البلدان من خيرات.
ثمّ إنّ الصراعات بين القوى الإقليمية والدولية وتنافسها على المنطقة العربية، يزيد من هدير هذا النهر الجارف في المنطقة. فالسؤال إذن هو ليس حول حدوث التغيير فيها أو عدمه، بل عن نوعية هذا التغيير ومواصفاته واتجاهاته، وعن أطرافه المستفيدة أو المتضرّرة، سواء محلّياً أو خارجياً.
فالصراعات والتحدّيات وحركة التغيير، هي قدَر أرض الأمّة العربية على مدار التاريخ، لكن ما يتوقّف على مشيئة شعوبها وإرادتهم هو كيفيّة التعامل مع هذه التحدّيات، وهو أيضاً نوعية التغيير الذي يحدث على كياناتها وفي مجتمعاتها.
هناك بلا شك خميرة عربية جيدة صالحة في كلّ بلدٍ عربي وفي أكثر من مكان بالخارج، وهي خميرة رافضة لما يحدث بين العرب من انقساماتٍ وتدخّلٍ أجنبي، لكنّها تعاني الآن من صعوبة الظرف وقلّة الإمكانات وسوء المناخ السياسي والإعلامي المسيطر، إلاّ أنّ تلك الصعوبات لا يجب أن تدفع لليأس والإحباط بل إلى مزيدٍ من المسؤولية والجهد والعمل. فالبديل عن ذلك هو ترك الساحة تماماً لصالح من يعبثون في وحدة بلدان هذه الأمّة ويشعلون نار الفتنة في رحابها.
فمن الطبيعي أن تنتفض شعوب المنطقة وأن تُطالب بأوضاع أفضل وأن تسعى من أجل حقّ المشاركة الفعّالة في الحياة العامّة، لكن المشكلة أنّ التحرّك الجماهيري يحتاج إلى آفاق فكرية واضحة المعالم، وإلى أطر تنظيمية سليمة البناء، وإلى قيادات مخلصة للأهداف، وليس لمصالحها الخاصّة.. فهل هذه العناصر كلّها متوفّرة في الحركات الشعبية العربية الظاهرة حالياً؟ ويبقى السؤال المهمّ: من يقود قطار الديمقراطية الآن ولماذا مساره يتجه فقط نحو نفق مخاطر تجزئة الكيانات أو إخضاعها أولاً للسيطرة الأجنبية؟!

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

ارفع رأسك ... أنت في غزة/ د. مصطفى يوسف اللداوي

بقلبٍ خافق وعيونٍ دامعة، وذكرياتٍ هائجة، وماضٍ ينهض من جديد، وحنينٍ كموج البحر جارف، إلى أهلٍ كنتُ يوماً بينهم، وشعبٍ عشت فيهم، وأرضٍ نشأت عليها، وأحياء وحواري وأزقة لعبت فيها، ومدارس تعلمت فيها، ومساجد صليت فيها وتلقيت وألقيت فيها دروس العلم الأولى، تراءت لي آلاف الصور وأنا في طريقي إلى غزة، صور الطفولة البريئة التي كان الاحتلال يتعمد اغتيالها، وذكريات المدرسة وأنشطتها، وأيام الصبا وشقاوتها، ذكريات المقاومة وفعاليات الانتفاضة، عاد الماضي كله وكأنه الأمس القريب، لم يعد فيه ماضياً بعيداً وذكرياتٍ مضت، ولم أعد بحاجةٍ لأن أعتصر الذاكرة وأبذل الجهد لأنعش ذاكرتي، وأستذكر الوجوه والأحداث والأيام التي مرت، بينما السيارة تشق الطريق بقوة إلى القطاع، فتقترب منه شيئاً فشيئاً وكأنها تزيح الركام الذي تراكم عبر السنين، وتنفض غبار الأيام الذي علا ذكريات الأمس محاولاً طمسها، وكأنها تعيد بعجلاتها التي تنهب الأرض وسط رمال الصحراء المترامية الماضي بكل قوة، وتستعيد الذكريات بكل ما فيها من تفاصيل دقيقة، كلما اقتربت من بوابة رفح العتيدة، التي أصبح اسمها علماً، وصورتها طابعاً يعرفها العالم كله، ومنها إلى القطاع تعبر كل أجناس الدنيا.
غزة التي استقبلتني اليوم تختلف عن غزة التي شيعتني بالأمس مبعداً، فقد ودعتني حزينةً، ضعيفةً منزوعة السلاح، مكلومة بينما الاحتلال يجوس خلالها، يقتل رجالها، ويعتقل أهلها، ويخرب عمرانها، ويدمر بنيانها، ويفسد فيها، مقتطعاً أجزاء كبيرة من أرضها، ليبني عليها مستوطناتٍ ومستعمرات، ومعسكراتٍ للجيش وطرق أمنية والتفافية، وقد كان يعتقد أنه جاء ليبقى واحتل ليدوم، واستوطن ليخلد في الأرض، ولكنه غادرها مكرهاً، وانسحب منها مرغماً، وتخلى عن أضغاث أحلامه وخزعبلات قادته، ونبوءات بروتوكولاته، وبات يشعر بعد اندحاره وفشل مخططاته أن مشروعه في خطر، وأن مستقبله يكتنفه الغموض، وأن في غزة مقتله، وفي مخيماتها منيته.
غزة اليوم حرةٌ أبيةٌ، عزيزةٌ كريمة، قويةٌ جارحة، يخشى بأسها، ويحسب حسابها، ذراعها ضارب، ومخلبها حادٌ، لا تعرف الضيم ولا تقبل به، ولا تستكين على الظلم ولا تخنع له، تبادر بالرد وتستعد للصد، لا تضعف أمام القوة، ولا تجبن أمام الجبروت، ولا تتردد أمام هول الطاغوت، فحقها قوة، وأهدافها يقينٌ وعقيدة، لا يرقى إليها الشك ولا يزعزعها الظن، فلا يخدعن أحدٌ بها أنها خاصرةٌ ضعيفة، أو جبهةٌ رخوة، بل إنها صخرة المقاومة، وبركان الغضب، فلا يستفززنها أحد، ولا يدفعنها عدوٌ نحو الثورة والانتفاض من جديد، فإنها ما ملت المقاومة، وما عزفت عن الجهاد، وما أضنتها التضحية وما أسقمها العطاء، بل صقلها الجهاد والثبات حتى أصبحت جوزةً لا تكسر، وقوةً لا تقهر.
ولكن أهل غزة يتطلعون إلى من يساند صمودهم، ومن يقف إلى جانب مقاومتهم، ومن يدعم مطالبهم، ومن يحول دون التآمر عليهم، فهم يتكفلون بصد العدوان، والانتقام من الاحتلال، ولكن يلزمهم من إخوانهم نصرة وعون، ومساعدة وغوث، يتطلعون إليها من قديم، وينتظرونها منذ زمن، وهو عونٌ مادي، وغوثٌ بمالٍ يحسن ظروفهم، أو وقودٌ يضيئ ظلمة ليلهم، ويحرك آلاتهم الساكنة ومعاملهم المتوقفة، ويشغل عمالهم، وينعش اقتصادهم البسيط، ويحقنه بما يقضي على البطالة، ويحرك عجلة الاقتصاد التي عطلها الاحتلال، وأصابها بعطبٍ متكرر ومتعمد.
لا يخفى على أحد وجوه أهل غزة التي غضنها التعب، وأضناها الجهد، وأتعبتها المعاناة، فهي وجوهٌ سمراء لوحتها شمس غزة، وصبغها بحرها الممتد، ومنحها لوناً مميزاً، ورسم عليها خطوط معاناةٍ كثيرة، تركت آثارها على الكثير من جوانب الحياة، الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ما شغلهم بأنفسهم كثيراً، وأجبرهم على الالتفات إلى همومهم وأحزانهم ومشاكلهم الخاصة، التي تزيد ولا تنقص، وتكبر ولا تصغر، وتعم ولا تخص، وتشمل ولا تميز.
لكن أهل غزة يرون أن قطاعهم هو الأرحب، وهو الأجمل والأفضل، وأنه لا مكان أفضل منه ولا أحسن، فمن أراد الحياة الحرة فسيجدها في غزة، ومن يبحث عن العيش الكريم فإنه يجده في غزة، فهي بلدهم وموطنهم ومكان عيشهم القديم، يستغربون من الغائبين عن وطنهم، ويتساءلون باستغرابٍ عن أسباب الغربة وموانع العودة، ودوافع الخروج من جديد، إذ لا مبرر لديهم لمغادرتهم غزة لغير الدراسة والعلاج وأحياناً العمل،  ولا سبب مقنع عندهم لإصرارِ مواطنٍ على البقاء خارج القطاع، وكثيرٌ منهم كانوا يقيمون خارج القطاع وفي الشتات، ومنهم من كان له عمل وعنده وظيفة، ولديه مال وعنده سعة، ولكنهم آثروا العودة إلى القطاع، رغم أنه محاصرٌ ويضيق عليه، وفضلوا الإقامة فيه والعيش بين أهله.
لا تجد في غزة إلا أن تقف بإجلالٍ واحترام وتقدير أمام رجالها ونسائها وكل سكانها، الذين يدافعون عن قطاعهم رغم حجم المعاناة التي يجدونها، والذين يروجون للعيش فيه رغم قسوة الظروف التي يعانون منها، والذين يعتقدون بحتمية النصر ويقين الفوز رغم قوة العدو وبطشه، وبأس سلاحه وحقد أهله، رغم أنه من الصعب أن تجد أسرةً لا شهيد فيها، أو عائلةً لا جريح يعانى منها، كما لا تجد بيتاً لم تصبه قذيفة، أو لم يطاله صاروخ، فكل ما في قطاع غزة قد أصابه البلى والخراب، وحل فيه العناء والاضطراب، ولكن سكان القطاع أبداً واقفين، ودوماً صادمين، صوتهم عالٍ، وإرادتهم صلبةٌ فولاذية، رؤوسهم دوماً عالية، وقاماتهم شامخة، وخطاهم واثقةٌ حثيثة، لا يعرفون الخوف ولا يهابون من الموت، ولا يرعبهم العدو بدباباته، ولا تجبرهم طائراته وزناناته على الهروب أو التخفي، يسابقون الرياح جوداً لوطنهم، وينافسون الشهداء مكانتهم، ويتقدمون صفوف المضحين مهما أصابهم، ويقارعون العدو بكل جديد، ويستعدون له بكل ما هو ماضٍ وحديد، إنها غزة القديمة قدم التاريخ، حاضرة البحر، ومسكن العمالقة، ومعبر التجارة وطريق القوافل، مدينة هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصانعة مجد الأمة من جديد، مدينةٌ يسكنها الرجال الصيد الأباة الكماة، فارفع الرأس فيها عالياً وامض في ثبات ... فأنت في غزة.
moustafa.leddawi@gmail.com             غزة في 25/7/2012

لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية/ نبيل عودة


الطوشة العمومية في اسرائيل حول موضوع الخدمة الوطنية والمدنية تشتد وتتحول الى مناطحات حزبية وانشقاقات في الحكومة وتمرد أحزاب إئتلافية على رئيس حكومتها، والقاسم المشترك بين الجميع المكاسب الانتخابية في الانتخابات البرلمانية المتوقعة قريبا. المميز ان رئيس الحكومة نتنياهو كعادته،غائب عن القرار وهدفه الأساسي اطالة عمر حكومته. ما هو موقفه؟ هذه أحجية كبيرة أضفت عليه صفة "رئيس الحكومة الذي لا يقرر".
لا يهمني موضوع المتدينين المتعصبين اليهود (الحراديم) انما يهمني اسلوب طرح موضوع الخدمة المدنية على العرب في اسرائيل بمقاييس لا تتلاءم اطلاقا مع خصوصيات المجتمع العربي. من جهة ارفض اسلوب الأحزاب العربية وتوجهها، ولا ارفض موقفها بحد ذاته، انما قصر نظرها وعجزها عن مواجهة الطرح بطرح سياسي وبرلماني وقانوني مناسب. الرفض ليس موقفا، انما تعبير بدائي عن اتجاه. مبررات الرفض التي قدمت لا تخدم استراتيجية النضال السياسي للعرب في اسرائيل. مما يثير المخاوف ان فهمهم قاصر حول دوافع المشروع.
الرفض بدون تبرير يعتمد الحجة القانونية والفكرية ليس سياسة ولن يكون سياسة، هذا موقفي منذ طرح مشروع الخدمة المدنية في اسرائيل عبر "لجنة عبري". كل ما استطيع تسجيلة من مواقف الأحزاب العربية وممثليها هو الرفض دون طرح فكر سياسي بعيد عن مجرد التلويح بشعارات الصراخ بلا منهج عمل، ودون الانتباه للناحية الأكثر خطورة من المشروع الجديد، بالتالي لا يبرزون جوهر مطالب الجماهير العربية ليفهم المواطن اليهودي حقيقة الموقف العربي ، نحن لا نخوض نضالنا في فراغ، عداء السلطة للجماهير العربية هي سياسة مبرمجة، الرد على هذه السياسة يحتاج الى استراتيجية سياسية مبرمجة وبعيدة المدى،تأخذ بعين الأعتبار أهداف الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل كمجموعة سكانية لها خصوصيتها، ويفترض طرح تعريف هوية ذاتية تشمل مختلف مجالات الحياة، السياسي ، الثقافي، الاقتصادي، التعليمي، الاجتماعي،  القانوني، المدني وكل ما يخص مجتمع بشري من مميزات ومطالب جوهرية وعلى راسها سياسة الأراضي والتخطيط ويشمل مصادرة الأرض العربية لمصلحة أهداف يهودية مثل مشاريع اسكان يهودية على حساب البلدات العربية وتطورها، السلطات المحلية والمساواة في الميزانيات، الرفاه الإجتماعي، الخدمات الصحية، موضوع الهوية، الثقافة والتعليم، التطوير والعمل واقامة مناطق صناعية والتصنيع ، القوانين والمجتمع العربي وغير ذلك.
هذه القضايا كانت وراء انتفاضة العام 2000 ولا ارى ان الواقع تغير رغم تقرير "لجنة اور" التي بحثت وحققت  بموضوع الإنتفاضة ووضعت توصيات ايجابية هامة، لم ينفذ منها شيء  ولم أسمع ان أحزابنا قلقة من تجاهل تلك التوصيات رغم نقصانها. كذلك هناك تقرير أكاديمي أكثر أهمية قدم  أيضا على أثر انتتفاضة العام 2000 الى رئيس الحكومة في وقته ايهود براك، اعده باحثين جامعيين يهودا وعربا  من المستوى الأول في اسرائيل ، تحت عنوان "بعد الأزمة – اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة بخصوص العرب في اسرائيل" طرحوا  في تقريرهم دراسة علمية مفصلة للمشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي واقتراح الحلول. وهذا التقرير الأكاديمي يصح ليكون مستندا سياسيا علميا لسياسة عربية تواجه المؤسسة العنصرية للسلطة في اسرائيل لا تعتمد على "ادعاءات عربية" بل على توثيق طرحه الأكاديميون اليهود والعرب من ذوي الأسماء الأبرز في اسرائيل، ولن يدعي عندها أي موبوء بالعنصرية والعداء للجماهير العربية انه موقف عربي هدام وسلبي.
 اسجل هنا مسالة جوهرية أكدها التقرير أيضا، أن الاجحاف والتمييز الذي تمارسه المؤسسة الحاكمة ضد الأقلية العربية في اسرائيل ليس وليد الصدفة، لن ينتهي بمجرد ان حكومات اسرائيل تقوم بزيادة المصادر المالية للوسط العربي. المطلوب تغيير جوهري يطرح فيه من جديد تعريف للأهداف العليا التي توجه سياسة المؤسسة الحاكمة بخصوص المواطنين العرب. هذا يعني ملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات ونشاطات المؤسسة الحاكمة في التعامل مع العرب في اسرائيل. وفي اقتراح المساوة في الخدمات (أي التجنيد الألزامي للخدمة المدنية) هناك تجاهل لسياسات التمييز العنصري والإضطهاد القومي المتواصلة منذ نكبة شعبنا الفلسطيني، واستمرار سياسة الاحتلال والقمع ضد شعبنا الفلسطيني في المناطق المحتلة بعد 1967 ، ورفض الاعتراف بحقه في الحرية واقامة دولته المستقلة، الذي يجب ان يطرح كجزء من المساواة في الحقوق.
 لست واهما من امكانية حدوث مثل هذا التغيير الجوهري من تقرير او توصيات لجان قانونية، لأنه ببساطة سيكون تجاوزا للمفاهيم التي بنيت عليها سياسات السلطة الصهيونية حتى قبل حرب 1948.لكن يوجد بايدينا سلاح سياسي اكاديمي موثق وقانوني وهام. اسرائيل ليست مؤسسة سلطة فقط، بل مجتمع بشري أيضا يشمل كل الأطياف السياسية، ومن يتوهم اننا سننجز أهدافنا بدون تجنيد اليهود العقلانيين، وهم قوة هامة اثبتت نفسها في الانتفاضة الاجتماعية وفي المهرجانات الضخمة من أجل السلام وضد الاحتلال والحرب، هو واهم.
الطرح سابقا كان في اطار خدمة تطوعية مدنية، أي خدمة غير ملزمة . اليوم يطرح مشروع الخدمة الإلزامية، وراء هذا المشروع تقف أكثر الأحزاب عنصرية وفاشية في اسرائيل. والفاشي الصغير مارزل جاء  الى الناصرة كي "يجندنا" لنقاتل الأعداء حولنا، وانا لا ارى أعداء من حولنا أكثر منه ومن سوائبه المستوطنين. دعوة مارزل مقبولة!!
تبريرات الرفض للخدمة المدنية التي طرحتها الأحزاب العربية ضعيفة وغير مدروسة وظرفية. لا بد من فهم أعمق لصياغة موقف مضاد، يفضح جذور ما تدعيه السلطة عن "واجبات مقابل حقوق".
مشروع الخدمة المدنية السابق كان يمكن استغلاله، ومعلوماتي الموثوقة تقول ان قيادات لجنة المتابعة العربية العليا في وقته تحمست جدا لتفاصيل مشروع التطوع المدني (غير الإلزامي)الذي قدم لها وكان طموحه لا يتجاوز انضمام عشرات الشباب كل سنة للتطوع في مؤسسات اجتماعية مختلفة داخل المجتمع العربي، تشرف لجنة المتابعة على توزيعهم في المؤسسات المدنية العربية، ولكن اعتراض هيئة داخلها جر اعتراضا واسعا ، وسرنا في "جنازة حامية والميت كلب". الموضوع صار وراءنا.
 حول المشروع الجديد قرأت مقالات لعدد من الأكاديميين والمثقفين العرب يدعمون فكرة الخدمة المدنية، وهي فكرة لا ننكر أهميتها، ولكن الإطار الذي تطرح فيه الخدمة الإلزامية اليوم  يختلف عن الإطار السابق التطوعي الذي أيدته انا شخصيا أيضا بصفته خدمة اجتماعية مدنية تطوعية وغير الزامية للمجتمع العربي ومؤسساته . الفكرة اليوم تحمل أهدافا مختلفة ، وهذا ما حثني للكتابة وطرح وجهة نظري.
الإقتراح اليوم، خدمة مدنية الزامية ( ليست تطوعية) مرفوض من جذوره، ولكني لم أسمع تبريرات رفضه بمنطق سياسي عبر طرح حقائق التمييز الموثقة التي تتعلق بسياسات المؤسسة الحاكمة،بكل ما يخص الأقلية العربية. التعامل في السياسة يحتاج الى اخضاع كل العوامل من اجل احداث تغيير لصالح المجتمع الذي ندعي اننا نمثل مصالحة العليا.
الحجج التي تطرح ظرفية تماما، بعيدة عن العمق في فهم صياغة استراتيجية وتكتيك مناسبين لمواجهة الإقتراح. الحالة الآن تختلف عن الحالة السابقة(التطوعية) معظم ما يطرح يستند الى ان الرفض هو لأن اقتراح التجنيد للخدمة المدنية هو خطوة نحو التجنيد في الجيش. هذا بعيد عن الواقع بُعد الأرض عن الشمس. لا رغبة ولا تفكير في السلطة الصهيونية لتجنيد عرب في جيش الاحتلال والعدوان.  هذا الأمر لا يحتاج الى بحث في الكنيست واقرار قانون حوله، لأنه قانونيا قائم وجرى ايقاف العمل به بقرار وزير الدفاع ورئيس الحكومة الأول دافيد بن غوريون في بداية الخمسينات من القرن الماضي، الأسباب التي دفعته لوقف  تجنيد العرب في الجيش ما زالت قائمة بل أصبحت أكثر حدة وخطورة من وجهة نظر المؤسسة الصهيونية السياسية والعسكرية. تجنيد العرب يحتاج الى أمر من وزير الدفاع يلغي فيه قرار وزير الدفاع الأول بن غوريون. لا ارى ان اسرائيل الرسمية معنية بالتورط مع جنود عرب معادين لسياسة الاحتلال والتمييز العنصري، سياسة العدوان والحرب ضد شعبنا وضد شعوبنا العربية. السلطة الصهيونية تعرف اننا لن نقاتل ابناء شعبنا، بل سنناضل مع شعبنا ضد احتلال ارضه وضد سلب حقوقه داخل اسرائيل أيضا، سنقف ضد الفاشية ممثلة بباروخ مارزل وعصابات الفاشيين ولن نوفر الحماية لسوائب المستوطنين  واعتادءاتهم على شعبنا الفلسطيني، شباب عرب مسلحين هم مشكلة مخيفة ومرعبة للسلطة الصهيونية واستمرار سياستها العنصرية.
 لا اريد ان اقول انها غير محقة بذلك.حجة "خطوة لتجنيد العرب في الجيش" باهتة وصبيانية.
اذن نعود لموضوع الخدمة المدنية الإلزامية كما تطرح اليوم، بتعريفها انها خدمة غير أمنية. الطرح يبدو نظيفا من أهداف عنصرية . هل حقا الأمر كذلك؟
عندما يطرح موضوع الخدمة المدنية كخدمة الزامية من منطلق واجبات مقابل حقوق ( لا نحصل عليها) ، لا بد ان نلاحظ ان الخدمة الألزامية المقترحة لن تكون مخصصة بشكل كامل للمجتمع العربي ومؤسساته، بل خدمات مدنية لكل المجتمع الاسرائيلي الذي نعاني فيه من تمييز في جميع مجالات الحياة، ونموذجا على ذلك ميزانيات التعليم التي تبلغ حصة الوسط العربي منها ما يقارب 7% بينما يشكل الجمهور العربي 20% من المواطنين، وعدد طلابه نسبتهم أكثر من نسبة المواطنين.هذا نموذج صغير والتمييز في سائر الميزانيات والمخصصات أكثر سلبية وحرمانا للجماهير العربية. البطالة مثلا تزيد أضعافا عن الوسط اليهودي ولا توجد مخططات لمشاريع تنموية للوسط العربي اسوة بما يخصص للوسط اليهودي. اذن نحن امام حالة جديدة ومختلفة. ماذا يخفي المشروع الجديد؟ ما هي تبريراتنا؟ كيف نواجه الاعلام النشيط لجهاز السلطة ؟ الم يحن الوقت لنفهم اننا نواجه ماكينة اعلامية صهيونية مشحمة جيدا؟ هل سنظل ارتجاليين؟
اوافق ان واقعنا السياسي ليس واقعا طبيعيا. لكن السياسة ليست كل الحكاية. الى جانب ذلك نحن مجتمع مدني. من المفروض ان لنا حقوقا مدنية، حقوق مواطنين، حقوق انسان، حقوق بالتطور، حقوق بالميزانيات، حقوق بالتعلم وتطوير مرافق التعليم، حقوق بتوسع مسطحات بلداتنا التي صودرت اراضيها وتمنح بلا حساب للبلدات اليهودية، حقوق بمناطق صناعية لا تبقي بلداتنا فنادق للنوم للعمال الذين يعملون في الصناعة والخدمات والمشاريع في المدن اليهودية، حقوق في السكن وتطوير البنى التحتية، حقوق في العمل وليس اتساع البطالة بشكل يتجاوز عدة أضعاف لواقع البطالة في المجتمع اليهودي. هناك تمييز في المجال القضائي أيضا. هناك استبعادنا من الوظائف الحكومية رغم كل وعود السلطة بالتمييز لصالح العرب،هناك حقوق طبية، لم يبن أي مستشفى حكومي في الوسط العربي، والمستشفيات العربية هي مستشفيات ارساليات مسيحية تعاني من تمييز كبير أيضا. جامعة في المناطق المحتلة تخصص لها الملايين بلا حساب، رغم اعتراض الجهاز الأكاديمي وتحذيره من رد الفعل الدولية على اقامة جامعة في المناطق المحتلة، بينما مشروع جامعة عربية في الناصرة لا يحظى بأي دعم وتقام العراقيل أمامه.
يطرحون الواجبات مقابل الخدمات. الحقوق المتساوية هي الوجه الآخر للواجبات.لا واجبات متساوية بدون حقوق متساوية. هذا من جذور النظام الديمقراطي، لكنه غائب،او مغيب،من الوسط العربي.
ما العمل؟
لا بد من تعريف هوية ذاتية تشمل المجالات الحياتية كلها، المجال السياسي، الأقتصادي،   الثقافي ، التعليمي، القانوني، ومكاننا كأقلية قومية، وعلاقاتنا بشعبنا الفلسطيني وطرق تواصلنا معه ودعمنا لنضاله.
المطلوب تغيير جوهري يضمن تعريفا للأهداف العليا التي توجه سياسة السلطة الحاكمة في اسرائيل وملاءمة التفكير والتخطيط في كل مستويات النشاطات العامة للمؤسسة الحاكمة بكل ما يتعلق بأهداف التعامل مع العرب في اسرائيل، ومع ابناء شعبهم في المناطق الفلسطينية المحتلة او شبه المحتلة، على راس ذلك فحص برلماني لجدية اعلان رئيس الحكومة نتنياهو في خطابه في جامعة بار ايلان، عن قبوله مبدأ دولتين لشعبين.
بالطبع لست واهما ولا انتظر عجائب سياسية من المؤسسة التي بتنا نعرف تفكيرها ونهجها. ما اعرفه اننا نملك حقائق يجب ان نطرحها امام الجمهور الاسرائيلي وامام الراي العام الدولي.
مثلا ما هو تعريف المواطن في اسرائيل؟ من هو الاسرائيلي حسب مفاهيم المؤسسة الحاكمة؟هذا يفترض اعادة صياغة وثيقة جديدة حول الحقوق والواجبات المتبادلة بشكل متزن ودون تفضيل طرف على حساب طرف آخر على اساس عنصري.
اسرائيل تصف نفسها يهودية صهيونية . العرب ليسوا يهودا وليسوا صهاينة ولن يكونوا، العرب يطرحون دولة كل مواطنيها، دولة مدنية ديمقراطية وليست دولة عنصرية حتى في نشيدها القومي ورموزها.اذن التعريف من جديد هو جزء من الحقوق ومن واجب السلطة امام مواطنيها، خاصة المواطنون العرب. هذا جزء من الحقوق المدنية وحقوق المواطنة، رفضه هو نفي للحقوق، لا واجبات بدون حقوق. لا افهم بالقانون، لكني المس هنا مضمون قانوني ضد فرض التجنيد على مجموعة سكانية غير معترف بها مواطنين متساوي الحقوق، مميز ضدهم في الميزانيات وفي كل مرافق الحياة الأخرى  وتوصيات اللجان التي تقيمها الحكومة نفسها لا تنفذ  والدولة بتعريف هويتها لا تشملهم ، بل تنقلهم الى وضع مواطنين غير قانونيين.
الجمهور اليهودي الحرادي ( المتعصب) معفي  من التجنيد بسبب قوة أحزابهم  السياسية داخل الإئتلافات الحكومية، لا واجبات تطلب منهم ولكنهم يحصلون على حقوق حتى المجندين اليهود لا يحصلون عليها. رغم ذلك أحد القادة التاريخيين لحزب العمل ، عوزي بارعام، طرح فكرة ممتازة في مقال له نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" بتأكيده ان المساوة في الواجبات، يجب ان تبدأ بالتعليم، أي اخراج الشباب اليهود من ما يلقنوا به في التعليم الديني المتزمت الى دراسة المواضيع العلمية والرياضيات ، طبعا لم يذكر انهم يحصلون على ميزانيات خاصة وعادية أكبر من أي وسط آخر في اسرائيل. من هنا رؤيتي ان الواقع العربي مختلف,التمييز في العديد من القضايا  هو حاجز لا يمكن تجاوزه بقرار برلماني يفرض التجنيد على العرب بحجة واجبات مقابل حقوق.
أخطر الأهداف من المشروع الجديد، وهذا يلزم دراسة من باحثين تعتمد على معطيات صحيحة،  هو ان فرض التجنيد المدني الإلزامي على العرب يعني فقدان الفرص أمام مئات الشباب العرب من مواصلة تعليمهم الجامعي اذا لم يواصلوا فورا تعليمهم كما هو سائد اليوم، ونعرف عن محاولات سن قوانين عنصرية تمنع انتساب الطلاب للدراسة الجامعية الا بعد جيل ال(21)، المقصود من تلك القوانين ( حتى الآن يدور حديث حولها)  التضييق على الطلاب العرب الذين يواصلون دراساتهم الجامعية بعد الثانوية مباشرة (بجيل 18 سنة) ، بالتالي سيضطر المئات من الشباب الى الدراسة في الخارج، هربا أيضا من التطوع الإلزامي، هذا يعني أيضا التورط بمشاكل قانونية تمنع عودتهم بسبب العقاب المتوقع الذي يفرضه قانون الخدمة الإلزامية، وربما يمنع سفر الشباب للخارج بدون اذن مسبق من مديرية التجنيد. هنا الإشكالية الكبيرة والخطيرة.
 ليس غريبا ان بعضهم سيندمج في المجتمعات الغربية التي دراسوا فيها او بغيرها، وهي ظاهرة قائمة اليوم بنسب صغيرة ولكنها ستتسع مع قانون التجنيد الإلزامي ، سنواجه مشكلة تفريغ المجتمع العربي من ابنائه الجامعيين، البطالة مرتفعة بينهم حتى بدون قانون التجنيد، بعضهم يهاجر يأسا للبحث عن فرص عمل في دول أجنبية.
 هذا هو الخطر الأكبر. كيف سيكون مجتمعنا بعد عقد او عقدين من بدء تنفيذ قانون التجنيد الإلزامي؟
 بيبي نتنياهو له صيغة مشهورة في تعامله مع الفلسطينيين :"يعطوا يأخذوا ، لا يعطوا لا يأخذوا" لماذ لا يطبقها حضرته مع العرب الذين يعطون ويعطون ولا يأخذوا مقابل عطائهم الا التمييز العنصري وتفليت الفاشيين للتحريض عليهم في بلداتهم؟ عدا المسرحيات البرلمانية العنصرية لسن قوانين فاشية معادية للعرب في الكنيست لدرجة اقتراح قانون يمنعهم حتى من البكاء على نكبتهم وتشريد شعبهم وهدم قراه وسرقة تاريخه ومصادرة أرضه ورفض الاعتراف بدولته المستقلة حتى على جزء لا يتجاوز خمس مساحة وطنه؟
ها هم ابناء شعبنا الدروز فرض عليهم التجنيد الإجباري، ما هي الحقوق المساوية لليهود التي حصلوا عليها عدا المقابر العسكرية؟ لا مساواة في حقوق بل التمييز ضدهم لا يختلف عن سائر الجماهير العربية.من هنا أيضا الى جانب تعمق الوعي الوطني، اتساع ظاهرة رفض التجنيد الإلزامي في الجيش ، وللأسف هناك ظاهرة التجند على قاعدة تطوعية في الجيش والأرقام ليست صغيرة وتشمل كل الطوائف العربية.
ماذا فعلت احزابنا ، قائدة مجتمعنا المدني، لزيادة التوعية ؟ كيف ننقذ الاف الشباب من مقاهي الأرجيلة والسقوط في الجنح؟ كنا مجتمعا مثقفا في القرن الماضي فصرنا مجتمعا "مؤرجلا" في القرن الحادي والعشرين، نعيش ظواهر سلبية عديدة أبرزها وأخطرها تراجع الوعي الاجتماعي العام ، تضعضع الوعي الثقافي، الارتداد للعائلية وتنامي الطائفية المدمرة ، الا تستحق هذه الظواهر السلبية ان تشعل الاف الأضوية الحمراء؟!
ان ازمة الأحزاب العربية تبرز أيضا بنسبة التصويت المنخفضة جدا في الوسط العربي (53%)، وهذا رد فعل تلقائي على حالة اليأس والامتعاض من اسلوب ادارة المجتمع المدني العربي من أحزابه بصفتها الأجهزة المفروض انها تدير شؤون المجتمع المدني العربي. من هنا ارى وجود قطيعة بين من يطمحون ليكونوا قادة وممثلين للجمهور العربي ، وبين جمهورهم. ثلث ال (53%) الذين شاركوا في الانتخابات صوتوا للأحزاب الصهيونية. حساب بسيط يظهر ان جميع الأحزاب العربية التي تتنافس على قيادة الجماهير العربية وتمثيلها لا تحظى الا بثلثي اصوات المشاركين العرب في الانتخابات، أي ثلث مجمل كل الجمهور العربي في اسرائيل  باحسن الأحوال. هذا نزع ثقة مرعب،  لا ارى ان القيادات الحزبية متنبه لهذا الواقع وقادرة سياسيا وفكريا على تغييره.
 طرح سياسة سليمة يعني رفع نسبة التصويت لتصل الى (80%) كما هو الحال في التصويت للسلطات المحلية.هذا سيزيد عدد اعضاء الكنيست ووزن السياسة العربية وتأثيرها في المجتمع الاسرائيلي عامة. انا غير متفائل من مستوى قادة الأحزاب وفهمهم لأهمية دورهم السياسي.لا اعني بالدور السياسي جعجعة الشعارات،بياعي الخضار أيضا يعرفون صياغة شعارات تزيد تسويق بضاعتهم، أعني العمل القانوني والبرلماني والشعبي المنظم. اعني التنسيق وبرمجة العمل النضالي وليس الارتجال والتشاطر للبروز قبل الآخرين. ما طرح من مواقف حتى اليوم حول التجنيد المدني، يثير مخاوفي اننا في الطريق الى المصيدة السلطوية.
ما يعرقل اقرار القانون حتى اليوم محاولة رئيس الحكومة ايجاد صيغة تبقى على تحالفة مع الأحزاب الدينية، بالنسبه له الجمهور العربي بقياداته واساليب النشاط والرفض المتبعة لا يشكل مشكلة او تحديا سياسيا .
 ان موقفه المتردد من تجنيد الحراديم، حلفائه الدائمين والمخلصين في السلطة، سيسهل سقوطه السياسي كما يرى الكثير من المحللين السياسيين اليهود، وحسب آخر استطلاع للرأي الليكود بدأ يفقد الكثير من قوته السياسية والبرلمانية لصالح حزب العمل وأحزاب اليسار وحزب يائير لبيد (يش عتيد) الجديد.
لست ضد فكرة الخدمة المدنية الإجتماعية. لكني ضد فكرة واجبات متساوية بدون حقوق متساوية. هنا يجب تركيز معركتنا. المساوة بند اساسي لأي نظام ديمقراطي. المساوة في الواجبات ليست أمنية فقط، أي ليست عسكرية في جذورها. المساواة في الواجبات هي أكثر في الاتجاه المدني والإقتصادي والقانوني. لذلك اقتراح تجنيد العرب للخدمة المدنية دون تغيير استراتيجي في السياسة العنصرية للسلطة، نحو مساواة كاملة بين المواطنين اليهود والعرب واعتراف الدولة بهم كمواطنين كاملي الحقوق في تعريفها القانوني أيضا واسقاط التعريف العنصري دولة يهودية الذي ينفي مواطنة العرب، هذا لن يكون بدون تغيير مضمون سياسة التمييز العنصرية.
التجنيد المدني الإلزامي سيظل اقتراحا عنصريا مرفوضا يهدف جعل اللامساواة أكثر عمقا وأكثر خطرا على المجتمع العربي بظل استمرار السياسات العنصرية والتمييزية وفتح ابواب التشريع العنصري امام الأحزاب اليمينية المتطرفة.
كما أفهم، هذه هي طريقنا لمواجهة سياسات السلطة العنصرية باقتراح قانون التجنيد المدني وبمختلف المجالات.
nabiloudeh@gmail.com

مذبحة البلقان وشوارب النسوان/ صالح الطائي

بالأمس القريب جدا قتل الصرب ثلاثمائة ألف مسلم وهجروا مليون ونصف من المسلمين خارج بيوتهم وأرضيهم واغتصبوا ستين ألف امرأة مسلمة تتراوح أعمارهن بين الأربع سنوات والثمانين عاما بمعسكرات يفوق عددها السبعة عشر معسكرا كبيرا معدة لهذا الغرض الدنيء. ومع أن هذه النكبة المريرة وقعت بالأمس القريب إلا أن أي من شوارب الأعراب (حماة الإسلام) في السعودية وقطر والكويت لم تتحرك ليس لأنهم كانوا بلا شوارب ولكن لأن شواربهم كانت مبلله برشفات الويسكي أو منطبقة على شفاه غربية شقراء جاءت لتروح عنهم عناء الجلوس بلا عمل.
كما أن أي وخزة ضمير لم تصب العالم الغربي الذي تعلل بان ما يحدث في البلقان حربا أهلية لا تستوجب التدخل الغربي الأوربي حتى ولو استمرت هذه الحرب التي يقولون أنها أهلية أكثر من أربع سنوات من القتل والحرق والذبح والتجويع والحصار والترويع وهتك الأعراض، وحتى ولو أحرق الهمج الرعاع خلالها مكتبة "سراييفو" التاريخية القيمة، وحتى ولو هدموا وخربوا ثمانمائة مسجد بعضها اثري يعود إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
 في هذه الحرب القريبة البعيدة اعتقل جيش الأغلبية الصربية أعدادا كبيرة من المسلمين  وحشروهم في معسكرات اعتقال وجوعوهم بشدة لمجرد أن المسلمين يرفضون أكل لحم الخنزير الذي يقدموه لهم، فلا ضمير العالم الغربي تحرك، ولا شوارب عرب البترودولار تحركت مع أنهم لم يكونوا أمواتا فهم كانوا يرون ويسمعون ومع ذلك كانوا يلهون ويلعبون ويأكلون ويشربون ويتسافدون كالسخول في موسم التكاثر.
في هذه الحرب القريبة حاصر الصرب جيبا إسلاميا منزوع السلاح بقرار دولي، وبسبب ذلك وضع تحت حماية الأمم المتحدة صيف عام 1995 اسمه" سربرنتسا" المسلمة عامين كاملين، وكان هناك جنودا دوليين تمثلهم الكتيبة الهولندية من المفروض أنهم يتعاملون مع الأمر بشكل محايد ولكنهم وللأسف كانوا يقضون الليالي بالرقص والشرب مع مقاتلي الصرب المجرمين، وكانوا يعطونهم جزءاً كبيراً من المساعدات الدولية التي من المفروض أنها مخصصة لأهل سربرنتسا، وكان بعضهم يساوم المرأة المسلمة على شرفها مقابل لقمة طعام لأطفالها الجياع. ثم بعدما استهلكوا المدينة بالكامل وأذلوا أهلها ولوثوا عرضها تدخلت الكتيبة الهولندية وأقنعت المسلمين المنهكين حد الإذلال بتسليم أسلحتهم لفك الحصار عنهم مقابل حماية كاملة توفرها لهم، وحينما انطلت عليهم الخدعة بسبب اليأس والتعب والجوع الذي أصابهم وسلموا أسلحتهم زحفت ذئاب الصرب في 11 تموز 1995 إلى داخل المدينة فقاموا أولا بعزل النساء عن الرجال ثم بدأوا باغتصاب النساء أمام الرجال، ولا من شارب عربي اهتز لعرض المسلمات المسلوب، ثم قاموا بذبح وحرق أكثر من اثني عشر ألف ذكر بعضهم كانوا أطفالا بعد أن عذبوهم أشد التعذيب واستمر حفل الافتراس التوحشي هذا أمام العرب والمسلمين والرأي العام العالمي والأمم المتحدة عدة أيام بلياليها ولم يهتز أي شارب قطري أو سعودي أو كويتي أو أممي، لم يهتز شارب أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا اللواتي نشاهد شواربهن اليوم ترقص التويست على أرض الشام الجريحة تزامنا مع رقصة "الجوبي" التي تؤديها الشوارب العربية.
لقد أدان العالم الغربي محرقة "الهولوكست" التي ارتكبها هتلر في الحرب الثانية ولكنه لم يدن محرقة ومجازر البلقان  التي تعتبر وفق القاموس القانوني والأخلاقي الأوروبي متطابقة تماما مع هولوكست اليهود في الحرب العالمية الثانية. أما العرب والمسلمين بما فيهم الذين لا زالوا يتباكون على مصير الاستعمار العثماني فلم تهتز شواربهم حتى بعد سماعهم مقولة الجنرال الفاشي "راتكو ملاديتش" قائد جيش الصرب في البوسنة: "الآن انتهت الحرب العالمية الأولى، وانتقمنا من الأتراك"
السيد "كوفي عنان" الذي أخذ على عاتقه حل القضية السورية بعد أن وخزه ضميره الشفاف، والأستاذ العربي المصري الأفريقي "بطرس غالي" الأمين العام للمنظمة الدولية في حينه، لم ينبسا ببنت شفة ولم يعترضا على ما كان يحدث بل هناك مؤشرات تفيد أن بطرس غالي رد على من انتقد سكوته بالقول: "هناك كثيرا من الناس يموتون في أفريقيا لظروف مختلفة، ولمَ لا يموت أناس من هؤلاء البوسنيين في أوروبا؟"
في البلقان ويوغسلافيا السابقة اغتصبت وذبحت مدنا مسلمة منها البوسنة وسراييفو وبانيالوكا وسربرنتسا وغيرها فما تحرك ضمير العالم ولا اهتزت شوارب الأعراب، فلماذا اليوم تتحرك بكل هذا العنف بسبب ما يجري في سوريا مع أنهم هم الذين جيشوا الجيوش واعدوا العدة وقدموا الأسلحة والعتاد والمال لتثوير أو تجنين الشعب السوري، فإلى أين سيأخذنا العربان الغربان الذين أصبحوا الأدلاء لقافلتنا التي تحيط بها الضواري الجائعة؟ 


مِلكِيـَّـة الوَطـَـن/ مهندس عزمي إبراهيـم

جاء في "دستورالأخوان المسلمين" المقترح لمصر المعاصرة هذه الأيام، والتي قامت بوضعه "اللجنة التأسيسية" وهي لجنة لها لون واحد وغرض واحد، لجنة يحكمها الاخوان المسلمون والإسلاميون، فينقصها العدل المطلق لكل أبناء مصر، فقد جاء دستورها المقترح بالمادة الثانية منه ونصها كالآتي:
"الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية فى تفسيرها ولأتباع المسيحية واليهودية الحق فى الاحتكام لشرائعهم الخاصة فى أحوالهم الشخصية وممارسة شئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية".
بالنسبة إلى القول أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية" فمن المقبول والمعقول أن تختار الدولة لغة رسمية لتوحيد وسائل التفاهم في المراسلات والمستندات الرسمية بها. أما من ناحية أن "الإسلام دين الدولة" فقد اعترضنا ونعترض على ذلك بشدة، ليس فقط لأننا مصريون لا ندين بالإسلام، فقد اعترض عليه الكثيرون من المسلمين العاقلين العادلين والخبراء في القوانين الدستورية الدولية.
الدولة "شيء"، ويسمونها أحيانا "شخص اعتباري" أي "لا شخص"، ليست إنساناً عاقلا أو مجنوناً، متعلماً أو جاهلاً، أو يرى ويدري ويأكل ويشرب ويحب ويكره. فالدولة "شيء" ومن الجهل والغباء أن نقول أن لها دين. ممكن القول "أن الإسلام دين قوم ما" ولا يصح أن نقول "الإسلام دين شيء ما".  فالقول أن "الإسلام دين الدولة" مغالطة لغوية، بل هي مغالطة قانونية ووطنية وذوقية لأن الوطن يحتضن مواطنين من أديان وطوائف عديدة غير إسلامية.
أما عن فقرة "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" فخطأ وطني جسيم، بل خطيئة وطنية في حق الوطن ومواطنيه. أو هي محاولة سرقة "مِلكِيـَّـة الوطـن" من أصحابه بفرض الشريعة الإسلامية على مواطنين غير مسلمين، وتعريف "أصحاب الوطن" هو "كل من يحمل جنسيته" .لن يقبل المسلمون أن تُفرَض عليهم شرائع غيرهم، فمن الجور والتعسف والظلم والصلف أن يَفرضوا شريعتهم على غيرهم. لا توجد دولة في أنحاء العالم من دول أوروبا وأمريكا الشمالية وامريكا الجنوبية واليابان والهند والصين وأفريقيا واستراليا من تفرض على المسلمين شرائعاً دينية غير دينهم... حتى إسرائيل لا تفرض الشريعة "اليهودية" على مواطنيها المسلمين!!
ولمن يجادل بأن المسلم لا يستطيع أن يتزوج أكثر من زوجة في تلك الدول، فقد غاب عنه أن ذلك مرجعه للقانون وليس للدين. فتلك الدول تحترم جميع الأديان، ولكن تطبق القانون. والقانون وُضِعَ على أسس إنسانية مدنية، اجتماعية ووطنية، بغرض حماية الأسرة والمرأة والأطفال من خطر تعدد الزوجات. فالأسرة نواة المجتمع والأطفال مستقبل الوطن.
وعن دَسّ فقرة "الأزهر الشريف هو المرجعية النهائية فى تفسيرها" فهناك اعتراضان: أولهما أن الدستور هو القانون الأعلى في الدولة والقاعدة القانونية الأساسية التي يهتدي بها المشرع لسن القوانين. وكما قلت في مقال لي سابق "الدستور في منطوقه ومضمونه، وفي ظاهره وباطنه، وفي نصه وروحه، لا بد أن يكون عادلا لجميع شرائح المواطنين، غير متحيز أو ضبابي أومطاطي بل يكون واضحاً محدداً قطعياً في شفافية مطلقة، لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل من شريحة أو فصيل أو هيئة أو حاكم. ولا يُترك به (مسبقاً) غموض يحتاج إلى مرجعية من أي جهة قانونية أو دينية."  فالدساتير قواعد تُحَدَّد وقت وضعها بلا لبس ولا غموض ولا تترك الباب (متعمدة) مفتوحاً لتفسير من أي مفسر."
أما الاعتراض الثاني على تلك المرجعية فهو أن الأزهر بعلمائه المبجلين كان وما زال ونتمنى أن يظل "الأزهر الشريف". أما وقد اندس الأخوان المسلمون والإسلاميون المتطرفين والمتأسلمون وتسربت عناصرهم الطائفية المتعصبة السلطوية الغير انسانية ولا قانونية في جميـع حنايا وخلايا ومؤسسات مصر، والأزهر الشريف في قائمة أهدافهم وليس ببعيد عن مطالهم (لا قدر الله)، فعندئذ ستكون مرجعية الأزهر الشريف هي مرجعية المتأسلمين: الأخوان وأخواتها. ومن الطبيعي أن المؤسسات الدينية تختص بالروحانيات والأخلاقيات لا بقوانين ودساتير الدول. وقد أوحى ذكاء وحيادية الأزهر الشريف برئيسة الموقر الشيخ الدكتور أحمد الطيب وبعلمائه المبجلين أن يطالبوا بسحب هذه الفقرة المدسوسة من الدستور المقترح.
أما عن "تكرُّم" اللجنة التأسيسية بوضع فقرة "ولأتباع المسيحية واليهودية الحق فى الاحتكام لشرائعهم الخاصة فى أحوالهم الشخصية وممارسة شئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية"، فلست أدري بأي عقل أعضاء هذه اللجنة يفكرون!!  وأي غنم يسوقون!!
أولا: هناك تناقض قانوني مطلق بين هذه الجملة وجملة "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع".
ثانياً: إذا كانت اللجنة "تقصد فعلا" أن لأتباع المسيحية واليهود ية أن يحتكموا لشرائعهم. فذاك أمر طبيعي منطقي ولا يحتاج إلى بند في دستور!!
ثالثاً: إذا كانت اللجنة تتكرم وتتعطف وتمنح هذا الحق لأتباع "المسيحية واليهودية" بصفتهما "أديان سماوية"، فما ذنب مواطنين مصريين يتبعون الهندوسية أو الكونفوشوسية أو البهائية أو البوذية أو غيرها أن يُرغَموا على أن تحكمهم الشريعة الإسلامية!!
رابعاً: إذا كانت اللجنة تتكرم وتتعطف وتمنح هذا الحق لأتباع "المسيحية واليهودية" بصفتهما أديان "سماوية" فلماذا ينعتهم المسلمون بالكفار وأولاد قردة وخنازير، ويعامَلون في وطنهم كمواطنين من الدرجة التاسعة بلا رادع!!
يا مسلمي مصر، المؤمنين بعدالـة القانون السمائي والإنساني: "الديـن للــه والوطـن للجميع والسلطـة للقانـون".  صمموا أن تُرسَى عدالة دستور مصر لجميع المصريين بشفافية قانونية مطلقة بلا ضبابية ولا خبـث. اخلعوا المادة الثانية من جذورها فما هي إلا غطاء لاغتصاب مصر وسرقة "مِلكِيـَّـتها" من أصحابها، أي كل من يحمل جنسيتها، وذلك بمحاولة فرض الشريعة الإسلامية عنوة وقسراً على مواطنين يتبعون أدياناً أخرى.
استبدلوها بمنطوق ومدلول المادة النزيهة، المادة 12 من الدساتير العادلة السابقة، ونصّها الذهبي من ثلاثة كلمات... ((حريـة الاعتقـاد مطلقـة))... فقط لا غير
مهندس عزمي إبراهيـم

هل صلواتهم ستجدي بشيء؟/ لطيف شاكر

بعد ان وافته المنية واصبح  الجنرال عمر سليمان في يدي الديان العادل بدات كعادة التيار الاخواني والسلفي  اصدارالفتاوي الكثيرة الفارغة من مضمونها والتي تعبر عن عقليات تافهة, ليس لديها الا جهالات الدين ودونيات المعرفة, فسمعنا من يقول لايجب الصلاة علي جثة الراحل ومنهم من  يكفره ومن يشمت بموته ومن يحاول ان يطلع فيه القطط الفطساء والكلاب السوداء.
ومنذ ساعات قبل وفاته كان مجرد ذكر اسمه ترتعد فرائصهم ويصيبهم الذعر والهلع  والخرس ويسبحون بحمده ويلهثون  للعق احذيته كالكلاب الضالة لكي يحظوا برضاه,وعندما هدد العسكر بورقة مجيئه لمصر منذ ايام, ملاهم الخوف والرعب والرعدة  , وجلسوا  يحسبون له الف حساب وحساب.
والان بعد ان صمت الرجل, واصبح جثة هامدة وانطلقت  روحه بسلام  الي خالقها,   تطاول السفهاء وتنطع الاغبياء وتجرا الجبناء واخذتهم روح الانتقام, ونشوة الافتراس واكالوا عليه الاهانات والشتائم من اصحاب الذقون الطويلة والذبيب الاسود  الحاملون  المباخر دائما  لاسيادهم ,والذين يدعون الدين والدين برئ منهم ويمثلون التقوي والتقوي تنفر من اشكالهم , يتماهون في الصلاح والصلاح لايعرف طريقهم ..كلها تمثيليات ومسرحيات هزلية تنطوي علي الخسة والندالة.
لكن السؤال الذي حيرني  مافائدة الصلاة علي الميت. هل ستدخله جنة رضوان مجرد بعض  تمتمات حتي لو كان الميت  قاتلا وظالما وعربيدا,او هل عدم الصلاة علي انسان تقي وعادل ويعرف الله لن يري طريق الجنة.
الصلاة علي الميت قد تفيد اهل المتوفي  فتعطيهم عزاء موقتا حيث يأنسوا  بصحبة المعزون وهم دائما متعبون , الذين جاءوا  يشاركون الاسرة الاحزان ولو لمدة معينة. فالحزن في القلب وليس بالمظهر , ومهما صلوا المعزون علي الميت  وصوتوا ولطموا الخدود ومزقوا الجيوب  هل كل هذا يشفع في الميت.
وهل بصلواتهم يغير الله في  احكامه وفي  ميزان السيئات والحسنات ,هل تشفع الصلاة في ان ينتقل روح الميت من النار الي الجنة او العكس ..فمهما صليتم علي عمر سليمان لن يغير في الامر شيئا.. الله فاحص القلوب والكلي انتم لستم وكلاء علي سرائر الله, ومن اقامكم علي النفوس وانتم تتمرمغون في الخطايا لشوشة رؤوسكم, اسالوا الشيخ انيس والشيخ بلكيمي وشيخ القبائح والشتائم غنيم وشيوخ تبدل الزوجات وشيوخ لصوص البترول وشيوخ العاهرات وشيوخ المنشطات من مال الشعب ....انها عملية اسقاط بغباء وجهل , ولا يراعوا حرمة  الميت ونسوا  المثل القائل ....اذكروا محاسن موتاكم والعملية سلف ودين  وان بليتم فاستتروا.. وسيأتي اليوم  ان عاجلا او آجلا, وتكونون  جثة هامدة بلا نسمة حياة,  ولن يكون فرق بينكم وبين كلب ميت,  بل الكلب الحي افضل من شيخ ميت ..وستقفوا امام الديان العادل لتقدموا حساب وكالتكم ان كان  خيرا وان كان  شرا... الله لايحابي الوجوه فهو العارف القلوب والفاحص الكلي وهو الحاكم العادل والديان الامين.
لقد صدق الشيخ الجليل الإمام محمد سيد طنطاوي حينما وصف امة الاسلام :   
"هل هذه أمة إسلامية؟ إنها أمة من الرعاع "
وبعد القاء محاضرته  اختتم محذرا "قد تضع الأمة عشرون شعارا بأنها مسلمة لكن فيها  الكذب والغرور والظلم  وفيها رذائل مصيرها الاضمحلال والعنف".
ويقول السيد كرم حمودة بجريدة العالمية تفسير كلمة رعاع :
الرعاع هم صوت التذري الاجتماعي القادم من القتل و التعذيب، و تأمين ما يسد رمقها من الجوع بأي شكل من الأشكال ،،هم الصوت الذي ألغى إنسانية الإنسان و مسخ القيم الأخلاقية و شوهها، هم من اعتمدوا في بسط النفوذ ،،هم سقاطة المجتمع و المنبوذون من كل الطبقات الاجتماعية من اللصوص و المرتزقة و عديمي الأخلاق.
والمعنى العلمي لكلمة رعاع   تعني مجموعة من الناس التي لا عقل لها ولا تفكر،  وإنما تنساق وراء فكرة عامة منتشرة، أو اشاعة ما، شعار كاذب دون أن تتحقق من صحته بإعمال العقل وإطالة النظر فيه.
والمعنى التربوي لكلمة رُعاع تعني مجموعة من الناس المنفلتة من أي عقال، غير المنضبطة، والتي لا تنصاع لضوابط اجتماعية أو أخلاقية أو عُرفية، وتتصرف بعواطفها الكاذبة لا بعقلها الموزون. وتقوم بأعمال العنف والفوضى.
والمعني الثقافي لكلمة رُعاع تعني أن الأمة جاهلة أميّة: ابجدياً وثقافياً، وهي نتيجة لهذا تنساق كالماشية أمام راع جاهل، وطامع، وفاسد، وسارق. وتراها في كل مناسبة ثقافية كالقطعان التي تسير خلف أول سائر، وتتجه اتجاه أول آمر.
وهل يجوز علي الفقيد الرحمة.. لقد انبري بعض من الغير عقلاء الحاقدين علي الرجل الذي لم يترك السواد قلوبهم, ناهيك عن السلفيين المهوسيين والتيار الاسلامي الذي لاوظيفة له الا رشق الناس بافظع الاتهامات باسم الله, هذا موضوع يجب التوقف عنده ولو برهة, هل سيسمع الله  لطلب الرحمة من انسان خاطئ  وننتظر من الله  الا يرحمه الا بدعوات هذا الانسان او هؤلاء الشيوخ  , وهل في حالة طلبهم  عدم الرحمة ان الله سيسمع اوامرهم ولا يرحمه .. وكأن الله كان  سيرحمه وسمع لطلب انسان او لامر شيخ مثل غنيم  يملا قلبه الغل والحقد. وبناء علي كلامه  لن يرحمه ,وكاننا اصبحنا نملي علي الله ارادتنا ورغبتنا ان يرحم او لايرحم اي الله ملاكي يعمل لدينا...هذه العبارات لاتوجد الا في الشعوب المتخلفة التي تدعي الدين وهم لايعرفون الدين ولا صاحب الدين فبالدين يقتلون ويذبحون  ويظلمون  وينهبون وينهشون اعراض الغير ويحللوا الحرام ويحرموا الحلال ...ماابشع هذا الالهه  القوي المتجبرّ   الذي اعطي اذنه لهؤلاء الاوغاد ليسير علي هواهم وامزجتهم !!!!!
حتي لو قبل الله صلاة الحي وهذا غير معقول وضرب من الجنون  من اجل رحمة الميت, الا يعتبر هذا نوع من الشفاعة  وتقولون لاشفاعة في الاسلام  ,وهل يكون من العقل ان يشفع انسان حي علي الارض لانسان فارق الدنيا, واصبح في يد الله العادل ,وهل الله  منتظر طلب الرحمة للميت من اهله وذويه لكي يرحمه, ودونهم لن يرحمه ويكون قاسيا عليه.
وليس هذا فقط بل وكان الانسان علي الارض له القدرة ليس ان يغير حكم الله فقط ويرحم من لايستحق الرحمة, بل ايضا في يد الانسان ان يفتح ابواب الجنة حينما يطلب الرحمة, ويفتح نيران جهنم حينما يمنع الرحمة علي الميت... الا تعقلون ايها المجانين  وترحمونا بصمتكم ...
رحم الله الفارس النبيل الجنرال عمر سليمان واسكنه الله فسيح جنانه وعوضنا عنه الكثير من امثاله العقلاء ..

مستشار وبيعة/ جواد بولس

طغت تفاصيل الانفجار الذي أودى بحياة وزير الدفاع السوري، وعدد من كبار القادة والمسؤولين المقرّبين من الرئيس بشار الأسد، على تصريح المستشار القانوني لحكومة إسرائيل وتأكيده أن منطقة "جبل الهيكل" (هو الحرم القدسي الشريف في لغة أهل المكان، إلى حين حريق قادم أو غزوة!) هي منطقة إسرائيلية خاضعة لسيادة وقوانين الدولة، بما فيها قانون الآثار وقوانين التنظيم والبناء.
إلى ذلك، أضاف المستشار ولفت أنظار المسؤولين الإسرائيليين إلى أنه، ونظرًا لما يتميز به الموقع من حساسية، عليهم أن يطبّقوا القوانين بحساسية فائقة ومؤكّدًا إيلاء الاعتبارات العملية اهتمامًا خاصًا .
ويسألني صاحبي النبيه: ما دلالة ذاك التصريح وكيف لي أن أقرأه؟ وما كان السبب في إطلاقه اليوم وفي هذه الظروف؟
إسرائيل احتلت القدس عام ١٩٦٧مع سائر ما احتلته من أراض لدول عربية كان حَمْلها واهمًا وحلمها كان سرابًا، حلَّت علينا النكسة أختًا لنكبة ولضياع وتبخّرت حبّات ندى ذلك الفجر. غاب ربيع العرب واستوطن القيظ فمذ متى تعرف الصحراء غير القيظ والرحيل.
إسرائيل أعلنت ضمّها للقدس بعد أيام من انتهاء رحلة الأيام الستة وطبّقت قوانينها على المدينة وعلى سكّانها فـ"ظفروا" بمكانة مغايرة وبطاقات هوية ميَّزتهم عن سائر إخوانهم الذين زُجّوا وراء حواجز القمع وأقفاص المذلة.
في البدايات أفتى كهنة إسرائيل أن زيارة "جبل الهيكل" محظورة لأسبابٍ مردّها عقيدة اليهود وإيمانهم. وكان في هذه الفتاوى راحة لسياسيي الدولة المحتلة وللجميع. مع الأيام ومع ازدياد التطرف السياسي في إسرائيل وتزاوجه مع التطرف الديني تآكلت تلك الفتاوى وانحسرت لتخلي مكانها لفتاوى كهنة باسم الرب مسحوا ما كان قائمًا وبدَّلوا ذلك بنداءات تهيب بأحباب موسى وربه أن يؤمّوا الهيكل ويحموه من غاصبيه، كفّارًا وأغيارًا لا حق لهم ولا حقوق في مكان معد ليكون هيكل الرب المهيَّأ للقيامة ومجيء المخلص. وهكذا علت مع الأيام أصوات الفتاوى وكأنها صكوك ربّانيّة يسوّغها وعّاظٌ كلامهم، مهما حلا ورق، يبقى ككلام الأفاعي والعرابيد! يصلّون لخراب معبد لحساب هيكل مزعوم.
القدس سيّجت وفصلت عن باقي محافظات فلسطين. وبعدما كانت لدهور قبلةً وحبلَ سرة لوطن أصبحت ذبيحة ذليلة. بهدوء، ولكن بإصرار وتبصّر، أحكمت إسرائيل قبضتها على المدينة. بصبر لبؤة جائعة وبأناة لاعب شطرنج حاذق أسقطت إسرائيل البلدة حجرًا وراء حجر. ما فلت من هجماتها لسنين يخر ويلحق بدولة الاحتلال (قطاع الصحة العامة، قطاع التعليم والمدارس، قطاع المواصلات العامة، قطاع المساعدات الاجتماعية وغيرها). من يوم إلى يوم تتغيّر معالم المدينة، كسيّدة المرافئ في كل ليلة لها قمر. مباضع أطباء لا يرحمون قطّعت فيها أوصالًا ورتقت ما ثقبه النسيان والزمان. من يذكر منكم كيف كانت القدس في مناطق سُميت ذات يوم مناطق التماس؟ تعالوا، اليوم، لتروا أن لا تماس باق ولا التباس، فالأرض للمنتصرين ولهم كذلك السبايا والغنائم، هكذا من أيام يوشع إلى أيام جنكيزخان إلى أيام خليفةَ وصاحبه سام. دمّروا الدمار. فلتفرح الزنابق بلقاح الزنابق ولتبتهج عذارى أورشليم وليحمهن الرب الذي لأجله نحن البشر نبني المعابد ونصلي.
هل تذكرون تلك المساحات الشاسعة من الأراضي التي بقيت على دمارها منذ عام ١٩٤٨ وما اصطلح القانون الدولي على تسميته "نو مانز لاند"، من التلة الفرنسية شمالًا حتى محطة القطار جنوبًا، مسح عن بكرة التراب والذاكرة ليصبح من كبد إسرائيل ومن أحشائها، مفخرة لحضارة دولة قوية وسيّدة للحرب. فإسرائيل قررت أنها "المان"/الرجل وصاحب الحق الواحد الوحيد وأمام جميع العرب والمسلمين والعالم بنت وما زالت تبني المساكن على المساكن والفنادق كنجوم الظهر في حلق التاريخ.
ما كان خرابات "مميلا" تحوّل إلى سوقها وفي مقاهيه يجلس العربان والغربان ويهيمون في ما كان بابًا للخليل واليوم أصبح بابًا للهزيمة وبكاءات النخيل.
هل تعرَّفتم ذات يوم على ما كان بناية الهيئة الإسلامية العليا واليوم اقتناها بعض من الصهاينة ليحيلوها فندقًا من بنات الخيال. هدموا البناية ومحوا الأساسات ورائحة المكان لكنّهم تركوا حائطها الخارجي فهو تحفة معمارية شرقية ستزيّن واجهة الحضارة الغازية وفي وسطها سيبقى الحجر ليهزأ من الخاسرين وليذكّرنا بعارنا في القدس، فالبناية كانت مرة درة الشرق ومضربًا للبيعات والإفتاء.
ما الجديد في ما صرَّحه المستشار؟ لا جديد يا صديقي، بل تأكيد على وخز المسامير في أكف من يتقلّى على الصليب. لا جديد، بل تذكير بسيّد المقام وصاحب القول ومنضد الأناشيد. لا جديد، ربما. وربما يطمئن بعض المشاغبين والمشاكسين عندهم ليهدأوا ويتيحوا لأحفاد النمل أن يبنوا مملكتهم كما توهمّوا لإرضاء رب الجبال والهياكل. لا جديد أو ربما كلّه جوابٌ لمن يصر أن القدس حرم ومعابد وربما جديد، لمن يفاخر بآلافه ويبايع أقصى، فيأتيهم الصوت ويعلن: بايعوا الأقصى هناك، على منًصّات من وهم وريش وأكملوا رحلتكم في مراكب الريح والغبار فنحن هنا أصحاب القول وبأيدينا المفاتيح وعصي القهر فبأي رب تحدثون؟
ما الجديد يا صاحبي؟ هل تعرف أن في باحة الأقصى وداخل الحرم تعمل محطة لشرطة إسرائيل؟ فتعال إلى القدس واسمع كل يوم فيها من النحيب جديد ورَ أن الجان في زواياها يرتِّل كل يوم ويمجّد إلهًا جديدًا ويقول: "يدع الذباب جميع جسمك سالمًا/ وتراه لا يأوي لغير جريحة"، فالقدس يا صاحبي هي جرح الوطن.

ما اجمل أن نكون هناك/ سري القدوة

لم يكن بوسعنا الا وان نرحل عبر الذاكرة الي هناك حيث نترجل دوما لتسكن الروح مع بقايا الوطن .. هناك عندما تنساب مشاعر الالم وفي ساعة حضور بيسان عبر رمال اريحا ووهيج القدس .. في ساعة الظهيرة وبعد شروق الشمس تكون فلسطين هي المشهد الحاضر مع حلول شهر رمضان المبارك اعاده الله علينا بالخير والبركة والإحسان ..
وحيث تلك الاسلاك الشائكة وحضور وجبات الافطار في معتقل كيتسعوت ( باللغة العبرية تعني الافاعي والعقارب ) وقد اطلق علية ابناء شعبنا الفلسطيني معتقل  ( انصار 3 ) وكان ( انصار 1 ) في جنوب لبنان ابان الغزو الاسرائيلي لبنان و ( انصار 2 ) اقيم في غزة ابان الانتفاضة الاولي وفي صحراء النقب اقامت وحدات خاصة من جيش الاحتلال الاسرائيلي ( انصار 3 ) لتعتقل فيه كادر الانتفاضة الاولي والنشطاء من ابناء شعبنا الفلسطيني .. وفي عام 1990 تم اعتقالي لمدة عام كامل اداريا فقام ضابط المخابرات الاسرائيلي بتسليمي امر اعتقالي وحضرت قوة من جنود جيش الاحتلال واقتادتني الي معتقل ( انصار 2 ) في مدينة غزة ومن ثم تم اقتيادنا وتحميلنا في حافلات عسكرية اسرائيلية وتم في فجر اليوم التالي نقلنا فجرا الي معتقل ( انصار 3 ) ونحن مكبلين الايدي ومعصوبي الأعين وبأسلوب همجي وقح اقل ما يمكن وصفه تم نقلنا الي معسكر الاعتقال ( انصار 3 ) في صحراء النقب ..
ما دعاني الي كتابة هذه المقدمة البسيطة هو حلول شهر رمضان المبارك حيث رحلت الذاكرة الي هناك لنعيش اروع ايام شهر رمضان المبارك حيث كان شهر رمضان في فصل الشتاء ( اذكر يوما وعندما كنا نتناول طعام السحور – كان عبارة عن فول مطبوخ وكان الصحن ( مكاش في لغة السجون – صحن بلاستيكي متعدد الاستخدامات ) قد وضعناها علي الارض .. انهمرت الامطار في غزارة .. كنا انا والدكتور الحبيب احمد اليازجي والدكتور الحبيب زياد شعث نتناول طعام السحور .. وفجأة سبحنا في المياه التي اقتحمت خيمتنا وحملت المياه صحن الفول الذي كان بحوزتنا .. وسرعان ما تبلل فراشنا ولم نأكل طعام السحور في تلك الليلة ولم ننام بعد أن انغمرت ملابسنا بالمياه وتبلل فراشنا .. في الصباح عدنا بعد توقف المطر وحرصنا علي تجفيف ملابسنا وفراشنا حيث كانت الشمس ساطعة وجميلة في اليوم التالي ..
ما اجمل تلك الايام التي تكون فيها الذاكرة حية وما اجمل ايام رمضان في سجن النقب حيث كانت الذكريات حلوة ورائعة ولا يمكن لنا أن ننساها عشنا تفاصيل كثيرة داخل القضبان وبين الاسلاك الشائكة ..
كنا نمضي معظم وقتنا في الصلاة والقراءة والعبادة والصوم والدعاء والتوحد مع الله سبحانه وتعالي .. فكم كانت ايامنا رائعة ونحن نمضي ايام السجن  ليكون الوطن كل الوطن حاضرا وبصمت في وجدان الكل منا ..
كان همنا الاول هو الانتفاضة واستمرارها وبقائها وتوجيه ضربات قوية متتالية للاحتلال الاسرائيلي حيث كانت الانتفاضة الاولي والتي ساهمت فيما بعد بتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة ونتج عنها توقيع اتفاقيات السلام ..
اننا في شهر رمضان المبارك وفي سجون الاحتلال حيث امضيت خمس سنوات رهن الاعتقال في ( سجن غزة وسجن عسقلان وسجن انصار 3 ) كان له مذاق اخر حيث أن الأسرى يستقبلون رمضان نفسيًّا بفرحة؛ نظرًا لأنه شهر الصوم والتقرب لله تعالى إلا أنهم من النواحي المادية فهم يفتقدون لأبسط الأشياء التي يحتاجونها خاصة التي تتعلق بالطعام.
واذكر هنا اننا كنا نتمنى وجود التمر في شهر رمضان حيث أن التمر كثير من الوقت يكاد ينتهي شهر رمضان المبارك دون تواجده بين ايدي الأسرى وربما يحرم الأسير من تناوله بالمطلق.
وان الطعام الذي يقدم من قبل إدارة سجون الاحتلال لا يناسبهم بالمطلق .. ولا يلبي حاجة الانسان الصائم .
وفي هذا اليوم الفضيل ونحن نقف علي ابواب شهر رمضان  لازلت  اعيش  معاناة الأسرى في شهر رمضان المبارك ولا يمكن فصل حياتي عن معاناة اخوتنا في سجون الاحتلال وان اهم المشاكل التي يواجهها الاسري بعدم وجود ( كنتينا ) أي سوق في داخل الاسر وان وجد تكون الاصناف غالية الثمن ورديئة النوعية من حيث الفائدة .. وهذا  يجعل الأسرى يشترون الطعام من (الكنتينا) التي تعد غالية الثمن وتفتقد لكثير من الأشياء حيث ما يتوفر فيها يكون إما أشياء غير مهمة، أو قد اقتربت من الانتهاء أو لا تجد ترويجًا لها بالخارج ومع ذلك تباع بأسعار غالية للأسرى .
حياه لها طعم اخر .. عشناها ويعايشها معنا شعبنا الفلسطيني حيث لا مكان لنا الا وان نكون صامدين غير مبالين الاحتلال ونتائج تلك التجربة المريرة التي نعيش معها ولا يمكن للذاكرة أن تنساها وان ما دفعني للعودة بالذاكرة هو مقالي في ( صحيفة الشعب الجزائرية -  صوت الاسير ) حيث كان من واجبي أن اكتب عن معاناة زملاء الاسر وان اسجل ولو بعض القليل من تلك الحياة الرمضانية المباركة خلف الاسر لنقف امام واقع يعيشه الان اخواتنا الاسري في سجون الاحتلال بشكل مستمر حيث معاناتهم وحرمانهم من ابسط حقوق شهر رمضان المبارك وحتى حرمانهم من اداء الصلاة بشكل جماعي حيث ترفض سلطات الاحتلال فتح مسجد بداخل المعتقلات وتمنع الاسري من اداء الصلاة وتلاوة القران الكريم وإقامة حلقات الاحتفالات بالمناسبة الكريمة والعظيمة علي امتنا الاسلامية ..
اننا وفي شهر رمضان المبارك ندعو الله أن يكون اطلاق سراح اسرانا الابطال قريبا وندعو اخواتنا الي الدعاء لأسرانا وتعزيز صمودهم في مواجهة المحتل الغاصب .. وان النصر لقريب والحرية لأسرانا الابطال في سجون الاحتلال ..
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
http://www.alsbah.net/