خواطر سياسية: ما الذي يخفيه "استفزاز" نتنياهو للإدارة الأمريكية؟/ نبيل عودة

إسرائيل تتصرف كالابن العاق مع حاضنها الأمريكي، هل من تفسير آخر لإصرار رئس حكومتها ان يلقي خطابه في الكونغرس الأمريكي رغم استياء البيت الأبيض؟.. لكنه (وهذا يظهر بلا شطارة من أحد) ابن عقوق مطلوب فَلَتَانُه في الشرق الأوسط لأهداف عديدة على رأسها إبقاء الشرق الأوسط في وسخه وعوائقه. 
الصهيونية كما قال عنها زعيم صهيوني مرموق "هي هدية أوروبا للشعب اليهودي".. لكن الهدايا لا تقدم مجانا. الدور الصهيوني كما أرى لم يكن فقط إقامة وطن قومي لليهود. ليس هذا ما كان يشغل أوروبا. هذه الخطوة (إقامة وطن قومي) انتهت حتى باعتراف بن غوريون رئيس أول حكومة إسرائيلية بوقته بقوله ان "الصهيونية كانت منصة لإقامة دولة إسرائيل ودورها انتهى".
 إذن ما هو الدور أو الأدوار الأخرى المكملة...؟
ليس من الصعب ان نفهم ان استمرار تخلف العالم العربي وبقاءه خارج التاريخ الإنساني، حضاريا وتطورا هو ضمن المهمات التي أوكلت للحركة الصهيونية. بداية من العجوزَين الاستعماريَّين القديمين فرنسا وبريطانيا من رؤيتهما ان الأسلوب الاستعماري القديم (السيطرة المباشرة بقوة الاحتلال) قد ولّى من عالمنا إلى غير رجعة، خسائره لم تعد توازي فوائده. لا بد من فرض سطوة استعمارية محلية تحرس مصالحهما.. هذا صحيح في أمريكا اللاتينية أيضا، وفي إفريقيا، هذا الدور الصهيوني لم ينته بعد، نرى له امتدادات حيث ضعفت السيطرة الاستعمارية برز الدور الإسرائيلي. في الشرق الأوسط انتقلت المسؤولية المباشرة للإمبريالية الأكثر حداثة وأكثر غني، للأمريكيين. الدولتان الإمبرياليتان السابقتان فقدتا مكانتهما الدولية تدريجيا  لصالح السيد الجديد: الإمبريالية الأمريكية! 
هذا الدور هام جدا.. حتى الآن.
 سينتهي؟
 لا شيء يبقى.. خاصة على اثر التطورات الرهيبة التي تثير قلقا وخوفا دوليا شاملا، نتيجة الأحداث التي تفجرت في العالم العربي.. وليس بدون أخطاء السيد الأمريكي الذي خطط لشيء وتورط بنقيضه.
حسابات الأمريكيين باعتمادهم على دعم التطرف الديني ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان لم يعط ثماره المرجوة.. الوحش انقلب على خالقه.  يهدد بدمار شامل لكل الشرق الأوسط ويتمدد كالأخطبوط نحو مجتمعات دولية لمختلف اقطار العالم. أرادوا  دولا عربية غارقة بفسادها، تمارس البغاء السياسي تحت السوط الصهيوني الذي اسمه اسرائيل، بصفتها الضامنة للخنوع والخضوع العربي الذي أوكل لها ضمن برنامج سياسي دولي.
 إيران لم تكن بالحساب. يبدو أنها ستغير معادلات كثيرة من الدور الإسرائيلي. لست من مؤيدي انتشار السلاح النووي، لكن في الواقع الشرق أوسطي الذي يتشكل أمامنا اليوم، أخفُّ الشرور ان تكون إيران نووية. لا يمكن ان يظلّ هذا السلاح احتكارا لدولة بعينها وبتجاهل الراعي الأمريكي وبتغطيته وبقصور الأنظمة العربية وعلى رأسها دولة عربية مركزية مثل مصر.
إيران ربما تهدد امن الخليج؟ وما هو امن الخليج؟ انه أمن الفساد النفطي. أمن مشايخ وأمراء يرتعون بثروات نفطية تكرس ضد مصالح الرقي الحضاري العربي وقطر أفضل نموذج لهذا الواقع. طبعا هناك مشاريع فارسية للسيطرة.. لا أراها تختلف عن أي مشروع استعماري أو صهيوني. ربما تكون مرحلة انتقالية أفضل من السائد اليوم في العالم العربي المستضعف والمعزول دوليا. 
يبدو لي اليوم  أكثر من أي وقت سابق ان سيطرة إيران الفارسية أفضل مليون مرة من سيطرة أمريكا وشرطتها الصهيونية.
ساهمت الولايات المتحدة (وربما بمشاركة إسرائيل؟) بخلق التطرف الإسلامي ضد الاتحاد السوفييتي بمشاركة دول عربية على رأسها السعودية ودول الخليج.. وربما أنظمة أكثر "تنورا" مثل مصر الساداتية وغيرها، آلاف المواطنين العرب انضمّوا للقاعدة في أفغانستان. تلك كانت الجامعة الإرهابية لتخريج شتى أشكال التنظيمات الإرهابية التي "ننعم" بها اليوم في الشرق العربي.
حتى دولة مثل السعودية، بفكرها الديني المتطرف (الوهابي) أصبحت خائفة من الوحش الذي ساهمت بحصة كبيرة في خلقة وإطلاقه في أفغانستان أساسا ضد السوفييت، ثم ضد القوى الوطنية واليسارية عامة في العالم العربي ووصل تأثيره لدول خارجه أيضا. هل بالصدفة هذا التراجع في الحركة القومية العربية وفي حركة اليسار العربي؟ طبعا لا أتجاهل القصور الذاتي أيضا لهذه التيارات!!
يبدو لي انه ليس بالصدفة الصمت الدولي ضد ما يجري في مصر من إرهاب لا يقل خطرا عن أحداث ليبيا أو العراق أو سوريا.. لكن  هناك بالتأكيد خوف ان يتجاوز الإرهاب حدوده المخططة للعالم العربي إلى الغرب وبشكل مكثف.. حتى الآن ما تسرب للغرب هي "رشة عطر".. فاسدة الرائحة. لكن هل يمكن ان يحدث ذلك صحوة دولية أوروبية وأمريكية تقود إلى انقلاب في سياستهم الشرق أوسطية؟
عندها لا بد من إسقاط الدور الإسرائيلي أو ربما إعادة إسرائيل إلى حجمها الطبيعي؟!
طبعا لا أتجاهل تأثير الدور الروسي الذي يزداد في الشرق الأوسط، لكن باتجاه مختلف عن العالم الغربي.. وآمل ان يكون دوره ايجابيا للمجتمعات العربية!!
استمرار تدليل السيد الأمريكي للولد العاق سيكون وقعه رهيبا في الشرق الأوسط. صمت الإدارة الأمريكية سيورطها بما هو اشد مضاضة من ورطة عملية تفجير برجي التوأم... التي جعلتها تضرب ضربا عشوائيا نظام صدام حسين في العراق. 
هل غياب صدام خدم أهدافها؟ 
رغم كل ما يمكن ان يقال عن سلبيات نظام صدام (والكثير منه صحيح) إلا انه أفضل مليون مرة من الفوضى الرهيبة، وانتشار الإرهاب بأبشع صورة تاريخية عرفتها البشرية، قديما وحديثا.
سلاح نووي في إيران؟ هل هو المشكلة؟ 
نتنياهو لا يدافع عن مصلحة إسرائيل بوقف المشروع النووي الإيراني، إنما عن استمرار دورها الإقليمي الذي بدا يخبو بسبب ظاهرة الإرهاب، التي هي نتيجة استمرار التخلف السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، التعليمي والتنويري للعالم العربي. هذه مهمة أوكلت بها إسرائيل وأنجزتها حتى اليوم بنجاح كبير، لكن الضغط تجاوز حتى قدرة الأنظمة الفاسدة على الاحتمال من هنا نشهد حالات انفجار مختلفة. الربيع العربي شكل من أشكال تلك الحالات.. افترسته شهوة السيطرة للحركات الأصولية على الدول الرئيسية في العالم العربي، بالتعاون بدون شك مع تركيا المرتدة عن مشروع اتاتورك إلى مشروع ديني غيبي  ولا أستثني دور قطر كممول مالي للتطرف..
لا استهجن ان تكون الولايات المتحدة قد بدأت تتعب من دورها وتكلفته الهائلة على حساب المجتمع الأمريكي. لذلك تريد اتفاقا حتى لو كان شكليا ومعوقا جزئيا لتطوير إيران للسلاح النووي. لكن إيران نووية ليس كارثة للعالم العربي فقط، بل يشكل امتلاك إيران للقنبلة النووية فقدان إسرائيل لدورها الإقليمي، هذا ما يرعب قياداتها الصهيونية.  ربما يكون بداية لفقدانها للدعم الهائل من الغرب وخاصة الدعم الأمريكي. نهاية الدور مسألة وقت. ولا استهجن ان تكون المفاوضات الأمريكية والدولية من جهة مع الإيرانيين من الجهة الأخرى، تشمل نقل بعض مهمات إسرائيل لإيران بكل ما يتعلق بالعالم العربي.
لا أرى مستقبلا عربيا بدون صحوة عربية.. وعودة العالم العربي إلى التأثير على القرارات الدولية. يجب إقامة تحالف بين الأنظمة يطرح رؤية جديدة.. اقتراح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإقامة قوة عسكرية عربية موحدة قد يكون بداية الطريق لعالم عربي يخرج من الكهف!! 
 nabiloudeh@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق