الى فافي/ اسماعيل فاضل

سلمتِ يا فافي
يا أحلى كلمة على شفافي
جبرانيةٌ انتِ مذ كنتِ بيننا
حارتْ بوصفكِ كل القوافي
 الشكرُ لك يا شربلُ اذ
عرّفتَنا بسيدة النيل الصافي

تحيه لك من الأعماق استاذ شربل 
وانا أحاول ان اُعَبّرَ ببيتين من الشعر بحقك وحق الأستاذة الجبرانية الفاضلة (فافي) فاطمة ناعوت. 
حيث كانت بحق نسمه عطره مرت بنا شممنا عطرها ولا زال عبقها باقٍ بيننا، وتركت اثراً طيباً في نفوسنا.
اتمنى ان توصل لها هذه الأبيات الشعرية البسيطة عن طريقك. . 
مع فائق الاحترام والتقدير لك استاذ شربل بعيني.

   أخوكم الجبراني
   اسماعيل فاضل
استراليا - سيدني
الاول من كانون الاول ٢٠١٤

أنا الجبرانية الجميلة/ فاطمة ناعوت


خِلسةَ المُختلِس
“هل تبدّلتْ حياتي للأبد؟! ألم يعد مسموحًا لي أن أخطئ تلك الأخطاء الصغيرة التي يرتكبها الأطفالُ الأشرار؟ ألم يعد مسموحًا  أن أسرق زهرةً من أيكة لأشبكها في قميصِ حبيبي؟ أو أطارد فراشةً وارفةَ اللون لأخبِئَها في كراستي؟ أو أخطفَ قلمًا جميلا أغراني من يد صاحبتي لأخطَّ به قصيدتي؟ ألم يعد مسموحًا لي أن أشيح بوجهي عن فقير أو ضعيف أو نبتة صغيرة تتألم؟ ألم يعد مسموحًا أن أغضبَ من الأشرار الدواعش إن آذاوني أو قتلوني؛ وأصبح حتمًا عليّ أن أرميهم بالزهور إن رموني بالرصاص، فأحتضِرُ وأنا أقول: “اللهم لا تُقِم لهم هذه الإثم فإنهم لا يعرفون ماذا يفعلون؟” هذه أنا الجبرانية الجميلة تفعل!
***
 أنا الجبرانية الجميلة
اليوم، انضممتُ إلى الشجرة الجبرانية الطيبة التي “أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء”، فتنمو كلَّ عام ورقةً، أو بضعةَ أوراق. ليس أجملَ من يوم ميلاد فيروز، لنتذكر فيه جبران العظيم، نبيّ المحبة والسلام؛ حتى نسأله أن يهبط إلينا من عليائه ليتوّج أولئك الأطفالَ الذين ساروا في دربه النورانيّ الصعب، يحلمون حلمَه، ويحملون مشعلَه، حتى لا ينطفئ وهجُ الجمال والفرح في هذا الكوكب المحزون. هو القائلُ: "الأرضُ لنا/ وأنتَ أخي/ لماذا إذن/ تُخاصمُني؟/ فهذي يدي/ هاتِ يدَك."  
لماذا أقفُ اليومَ هنا، لماذا قطعتُ خمسةَ عشر ألف ميل، في الجوّ من بيتي بالقاهرة إلى منصّة رابطة إحياء التراث العربي في سيدني الأسترالية؟ لماذا بسطتُ جناحي وطِرتُ في اتجاه الزمن لأسبق توقيتَ مدينتي بتسع ساعات مما يعدّون على ساعة تواقيت جرينتش؟ أنا هنا اليوم لأقولَ لجبران خليل جبران: “شكرًا يا أبي! أنتَ لا تعرفُني، لأن أبناءك كثيرون يملأون الأرضَ ويملأون الزمان، وسوف يملأون الدنيا حتى تغدو جميلةً كما حلُمتَ بها. وأنّى لأبٍ كبير أن يُحصي أطفاله المنتشرين في رحاب الأرض الشاسعة، إن تخطّوا حاجزَ الجسد الضيق، وعبروا إلى رحاب الأفكار والفلسفات والمذاهب التي لا تحدّها سماءٌ ولا أرض! أنا طفلةٌ من أطفالك الكثيرين الذين لا تعرفهم، رغم أنهم أكلوا على مائدتك وشربوا من نهرك وكبروا على ناصيتك. أنا اليومَ أشكرُك يا أبتي لأن سهامك النافذةَ في قلبي، منذ قرأتُ لك، هي أهمًّ أسرار جمالي.”
فلو كانت روحي نقيةً؛ ولا أحملُ البغضاء لأحد، فلجبرانَ سهمٌ في هذا. ولو كان قلبي صافيًا لم تلوثه المصالحُ ولم يدنّسه التلوّن، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كان الرفيقُ الأعلى يملأ كاملَ قلبي، فما ترك فيه مساحةَ عود ثقاب لكراهية مخلوق، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كانت جُملتي العربيةُ صافيةً دون لحن أو عِوَج، وقصيدتي تحملُ شيئًا من عذوبة، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كنتُ مازلتُ طفلةً لا تبرحُ الدهشةُ عينيها، طفلةً تطارد الفراشاتِ وتنتظر العصفورَ على سور شُرفتها، وتراقبُ من وراء الزجاج زخّاتِ المطر فترقصُ على وقعها وإيقاعها، وتترقب نمو نبتة الحديقة كلَّ يوم مليمترًا فتفرحُ، وتوزع على أطفال الحي السكاكرَ وكسراتِ الخبز وحبّات الزيتون، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كان اللهُ يسكنُ قلبي، وأسكنُ في قلبِ الله، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كنتُ آكلُ مع قططي في صحن واحد، وأنام في دفء عيونها وتنامُ في دفء صدري، فلجبران سهمٌ في هذا. ولو كنتُ أنظرُ كلَّ يوم نحو الغيم البعيد فأرى من ورائه شعاعَ شمس خجولا قادمًا في وعد لا يكذب، فأعرفُ أن الَله هناك يرمقُنا بعين رحمته، ويمد يدَه الطيبة لينسجَ لنا ثوبَ الفرح نحن أطفالَه الحزانى، فلجبران سهمٌ في هذا. أنا الجبرانية أتساءل: هل ترك جبرانُ شيئًا في حياتي لم يصوِّب نحوه سهامَه؟!
 اليومَ ميلادي بين يدي جبران. فأنا اليومَ غيرُ أنا الأمسَ، حتى وإن كنت سأسيرُ في ذات الطريق الوعرة، الموحشة لقلّة سالكيها. تلك الطريق التي اخترتُها لنفسي منذ نما وعيي. أنا اليومَ جبرانيةٌ رسميًّا، بعدما اعتبرتُ نفسي طوال عمري جبرانيةً بالتبنّي كوني أنهجُ نهجَه، وأحذو حذوه، ما وسعني ذلك. اليومَ صرتُ جبرانيةً رسميًّا على مرأى العالم ومسمعه بشهادة الثِقاة من أبناء جبران، أولئك الذين قبلوني في عائلتهم وعمّدوني بماء سلامِه وناولوني من كسرة خبزه. ها أنا ذا، الفرعونة الصغيرة، الجبرانيةُ الجميلة، وهذا يوم ميلادي، موافقًا يوم ميلاد فيروز. 
***
 الكلمة التي ألقتها الشاعرة فاطمة ناعوت يوم إعلان  فوزها بجائزة جبران الأدبية العالمية بمدينة سيدني الأسترالية يوم ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

