غيلارد والمطبات السياسية/ عباس علي مراد

عندما اعلنت رئيسة الوزراء الاربعاء 30/01/2013  تحديد موعد الانتخابات في 14 ايلول القادم، كانت قد تدرك انها ستواجه العديد من المطبات السياسية. لكن المؤكد انها لم تكن تتوقع ان تتسارع الاحداث بشكل دراماتيكي لتخطف الضوء لإعلانها تحديد موعد الانتخابات قبل 32 اسبوعاً في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الانتخابات في استراليا.
رئسية الوزراء قالت ان تحديد موعد الانتخابات سوف يعطي رجال الاعمال والمستثمرين والمستهلكين الوقت الكافي لوضع برامجهم وخططهم للعام الحالي بدون اية تكهنات متى ستدعو للانتخابات وبهذا تكون غيلارد تخلت عن عنصر المفاجأة والدعوة الى انتخابات مبكرة، باللأضافة الى ذلك حددت غيلارد اولويات حملتها الانتخابية بـتأمين الوظائف والعلاقات الصناعية ، نظام تأمين المعاقين والتعليم.
ما ان انتهت رئيسة الوزراء من اعلانها حتى بدأت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض او منتقداً الطريقة التي اتخذ بها القرار، بعض زملاء غيلارد وابرزهم بيل شورتن وزير العلاقات الصناعية قال انه لم يُستشر بشأن القرار علماً ان غيلارد استشارت وزير الخزينة واين سوان ووزير البنى التحتية انطوني البنيزي والسكرتير الوطني لحزب العمال جورج رايت.
النائبين المستقلين والداعمين الاساسيين لحكومة غيلارد طوني وندزر وروب اوكشوط قالا ان رئسية الوزراء استشارتهما قبل الاعلان ،واعربا عن دعمهما لها لأنها التزمت بالاتفاق الموقع معهما عند تشكيل الحكومة والقاضي باتمام البرلمان الحالي دورته دون الدعوة لانتخابات مبكرة. زعيمة حزب الخضر كريستين ميلين قالت انها علمت بنية رئيسة الوزراء نصف ساعة قبل حديث غيلارد امام نادي الصحافة الوطني في كامبرا.
طوني ابوت زعيم المعارضة والذي كان قد رحّب بتحديد موعد الانتخابات، قال امام نادي الصحافة الوطني ان الانتخابات ستكون حول حكومة تحترم المواطنين حتى من خصومنا السياسيين واضاف انه في حال فوزه بالانتخابات سيتخلص من ضريبة الكربون خلال سنتين لأنها تضر بالاقتصاد ولا تخفف من الانبعاث الحراري. وقال ايضاَ انه سيلغي التقديمات المالية لطلاب المدارس والتي تقدر كلفتها مليار و23 مليون دولار، وفي رد غير مباشر على رئيسة الوزراء رفض ابوت وضع تكاليف البرامج التي سيخوض على اساسها الانتخابات وطالب الحكومة بوضع ميزانية برامجها.
قطاع الاعمال رحّب بتحديد موعد الانتخابات ودعى الى عدم اطلاق الوعود الانتخابية الغير قابلة للتحقيق على ارض الواقع وطالبوا بالتركيز على التنمية البشرية والبنى التحتية وبتخفيض كلفة الاستثمار وبضرف اموال دافعي الضرائب في المكان المناسب.
محبو الرياضة لم يرحبوا بالموعد حيث يصادف مع نهائيات الرغبي ليغ وذلك لأول مرة منذ العام 1946.
هذه الردود وغيرها كانت متوقعة لكن ما لم يكن متوقعاً احداث الأيام الاربعة التي تلت تحديد موعد الانتخابات والتي وضعت رئيسة الوزراء في موقع حرج ومنها
اولاً: اعتقال الشرطة للنائب المستقل كريغ طومسون من قبل شرطة نيوسوث ويلز بطلب من شرطة فكتوريا وتوجيه 149 تهمة فساد بحقه عندما كان سكرتير نقابة عمال الصحة في نيوسوث ويلز.
ثانيا: تحديد موعد لمحاكمة رئيس البرلمان السابق بيتز سليبرز في 15 الشهر الحالي بتهمة اساءة استخدام مخصصات النقل.
ثالثاً: تداعيات استجواب هيئة مكافحة الفساد في نيوسوث ويلز (آيكاك) حيث اعترف موسى عبيد نجل السينتور العمالي السابق ادوارد عبيد، بأنه حصل على معلومات سرية حول اماكن ورخص النتقيب عن الفحم بتواطؤ من الوزير ايان ماكدونلد والتي درّت على عبيد مبلغ 75 ميون دولاراً وليس 100مليون كما كان يقال.
 لكن المفاجأة الكبرى كانت اعلان كل من كريس ايفنز رئيس كتلة حزب العمال في مجلس الشيوخ ووزيرة الادعاء الفيدرالي نيقولا روكسن استقالتهما من الحكومة وهما من اكثر الوزراء ولاءاً لرئيسة الوزراء والتي اضطرت الى تعديل حكومي، حصل بموجبه السكرتير البرلماني مارك دريفس على منصب وزير الادعاء العام الفيدرالي ونقل وزير الهجرة السابق كريس بوين الى وزارة التعليم العالي وتسلم برندن اوكونر حقيبة الهجرة ومايك كيلي وزير المعدات الدفاعية ، وبموجب هذا التعديل خسر جناح اليسار في الحزب موقعين لصالح جناح اليمين الذي ينتمي اليه كل من دريفس وكيلي،وقد وصف بعض المعلقين خطوة الوزيرين بالهروب من السفينة التي تشارف على الغرق ،فيما اعتبر وزير العلاقات الصناعية بيل شورتن الخطوة   والتعديل الحكومي شيئ طبيعي.
 وكما كان معلوماً بأن نائب منطقة بارتون روبرت ماكليلاند قد قرر عدم خوض الانتخابات القادمة ومؤخراً تسرب خبرا عن  ان ماكليلاند قد يستقيل مبكراً في حال حصوله على وظيفة بمبلغ 250الف دولار في العام في مفوضية العلاقات الصناعية في نيوسوث ويلز، وفي حال استقالته قد تضطر الحكومة لأجراء انتخابات فرعية اذا ما قرر ذلك رئيس مجلس النواب صاحب الصلاحيةفي تقرير الامر.
والمعروف ان رئيسة الوزراء كانت قد تعرضت لحملة انتقادات على اثر تدخلها في اختيار المرشحة نوفا بيريس الابوروجينية  لتحل محل السينتورة تريش كروسن عن المقاطعة الشمالية واكثر الانتقادات جاءت من منافسو المرشحة بيريس وهم انفسهم من السكان الأصليين، لكن بيريس تعتبر من المشاهير الرياضيين حيث فازت بالميدالية الذهبية عن لعبة الهوكي في العام 1996 وبذلك تكون بيريس اول في حال فوزها اول نائبة عن السكان الاصليين في صفوف حزب العمال.
لا بد هنا من ان نشير الى انه وقبل استقالة الوزيرين ايفنز وروكسن ساد الاعتقاد بأن غيلارد كانت تنوي التخلص من تركة راد على اساس ان كل من السينتورة كريشن وماكليلاند من مؤيدي راد، ولكن بعد التعديل الحكومي والذي نال بموجبه انصار راد حصة الاسد تكون رئيسة الوزراء قد دحضت تلك المقولة.
وبخصوص التعديل الحكومي كان ملفتاً للنظر الكلام الذي قاله نائب رئيس حزب العمال الفيدرالي طوني شيلدن عن وزراء الدرجة الثانية.
رئيسة الوزراء اثبتت في الماضي ان لديها مقدرة وحنكة سياسية وقدرة على المناورة والمساومة عندما استطاعت تشكيل حكومة اقلية، وعبرت بها اصعب الظروف، هل ستكون هذه المرة ضحية هروبها الى الامام من خلال تحديد الانتخابات المبكر، وهل صحيح انها فقدت السيطرة على الحكومة كما  قال زعيم المعارضة، ام انها ستعود  وتقلب الطاولة وتحقق معجرة سياسية وتربح انتخابات عام 2013؟! خصوصاً ان حزب العمال وحسب معظم استطلاعات الرأي التي اجرتها مؤخراً كبريات شركات استطلاع في البلاد تتراوح شعبيته ما بين 34% و 38% من اصوات الناخبين الاولية وهي نسبة مقبولة حسب المراقبين.
الشيء الوحيد المؤكد ان الحملة الانتخابية الاطول في تاريخ البلاد سوف تحمل المزيد من المفاجآت لكلا الحزبين ،وقد تكون هذه البداية الصاخبة للعام السياسي دليل على ذلك .
سيدني
Email:abbasmorad@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق