لا يمكن أن تكون الصدفة وحدها ولا أطماع الأجنبي من تعبث بالقدر ، قدر أبصر ثورات شعوب وأمم لا تنتج دائما ملائكة وصالحين ولا تجب كل الطالحين ، لكن هناك من استمعوا للحن بشغف وأعلنوا الوفاء لثورة دعتهم إليها فلم يعزفوا .
المهام كثيرة ، والتركة ثقيلة ، والعدالة ليست دائما مرئية ولا سهلة المنال ،المتربصون يرونه من حيث لا يراهم .
لا يحب الإطراء ولا يحبذ الكتابة عنه إذا نضحت بكيل من المديح ، والبهرجة الإعلامية لا تبهره ، يردد دوما... إلا أن كلمات الإنصاف هي من تلاحقه وتطارده وأحيانا تطوقه .
ستة أشهر مضت على تعيينه وتسلمه منصبه ، تعيين عناية المستشار شريف لطفي على رأس قنصلية دولة عربية كبرى خارجة لتوها من ثورة ، قنصلية لم تكن بهذا السوء ولا في غرفة الإنعاش كما حاول تصويرها مدمنو التسلق والتزلف وعشاق التلون واستبدال الأقنعة .
الشريف رتب أوراقا مبعثرة وأجاد صقل خامات أصيلة وساس شؤون قنصلية جعلها في فترة قياسية تجلب الأنظار و تضاهى "شقيقاتها العربيات " المصابات بداء الانطوائية والنرجسية ، ومكانا يأمن له الزائر ويؤتمن فيه المرء ، مصريا كان أو شقيقا للمصريين .
فتحت الأبواب على مصارعها لكل طارق قبل أن يكل متنه ، وكل سائل ألم به عارض أو أثقلت كاهله مشكلة ، لم يجد لها حلا في معجمه ، واختير يوم الثلاثاء موعدا للقاء ، لقاء لمن لا معين له ولا موعد .
هناك في نفس الحي أو في أحياء أخرى لا تقل رقيا، حيث أبنية فاخرة وشقق محصنة يبدو أنها سفارات!! ، تمتشق أسطحها أعلام ترفرف "بزهو" ، أصبح للصدأ أزيزا . فالأبواب أوصدوها بإحكام ، هناك أيضا يقطن ويعمل أناس أخذهم التعالي على مواطنيهم بالإثم ، نسوا أنهم يتحصلون على أجور وامتيازات ليقدموا الخدمات والتسهيلات وليس لأجل "الاستئناس" بحفل أو "رسبشن" ، وصولات تكلف خزائن دولهم ما تكلفه، هناك لا يدركون المتغيرات أو لا يأبهون ، لا يبحثون عن الوصال ، هم في واد والجمهور على إحدى الضفاف يراهم كسراب ، لا تربطه بهم غير أواصر الفراق .
القنصلية المصرية بالنمسا مختلفة وأسوارها لم تعد شاهقة، نعم مختلفة و طاقمها يعمل على إزالة أعراض غربة موحشة بينها وبين مراجعيها وروادها ، طغت يوم كان الطغيان شرعيا .
إذا هو حسن التدبير والإدارة ، أو أنهم صنف من الرجال والنساء استوعبوا الحدث واستطاعوا تطويع المشهد ، مشهد حقيقي فرضته ثورات نقية ، هي جزء من الرواية وليست كل الرواية . والخاتمة ، وحده يعلم الخاتمة من صاغ النهاية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق