مداخلة حول طروحات المفكر الشيوعي سلامة كيلة – من هو الشيوعي اليوم؟/ نبيل عودة


قرأت مقالك "من هو الشيوعي اليوم" في موقع "الحوار المتمدن" وأثار لدي أفكاراً عديدة حبيسة منذ فترة، وآمل ان أستطيع تنسيقها بهذه العجالة.
نحن الذين تثقفنا على النهج السوفياتي، وجدنا أنفسنا في عاصفة فكرية ليست سهلة. واضطررت أنا شخصياً للقيام بإعادة تقييم فكري واسعة جداً. لا شك ان الشيوعية هي أنقى فكر للعدالة الاجتماعية والتغيير لما فيه مصلحة الإنسان ورفاهيته وحريته وفتح المجال أمام إبداعه وانطلاقه بدون حدود في عالم الإنتاج المادي والفكري لخير المجتمع كله.. ولخير تقدم البشرية.
ضمن الإشكاليات التي بتُّ على ثقة انها تحتاج الى إعادة تفكير وضبط فلسفي وفكري، موضوع الصراع الطبقي الذي وجدتك تعتمد عليه في الكثير من تحليلاتك، ربما تسهل فهم الواقع الاجتماعي، ولكنها بعيدة عن إمكانية التنفيذ الفعلي في المجتمعات الحديثة.
معظم المطالب الطبقية اليوم (او ما يسمى النضال الطبقي) هي مطالب نقابية غير ثورية. الصراع ينحو نحو المطالب المكسبية وليس الانتفاضية الثورية، او مواقف سياسية تتعلّق بقلب النظام. ولا أرى بذلك انحرافاً، انما تحول المجتمعات الراسمالية الى مجتمعات رفاه اجتماعي تجاوز بعضها النظم السوفياتية السابقة بخطوات هائلة أبقت النموذج الاشتراكي متخلفاً في مستوى الحياة والرفاهية والحريات الاجتماعية، مماغير الكثير من الثوابت التي تطرحها في مقالك وبات من الضروري تطوير فكرة جديدة تعتمد على مفهوم الانقلاب والتغيير الديمقراطي وليس الثورة الاشتراكية.
ليس مهما برأيي أسلوب الإنتاج، المهم توزيع الخيرات المادية بشكل اشتراكي (او اجتماعي عادل)، وهذا يمكن ان يضمنه القانون الاجتماعي للنظام، عبر تشريعات وخدمات مختلفة ومتنوعة، وضمانات اجتماعية وصحية وغيرها من الضمانات التي تكفل كرامة الإنسان واحتياجاته الضرورية.
لسنا في عصر البروليتاريا الثورية، لا اعرف لماذا لم يجر تطوير مفهوم البروليتاريا الذي لم يصمد أمام امتحان التاريخ.
البروليتاريا لم تكن ظاهرة عالمية إطلاقا. انما ظاهرة أوروبية لم تخرج من أوروبا وورائها أسباب تتعلق بتركيز الأرض والتطور الصناعي وقوانين رأسمالية مختلفة في بداية عصر البرجوازية.
هل تطورت بروليتاريا أمريكية مثلا؟؟
هل تطورت بروليتاريا عربية في بلاد الرمال؟
لا شك ان هناك ازدياداً في الفقر والبطالة والأمية والتخلف الصناعي والعلمي، وأنظمة قبلية عائلية مستبدة، لا فرق بين نظام ملكي او جمهوري "ثوري اشتراكي(!؟)"، ولكني لا أرى ان هذه الظاهرة لها علاقة بقضية الصراع الطبقي. بل بمسألة الديمقراطية والعمل ورفع مستوى الحياة، وآمل اننا في مرحلة الثورات العربية التي افتتحتها تونس، وستتضج الأمور كما أتوقع، أكثر باتجاه مجتمع العدالة الاجتماعية والديموقراطية وليس الثورة الاشتراكية.
هل كانت نظرية ماركس للمجتمع العادل مثلاً غير قابلة للتطبيق الا بالأسلوب الذي عرفناه؟
رؤيتي الشخصية ان الماركسية مشكلتها كانت في التطبيق وليس في الفكر.. وفي الجمود العقائدي الذي أصاب الحركات الماركسية، وليس في جوهر الماركسية الاستبدادي كما تحول في الفترة الستالينية.
الفيلسوف كارل بوبر(كتاب: "اعداء المجتمع المنفتح) يعتقد ان نظرية ماركس لم تقع بعيدا عن فكر افلاطون.. في فهمها لهندسة الدولة العتيدة، بالخطوط الرئيسية على الأقل.. وبالتطبيق نفذ الفكر الأفلاطوني بقوة أكثر، حيث تحول الحزب الحاكم الى الطبقة الحاكمة، والعسكر الى حماة الطبقة (النظام) الحاكمة ، وصيانة السلطة المطلقة للحزب، وتحول المنتجين (الشغيلة) الى مصدر تمويل للدولة – الحزب – الطبقة الحاكمة.
