في برنامج شؤون عربية على قناة (NILE NEWS) في حلقة الإعادة بتاريخ 14 من هذا الشهر ايلول شاهدت حلقة حوار قَيِمَة جدا تناولت نشأت داعش و تداعيات التطورات العسكرية بالمنطقة التي تنتج عن نشاطها العسكري، و قامت الإعلامية الفاضلة و الضيف الكريم بمناقشة عدد من الملفات الساخنة حول هذا الموضوع مشكورين حيث يتصدر موضوع داعش الأوليات على محطات اخبارية و برامج حوراية كثيرة، بل تهتم البرامج الحوراية هذه الايام و نشرات الأخبار على كافة الفضائيات العربية بموضوع قوة داعش العسكرية بالتحديد و انتشارها السريع في المناطق المتنازع عليها في سوريا و العراق و سيطرتها عليها...بل سيطرتها على مناطق واسعة بهذه البلدان التي تشهد حروب طاحنة منذ بضعة سنوات، و لعلني اقف متعجباً من الطريقة الساذجة التي يتم معالجة هذا الموضوع به في بعض من النشرات الأخبارية و في بعض من البرامج الحوراية المختلفة التي تُبَثْ على القنوات الفضائية، فأكثر ما يذهلني هو الطريقة الإعلامية العشوائية التي تدل على قلة الخبرة و انعدام الثقافة بتقديم داعش على أنها قوة ضاربة بالمنطقة العربية و بأن أمريكا و حلفائها من (NATO) يخافون إرسال جيوشهم لقتال هذه المنظمة التي تضم ما يقارب 30 الف مقاتل شرس، و لعلني اثني على معلومة واحدة صحيحة بهذا السياق و هي إمتلاك داعش لعدد من أنواع الأسلحة التي كنزتها من غاراتها على الثكنات العسكرية في سوريا و العراق...فاستمعت الى نشرة مسائية لقناة إخبارية اليوم تفيد بإمتلاك داعش لعدد من طائرات الميغ و دبابات تي-55 و 72...و لكن لحظة من فضلكم...فيجب معالجة هذه المواضيع بصورة خاطفة و لكن بالمنطق المطلوب كطبقات مثقفة تكتب الكلمة البناءة...
عندما نشير الى القوة العسكرية لأمريكا و حلفائها من حزب (NATO) بواقع الأمر نشير الى تحالف عسكري يضم بلاد تمتلك تراسنة عسكرية ضخمة و مهيبة اثبتت فاعليتها بحروب قرن العشرين العالمية، و تمتلك كل من هذه البلاد مصانع متخصصة بتصنيع كافة أنواع الاسلحة الفتاكة من طائرات حربية و حاملات طائرات و بوارج قتالية (مدمرات و سفن حربية) و مدفعيات بكافة انواعها و أسلحة خفيفة و متوسطة و ثقيلة و غواصات مقاتلة و رشاشات بكافة انواعها و دفاعات ضد الطائرات الحربية و صواريخ بكافة احجامها...الخ، و تستطيع هذه البلاد ايضا تصنيع هذه الاسلحة جميعها بالكفاءة و السرعة المطلوبة في وقت الحرب و الأزمات القتالية المختلفة، و يضم هذا التحالف بلاد تُصَنًفْ بأنها (SUPER POWER) او قوى عظمة بسبب امتلاكها لتراسنة سلاح قوية جدا و لوجود هذه المصانع المتكاملة ضمن اراضيها منذ الحروب العالمية الأولى و الثانية، و تُصَنًفْ أمريكا بأنها من دول القوى العظمة إذ تمتلك هذه الإمكانيات العسكرية بالكامل و لإمتلاكها ايضا القدرات اللوجستية بسبب الاقمار الصناعية لديها و التي تستطيع امدادها بالبينات المختلفة المطلوبة، و هنالك ايضا عامل اقتصادها الضخم و تاثيره على الإقتصاد العالمي فلا أحد ينكر هذا العامل بجعلها من القوى المؤثرة في العالم و في الأمم المتحدة حيث تُمَوِلْ أمريكا ثلثي مشاريع الأمم المتحدة و منظماتها،
للذي يقراء التاريخ سيعلم أن مجريات الحرب العالمية الثانية كانت تسير لصالح القوة الإمبريالية الغاشمة التي كانت تسيطر على بقاع وساعة من العالم في أواخر عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، و هذه القوة هي ألمانيا و اليابان و ايطاليا، فحينما ضربت اليابان ميناء بيرل هاربر الأمريكي بكل غرور كانت تظن أنها ضربت قوة ثانوية بالمنطقة لن تستطيع الوقوف بوجه قوتها البحرية التي استطاعت ضم مناطق واسعة من شرق أسيا، فاستفاقت أمريكا من غفوتها عن الشأن الأوروبي و العالمي عموما لتجد أن هتلر نجح بالإستلاء على معظم غرب أوروبا و كان يستعد لشن هجماته على روسيا و حلفائها في القارة الاسيوية، و وجدت اليابان بأنها ند لا يستهان به إذ اصبحت قوة ضاربة بشرق اسيا و ها قد عبرت البحر الباسيفي شرقا بجبروت غير مسبوق لتدمير قوتها البحرية بالكامل...و قليل منا يعلم أن القدر لعب لعبته مع أمريكا، فبالرغم من خسارتها في بيرل هاربر كان جزءا يسير من قوتها البحرية راسيا بميناء ثاني و يُرَجًحْ أن اليابان لم تكن تعلم بهذا الأمر، فبعد إنتهاء الغارة ظنت أنها نجحت بِشَلْ القوة البحرية الأمريكية، و وجدت أمريكا ايطاليا ايضا قوة ضاربة لا يستهان بها و حليف لهتلر بأوروبا...بل وجدت العالم و قد ابتدأت هذه الدول الإمبريالية بالإيقاع به بصورة سهلة جدا؟!
قليل منا يعلم أن هتلر بالرغم من قواته الكبيرة كان عاجز عن قهر بريطانيا بسبب مقاومة صلاح الطيران الملكي الشرس له...فلو استطاع ذلك لكانت الحسابات اختلفت كلياً، و لكن حينما أعلنت أمريكا الحرب على هذا المثلث العدواني كانت بريطانا تنازع بسبب الهجمات الصاروخية الألمانية على اراضيها و بسبب الطيران الحربي الالماني الشرس، فحرك هذا العملاق الأمريكي قواته الحربية من قطع بحرية مدمرة و حاملات طائرات و سلاح جوي فتاك و الموارد البشرية المطلوبة الى حبهات القتال لردع القوات الألمانيا و الإيطاليا و اليابانية عن ما تفعله بالعالم و لردع اية مكاسب استراتيجية و جغرافية لها...و اندلع قتال شرس بين التحالف الذي قادته أمريكا مع الدول الاوروبية و بين القوات الإمبريالية الغاشمة الثلاث...و بفترة عدة شهور قليلة تغير حظ الحلفاء بالحرب و أبتدأوا بتحقيق تقدم كبير على الجبهات القتالية، الحرب كانت شرسة جدا و مؤلمة جدا و طويلة فلم تنتهي قبل حَصْد حياة الملايين من البشر من كلا الجانبين...و لكن التاريخ يشهد لأمر واحد لا جدال عليه...هو أنه لولا غطرست سلاح البحرية الياباني بشن ضربته الموجعة على لبرل هاربر لما نهض هذا العملاق الكبير لردع ألمانيا و ايطاليا و اليابان بآن واحد عن ابتلاع اجزاء واسعة من العالم...
أحداث الحرب العالمية الثانية و تفاصيلها المؤلمة و الحافلة موجودة بين ايدينا في كتب التاريخ و الموسوعات العالمية على الإنترنت، و التاريخ يشهد للقوة العسكرية الأمريكية الجبارة و لقصة صمود التحالف المؤلمة ضد هتلر العنصري و ضد المخططات الإمبريالية بالمنطقة، و لكن يجب التنويه هنا أن قصة التراسنات العسكرية ابتدأت عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، فبالرغم من خروج الحلفاء منتصيرين من المعركة و إنشاء الأمم المتحدة و تنصيب أمريكا و روسيا و فرنسا و بريطانيا و الصين كقوى دائمة بالأمم المتحدة إلا ان التوترات أخذت مجراها بين أمريكا الراس المالية و روسيا الشيوعية، فبفترة الستينات و السبعينات و الثمانينات فرضت الأجواء المتوترة خارطة سياسية جديدة على العالم قسمته الى معسكر غربي و شرقي، و فرضت هذه الظروف السياسية على أمريكا و دول غرب أوروبا التي كان اقتصادها يعارض النظام الشيوعي تكوين حلف "الناتو"، و قابله الإتحاد السوفيتي بحلف "وارساو" (WARSAW) الذي ألفه مع بعض البلدان بشرق اوروبا التي كانت تحت هيمنته العسكرية و الإقتصادية، و ابتدأت دول هذين الحلفين العملاقة سباق تسلح مهيب و سباق تكنولوجي لم يسبق للعالم أن رأى مثله على الإطلاق، فتطورت الإمكانيات العسكرية لتلك البلدان كثيرا و أصبحت اسلحتهم التي صممت خصيصا لردع اي هجوم ممكن من الآخر فتاكة أكثر بكثير من اجواء الحرب العالمية الثانية...فحتى وصلوا بعلومهم الى الفضاء و سبحوا به بكل يُسْر مؤسسين قواعد لهم تسمى بأقمار صناعية لأغراض لوجستية و علمية و عسكرية، و وصلوا الى القمر ايضا بزمن قياسي..بل وصلت مركباتهم الفضائية الى مدارات المريخ و عدة كواكب بعد المريخ لتطال المجموعة الشمية بأكملها و سبحان الله،
لذلك حينما نشير الى دول الناتو و دول الخمسة الدائمة بالأمم المتحدة نحن نشير الى دول تمتلك اسلحة فتاكة و تراسنة كبيرة متراكمة سببتها احداث الحرب الباردة التي سادة قبل انهيار الإتحاد السوفيتي في اوائل عقد التسعينيات في القرن الماضي، نشير الى دول اقمارها الإصطناعية تراقب الأرض من الفضاء و اسلحتها الفتاكة موجودة بقوة فأي داعش ستقوى على هذه الدول؟!
يخطر في ذهني هنا ان أَذْكُرْ بعض من المعلومات عن حاملات الطائرات الأمريكية الراسية بالموانئ العسكرية الأمريكية، فهي انواع عديدة إذ تختلف مقاصدها القتالية، فكانت حاملة الطائرات (USS ENTERPRISE) التي صُنِعَتْ سنة 1958 و تقاعدت عن الخدمة بسنة 2012 من ابرزها، و تعد أول حاملة طائرات بالعالم تعمل بالطاقة النووية، هذه الحاملة تضمنت مدرج إقلاع طولها بحدود 300 متر بمساحة 18211 مترا مربع، و تحمل ايضا 100 طائرة على متنها بين مقاتلة و استراتيجية، و تحمل ايضا معدات قتالية و صواريخ ضد الطائرات و عددا كبير من الجنود على متنها، و هنالك انواع من حاملات الطائرات تحمل صواريخ قتالية تستخدم ضد الغواصات بالإضافة الى الطائرات القتالية التي تكون على متنها، فهذه الحاملات صممت لتكون جيوش قتالية تسافر الى حيث تقتضي حاجة الردع فمن أهدافها الإستراتيجية أن تأخذ معركة القتال بعيدا عن الاراضي الأمريكية الى اراضي العدو، و لا أحد يعلم بوجه التحديد كم حاملة طائرات تمتلك أمريكا فهذه الاسرار تبقى طي الكتمان دائما و لكن المُعْلَنْ عنه في موسوعة الويكيبيديا أنها تمتلك من فصيلة النمتز (NIMITZ) عشرة حاملات، فبهذا تكون لدى أمريكا عشرة جيوش قتالية جاهزة للموجهة العسكرية بأي لحظة تستدعي الحاجة لذلك بالإضافة للمدمرات البحرية و لقواتها البرية و المشاة و للدروع التي تمتلكها و الدبابات...أكرر نفس الجملة التي ابتدأت بها هذه المقالة...
فهل الثلاثين ألف جندي سيستطيعوا الصمود بوجه هذه القوى المدمرة؟ هل دبابات T55 و T72 و العدد القليل من الطائرات التي استولت عليها داعش في سوريا ستصمد أمام هذه الاساطيل الجبارة؟ في الحرب على العراق بسنة 90 شاركت أمريكا بثلثي القوة التي أوصت بها الامم المتحدة و هزمت أمريكا الجيش العراقي الكبير بإستخدام حاملة طائرات و احدة و مدمرة واحدة؟! فأين داعش من هذه الجيوش الجبارة؟! لا تتحدثوا عن قُوًةْ عزيمة بالنزال البري فهذه الثقافة البدائية عبرت عنها هذه الجيوش الفتاكة منذ زمن بعيد، فتستخدم القوة الأمريكية اسلوب الغارات الجوية المكثفة للأماكان التي ستمشطها القوة البرية الامريكية قبل اطلاق المشاة، و هذا ما فعلته بالعراق فأي داعش ستقف بطريقها؟!
لا شك ان داعش قوى عسكرية بالمنطقة لكنها لا تشكل ند لقوات حلف الناتو و أمريكا، و هنالك ربما رسالة سياسية تريد أمريكا توجيهها من خلال التحالف الذي تصنعه ضد داعش، و هو أنها لن تسكت على من يعبث بالأمن الإستراتيجي للمنطقة، فالدولة التي تسعى داعش لإقامتها تتكلم لغة امبريالية توسعية تعدها أمريكا عدوانية المعالم شبيهة بالتي تكلمها هتلر...كما يتم تصنيفها بحسب اعراف الدول بمجالس الأمم المتحدة بالدولة العدوانية إذ تُكَفِرْ كل حضارة لا تقاسمها ارائها و سماتها على المستوى السياسي و الديني...داعش تتكلم لغة عدوانية و تغالي بجنسها من البشر المنتمين اليها و تعدهم فوق باقي اجناس البشر و تسعى للتوسع عن طريق الجهاد و الحرب و هذا ما فعله هتلر بالحرب العالمية الثانية فلذلك تعد أمريكا و حلفائها هذه اللغة استفزازية و لذلك تسعة لإقامة حلف فولاذي على داعش و على أفكاره المتطرفة، و أكرر للذي يسأل عن خطر داعش...فهذا التنظيم لا يشكل وزن عسكري لأمريكا و إنما أمريكا هي بحرب ليس مع سلاحه فحسب بل مع الفكر المتطرف اينما وجد،
المراجع المستخدمة :
-انواع حاملات الطائرات الأمريكية
: http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_aircraft_carriers_of_the_United_States_Navy#Active
- عن مواصفات حاملات الطائرات :
Caxton Encyclopedia; The Caxton Publishing company limited, London England; Copyright 1977
- عن حاملة الطائرات USS ENTERPRISE :
http://en.wikipedia.org/wiki/USS_Enterprise_(CVN-65)
0 comments:
إرسال تعليق