د. زكي مبارك قي بغداد بين وحيها ورشيدها ونزليه قليلا/ كريم مرزة الأسدي

 الدكتور زكي مبارك يثيرني فأثير أثيره - الحلقة  الرابعة  - 

13 -  من كتاب ( وحي بغداد ) للدكتور زكي مبارك / الفصل الأول / من جحيم الظلم في القاهرة إلى سعيرالوجد في بغداد / مقاطع من قصيدة الدكاترة مبارك التي تتصدر كتابه المذكور:  
 وفدتُ على بغداد والقلب موجعٌ ***   فهل فرّجتْ كربي ؟ وهل أبرأتْ دائي؟
تركت الخطوب السود في مصر فانبرت* سهام العيون السود تصدع أحشائي 
تركت دخاناً  لـو أراد دفعتهُ  ***  بعزمةِ مفتولٍ الذراعين مضاء 
وجئت إلى نارٍ ستشوى جوانحي*وتصهرأضلاعي وتسحق أحنائي 
فيا ويح قلبي عضّه الدهر فاكتـوى*** بلفحة قتّالين جورٍ وإصباء
سـمعتُ حماماتٍ ينُحن فعـزّني **حنيني إلى صحــبٍ بمصرٍ أشحّاء 
همُ أسـلموني لا عفــا الحبّ عنهم**إلى ليلةٍ من غمرة الحزن ليلاء 
أنادمهم بالوهم والقلـب عارفٌ *  بأني لدى كأس مـن الدمع حمراء 
عفا الحبّ عـن  بغدادكم عشــتُ  لاهياً  *** أكــــــاثر أيامـــي بليلى وظمــياءِ
فكيف وقعت اليـوم فـــــي أسر طفلةٍ  *****مكملةٍ  بالسـحر ملثــوغة الــراءِ
أصـــاولُ عينيهـا بعيني، والهــوى ***يشيــــعُ  الحميّا فـي فؤادي واعضـائي
وأشهد أطيــــاف الفراديس إن بدت ***  تراود أحلامــــي مزاحـــاً وأهــــوائي 
وألمـــــس نيران الجحيم إذا مضــــت ***** تروم بعين الجـــد بعدى وإقصائي 
أكاتم أهليهـــــــا هيامـــــي ولـــو دروا **** لهامت بجنب الشط أرواح أصدائي 
إلى الحب أشــــــــكوها فقد ضاق مذهبي *** وأخلفني بــــــعد الفــــراق أعزائي
إلى الحب أشكـــــــو بل إلى اللَه وحـــــده   **** فوّض بأسائي لديـــها ونعمائي
أحبك يا ربي فهل أنـــــــت شــافعي  ****** إلى سرحةٍ فــــي شط دجلة زهراء 
شــــهدت فنائي فيك حـــــين رأيتها   ******تحاول إضــــــلالي وتنشـــد إفنائي 
 14 - الدكاترة المبارك يحلّ ضيفاً كريماً في بغداد الحضارة والتاريخ :
لا ريب أنّ مصر الكنانة وعراق الرافدين ركنان رئيسيان لهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر، شهدا أعرق الحضارات الإنسانية منذ أقدم عصورها، تأثرا وأثرا ببعضهما البعض ، وعلى غير بعضهما في هذا الكوكب الأرضي من مشرق الشمس إلى مغيبها ، أنى ضاقت الدنيا بامرئٍ وجد الإنسان في الأرض متسعاً للعيش الكريم ، فما بالك بأرض قطرين هما بالأساس قطر واحد من نواحٍ عديدة معروفة ، وقد قال الشنفرى من قديمٍ ، وإن كان جاهلياً - كما يزعمون - وهو ليس بجاهل بكلّ تأكيد، بل من أكبر الحكماء العرب  ،اقرأرجاءً! :
   وفي الأرض مَنْأىً ، للكريم ، عن الأذى *** وفيها ، لمن خاف القِلى ، مُتعزَّلُ لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ **** سَرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ 
 وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن أرض الكنانة المعطاء ضيقة بأهلها ، ولا أرض الرافدين أكثر سعة ورحابة لكلّ ناسها ، وإنما الأمر فردي مرحلي  ، وقد تطرقنا في مقدمة الحلقة السابقة عن غربة وتغرّب دكاترتنا حتى بين أنداده من العباقرة والأفذاذ .
مهما يكن من أمرٍ ، رحل الرجل  إلى العراق للعمل هناك بعد فصله من عمله وإغلاق جميع الأبواب أمامه  ، فما كان العراق إلا أن ينتدبه في عام 1937م  كمدرسٍ في دار المعلمين العالية - كلية التربية - ، ووصل إليها في يوم 23تشرين الاول من السنة المذكورة  .
15 - الحكومة العراقية تستعين بالأساتذة والدكاترة العرب ، وبغداد يا بلد الرشيد : 
 وكانت الحكومة العراقية بأوامر من الملك غازي ( 1912 - 1939م) ذي الميول القومية والوطنية ، و الذي تسنم العرش بعد وفاة والده الملك فيصل الأول (  1883 -1933 م ، حكم العراق منذ 1921م) ، قررت فتح الكليات والمعاهد العالية في بغداد الرشيد ، ولما كان العراق بحاجة ماسة للمؤهلين أكاديمياً وعلمياً لسد الفراغ ، استعانت بأخواننا المصريين والسوريين واللبنانيين ، وكان على رأسهم دكاترتنا المبارك ، أقول على رأسهم بالرغم من أن بعض الأسماء المصرية  شهيرة كعلي الجارم و مصطفى كامل واحمد خليفة وجابر جاد والدكتور ابو السعود ، وأقيم للمنتدبين  حفلاً تشريفياً، اعتزازاً بهم ، وتكريماً لهم ، وحضر الحفل رئيس الوزراء ووزير المعارف ، وحينها ألقى الشاعر المعروف علي الجارم قصيدته الشهيرة (بغداد يابلد الرشيد ) ، ومنها :        
بغداد يابلد الرشيد **** ومنارة المجد التليد
يابسمة لما تزل *** * زهراءَ في ثغر الخلود
ياموطن الحب المقيم* ومضرب المثل الشرود
ياسطر مجد للعروبة *** خُط في لوح الوجودِ
يازهرة الصحراء ردي ***  بهجة الدنيا وزيدِ
ياأمة العرب أرقدي ****ملء العنان ولا تهيدِ
سودِ فآ مال  المنى **** والعبقرية أن تســودِ
هذا آوان العَدوِ لا ****الأبطاء والمشي الوئيدِ
المجدُ أن تتوثبي  ******وإذا وثبتِ فلا  تحيدِ
وتحلقي فوق النجوم. *****  بلا شبيه أو نديدِ
وإذا شدا الكون المفاخر **  كنت عنوان النشيد
لا تخطيْ حـــــد العلا ****ما للمعالي من حدود
16 - العراقيون يحتفون به  ، وهو يردّ عليهم مؤلفاً عاشقاً ::
 ونحن علينا بدكاترتنا  الذي نترجم له ،لأنه أثارنا ، فنثير أثيره ، ومن إثرته ، قد نال حظوة كبيرة في العراق  ، فكثر أصدقاؤه ومريدوه ومحبّوه ، فكتب عنه من العراقيين :   1 - عبدالرزاق الهلالي: ( زكي مبارك في العراق) -المكتبة العصرية - بيروت 1969م -
والحقيقة  سجّل فيه - كما ينقل أ.د. حسين علي محمد في مقالة له عنه عن لسان وديع فلسطين الذي قرأ كتاب الهلالي تماماً - : 
 . " كل حركة وسكنة لزكي مبارك في العراق وروى أخباره، وأحاديثه في الصحف، ومحاضراته، ومجادلاته، ومعاركه، وسجل شعره العراقي،وبالاختصار جاء مضبطة» كاملة عن السنة الدراسية التي قضاها زكي مبارك في بغداد ."
 2 - فاضل خلف : (زكي مبارك بين رياض الأدب والفن) - مكتبة الآداب - القاهرة  1957 م - 
- 3 - سليم الأعظمي : (ديوان زكي مبارك ) - مجلة أبولو - مايو 1934
  4 - مصطفى جواد : (في ديـوان الدكتور زكـي مبـارك ) - مجلة أبولو - يناير 1934 -
ومنح وسام الرافدين من الحكومة العراقية .
ويذكر  ا.د.ابراهيم خليل العلاف في مدونته عن حفل تكريم دكاترتنا المبارك  في قاعة فندق استوريا الكائن في شارع الرشيد يوم 17 كانون الاول سنة 1937 قائلاً....تحدث في حفل التكريم الصحفي والوزير المعروف الاستاذ روفائيل بطي صاحب جريدة البلاد .كما القى الشاعر انور شاؤول صاحب مجلة الحاصد قصيدته :" الاديب " وارتجل محمود فهمي درويش صاحب :" دليل العراق الرسمي " كلمة والقى الدكتور عباس حلمي الحلي كلمة وقام الدكتور محمود عزمي عميد كلية الحقوق ببغداد وهو مصري ليقول شيئا بحق الدكتور زكي مبارك واخيرا عبر الدكتور زكي مبارك عن تقديره وشكره للقائمين على تنظيم التكريم ولشعب العراق .بالمناسبة وكما قال الدكتور محمد حمدي في مقال له نشره في جريدة البغدادية في عددها الصادر في 29-5-2005 فأن صاحب فندق استوريا رفض تسلم اي مبلغ عن استضافة حفل التكريم وقد ترك الحفل اثرا طيبا في نفس الدكتور زكي مبارك الذي كتب لصديقه الاستاذ مصطفى القشاشي صاحب مجلة الصباح -القاهرية - قائلا :" هذا ياصديقي فن البلاغة لايحسنه غير اهل بغداد ." 
وكان ممن حضروا حفل التكريم قنصل مصر في بغداد الدكتور عبد الرحمن عزام والذي اصبح سنة 1945 أول امين عام لجامعة الدول العربية .
ولم يقصر دكاترتنا برد الجميل مضاعفاً ، فالبرغم من قصر الفترة التي أمضاها في العراق ، ألف ما ألف من مؤلفات ثمينة بفكرها ، زاهية بفنها ، شديدة بأحاسيسها ، ومنها :
1 -  ليلى المريضة في العراق
2 - عبقرية الشريف الرضي
3 - ملامح المجتمع البغدادي
ليس هذا فقط ، فقد كان الرجل كثير التعلق بالتراث الشعبي العراقي ،وكانت عيناه ترقرق دمعاً ، أنّى سمع أبوذية عراقية ، وكتب قائلاً : " أني أتطرب وأتشوق الى الابوذية وتجود عيناي بالدموع "  ... وتارة يقول : " عند البغداديين فن من الغناء يسمى الابوذية  وهو في أغلب احواله غناء حزين، ولكنه مع ذلك يصطنعونه في الافراح، والحجاز بين الفرح والحزن حجاز دقيق " ، ولله درّه من قلبٍ رقيق !! 
17 - الدكتور زكي مبارك يحدثنا عن ذكرياته مع الملك غازي الأول :
وقد سمع الدكتور زكي عن رغبة الملك غازي للقاء الأساتذة والدكاترة ، وقد تشرف ا بعضهم بمقابلته ، فوقع بين ناري التهيب من مقابلة الملوك ، والطمع ، بل التحرق   للقائه لمعرفة ذوقه الأدبي : " فهو من اسرة هاشمية لها ماض مجيد في رعاية
الأدب الرفيع ، وهو يجلس على عرش العراق " كما يقول الدكتور نفسه في كتابه ( ملامح المجتمع العراقي ) - نشر في عام 1942 - ، ويزيد سارداً  : " وخلال الزيارة سكنت في البداية في فندق(تايجرس ) مع الدكتور محمود عزمي فحضر
شاب يعمل سكرتير الإذاعة اللاسلكية في بغداد وهو السيد فؤاد جميل ، وقد طلب ان أواجه الجمهور العراقي بكلمة في الإذاعة اللاسلكية فاعتذرت في بداية الامر ، ولكن السيد فؤاد جميل عاود الطلب ثانية وقال : يكفي ان تقول كلمة موجزة عن رمضان .. فأعددت كلمة عن ( الأسمار والأحاديث في ليالي رمضان ) ، والقيت في محطة
الإذاعة اللاسلكية  ، وبعدها مباشرة تلقى مكالمة هاتفية من الملك غازي يناقش في دقائق المحاضرة . وفي اليوم التالي طلبني الدكتور محمود عزمي ودعاني لمقابلته مساء في فندق ( مود) فلما التقينا عرفت ان هذه المحادثة الملكية كان لها رنين في المقامات السياسية، وأشار بان أقابل رئيس الديوان الملكي واشرح له مغازي الحديث الذي القيته بالإذاعة اللاسلكية . وكان السيد فؤاد جميل يحب ان أتحدث في الإذاعة اللاسلكية مرة كل أسبوع وكان مفهوما اني سأتلقى من المكافآت المالية ما يغريني بإكثار من تلك الأحاديث . ولكن السيد فؤاد انصرف عني قطعا ، فعرفت انه لن يدعوني الا اذا فهم ان جلالة الملك يسره ان يسمع صوت الدكتور زكي مبارك ضيف العراق . وبعد مرور شهر تقريبا اتصل في دار المعلمين العالية سكرتير الإذاعة يسأل عني ، واخيراً ذهبت لمواجهة السيد فؤاد جميل بوزارة المعارف فقال : يا مولاي اين وعودك؟ وان جلالة الملك غازي يسره ان يسمع صوتك وان يقبل كل شيء من ضيوف العراق . ودارت الأيام بالسعد القي في الإذاعة العراقية كل ما أشاء . ولكني كنت أراعي كل مرة ان جلالة الملك قد يسمع حديثي فابذل في اعداده كل ما املك من ذوق وعقل فان كان اهل بغداد أعجبوا بأحاديثي في الإذاعة العراقية فليعرفوا ان الفضل كان يرجع إلى رقابة ذلك الملك الأديب والواقع ان الملك غازي ورث الذوق الادبي عن الملك فيصل الأول . "
وضعية دكاترتنا المبارك في العراق سيان على المستوى الرسمي أو الشعبي ، أو الوظيفي ، و الأدبي لا تشير إلى أي مشاكسة ولا تمرد ولو أن الفترة التي قضاها في العراق كانت قصيرة ، ربما  قد أتعبته الأيام في مصر إثر ملاكماته الأدبية المتواصلة ، فأرادها فترة استراحة في العراق  ، أو من باب (يا غريبْ كن أديبْ ) ، ولو أنّه في المعنى العروبي الإسلامي لا يُعُدُ غريباً ، بل أن روح النكتة المصرية مزروعة في وجدانه ، وعقله ، وسلوكه حتى في أحرج اللحظات ، وإليكم هذا النادرة الفكاهية  الرائعة !!!   
18 - أمّا اللباس فنزليه قليلا !!
الأخوة المصريون كما هو المعروف عنهم يتغلبون على مصاعب الحياة ، وعبئها الثقيل بالنكتة اللطيفة  والظريفة الطريفة ، وأنفسهم مشبعة بروح الفكاهة والسخرية من إسماعيل ياسين حتى عادل إمام ، والدنيا دول !! ، ولكن ما كنّا ندري بهذا الزكي المبارك الذي ملء الدنيا صياحاً و ( عياطاً ) يخرج علينا بنكتة ولا أظرف ، يحدثنا المحدثون أنه خرج مع زملائه للتسوق من محلات بغداد العامة ، سوق النهر ، السوق الكبير ، أوزدي باك ، حسو أخوان وغيرها ، فلجا دكاترتنا إلى أوزدب باك - وكان قد أفتتح حديثاً في سوق السموأل - عن ترصد مسبق مع سبق الإصرار ، أم ضربة حظ ، لا ندري والله العالم !! مهما يكن من أمر ، المهم دخل ليتسوق بعض الحاجيات التي تخصه من ملابس ، فقصد إحدى الطاولات التي عرضت عليها البضاعة كأيام زمان ، ومن هذه البضاعة القمصان والفانيلات واللبسان ، وكانت البائعة من بنات بغداد الجميلات الفارهات الحسناوات - ويزعم الأستاذ خالد القشطيني أنها يهودية !!- فتأمل الدكاترة الوجه الجميل ، فقال والله إنها لفرصة العمر ! مصري وتفوته هذه الفاتنة ، هذا محال ! فسأل عن الأسعار ، فأجابت الحسناء بالأقوال والأنظار ، وألتفت دكاترتنا يميناً شمالاً  ، لم يرَ أحداً - هذا مني ! -  ، فقال لها :
إن القميص لقد رضينا بسعره *** أمّا اللباس فنزليه قليلا !!
جن جنون الفتاة ، ولم تتعود مثل هذه المداعبة الأدبية الأخوية  البليغة ، فذهبت شاكية باكية لمدير مخزنها ، وجاء هذا  الأخير  بحمية عراقية ، ووجدها فرصة ! ، ليفزع لها ضد هذا التحرش من الرجل المصري ، وكان الدكاترة هادئاً واقفاً على طاولة أخرى ليتبضع ، وعندما  تعرف السيد المدير على شخصية الدكاترة ، وأنه أكبر أدباء مصر ، وضيف العراق الأول  ، أعتذر منه عن ثورة البنت ، وشرح لها منزلة الرجل ، ومكانته الأدبية ، وأنه بعمر أبيها ، وبعث الفراش ليأتيهم بالشاي العراقي ، وبدوره اعنذر الدكاترة عن المداعبة الخفيفة التي أثقلت كاهل البنت  ، والله لطيف بعباده !!
19 - صحف بغداد تثور على الدكاترة المبارك ، وتنتصر للمتنبي الكوفي ضد  الشريف الرضي البغدادي !! :             
 وللحقيقة والتاريخ ، يجب أن نذكر أنّ الصحف العراقية قد هاجمت دكاترتنا أيضا بسبب أنه وضع الشريف الرضي في مرتبة أعلى من مرتبة المتنبي، ولكنه كان أخف حدّة في ردّه ، وأقل مشاكسة ، ربما  للأسباب التي ذكرناها من قبل ، أو لم تكن الشخصيات المهاجمة مؤثرة عليه علمياً وأدبياً ووظيفياً كما هو حال الدكتور طه حسين ، والأستاذ العقاد ، والرافعي  وغيرهم من رموز مصر الثقافية ، فكل ما أجاب به " أنا أحب الخصومات لأنها تذكي عزيمتي". ويزيد الأستاذ نجم عبد الكريم في مقال له عنه في جريدة الشرق الأوسط  أن الدكتور المبارك كتب مخاطباً بغداد في ردّه  عن المقالات الهجومية   " هذا كتابي أقدمه بيميني في تهيب واستحياء، فإن رضيت عنه فذلك لطف ورفق، وان غضبت عليه، فلست أول حسناء تجحد الجميل. اصنعي في ودادي من التنكر والتقلب ما شاء لك الدلال أما أنا أشهد أنك صنعت بقلبي وعقلي ما عجزت عنه القاهرة وباريس "
ويضيف ومن مصدر آخر  : " انت مظلومة يا بغداد، وأنا مظلوم يا بغداد، والظلم يجمع بين القلوب ، نصرك الله ونصرني، ورعاك ورعاني، وعليك مني السلام " .
ونرى هذا التودد والحب والعشق لبغداد وأهل بغداد ، وعباقرة بغداد على مرّ عصورها واضحاً جليّاً ملموساً في كتاباته البغدادية ، بالرغم من زهوه بنفسه، وفخره بفنه ، ومدحه لمؤلفاته حتى التقديس ،كما مرّ علينا. ! اقرأ ما يقول : " سيرى قراء هذا الكتاب اني جعلت الشريف الرضي أفحل شاعر عرفته اللغة العربية.. وقد سمع بذلك ناس فذهبوا يقولون في جرائد بغداد: أيكون الشريف أشعر من المتنبي؟! واستطيع ان اجيب: بأن الشريف في كتابي أشعر من المتنبي في أي كتاب، ولن يكون المتنبي أشعر من الشريف الا يوم أؤلف عنه كتاباً مثل هذا الكتاب " !!
ما أروع الإنسان عندما يقدس نفسه ، حين يعرف قدره ، وسر خلقته !
 ونواصل معه المسيرة حين يذكر ما يذكّر : " سيذكر ادباء بغداد أنني أحييت شاعراً هو من ثروة العروبة، وثروة العراق، وسيذكر أدباء بغداد أنني وفيت لمدينتهم السحرية حين اهتممت بشاعر كان أصدق من عرف النعيم والبؤس فوق ثرى بغداد " 
ونختم قولنا عنه بأبيات قالها هو ذات يوم ، فلم يدع مجالاً لنا أن نعرّف به أكثر مما هو يعرف نفسه ، ويتفهم نفوس البشر التي كانت بحياته ستصبح غيرها بعد مماته ، رغم أنها عينها !!
سيذكرني الناسون يوم تشوكهم  ****شمائل من بعض الخلائق سود 
سيذكرني الناسون حين تروعهمْ  ***  صنائع من ذكرى هواي شهود 
فوالله ما أسلمت عهدي لغدرة ***** ولا شاب نفسي في الغرام جحود 
ولاشهد الناسون مني جنايـــــة  ******  علي الحب إلا أن يقال شهيد 
والله على كلّ ما شهدنا شهيد ، ولا أراك تطلب مني المزيد !!! 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1- موقع حوارات الفاخرية / قراءة في حياة  زكي مبارك.
2 - صفحة ( أسرة الدكتور زكي مبارك  - شخصية مشهورة ) على شبكة التواصل الاجتماعي - الفيس بوك.
3 - موقع فيتو : زكي مبارك .. بالهيئة المصرية العامة للكتاب
السبت 15/ديسمبر/2012 -
   4 - ( زكى مبارك بقلم زكى مبارك ) : إعداد وتقديم ابنته كريمة زكى مبارك.
 الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتاب - يقع الكتاب فى 287 صفحة من الحجم الكبير.
 ‏5 - بين المازني وزكي مبارك محمد رجب البيومي تاريخ النشر: 20/06/2010 
المصدر: مجلة الهلال 6/1995
  6 - معارك فكرية.. شخصنة المعارك  
إعداد ماهر حسن ٣/ ٩/ ٢٠٠٩
المصدر: مجلة الهلال 6/1995‏
النهاية المأساوية للأديب الكبير زكى مبارك .

7 - ابن الريف: امحند البخلاخي

11/10/2007

منتدى المربد

أسرة الدكتور زكى مبارك-  8 
14 سبتمبر، 2013 
أبحاث عن الدكتور/ زكى مبارك

  8128 9 - الشرق الأوسط الاربعـاء 05 ذو الحجـة 1421 هـ 28 فبراير 2001 العدد 
نجم عبد الكريم 
10 - وحي بغداد
صور وجدانية وأدبية واجتماعية
تأليف
زكي مبارك
كلمات عربية للترجمة والنشر

11 - جريدة الصباح 
الدكتور زكي مبارك وملامح المجتمع البغدادي
مهدي حمودي الانصاري
25/6/2013
12 - جريدة المؤتمر 5 حزيران  2014 العدد  2983
زكي مبارك في العراق .. طرائف عن ذكرياته مع الادباء والشعراء وكتابه عن (ليلى المريضة ) 
13 - (وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصرة) ، ج1، ص ص 243-254 
مقال : زكي مبارك في مرآة وديع فلسطين / بقلم: أ.د. حسين علي محمد   
14 - مجلة "الأديب" ـ يونيو 1975، ص ص7-11 مقالا بعنوان"حديث مستطرد عن زكي مبارك
15 - مدونة الدكتور ابراهيم العلاف 
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjk1mvqFADFWfaE1ISiVQMjwOoxyPFekJ7inrJ06k1CE1nmLpSMk3f1q_4Tk4jzi6FOvlLApTm9Uw0LYqiIHYSiV8cjCK1vvEnkwdJg1o4tKNk3T6zPUv8pMRsfoiBuev1LDndXtYlzx_bk/s1600/%D8%B2%D9%83%D9%8A+%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83+%D9%8A%D9%84%D9%82%D9%8A+%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9+%D9%81%D9%8A+%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF+%D9%88%D9%87%D9%88+%D9%8A%D9%84%D8%A8%D8%B3+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B5%D9%84%D9%8A%D8%A9.pngتكريم الدكتور زكي مبارك في العراق. / ا.د.ابراهيم خليل العلاف
NO . 1580 . TUE .31 - JUL . 201216 - جريدة ( البينة الجديد )عدد 
ماذا دار بين الملك غازي والأديب المصري الدكتور زكي مبارك؟
17 - منتديات أزاهير الأدبية - القسم الأدبي - مكتبة أزاهير الثقافية  - موسوعة الأدباء العرب - زكي مبارك (1891 - 1952)
د. حسين علي محمد 
26-04-2007, 02:27 PM 
زكي مبارك في مرآة وديع فلسطين 

بقلم: أ.د. حسين علي محمد
 18 - مجلة «الموقف الأدبي» - العدد (309 –310) شباط 1997م  

إسرائيل.. من التقسيم المرفوض إلى التقسيم المنشود/ صبحي غندور

الفتن الداخلية العربية الجارية الآن في أكثر من مكان، هي حلقة متّصلة بسلسلة الصراع العربي/الصهيوني على مدار مائة عام. فلم يكن ممكناً قبل قرنٍ من الزمن تنفيذ "وعد بلفور" بإنشاء دولة إسرائيل دون تقطيع للجسم العربي وللأرض العربية، حيث تزامن الوعد البريطاني/الصهيوني مع الاتفاق البريطاني/الفرنسي المعروف باسم "سايكس- بيكو" والذي أوجد كياناتٍ عربية متصارعة على الحدود، وضامنة للمصالح الغربية، ومسهّلة للنكبة الكبرى في فلسطين. فلا فصل إطلاقاً بين معارك التحرّر الوطني من المستعمر الغربي التي جرت في البلاد العربية وبين الصراع العربي/الصهيوني. ولا فصل أيضاً بين أيِّ سعي لاتّحاد أو تكامل عربي، وبين تأثيرات ذلك على الصراع العربي/الصهيوني.
وربّما ما يحدث اليوم على الأرض العربية هو تتويجٌ لحروب المائة سنة الماضية. فالاعتراف الدولي بإسرائيل، ثمّ الاعتراف المصري/الأردني/ الفلسطيني بها، بعد معاهدات "كامب ديفيد" و"أوسلو" و"وادي عربة"، ثمّ "تطبيع" بعض الحكومات العربية لعلاقاتها مع إسرائيل، كلّها كانت غير كافية لتثبيت "شرعية" الوجود الإسرائيلي في فلسطين، وللتهويد المنشود للقدس ومعظم الضفة الغربية، فهذه "الشرعية" تتطلب قيام دويلاتٍ أخرى في محيط "إسرائيل" على أسس دينية أيضاً، كما هي الآن مقولة "إسرائيل دولة لليهود". فما قاله "نتنياهو" بأنّ (المشكلة مع الفلسطينيين هي ليست حول الأرض بل حول الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية) يوضّح الغاية الإسرائيلية المنشودة في هذه المرحلة من المتغيّرات السياسية العربية الجارية الآن في مشرق الأمّة العربية ومغربها. فكلّما ازدادت الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية على الأرض العربية، كلّما اقترب الحلم الصهيوني الكبير من التحقّق في أن تكون إسرائيل هي الدولة الدينية الأقوى في منطقةٍ قائمة على دويلاتٍ طائفية. فالمراهنة الإسرائيلية هي على ولادة هذه "الدويلات"، التي بوجودها لن تكون هناك لا دولة فلسطينية مستقلة ولا تقسيمٌ للقدس ولا عودة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، بل توطينٌ لهم في "الدويلات" المستحدثة وتوظيف سلاحهم في حروب "داحس والغبراء" الجديدة بقيادة بعض "الثوار العرب الجدد".!
إنّ ما يحدث الآن على الأرض العربية ليس فقط متغيّرات سياسية محلية تتدخّل فيها، وتتجاوب مع تفاعلاتها، قوى إقليمية ودولية، فهذه المتغيّرات قد تكون قطعةً فقط من صورة مرسومة مسبقاً لتغييرٍ جغرافي وديمغرافي منشود لدول عربية عديدة. ألم تكن الحرب على العراق في العام 2003، وما أفرزته من واقع حال تقسيمي للدولة والشعب والثروات، وما مثّلته هذه الحرب من تداخل بين الصراعات المحلية والإقليمية والدولية، كافية لتكون نموذجاً عن الهدف الخفي المرجو من مزيج الحروب الأهلية والتدخّل الخارجي؟! ثمّ ألم يكن درس تقسيم السودان في مطلع العام 2011 مؤشّراً عن المصير المرغوب لأوطان عربية أخرى؟! وهل كانت نتائج التدخّل الأجنبي في ليبيا لصالح الشعب الليبي ووحدته واستقراره؟! رغم ذلك استمرّت بعض قوى المعارضات العربية بالمراهنة على دعم الخارج لمعاركها الداخلية، ويتواصل عربياً تهميش القضية الفلسطينية وتجاهل العامل الإسرائيلي في حروب العرب مع بعضهم البعض، وفي نشأة جماعات التطرّف والإرهاب بالمنطقة التي نرى مثالاً لها، مؤخّراً وليس آخراً، جماعات "داعش" و"النصرة"!.
فكم هو جهلٌ مثيرٌ الآن للتساؤل حينما يتمّ استبعاد الدور الإسرائيلي في تفاعلاتٍ داخلية تحدث في عدّة أوطان عربية، وحينما لا ينتبه العرب إلى المصلحة الإسرائيلية الكبرى في تفتيت أوطانهم وفي صراعاتهم العنفية تحت أيِّ شعارٍ كان. فأمن إسرائيل يتحقّق (كما قال أحد الوزراء الإسرائيليين بعد حرب 1967) "حينما يكون كره العربي للعربي أكثر من كرهه للإسرائيلي". ثم كم هو نكرانٌ لوقائع حدثت في حروب أهلية عربية معاصرة، كالحرب الأهلية اللبنانية، حينما كان الدور الإسرائيلي فاعلاً فيها على مدار 15 سنة، ثم استمرّ بعد ذلك عبر عملاء على كل الجبهات السياسية اللبنانية.
هناك سعيٌ إسرائيلي متواصل، منذ عقودٍ من الزمن، لدعم وجود "دويلات" طائفية وإثنية في المنطقة العربية. هكذا كان تاريخ إسرائيل مع لبنان والعراق والسودان، فشعار "يهودية" دولة إسرائيل، أو "إسرائيل دولة لليهود"، سيكون مقبولاً، ليس دولياً فقط بل عربياً أيضاً، حينما تكون هناك دويلات سنية وشيعية ودرزية وعلوية ومارونية وقبطية وكردية ونوبية وأمازيغية! 
أيضاً، نشوء الدويلات الدينية الجديدة في المنطقة (كما حصل بعد اتفاقية سايكس- بيكو في مطلع القرن الماضي ونشوء الدول العربية الحديثة) سيدفع هذه الدويلات إلى الصراع مع بعضها البعض، وإلى الاستنجاد بالخارج لنصرة دويلة على أخرى، وإلى إقامة تحالفات مع إسرائيل نفسها، كما حصل أيضاً خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية.
وحينما تنشأ هذه الدويلات، فإنّها ستحتاج إلى زيادة ديمغرافية في عدد التابعين لهذه الطائفة أو ذاك المذهب، ممّا سيسّهل حتماً مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والعراق وبعض دول الخليج العربي. وفي ذلك حلٌّ لقضية "اللاجئيين الفلسطينيين"، تُراهن إسرائيل أيضاً عليه. 
وفي حقبة "الصراعات الدموية العربية"، ستواصل إسرائيل بناء المستوطنات في القدس والضفة، وستزيد من درجة الضغوط على فلسطينييّ 1948 لتهجير ما أمكن منهم إلى "دويلات" تحتاجهم عدداً، بل ربّما يكون ذلك، بالتخطيط الإسرائيلي، الوقت المناسب لجعل الأردن "الوطن الفلسطيني البديل" مع أجزاء من الضفة الغربية.
حكومة نتنياهو تتوافق تماماً مع ما سبق ذكره من أجندة فكرٍ وعمل، وهي ما زالت تراهن على صراع دولي/عربي مسلّح مع إيران وعلى صراعات وفتن طائفية ومذهبية وإثنية في الداخل العربي. إذ هذا وحده ما يصون "أمن إسرائيل" ومصالحها في المنطقة، وما ينهي نهج المقاومة ضدَّ احتلالها، وما يجعل "العدوّ" هو العربي الآخر (أو الإيراني أو التركي المجاور)، وما يُنسي شعوب المنطقة القضية الفلسطينية، وما يجعل ما حدث من ثورات شعبية، قوّة تغييرٍ وإسقاطٍ لكيانات وأوطان، لا لأنظمةٍ وحكوماتٍ فحسب!.
  إسرائيل بمختلف حكوماتها راهنت على تجزئة المجزّأ عربياً، وشجّعت كل الحركات الإنفصالية بالمنطقة، وأقامت "دولة لبنان الحر" على الشريط الحدودي لها مع لبنان في ربيع العام 1979 كمدخل لمشاريع التقسيم الطائفي الذي أعدّت له منذ حقبة الخمسينات من القرن الماضي.
فإسرائيل التي رفضت وترفض قرار تقسيم فلسطين (رقم 181) وهو الاسم الذي أطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، هي نفسها التي عملت وتعمل على تقسيم البلاد العربية، إذ أنّ قرار تقسيم فلسطين يعني إعلان حدود دولية للدولة الإسرائيلية ووجود دولة فلسطينية مستقلة على ما هو أشمل بكثير من الضفة الغربية وغزّة، كما يعني وضع مدينة القدس وجوارها تحت الوصاية الدولية، وهي أمور كلّها مرفوضة من كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
إنّ الصراعات والتحدّيات هي قدَر الأمّة العربية على مدار التاريخ، بما هي عليه من موقع إستراتيجي مهم، وبما فيها من ثروات طبيعية ومصادر للطاقة، وبما عليها من أماكن مقدّسة لكلِّ الرسالات السماوية، لكن ما يتوقّف على مشيئة شعوبها وإرادتهم هو كيفيّة التعامل مع هذه التحدّيات، وهو أيضاً نوعية التغيير الذي يحدث على كياناتها وفي مجتمعاتها.
هناك بلا شك خميرة عربية جيدة صالحة في كلّ بلدٍ عربي وفي أكثر من مكان بالخارج، وهي خميرة رافضة لما يحدث بين العرب من انقساماتٍ وتدخّلٍ أجنبي، لكنّها تعاني الآن من صعوبة الظرف وقلّة الإمكانات وسوء المناخ السياسي والإعلامي المسيطر، إلاّ أنّ تلك الصعوبات لا يجب أن تدفع لليأس والإحباط بل إلى مزيدٍ من المسؤولية والجهد والعمل. فالبديل عن ذلك هو ترك الساحة تماماً لصالح من يعبثون في وحدة شعوب وأوطان بلدان هذه الأمّة ويشعلون نار الفتنة في رحابها بأسماء دينية وبمضامين هي حصراً إسرائيلية.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

لاتخافوا (لاتقلقوا)/ لطيف شاكر

مظاهر القلق: قضم الاظافر – الحركات العصبية- الجز علي الاسنان –الزيادة في التدخين او الكحول- العزلة – التهتهة – نقص او زيادة في الاكل
 نتائجه :لصداع او الصداع النصفي – توتر العضرت- الام الرقبة واسفل الظهر- الغثيان وفقد الشهية- عسر الهضم- امراض المعدة ضيق التنفس – تنميل وعرق اليدين- ارتفاع ضغط الدم- جفاف الحق والفم- السكر – امراض القلب
امراض نفسية : الغضب والعصبية-الاحباط – الاكتئاب –التشاؤم- الوهم – فقدان التركيز التوهان
روحيا : نقص القدرة علي التركيز في الصلاة – الفتور – الملل من القداسات والاجتماعا
  القلق يؤدي إلى تشتيت التفكير وعدم القدرة على التركيز أو اتخاذ القرار في الموضوعات التي تواجه الإنسان
  القلق يؤدي إلى الشعور بالعجز وفقدان الأمن وعدم السعادة والرضا
 القلق يتسبب في قرارات طائشة وسلوك غير سوي
القلق يؤدي الي انفصام في الشخصية
القلق لايحل مشاكل بل يعقدها ويضخمها

كيف نعالج القلق
**
اولا الاتكال علي الله 
----
لماذا انت منحنية يانفسي ولماذا تئنين في ترجي الله لاني بعد احمده مز42
"سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري المزامير: 37 "
الله لنا ملجأ وقوة عونا في الضيقات وجد شديدا مز46"
ان لم ترجعوا وتصيروا كالاطفال لن تدخلوا ملكوت السموات مت 3:18 من وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الاعظم في ملكوت السموات 4:18
سمات الطفولة : فرحان باقل شئ – بساطة الحمام - متسامح – لايكره – لايحقد – لايحسد -لايفكر في الغد – لايقلق – لايدوم غضبه – لايتكبر – مطمئن – متكل علي والديه
تكلم مع الله في الصلاة لاتكن روتينيا في الصلاة او مكررا او حافظا 
ثانيا :من واقع الحياة 
------------------------
الخروج من المنزل ولو قليلا
مارس شئ تحبه مشاهدة-اكل –قراءة – كلام مع صديق 
اكسر الرونين اليومي 
اشتري حاجة جديدة ولو بسيطة
كن واقعيا لاتتشبه باحد 
حب نفسك 
الابتسامة بدلا من التكشيرة
اصنع خيرا بزيارة مريض او تواسي حزين 
كن راضيا وابعد نفسك عن التفكير في التعاسة (ان كان لنا قوت وكسوة فلنكتفي بهم)
تمسك باصدقاء تشعر باخلاصهم
النهوض والابتعاد عن سريرك فور قيامك (هام)
احرص علي كفايتك بالنوم باي طريقة
استمتع بوقتك بان تتوقف عن القلق حتي لمدة ساعات
طرد التفكير في الامور السلبية
الخروج من الصمت بالتحدث مع احد او تليفونيا في اشياء سعيدة
اطرد الشعور بالضعف (قوتي في الضعف تكمل لان الاكتئاب يشعرك بالضعف)
استخدم ورقة وقلم اكتب مايؤرقك ثم مزق الورقة
اقرأ كتاب روحي خفيف او قصة قصيرة او كتاب به معلومات جديدة (ابعد عن قراءة اخبار الحوادث والوفيات في فترة قلقك)
لابد ان تعرف ان جميعنا نعاني من القلق وكلنا نعيش في مشاكل وضيقات متنوعة
العالم كله قد وضع في الشرير" 1يو5
حاول قبل النوم ان تتذكر مشهد كوميدي او شاهد فلم كوميدي (هام)
انظر الي الامام ولا تنظر الي الخلف 
ولكن افعل شيئا واحدا اذ أنا أنسي ماهو وراء وامتد الي ماهو قدام في3
من يضع يده علي المحراث لاينظر الي الوراء
الي الشرق انظروا 
"رفعت عيني الي الجبال من حيث يأتي عوني :, معونتي من عند الرب مز121"
"ناظرين الي رئيس الايمان ومكمله يسوع عب12
القلق السلبي والقلق الايجابي
**
تلميذ قلقان خايف يسقط يذاكر خايف علي المجموع يكثف مذاكرته
انسان مريض وقلق علي المرض يروح للدكتور
واحد ضرسه واجعه وقلقان يروح لدكتور الاسنان ويخلعه ويستريح
خابف من الضلمة (سيروا في النور مادام لكم النور ) 
خايف من النار ابعد عنها
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض (اذا تألم الجسد كف عن الخطية)
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل (سيظل قلبي قلقا إلي أن يجد راحته فيك) 

تصائح ذهبية
********* 
الحياة قصيرة مهما طالت لاتقصرها بالقلق
لاتكن متفرجا في الحياة بل مشاركا ولو بالقليل اصنع خيرا (كان الرب يجول يصنع خيرا)
حياتك ليس لها بديل فعليك ان تسعي لتكون ناجحا ولا تهدرها كالماء في الرمال افرحوا : افرحوا في الرب كل حين واقول ايضا افرحوا )في4
لاتنظر الي الماضي فالماضي ولي ولايمكن احضاره 
الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا 2كو5
لاتقلق علي المسنقبل 
انا لااعرف ماذا يأتي به المستقبل لكن اعرف من الذي يحدد المستقبل 
فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّه مت 6ُ"

صدّق او لا تصدّق/ ريمون ابي عراج


هذه الابيات من القصيدة العصماء "المعلّم الاجير" تسبّبت بصرف الاستاذ انطوان السبعلاني من معهد الفرير على يد المدير الاخ اللبناني اميل غقيقي في العاشر من تمّوز 1984

رحمات الله على "الفريرات" الفرنسيين جورج واندريه و جوزيف وغيرهم من العمالقة الذين كانوا يقدّرون السبعلاني و يفتخرون به نقيبا" للمعلّمين....الى ان جاء الاخ اللبناني عقيقي رئيسا" لمعهد الفرير ليلطّخ تاريخ المعهد و يفعل فعلته..........

انتهزها فرصة لاجدد شكري للسيدة هدى شديد للاءضاءة عبر شاشة ال-بي-سي على هذه القضية الساخنة رغم مرور الزمن.....فأنا من تلامذة النقيب السبعلاني أناصر العدل في كل مكان و كل زمان......

ألف شكر لطلاّب السبعلاني القدامى المستنفرين من جمبع أصقاع الدنيا و الذين جنّدوا انفسهم في متابعة و خدمة هذه القضية الهامة....

آمال الجميع معلّقة بصاحب الحق و العدل و الغبطة البطريرك الراعي و عيوننا تحدّق في النور الآتي من عمق النفق....

فيما يلي القصيدة التاريخبة بكاملها:

                                               "أَلْمُعلِّمُ الأَجيرْ"
-1-           
يا حضرةَ المديرْ،ماذا تريدْ؟
تريدُ أَنْ أَكونْ
أَنْ أَكونَ مُعلِّماًً أَجيرا
أَنْ أَبيعَكَ الحريَّه؟
يا حضرةَ المديرْ،
أُعْذرْني...
أُعْذرْني ألفَ مَّرةٍ
أَنا لا أستطيعْ
لا أَستطيعُ أَنْ أَكونَ أَجيرا
لا أستطيعْ 
أَنْ أَبيعَكَ الحريَّه
     -2 –
مَنْ أَنتَ يا مديرْ،
كيْ تَجعلَ الضوءَ أَسيرا
كيْ تجعلَ الحرَّ أَجيرا؟
المالُ يا مديرْ
ذليلٌٌ ذليلْ
قَدَمي على المالِ الذليلْ
المالُ يا حَضْرةَ المديرْ،
لا يشتري الحريَّه
    -3-
أَلشَّرقُ يا مديرْ،
أَلشَّرقُ العجيبُ الغريبْ!
أَلطَّاولةُ الشَّرقيَّه!
 بقايا أميرِ المؤمنينْ
والدولةِ التركيَّه
 تَرَبَّعْ أميرَ مؤمنينْ!
أَلحُجَّابُ يَنْتَظرونْ
شُعراءُ البَلاطِ يَنْتَظرونْ
يا ضَعيفَ الطَّاولةِ القويَّه
خطيرةٌ خطيرةٌ هيَ القضيَّه
أَنا يا أميرَ المؤمنينْ، 
لنْ أبيعَكَ الحريَّه
    -4-
مَنْ أَنتَ يا مديرْ؟
أَللَهْجةُ فوقيَّه!
وَالمعملُ كبيرْ
اَلشركةُ تجاريَّه
أَتشْتريني بالخُبْزِ والدواءْ
في وَطنِ الحريَّه؟
هذا سِعْري أَنا الإنسانْ
في وَطنِ الحريَّه!
اَلمالُ يا مديرْ،
ذَليلٌٌ ذليلْ
قَدمي على المالِ الذليلْ
أُعذرْني ألفَ مرةٍ
لا أستطيعْ
أَنْ أكونَ معلِّماً أجيرا
لا أستطيعْ
أَنْ أَبيعَكَ الحريَّه
    -5-
يا حضرةَ المديرْ،
عَلَّمتْكَ الدولةُ العليَّه
أنْ تُسَمِّيني أَجيرا
كتبتِ اْسمي أََجيرا
وعلى الأعيادِ
غَنَّتْني أَميرا!
خَطيرةٌ خَطيرةٌ هيَ القضيَّه
ما أَصغرَ الدولةَ العليَّه!
ما أَصغرَ الطاولةَ الشرقيَّه!
قَلمي
قَلمي وَحدَهُ الحريَّه

    -6-
يُمكنكَ يا مديرْ،
أنْ تطردَني منْ دولتِكَ العليَّه
مِنَ المعملِ الكبيْر،
أَلشركةِ التجاريَّه،
أَلقانونُ معكَ يا مديرْ،
يُمكنكَ أنْ تساومْ
على خبزِ أولادي الصغارْ،
دَواءِ أولادي الصغارْ،
على مُستقبلِ الصغارْ...
أَلقانونُ غابةُ الدولةِ العليَّه!
يُمكنكَ يا مديرْ،
يا ضَعيفَ الطاولةِ الشرقيَّه،
والمالِ الذليلْ،
والسيجارِ،
والحُجَّابِ، شُعراءِ البَلاطْ
لكنْ يا حضرةَ المديرْ،
لا تستطيعْ
أَنْ تمنعَني الزواجْ،
قِراءةَ الجريدهْ،
إِنجابَ الأولادْ،
و "شربَ" السيجارهْ.
أَنْ تمنعَني
تَقبيلَ المرأةِ التي أشاءْ
أَنا أَشاءْ
قَلمي يَشاءْ
أنا الحريَّه
لَنْ أَبيعَكَ الحريَّه
أَنتَ والمالُ الذليلْ
لا شيءَ لا شيءَ
يا مديرْ،
عندَ الحريَّه

-7-
يا حضرةَ المديرْ،
ماذا تريدْ؟
أُعْذرْني ألفَ مرَّةٍ
لا أستطيعْ
أَنْ أَكونَ مُعلِّماً أَجيرا
قدْ تراني غداً
سَائقَ تاكسي،
فَلاَّحاً،
مَسَّاحَ أَحْذيهْ،
تراني مثلَهم أَميرا
افْهمْني يا أميرَ المؤمنينْ،
أَلمالُ الذليلْ
يَشْتري القصورَ والجواري،
وَلياليْ باريسَ الجميلَه،
يَشْتري يَخْتَ "هِتلرْ"،
إِيوانَ كِسرى ،
لا يَشْتري
لا يَشْتري قَصيدةً أَبيَّه
لا يَشْتري الحريَّه.
يا حضرةَ المديرْ،
وَحدَها الحريَّه
قَويَّةٌ قويَّه
-8-
قَصيْدتي الأبيَّه
مَكْتوبةٌ لاَعْيُنِ الصِّغارْ، 
أَوْلادي الصِّغارْ،
أَوْلادِ لبنانَ الصِّغارْ،
لأَنَّهمْ يُحبُّونَ القصيدةَ الأبيَّه
يُحبِّونَ اللهَ،
وَاْلشَّمْسَ والحريَّه!
انطوان السبعلاني

حيفا حنينُ النازح ِالصَّبِّ/ حاتم جوعيه


حيفا   حَنينُ    النازح ِ   الصَّبِّ       حُلمُ   المُشَرَّدِ   للثَّرَى  الخَصبِ 
حيفا   الشِّفاءُ     لكلِّ     عاشقةٍ       وَمُتيَّم ٍ   عانى     مِنَ      الحُبِّ   
تبقى   مَدَى   الأزمان ِ   أغنية ً       صَدَّاحة ً   في   العالم ِ  الرَّحبِ  
وَهَويَّة َ   المكلوم ِ   في   وطن ٍ      عانى  الأسَى  وقسَاوة َ  الخطبِ 
كم    هامَ   فيها   شاعرٌ   غردٌ      للفجر يمضي مع خُطى الصَّحبِ 
وَيُواكبُ      الآمالَ       دافئة ً       وَيُوشِّحُ     الظلماتِ      بالشُّهْبِ    
حيفا   الجمالُ .. أظلُّ  أعشقهَا        وَمكانُها    في   الرّوحِ   والقلبِ  
حيفا  القصيدة ُ..نبضُ  أوردَتِي       تختالُ    في    أثوابِهَا    القشبِ  
وَأريجُهَا  مِلءَ الزَّمان ِ..تضَوَّ       عَ  عطرُهَا  في الشرق ِ والغربِ  
وَقوافلُ        الأيَّام ِ      تلثمُهَا      تنضُو اللَّظى في الموقفِ الصَّعبِ   
وَمَواكبُ     التاريخ ِ    حافلة ٌ        بأريجِهَا ...  بالشَّهدِ     والرّطبِ  
أنوارُها   في  الكون ِ   ساطعة ٌ      نبعُ  السَّنا  في  السِّلم ِ  والحَربِ   
أجواؤُهَا     بالحُبِّ     مُترعَة ٌ       عُنواننا        للمَنهَل ِ     العَذ بِ  

الأدْيــــــــــــــان/ د. نزيه قسيس


أُسْــــكُــنْ فِ خــيــمِــه بْــواحَـه فــي وِدْيـــانْ
أُسْــكُــنْ قَــصِــر مَــرْفــوع عَــالــعُــمْــــــدانْ
عَــلِّــقْ عَ كِــتْــفَــكْ تـــــــــاجْ أَو نــيــشـــــانْ
صَـــلّــي وْصـــومْ وأُطْــلُــبِ الْــغُــــــفْــــرانْ
إِرْكَـــعِ وْإِخْـــشَــعْ قَــــــدِّم الــقُــرْبــــــــــــانْ
إِحْـــلِــفْ عَــلــى الــتَّـــــــــــوْراهْ وِالــقُـــرآنْ
إِحْــلِـفْ عَـــلــى الإِنْـــجـــيــل وِالــصُّــلْــبــانْ
إِحْــفَــظ وَصــايــا "الْـحِـكْــمِــه" وِالإخْـــوانْ
لا فَــــرْقْ عِــــنْــــدي كـــانْ مَــهْــمــا كــــانْ
جِـــــدَّكْ بَـــهــائـــــي وجــــايْ مِــن إيـــــرانْ
أو كــــانْ بــــوذي وْعــــاشْ فــي الــيــابـــانْ
مـــا فَـــرَّقَــتْــنــا فْـــروقْ أَو أَدْيـــــــــــــــــانْ
أَوْ مَـــيَّــزَتْــنـــا عْــــروقْ أَو ألْــــــــــــــــوانْ
مـــا دام عِــــنْـــدَكْ رَحْــــمِــــةِ الــرَّحْــمـــانْ
ومـا دُمْـت مِــشْ حـامِــل عَــصــا سُــــلْـطـانْ
أو فــــارِضِ الإيـــمـــــــانْ بِــــالــطُّــغــيــــانْ
ومـــا دامْ فـــي قَــلْــبَــكْ رَسَــــخْ إيــمــــــــانْ
بـِــالْــخـــيــرْ وِالإِنْــصــــافْ  وِالإِحْــــســـانْ
ومـــا دامْ فــي قَــلْــبَــكْ صَــــدى وِجْـــــــدانْ
إِنْـتــي وأنـــــــا إِخْـــــوان يــــا إِنْـــســـــــانْ!

أبو العتاهية بين يدي الخليفة المهدي/ كريم مرزة الأسدي

- أبو العتاهية : أَلا ما لِسَيِّدَتي ما لَها
- هؤلاء بين أيدي هؤلاء  - الحلقة السابعة -

 يقول أبو العتاهية من ( المتقارب) في الخليفة المهدي عند تسنمه عرش الخلافة ، وفي جاريته  ( عتبة) ، وكان يعشقها وتبغضه !! :  
أَلا مـــا لِسَيِّدَتي مــا لَها ****  أَدَلّا فَأَحمِـــــلَ إِذلالَها
وَإِلّا فَفيمَ تَجَنَّت وَمــا  ****   جَنيتُ سَقى اللَهُ أَطلالَها
أَلا إِنَّ جارِيَةً  لِلإِمـــــا ***  مِ قَد أُسكِنَ الحُبُّ سِربالَها 
مَشَت بَينَ حورٍ قِصارِ الخُطا* تُجاذِبُ في المَشيِ أَكفالَها
وَقَد أَتعَبَ اللَهُ نَفسي بِها  ******  وَأَتعَبَ بِاللَومِ عُذّالَها
كَأَنَّ بِعَينَيَّ في حَيثُما  *****  سَلَكتُ مِـنَ الأَرضِ تِمثالَها
أَتَتــهُ الخِلافَــــــةُ مُنقادَةً  ****   لَيـــهِ  تُجَــــرِّرُ أَذيــالَها 
 وَلَــم تَـــكُ تَصلُحُ إِلّا  لَـهُ  ****   وَلَـــم يَــكُ يَصلُـحُ إِلّا لَها
وَلَو رامَها أَحَـــــدٌ  غَيرُهُ *****   لَزُلزِلَــتِ الأَرضُ زِلزالَها 
  وَلَو لَم تُطِعهُ بَناتُ القُلوبِ  ***** لَمـــــا قَبِــــلَ اللَهُ أَعمالَها
وَإِنَّ الخَليفَةَ مِـــن بَعضِ لا *****   إِلَيـــهِ لَيُبغِضُ مَــن قالَها
هذه القصيدة الرائعة من البحر المتقارب لشاعر الزهد والمدح العباسي الشهير أبي العتاهية ( 130 - 211 هـ / 747 -  826 م) ، وهوأبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي (من قبيلة عنزة) بالولاء،  ولد في عين التمربين كربلاء والأنبار من أب نبطي يعمل بالحجامة  ، ونشأ وترعرع في الكوفة ، كان ماجنا  في شبابه ، يبيع الجرار الفخارية ، وانتقل إلى بغداد  مع إبراهيم الموصلي ، واتصل بالخلفاء ، وتعلق بعتبة جارية المهدي، ولم ترض به لدمامة وجهه و قباحة منظره - كما أسلفنا -  وانقطع عن الشعر فترة ، فحبسه  هارون الرشيد في منزل مجهز ، فعاد إليه  متنسكاً زاهداً ،  شاعر مبدع  مكثر، سريع الخاطر، يقول ابن كثير في أحداث سنة  إحدى عشرة ومائتبن بـ ( بدايته ونهايته) - الجزء العاشر -  :    " واسمه: إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان، أصله من الحجاز، وقد كان تعشق جارية للمهدي اسمها : عتبة، وقد طلبها منه غير مرة ، فإذا سمح له بها لم ترده الجارية، وتقول للخليفة : أتعطيني لرجل ذميم الخلق كان يبيع الجرارفكان يكثر التغزل فيها ، وشاع أمره واشتهر بها، وكان المهدي يفهم ذلك منه ، واتفق في بعض الأحيان أن المهدي استدعى الشعراء إلى مجلسه وكان فيهم أبو العتاهية وبشار بن برد الأعمى، فسمع صوت أبي العتاهية .
فقال بشار لجليسه : أثَّم ههنا أبو العتاهية؟
قال: نعم ! 
فانطلق يذكر قصيدته فيها التي أولها :
ألا ما لسيدتي مالها *** أدلَّت فأجملَ إدلاها
فقال بشار لجليسه : ما رأيت أجسر من هذا .
حتى انتهى أبو العتاهية إلى قوله :
أتته الخلافة منقادة  *****  إليه تجررُ أذيالها
فلم تك تصلح إلا له **** ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ** لزلزلت الأرض زلزالها
ولو لم تطعه بنات القلوب ** لما قبل الله أعمالها
فقال بشار لجليسه : انظروا أطار الخليفة عن فراشه أم لا؟
قال : فوالله ما خرج أحد من الشعراء يومئذ بجائزة غيره .
قال ابن خلكان : اجتمع أبو العتاهية بأبي نواس - وكان في طبقته وطبقة بشار - فقال أبو العتاهية لأبي نواس : كم تعمل في اليوم من الشعر؟
قال : بيتا أو بيتين
فقال : لكني أعمل المائة والمائتين :
فقال أبو نواس : لعلك تعمل مثل قولك :
يا عتب مالي ولك ***  يا ليتني لم أرك
ولو عملت أنا مثل هذا لعملت الألف والألفين وأنا أعمل مثل قولي :
من كف ذات حر في زيَّ ذي ذكرٍ ***  لها محبان لوطيٌّ وزنَّاء
ولو أردت مثلي لأعجزك الدهر .
قال ابن خلكان : ومن لطيف شعر أبي العتاهية :
إني صبوت إليك حـ *** ـتى صرت من فرط التصابي
يجد الجليس إذا دنــــا ****  ريح التصابي في ثيابي
وكان مولده سنة ثلاثين ومائة . وتوفي يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة
وقيل: ثلاث عشرة ومائتين : . وأوصى أن يكتب على قبره ببغداد
إن عيشا يكون آخره المو ** ت لعيش معجل التنغيص "
من الروايات السابقة يتبين لنا مدى هيمنة الجواري على قصور الخلافة ، وأعيان المجتمع ، وما لهنّ من جمال وأدب وتأثير سياسي واجتماعي واقتصادي وأدبي !! ، والحقيقة أنّ معظم الخلفاء العباسيين من أمهات أولاد ، أي من جوارٍ قد ولدن أولاداً ، وهذا هو الذي جرّ الأمة إلى الهيمنة التركية الفارسية على مصيرها - أعني الأمة العربية - من بعد ، والوقوع بين أحابيل صراعهما  العلني والخفي حتى يومنا   ، و لا ننسى أن أولاد الخليفة هارون الرشيد ،  المأمون من أم فارسية ( مراجل) ، والمعتصم من أم تركية ( ماردة ) ، أما الأمين  المخلوع المقتول الغلماني  ، فهو الوحيد من أم عربية هاشمية حرّة ( زبيدة) ، وقد تنبأ  الشاعر العبقري دعبل الخزاعي بمصير الأمة بأبيات خالدة حين هجا خلفاء عصره الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ، ودوّنّاها من قبل حين كتبنا سبع حلقات مطولة عن الدعبل !!
ثم تأمل حرية الكلام دون تقيد في مجلس الخلافة ، بل التغزل بجارية للخليفة الإمام ، و أمام الإمام !! ومن الجدير أن نكرر ما قلناه في كتابنا ( تاريخ الحيرة ... الكوفة... الأطوار المبكرة للنجف الأشرف ) بعد أن تأملنا بإمعان ما يثبته المؤرخون القدماء عن الرواة الإخباريين من فترات حكم ملوك الحيرة اللخميين  المبالغ فيها حتى السخرية ، وغيرها من الأخبار ، إنهم - أي المؤرخين - ينقلون الأخبار والروايات دون تأمل أو نقد أو تحليل سوى أنهم يدوّنون أخبار عديدة متضاربة ، متناقضة ، متقاطعة  من مصادر مختلفة ، ومن بعد  أخذوا يتمعنون بالسند ، ويصنفونه إلى ضعيف  ، ومقبول ، وحسن ... ولابد من التصنيف معرفة الرجال ، ومدى الثقة بهم ، فألفوا في علم الرجال ، وخصوصاً في  المصنفات الفقهية والعقائدية !! إذن بقى تاريخنا بحاجة ماسة  إلى الغربلة من الخزعبلات  ، وتنقيحه وتصحيح مسيرته العربية والإسلامية والإنسانية .
راجع النص المنقول من ( بداية ونهاية ) ابن كثير ، والرجل نفسه ينقل خبراً عن ابن خلكان ، يقول : " قال ابن خلكان : اجتمع أبو العتاهية بأبي نواس - وكان في طبقته وطبقة بشار - فقال أبو العتاهية لأبي نواس : كم تعمل في اليوم من الشعر؟
قال : بيتا أو بيتين
فقال : لكني أعمل المائة والمائتين ..."
لم يعقب لا ابن كثير ولا ابن خلكانه على الخبر ، ولا عن مدى صحته ، وكأنه حقيقة ثابتة ، في حين ترك لنا أبو نؤاس شعرأ غزيرا ( ما يقارب اثني عشر ألف بيت ), بالرغم من قصر الفترة التي عاشها في هذه الحياة  ،على أغلب ظني بين ( 142- 200 هـ ) ،  ولا أميل لأي رواية أخرى ، بينما عاش أبو العتاهية ما بين ( 130 - 211 هـ ) ، وما وصلنا إلا نصف  ما ورثناه من النؤاسي ، يقال قد نظم أكثر من ثلاثين ألف بيت في حياته ، ولكن حياته الشعرية أكثر من مرّة ونصف من حياة أبي نؤاس الشعرية ، كيف إذن يراد منا أن نصدق جميع فقرات  الرواية ؟!! نعم نقبل بكلّ تأكيد  قول بشار: انظروا أطار الخليفة عن فراشه أم لا؟ ثم :  فوالله ما خرج أحد من الشعراء يومئذ بجائزة غيره .
 والحق مع البصير بشار ، لا ريب لا تفوته جمالية الأبيات التي تخص الخليفة بخلافته ، بما تتضمن من استعارة مكنية رائعة عن الخلافة حيث شبهها بالعروس ، وحذف المشبه به ، والبيت الذي يليه، المحكم السبك ورد عجزه على صدره ، بما يشبه الجزم الذي لا محالة أنه لصاحبها !! :
فلم تك تصلح إلا لهُ **** ولم يك يصلح إلا لها
ليس هذا فقط ، بل الويل الويل للفتن  والدسائس والمؤمرات إن فكرت بها ، وإلا لحلّت القيامة (وزلزلت الأرض زلزالها )
صاحبنا ألحّ في عشقه وتعلقه ومتابعته لهذه الـ (عتب) حتى عتب عليه الخليفة المهدي ، وما اهتدى !! فحبسه ، وقيل ضربه مائة سوط ، ولا نميل لهذا الضرب ، والحق أنها كانت جارية لزوجته الخيزران أم الهادي والرشيد ، ولم يعف عنه المهدي
 إلا بشفاعة خاله يزيد بن منصور الحميري بعد أن  انتشر أمره عند العامة إلى أن سخروا منه  ، ولقبوه بـ ( مخنث بغداد ، ومن شعره قي عتبة الجمال :     
كأنها من حسنها درة *** أخرجها اليم إلى الساحل  
كأنما فيها وفي طرفها ***   سواحر أقبلن من بابل  
لم يبق مني حبها ماخلا ****حُشاشة في بدن ناحل
وقوله :    
عيني على عتبة منهلةٌ ***  بدمعها المنسكب السائل  
يا من رأى قبلي قتيلا بكى*من شدة الوجد على القاتل  
بسطت كفي نحوكم سائلا **  ماذا تردون على السائل  
   وهذه الأبيات الأخيرة صورة مشابهة ، بل مستنسخة من قول معاصره  أبي نؤاس في جارية أخرى ، ولا ندري من سبق الآخر في المعنى والمبنى ، ولكن عندي النؤاسي كان أطرف وأجمل وأظرف وأملح من شاعرنا ، اقرأ ، والشعر فن وذوق وأخلاق كالسياقة في العراق ، أقوال بلا أعمال !!   
أين الجواب ,وأين رد رسائلي *** قالت ستنظر ردها من قابلِ
فمددت كفي ثم قلت تصدقوا *****  قالت نعم بحجارة وجنادلِ
ان كنت مسكينا فجاوز بابنا **** وارجع فمالك عندنا من نائلِ
يا ناهر المسكين عند سؤاله ***  الله عاتب في انتهار الســائل
مهما يكن من أمر ، نعود لصاحبنا والعود أحمد ، سيان من يأسه وقنوطه من قطف عتبة الجمال الجاري ، أو حبسه وأكله المقسوم السلطاني من السياط  اللاهبة ، أو لأنه أصبح مخنث بغداد في نظر العامة ، تنسك إسماعيلنا ، وتزهد ، وأخذ ينبذ كل الملذات الدنيوية بتعليلات دينية ، تأمل أبياته الآتية :
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه ***تملكه المال الذي هو مالكه  
ألا إنما مالي الذي أنا منفق *** * وليس لي المال الذي أنا تاركه 
  يحق وإلا استهلكته مهالكه    **إذا كنت ذا مال فبادره بالذي ***     
إذن الرجل أخذ يضع الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية نصب عينيه عند النظم ، لعل نفسه تعكف عن كلّ لذيذ زائل ، فهذه الأبيات أخذ معناها من الحديث الشريف   : " انما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت " ، وأخذ ينصح ، ويرشد أصدقاءه المقربين والأبعدين بالكف عن إغراءات دنياهم الكاذبة الخادعة ، أما دنياه هو فما أحلاها باطناً ، وما أزهدها ظاهراً ، لماذا؟ لأن الشاعر الفنان  المرهف مجبول على التعلق بكل جميل ولذيذ ، ولو تصنع أبو العتاهية !! ، ففي الوقت الذي وجّه القصيدة التالية إلى صديقه سلم الخاسر يحثّه على عدم الإقبال على أم دفر ومالها ، وما لها !! قائلاً :
تعالى الله يا سلم بن عَمروٍ*** أذل الحرص أعناق الرجال  
هب الدنيا تساق إليك عفوا** أليس مصير ذاك إلى الزوال  
فما ترجو لشيء ليس يبقى *****وشيكا ما تغيره الليالي 
خبرت الناس قِرنا بعد قرنٍ *****  فلم أر غير ختالٍ وقال
(ما لك شغل حبيبي ، هذا كلام جرايد) - مثل ما يقول أهلنا بالعراق الحبيب !!-  المرحوم أبو العتاهية كان يخزن ببيته أموال الدنيا ، وبدرها، والبدر أكيلس كانت تحفظ بها الدنانير الذهبية ، ويقال كان عنده سبع وعشرون بدرة ، ولما يُسأل عنها يجيب المستقبل طويل ، وأبو الحاجة أعمى !! بل منع ابنه البزاز الذي يتاجر بالثياب من التزهد .
لهذا كلّه قال سلّم الخاسر  - وهذا الخاسر ما عنده لحية مسرّحة - حين سماعه قصيدة صديق شرخ شبابه الماجن من قبل أبي العتاهية -: ويلى على الزنديق، جمع الأموال وكنزها وعبّأ البدر في بيته ثم تزهد مراءاة ونفاقاً . دعنا عن سلّم الخبيث ، نرجع لصاحبنا نفسه ، وماذا يقول عن المال في حكمه ؟!!
هذا شهاب الدين محمود الألوسي يذكر في كتابه ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ) موقع التفاسير 3 / 427) هذه الأبيات الشهيرة ، معقباً عليها  وقال أبو العتاهية :"  :
أجلك قوم حين صرت إلى الغنى *** وكل غني في العيون جليل
إذا مالت الدنيا على المرء رغبت **إليه ومال الناس حيث يميل
وليس الغنى إلا غنى زين الفتى  ***  عشية يقري أو غداة ينيل
وقد أكثر الناس في مدح المال واختلفوا في تفضيل الغنى والفقر ، واستدل كل على مدعاه بما لا يتسع له هذا المجال " 
مدح واضح وجلي للمال ، وتفضيل الغنى ، ولا نزيد ، ففي المزيد تعقيد !! ولكن نقول : اقنع يا أبا العتاهية - رحمك الله - ونذكرك ببيتك الرائع  الحكيم :
إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ***فكل ما في الأرض لا يغنيكا
يكفينا هذا ويغنينا ، وإلى الحلقة الثانية عن أبي العتاهية ، وهذه المرّة بين يدي الخليفة هارون الرشيد ، ولا مزيد  !!  

برلمـان الفيـران/ مهندس عزمي إبراهيم


فى برلمـان الفيــران عملـوا إجتمـاع للكُــل
لبـسـوا الحريــر والدهـب واتزوَّقـوا بالفُــل
طـول عمـركم أحــزاب
متفـرقـيــــن أغـــــراب
إيـه ياتــرى الـلى جَمـَّــع شـملكـم يا شبــاب
هـل ديّا حفلـة مَـزاج.. والا البرلمـان اتحَــل
قـالـــوا: عـنــدنا مشــكلــة وَحــّــدت بينـــَّـا
القـُــط هَــدِّد حياتــنا ولازم نشـوف له حَــل
***
واحـــد وقـــف ع المنصـة وابـتــدا يخطـب
والتـانى أفـْــتى، وواحـد شـد الـورق يكتـب
أخـــدوا الآراء بالعــَـــد
وخلطوا الهجص بالجـد
قـام الزعيـم هـَــز ديـله فى وِسْـطهم واتشـد
قـال بعـد حصـر آراء الحاضريـن م الشعـب
أخـدنا هـذا القـرار.. نِعلـَّـق فى رَقَبـْـة القــط
جَـرَس نسـمع صليــله منين ما رجلـه تـدِب
***
الكـل سَـقَّـف ومضى ع اللى انكتـب واتخَـط
وفـارة قـامت بترقـص رقـص البقـر والبَـط
سـكـروا وبقــوا طيـــنه
مَركِــــب بِـــلا ميــــــنا
وفجــأة قـام فــار سألـهم: بـس ميـن فيـــنا؟
جــرىء وشـاطـر وقـــادر يقـــوم ويتطـوع؟
ويروح يحُــط الجَـــرَس فى رَقَبـْــة القــُــط؟
*******
مهندس عزمي إبراهيـم

الاحمق المطاع/ جورج هاشم

وقبل ان يرفع احدهم الصوت ويقول: لماذا تهاجمني؟ اسارع واقول انه احد صحابة نبي المسلمين عُيينة بن حصن الفزاري. بعض المسلمين يذكرون اسمه مصحوبا " بالصحابي الجليل رضي الله عنه...!" كان والده حصن  شيخ قبيلة فزارة. اشتد عليه المرض بعد طعنة قاتلة. جمع اولاده العشرة وقال لهم: أيكم يطيعني؟ فابدى كل واحد منهم استعداده لاطاعته. قال: الموت ارحم مما انا فيه. وطلب من كل واحد منهم، بدوره، ان يضع السيف في بطنه ويتكىء عليه حتى يخرج من ظهره. تراجع الجميع ولم يقبل اي منهم تنفيذ طلب والده. الا عُيينة الذي ابدى استعداده للتنفيذ. عندها قال الاب:" إلقِ عنك السيف. اردت اختبار أيكم أطوع. أنت سيِّد ولدي من بعدي..." واصبح عيينة شيخ القبيلة بعد والده والقائد المطاع لعشرة الاف مقاتل من بني فزارة...
حارب عيينة النبي في معركة يوم الخندق. أغار مرة على ابل لمحمد واستلبها. أسلم اسلام مصلحة. كان يحرِّض اتباعه على المسلمين ويدَّعي امام النبي انه يدعوهم الى الاسلام. لم يكن النبي يصدقه ولكنه يتَّقي شره وهو من لقَّبه بالاحمق المطاع. وعيينة هو المقصود بهذا الحديث حسب سيرة ابن هشام:" ان شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء لشره"... رافق المسلمين في معركة الطائف ولكنه امتنع هو واتباعه عن المشاركة بالقتال. ولما سئل عن السبب قال:" ما جئت لاقاتل ثقيفاً معكم، لكني اردت ان يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية لعلها تلد لي رجلاً... فان ثقيفاً قوم مناكير..." اي اذكياء اصحاب دهاء وفطنة. اي ان همّه من اشتراكه في هذه الحملة هو محاولة منه لتحسين نسله. وعند توزيع سبايا هوازن قال النبي:" ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم." قال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله. وهكذا قال الانصار. اما عيينة فقال:" اما انا وبنو فزارة فلا..." اي يريد حصته كاملة غير منقوصة. بعد موت محمد ارتد عيينة مع قبيلته على ايام ابي بكروأيَّد طليحة الاسدي مبرراً ذلك بقوله:" والله لنبي من بني أسد أحب الي من نبي من بني هاشم..." أسره خالد بن الوليد وارسله مكبلاً الى المدينة. عاد الى الاسلام بعد ان قبل ابو بكر توبته. اشتهر بحماقاته ضد ابي بكر وعمر وعثمان ومات في عهد الاخير...
والاحمق هو من يقوم باعمال لا تخضع للمنطق ويسبب الضرر لكثيرين. وبهذا المعنى فانا اعرف عشرة عُيينات على الاقل في كل مذهب وحزب وجماعة يديرون شؤون لبنان بمنطق ابن حصن. وكلهم مطاع. عيينة بن حصن اللبناني، او الاحمق المطاع، يمتد حمقه على امتداد الساحة اللبنانية. وبفضلهم وجهدهم وحماقاتهم المتكررة اوصلوا لبنان الى غابة الفلتان، الامني والسياسي والاجتماعي والاخلاقي. التي ننعم بها اليوم. عُيينة الاصلي اشتهر بالكذب والخداع والحمق واستغلال الفرص وتغيير المواقف وتغليب المصلحة الخاصة وزج اتباعه في الدفاع عن قراراته الخاطئة... وعُيينات لبنان عيِّنة طبق الاصل عن ذلك الفزاري الاحمق. فهل يحق لي ان اقترح اقامة نصب تذكاري لعيينة بن حصن الفزاري، في ساحة النجمة؟ اعتقد ان هذا المشروع سيوحد جميع السياسيين حوله للمرة الاولى. فليس من المنطق ان يختلفوا حول الاب الروحي للسياسة اللبنانية الحديثة. فان اختلفوا على كل شيء اليوم، فان اصولهم العريقة في التاريخ ستجمعهم لا شك بذلك.
طبعاً هناك استثناءات. ولكنها لا تتجاوز الواحد بالمئة. وأخشى إن استثنيت، أن يدَّعي كل طرف انه هو الواحد بالمئة. ويتنصل من الفزاري امام الجميع ولكنه، في حياته الخاصة، يعيش معه تحت سقف واحد وينام معه في سرير واحد. وبناء على سياسة الوجهين واللسانين، سيقف كل السياسيين اللبنانيين ضد اقامة نصب تذكاري لذاك " الصحابي الجليل رضي الله عنه" في ساحة النجمة. وسيكون اول المبتسمين لهذا الموقف هو عيينة بن حصن نفسه الذي سيفتخر، لا شك بذلك، بتلاميذه النجباء "رضي الله عنهم".
المشكلة المستعصية هي ان عيينة عرف ان نسله عاطل فحاول تحسينه ولو مع سبية من بني ثقيف. فهل يحاول تلاميذه في لبنان، طالما ان الخلاص منهم هي مسألة وقت طويل، تحسين نسلهم ولو مع خادماتهم السريلانكيات او الفلبينيات؟ ربما لو فعلوا لعرف لبنان جيلاً سياسياً يخلص له ولقضاياه لان من اعرف من السريلانكيات والفلبينيات في هذا البلد يشرِّفن معظم من اعرف من سياسيي لبنان.

صفحات مجهولة من تاريخ المرأة السورية 5/ محمد فاروق الإمام

الحلقة الخامس
أميرة الرائدات العربيات في القرن العشرين عادلة بيهم الجزائري

عادلة بيهم الجزائرية هي من أوائل الرائدات العربيات في بدايات القرن العشرين، فإنجازاتها بدأت باكراً منذ أن كانت في سنوات الصبا، وآثار أعمالها بقيت حتى بعد رحيلها.

إنها "عادلة بيهم الجزائري" التي تطوعت في خدمة المحتاجين، وكتبت للمثقفين، وقادت المتنورات فكانت رائدة لنضالهن في سبيل الحصول على العلم والمعرفة كشأن الرجال. 
تاريخ "عادلة بيهم" النضالي بدأ باكراً جداً، عندما اندفعت هذه الصبية ذات الستة عشر عاماً كمتطوعة لخدمة المنكوبين تقدم لهم الغذاء والدواء والكساء، وانخرطت في مجتمع أنهكه الانحطاط والاستبداد، عبر الجمعيات السرية التي تنادي بالعروبة والاستقلال؛ كان منهجها في الحياة والتفكير في سنّ مبكرة، الشعور العربي القومي التحرري، وذلك استجابة تلقائية لعوامل تفاعلت في نفسها وانفعلت لها انفعال البيئة التي تكتنفها والمجتمع الذي تعيش فيه.
وقعت مقالاتها باسم " الفتاة العربية" في جريدتي المفيد والفتى العربي، وترأست عام 1916 لجنة تشرف على دار الصناعة، لتشارك في تقديم وجبات مجانية لحوالي 1800 عاملة يعملن في صناعات عدة، كالنسيج والغزل والأشغال اليدوية. استعملت اسمها المستعار بعد تأسيس جمعية يقظة الفتاة العربية بهدف نشر الوعي القومي بين صفوف النساء، وذلك بواسطة نشر العلم بين أفراد الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل، سارعت مع قريناتها بين عامي 1918-1920 للتأكيد على المطالبة بالاستقلال ورفض الوصاية والانتداب.
 تزوجت "عادلة" وهي ابنة /17/ ربيعاً عام 1922، واستقرت في دمشق؛ إلا أن الارتباط لم يمنعها من المشاركة في مقاومة الاستعمار الفرنسي فخرجت في المظاهرات المناهضة للاستعمار عام 1925، ودعمت من خلال الجمعيات السرية حركة المقاومة بكل الأشكال المتاحة، مما دفعها إلى تشكيل لجنة خاصة بمساعدة أسر الثوار.
ولدت "عادلة بيهم" عام 1900م، ونشأت وتلقت علومها في معهد "الدياكونيز" الألماني، درست علوم الدين على يد العلامة الشيخ "عبد الله البستاني" صاحب المعجم الشهير" البستان" وهذا ما منحها لغة عربية أصيلة، أمنت لها النشأة برفقة الزوج المتفهم أجواءً ساعدتها في المضي في طريق النضال على جبهات عدة.
أسست مع زميلاتها جمعية يقظة المرأة الشامية عام 1927 التي هدفت إلى تشجيع عمل النساء في الريف وإحياء وتنظيم الصناعات اليدوية التقليدية، أسهمت عام 1928 في تأسيس جمعية دوحة الأدب، في اجتماع حاشد في المجمع العلمي العربي، حيث وضعت أهداف هذه الجمعية اللبنة الأولى لإشراك المرأة في الحياة العامة، وبخاصة في النضال الوطني، وترجمت ذلك بإحداث مدرسة لتنشئة الفتيات على العلم والمعرفة، ولم يستسغ المستعمر الفرنسي الفكرة، فامتنع عن الترخيص لها، وفي عام 1933 افتتحت المدرسة أبوابها دون ترخيص.
تداعت عام 1933 ثلاث جمعيات لإطلاق نواة الاتحاد النسائي العربي السوري؛ وانتخبت السيدة "عادلة بيهم" رئيسة له، ليكون الثاني في المنطقة بعد الاتحاد النسائي المصري 1923بقيادة "هدى شعراوي".
استطاعت السيدة بيهم من الانتقال بالاتحاد النسائي نقلة نوعية من خلال المشاركة في إضراب 1936 وذلك احتجاجاً على شروط المعاهدة المبرمة بين الحكومتين السورية والفرنسية واعتقال عدد من الوطنيين.
 لتأتي الخطوة الأهم وهي مشاركة الاتحاد النسائي السوري عام 1937 في التنمية عن طريق إطلاق مشروع إنعاش القرى ومكافحة الأمية في مركز جديدة عرطوز غربي دمشق؛ وبعد مضي عامين حققت السيدة بيهم نقلة أخرى حين لبت دعوة السيدة هدى شعراوي بحضور ثلاثين عضوا للمشاركة بالمؤتمر النسائي الفلسطيني الذي عقد في القاهرة عام 1938، وذلك لدراسة الخطر الصهيوني على القضية العربية والوطن العربي. مما أسهم في تجمع القوى النسائية في العمل العام.
وكللت جهودها بالنجاح عام 1944عند انضمام عدة جمعيات مهمة إلى الاتحاد النسائي، وعليه ضم الاتحاد كل من الجمعيات التالية: النادي النسائي الأدبي؛ نقطة الحليب؛ يقظة المرأة الشامية؛ خريجات دور المعلمين؛ دوحة الأدب؛ الندوة الثقافية النسائية؛ الإسعاف العام النسائي؛ المبرة النسائية؛ الجمعية الثقافية الاجتماعية، وهو الانضمام الطوعي الأوسع في تاريخ الحركة النسائية في سورية، ونظراً لجهود السيدة عادلة بيهم الجزائري تم انتخابها لرئاسة الاتحاد وظلت في هذا المنصب حتى عام 1967.
شاركت السيدة "بيهم الجزائري" في الاجتماع الذي دعت إليه السيدة "هدى شعراوي" لمناقشة المستجدات على الساحة العربية؛ وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها طرح ومناقشة قضايا المرأة العربية في مؤتمر بهذه المشاركة؛ حيث أعلن عن تأسيس أول اتحاد نسائي عربي عام؛ وكانت السيدة بيهم الجزائري من الموقعين على وثائق تأسيسه.
 لعب الاتحاد النسائي دوراً مهماً عام 1945 في تأمين الغذاء لرجال الشرطة والدرك خلال قصف القوات الفرنسية لمبنى البرلمان، حيث أمن تجهيز مشفاً ميدانياً لإسعاف مصابي القذف في مدرسة جودت الهاشمي بدمشق؛ الأمر الذي أسهم في تخيف عبء القصف الذي طال الأحياء السكنية وخلف عدداً كبيراً من القتلى والجرحى. 
دفع الشعور القومي بعد الاستقلال الحركة النسائية في سورية إلى التضامن مع الحركات التحررية بالمظاهرات والتنديد وجمع التبرعات النقدية والعينية. 

استنفذ الاتحاد النسائي برئاسة السيدة بيهم الجزائري عام 1948 قواه لدعم جيش الإنقاذ، فقدم لباساً كاملاً لثلاثة آلاف متطوع، وأمن الغذاء والكساء للنازحين الفلسطينيين الذين وصلوا دمشق.
شارك الاتحاد النسائي السوري برئاسة السيدة بيهم الجزائري عام 1949 في المؤتمر النسائي العربي العام، وفي المؤتمر النسائي الدولي الذي عقد للمرة الأولى في بيروت، كذلك انتدبت من الاتحاد لتمثيل سورية في لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة، كذلك أسهمت في دعم منح المرأة السورية حق الانتخاب، ليشارك الاتحاد في دعم هذه الخطوة عبر حملة واسعة النطاق في أحياء دمشق لتشجيع النساء على المشاركة في التصويت.
وما إن صدر مرسوم حق التصويت في انتخاب عام للجمعية التأسيسية - وهو حق يشترط نيل المرأة للشهادة الابتدائية وما فوق - حتى انطلقت على رأس الجمعيات النسائية التي شكلتها أو شاركت في تأسيسها تطوف في أحياء دمشق لحث النساء على ممارسة حقهن في الاقتراع. 
ترأست السيدة بيهم الجزائري عام 1956 وفد الاتحاد النسائي السوري في حلقة دراسية أقامتها لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة في موسكو؛ انتخبت عام 1960 رئيسة للجنة التحضيرية للمؤتمر النسائي الأسيوي- الأفريقي الذي انعقد عام 1961.
انتخبت عام 1970 رئيسة فخرية للاتحاد النسائي في سورية، وفي الثالث من كانون الثاني عام 1975 توفيت السيدة عادلة بيهم الجزائري عن عمر يناهز الخامسة والسبعين عاماً. 

من صفحات مروءة ياسر عرفات/ د. مصطفى يوسف اللداوي

كثيرةٌ هي الصفحات المشرقة في حياة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، التي يفخر بها الفلسطينيون ويتيهون، ويحفظونها ولا ينسون، ويذكرونها ويسجلون، ويبجلونها ويعظمون، فهي أكثر من أن يشملها كاتبٌ أو كتابٌ، أو يحصرها باحثٌ أو راوي، وهي أصعب من أن تجتمع في شخصٍ من بعده، أو تتوافر لقائدٍ غيره، فقد تفرد بها وحده، وامتاز بها عمن سواه، وتميز بها عن غيره، وقد أقرها الأصدقاء، واعترف بها الأعداء، وهي التي جعلت منه قائداً ورمزاً، وزعيماً ورئيساً، وشخصاً يصعب تجاوزه، واسماً يستحيل نسيانه، ومكنته من البقاء طويلاً، والصمود كثيراً، والنجاة دائماً، فلم يشطبه اللاحقون، ولم يستطع تقليده التابعون، ولم  يجحد فضله من كان معه، ولم ينكر دوره من احتك به وعرفه. 
كثيرةٌ هي العناوين التي تركها ياسر عرفات، والأحداث التي شهدها، والتاريخ الذي شارك في صنعه، والشخصيات التي واكبها، والملوك والرؤساء الذين عاصرهم، واختلف أو اتفق معهم، وأعداؤه الذين قاتلوه وقاتلهم، وخصومه الذين نافسوه وانتصر عليهم. 
كثيرة هي البقع المضيئة في حياته، والمحطات البارزة في مسيرته، والمواقف العظيمة التي صنعها، والأعمال الكبيرة التي قام بها، والمهام التي اضطلع بها وتصدى لها، والتحديات التي واجهها، والصعاب التي مر بها، والحروب التي خاضها، والمعارك التي شارك فيها، والمؤامرات التي حيكت له، ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها، والحوادث الأليمة التي نزلت به وأصابته، فجعلت منها قائداً بحق، وزعيماً بجدارة، ثم رئيساً بصدقٍ ومسؤولية، وإخلاصٍ وأمانة. 
ياسر عرفات كان اسمه علماً، وشكله نسباً، وكوفيته هوية، ومسدسه طريقاً، وزيه العسكري منهجاً وسبيلاً، وحديثه حنيناً، ووعوده يقيناً، وخطابه ثورة، وشعاره بندقية، وقد كان حلمه وطناً، وأمنيته علماً، وغايته عودةً وتحريراً، تمنى القدس سكناً، وسعى فيها قبراً، ومن قبل سأل الله أن يسجد على ثراها، وأن يصلي في أقصاها، وأن يعود إليها كما منها قد خرج، فيسكن فيها، ويقيم في أحيائها، ويتجول في أنحائها، ويسير في حواريها، ويمشي في شوارعها، بعد أن تعود حرةً أبيةً، طاهرةً نقيةً، عاصمةً لفلسطين، وقلباً للوطن، ومهوىً للأمة، وموئلاً للعرب أجمعين، المسلمين والمسيحيين، ومن آمن بفلسطين عربيةً من البحر إلى النهر.
كثيرةٌ هي المواضيع التي سيتحدث عنها الكتاب والأدباء والشعراء، رثاءً وإشادةً ومدحاً، وفخراً وشكراً وعرفاناً، برجلٍ ملأ صفحات التاريخ الفلسطيني لنصف قرنٍ من الزمان، وشغل الشعب والأمة، وكان محط آمالها وأحلامها، وأرهق العدو وأغاظه، وأتعبه وأزعجه، وأخافه وأقلقه، فظل يلاحقه ويتابعه، ويسعى لقتله والنيل منه، حتى يسكت صوته، ويوقف زحفه، ويبطل أمله، وينهي حلمه، لييأس شعبه، وتتعب أمته، وتسلم بالواقع، وترضى بما يلقى إليها، أو يتاح لها.
لعلها صفحاتٌ من تاريخه في أكثرها ناصعة مشرقةً، ورائعةً مشرفةً، فحياته حافلة بالقصص والحكايات، وفيها الكثير من الروايات، لكنني أود الحديث عن صفحةٍ خاصةٍ بياسر عرفات، الرجل والإنسان، القائد والزعيم، عُرف بها واشتهرت عنه، وتميز بها عن غيره، وافتقدناها في كثيرٍ من بعده، وهي صفحةٌ تنم عن المروءة والشهامة، والنبل والأخلاق، والرجولة والكرم والسخاء، والعطاء والجود، أحس بها الكثير من الفلسطينيين وعرفوها، ونعموا بها وذاقوها، وذكروها لأبي عمار وحفظوها، وشكروه عليها ودعوا الله له من أجلها، ودافعوا عنه بسببها، وضحوا معه إيماناً ووفاءً، وصدقاً وعرفاناً.
فقد أكرم أتباعه وخصومه، وأغدق على محبيه وكارهيه، وأسبغ على مريديه وشانئيه، وأعطى من أيده وعارضه، ومنح من كان معه ومن وقف ضده، ووزع على من هتف له وعلى من عارض نهجه، وأرسل من يساعد أبناء فتحٍ والآخرين، وقدم الطعام للفلسطينيين وغيرهم، وللجيران أياً كان جنسهم أو انتماؤهم، دون أن يسأل عن تنظيمهم أو ولائهم، وتذكر المحتاج والفقير، ووقف إلى جانب المسكين والمريض، ومسح على وجه اليتيم والغريب، وساند العجوز والأرمل والضعيف.
ما كان أبو عمار يتأخر في راتبٍ، ولا يساوم على حقٍ، ولا يحرم عاملاً، ولا يجرد موظفاً، ولا يبتز صاحب حق، ولا يستغل صاحب حاجة، ولا يساوم على موقف، ولا يضغط لإكراه، ولا يمنع لإخضاع، ولا يحرم انتقاماً، ولا يمنع ظلماً، ولا يستغل ظرفاً، ولا ينتهز حادثاً، ولا يستقوي بما يملك، ولا يطغى بما عنده، ولا يقبل أن يأكل إلا مما يأكل منه جنده، ولا يلبس إلا بزة المقاتلين، وثياب المرابطين، وكان يسكن في بيوتهم، وينام في فراشهم، ويسهر معهم، ويحرس مثلهم، ويجلس إلى جانبهم، ويتحدث إلى صغيرهم كما يخاطب كبيرهم، وينادي العجوز بأمي، والكبير يا أبي، ويقبل يد الطفل الصغير، ويأخذ بيد الضعيف، ويسند بيده من يطلب المساعدة أو يحتاج إليها.
نذكرك أبا عمار في ذكرى عروجك العاشر، ونسأل الله أن تكون في عليين، مع الأنبياء والصديقين والشهداء، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، وقد غفر الله ذنبك وتقبل عملك، وبر بك وأحسن إليك، فنذكر في ذكرى رحيلك خلالك الكريمة وسجاياك العظيمة، ونعدد صفاتك الإنسانية ومناقبك السامية، ونتحدث عن أخلاقك وشهامتك، في وقتٍ فقد فيه القادة قيمهم، وتخلوا عن مروءتهم، وباتوا عبيداً يملكون، وسادةً يتحكمون، فساموا أهلهم وشعبهم سوء العذاب، وحرموهم من حقوقهم، ومنعوهم من أموالهم، وحبسوا رواتبهم، وجوعوا أطفالهم، وأذلوا نساءهم وعذبوا أسرهم.
رحمة الله عليك يا أبا عمار، أيها النبيل خلقاً، الشهم رجلاً، السخي الجواد، الوفي المعطاء، الكريم الإنسان، الجائع حتى يشبع جارك، والفقير حتى يكتفي غيرك، المحب لشعبك، والصادق مع أهلك، فقد جاء من بعدك أشباه رجالٍ، قادةُ أحزابٍ، ورؤساء مكاتب سياسية، وأمناء عامين ومسؤولين في السلطة، لا يتأسون بك، ولا يتعلمون منك، ولا يقتفون أثرك، يظهرون الطهر، ويبدون التقوى، ويتظاهرون بالصدق والصلاح، ويتشدقون بخير الكلام، ويدعون الخير والفلاح، لكنهم ألد الخصام، يسرقون الوطن ولا يخافون الله، وينهبون الحقوق ولا يحرصون على مصالح شعبهم، ويحبسون الرواتب والأجور، ويذلون المواطنين ويهينون الشعب، ولا يبالون بظلمٍ أو جوعٍ، ولا بحرمانٍ أو معاناة، لا أستثني منهم أحداً، ولا أبرئ آخر، فهم جميعاً من بعدك في الظلم والانحراف سواء.