اؤمن بشكل مطلق ان أفلاطون حركته افكار إنسانية بالأساس، كيف يمكن بناء دولة ذات صفات أخلاقية في وقته. ومن المؤكد اليوم ان كل الدول التي سارت على هندسة افلاطون وماركس لبناء دولة، أسقطت الجانب الجوهري الإنساني الأخلاقي .
هل كان الخطأ في الرؤية الماركسية، أم في فشل المتابعين والوارثين ؟
وهل عبر ماركس عن رؤية تاريخية علمية أم مجرد رغبة غير قابلة للإنجاز، بسب طوباويتها المبالغ فيها؟
وكيف صار ان فكرة إنسانية لإسقاط الاستبداد الطبقي، وبناء مجتمع العدالة والمساواة، تحولت هي نفسها الى نظام استبدادي قمعي مطلق، لدرجة ان الاستبداد والاستغلال البرجوازي في النظام الرأسمالي صار جنة بالمقارنة مع واقع العمال في "نظامهم" الاشتراكي؟!
من ضمن الطروحات الهامة في "اعداء المجتمع المنفتح" رؤية بوبر ان المجتمع يجب ان يكون في خدمة الإنسان (المواطن) وليس المواطن في خدمة المجتمع. المسيح يقول أيضا: "الدين (السبت) في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمة الدين(السبت) " وهذا القول عبقري وعظيم اذا اتبعته الأديان واتخذته الأنظمة الحاكمة نهجاً لمجتمعاتها.
يطرح بوبر موقفه القائل ان التنبؤات التاريخية هي خارج المنهج العلمي... وهي أقرب شيء للإيمان الديني.
وهنا نسأل: هل الثورة البروليتارية حسب ماركس هي حقيقة علمية (حتمية) لا يمكن تجاوزها؟ بالطبع انا لا أرى ان البروليتاريا قائمة الا في وهم بعض الماركسيين القدماء.. والمشكلة ليست في ماركس، بل في تطوير الفكر الماركسي من الماركسيين، الماركسية ليست دينًا منزلاً ولم تكن. ونعرف ان العديد من الماركسيين الأوروبيين طرحوا رؤى متطورة ولكن لوحقوا من ستالين وقمعتهم الحركة الشيوعية العالمية الستالينية فكرياً وشخصياً (خاصة المثقون الماركسيون من دول اوروبا الشرقية).
الأمر الأساسي الذي أود تأكيده ان هناك أربعة أقانيم مركزية مشتركة بين ايديولوجيات الأنظمة التوتاليتارية الحديثة، رغم بعض الاختلاف بينها، وقد طرحت هذه الأقانيم الأربعة في فلسفة أفلاطون، وهي: أولا، النظرة التاريخانية – الحتمية التاريخية (هيغل وماركس آمنوا بوجود حتمية تاريخية (وهي عقيدة تؤمن أنه يوجد سبب موجه لكل الأحداث في الطبيعة والمجتمع البشري وإرادة الإنسان، هيغل رأى ذلك بالفكرة المطلقة.. وماركس فسرها بالمادية التاريخية) ثانيا، الايمان بوجود خواص أبدية ثابتة، ثالثا، المجتمع المنغلق ومنع النقد والبحث العلني – المنفتح بهدف الدفاع عن الشيء الجيد، رابعا، حكم طبقة معينة ووجودها أعلى من سائر الطبقات من أجل ان تهتم لكل المجتمع او للدولة بفضل نوعيتها أو حكمتها المتفوقة على الآخرين..
هل حقا كانت القيادات في الدول الاشتراكية والأحزاب الشيوعية، هي "الطبقة" المؤهلة فكرياً وعقلياً وأخلاقياً للقيادة؟!
وهل لم يحن الوقت لفهم مجدد لمعنى ان يكون الإنسان اليوم شيوعيا؟ وان نجري تغييرات جوهرية في طروحاتنا السياسية نحو مجتمع ديموقراطي يرى بالتطور الاقتصادي والعلمي ورفاهية الإنسان الهدف الأسمى للنظام، وتأجيل الشعارات الاشتراكية والشيوعية بعد ما أصاب العالم الاشتراكي من انهيار، حتى لا نبدو "كاثوليك أكثر من البابا"، وحتى نتبين الى أين يتجه التاريخ؟
ما زلت ارى في الحركة الشيوعية, رغم كل الكوارث, الحركة المؤهلة (فكرياً على الأقل) لإنقاذ العالم من العولمة المتوحشة للرأسمالية. غير أن هذا الأمر يحتاج الى شروط متعددة, لا أرى ان الأحزاب الشيوعية جاهزة لها, خاصة في العالم العربي, حيث نشهد غياب الدور الرائد للأحزاب الشيوعية, وتحولها الى تنظيمات للثرثرة والتخبط الفكري, عاجزة عن النهوض بمهامها النضالية، بل وبعضها صار تابعاً لأحزاب أصولية، وكل التبريرات لهذه التبعية هي عذر أقبح من ذنب.
إن عدم قدرة الأحزاب الشيوعية الفكرية, وعدم رغبتها, وربما خوفها من إعادة تقييم المرحلة التاريخية لتجربتها, بدءاً من أول تنظيم شيوعي عرفه التاريخ, في أواسط القرن التاسع عشر, على يد أبوي الفلسفة الماركسية، ماركس وانجلز... وصولاً لثورة أكتوبر وتجربتها التاريخية وانهيار هذه التجربة, هو من دلائل مواصلة الانهيار في البنى التنظيمية للأحزاب الشيوعية, وفقدانها لطليعتها الفكرية, وأحياناً التنظيمية في مجتمعاتها.
طرأت على بنية الطبقة العاملة تغييرات عميقة، غيرت الكثير من الثوابت الفكرية القديمة حول طبقية المجتمع والصراع التناحري داخله, وأريد أن أحدد بعض الأمور الأساسية, فيما أظنه ضرورة لإحياء التنظيمات الماركسية, وعلى رأسها إعادة صياغة المشروع الاشتراكي لهذه الأحزاب في الظروف التاريخية الجديدة. هذا يفترض ان تتخلص الأحزاب الشيوعية في إسرائيل والعالم العربي, من فكرها "الديني", أو سلفيتها الشيوعية, وأن تخرج من انعزاليتها الفكرية ومن العصبية الحزبية التي تميز كوادرها القديمة... وان تقوم بمهامها الفكرية والاجتماعية الجديدة, بالتصدي الفكري للموجة التي أخرجت الدين من روحه الإنسانيه العامة, وحولته الى جهاز كهنوتي استبدادي.
وان تطرح التصدي لأنظمة الفساد العربية بصفته مهمة لا تقبل التأجيل للأحزاب الشيوعية في الشرق, وهذا يفترض صياغة فهم واضح بأن مهمة التغير في العالم العربي لم تعد مهمة طبقية وأصلاً لم تكن مهمة طبقية, انما مهمة كل المجتمع بكل فئاته واتجاهاته الفكرية، وهذا ما برز بالثورة التونسية. وثبت أكثر بالثورة الشعبية في مصر.. التي نأمل ان تحقق شعاراتها بدولة مدنية ديموقراطية..
الحوار مع مفكر مثلك رائع ولكنه يحتاج الى استرسالات طويلة، ويفتح أمام المثقفين الثوريين أبواباً واسعة للتفكير والتقييم المجدد وإعادة الانطلاق.

nabiloudeh@gmail.com

ميول شديدة الاختلاف/ صالح خريسات


يتكلمون عن الدين في بلادنا، وما أثبته التاريخ، أن العقيدة الدينية، تكون عرضة للإمحال، طالما صرف الإنسان فكره وإرادته إلى الشؤون الاقتصادية، أو انهمك في الموضوعات السياسية. ويتكلمون عن الطبقة العاملة، فإن ارتفاعها إلى الطبقة الوسطى، قد صاحبه تدني الحياة الروحية من جانب كبير منهم، فانحرفوا عن التفكير السوي.
فهذه أوروبا، كان أهلها قبل عصر النهضة، متمسكين بالدين المسيحي، فما زالوا يغالون فيه ويتطرفون، حتى انتهت بهم الحال إلى حصر الدين في الكنيسة، فأصبحت الكنيسة صاحبة التصرف المطلق فيهم، توجههم إلى الحروب الصليبية، فيعانون المشاق، ويهلكون الوفا ومئات الألوف، باسم الدين، ثم استولت على الكتاب المقدس، وحرمت على غيرها فهمه وتفسيره، فيتلقون أوامرها بالرضا والقبول، عملاً بأوامر الدين، ثم وقفت أمام العلم، مخافة أن يكون فيها ما يخالف الدين، والناس لا يعرفون إلا كلمات تسمى الدين، يتفانون بالجهاد غيرة عليها، حتى أخذ شعاع العلوم ينفذ إلى الأذهان، وابتدأ دور النهضة.
فعصر النهضة في أوروبا، جاء نتيجة جهاد طويل، بين رواد التحرر الفكري وبين الكنيسة، التي كان نفوذها على الملوك والأمراء والعلماء وقتذاك واسع، فسيف الحرمان، مسلط على رقاب كل من تحدثهم نفوسهم بتجاهل البابا، فضلا عن مخالفته.
ولن ينسى التاريخ إذلال البابا جور جوري السابع، للإمبراطور هنري الرابع، حين اختلف معه على حق تعيين الأساقفة، وأجرى عليه الحرمان، وأحل أتباعه الأمراء من ولائهم له، فاضطر الإمبراطور أن يذهب إليه تائبا، وان ينتظر الغفران ثلاثة أيام في البرد القارص، وهو حافي القدمين في فناء القلعة. ولن ينسى التاريخ من أحرق حياً، ومن نكل به تحت آلات التعذيب، من رواد علم الطبيعة، وعلم الأحياء، وعلم الفلك، بتهمة الخروج على تعاليم الدين.
هذا الصراع الطويل، هو الذي قاد إلى ما يسمى بالإصلاح، وأتاح الفرصة لدعاة التحرر الفكري، فهدموا الكنيسة، وتحقق الفصل بين السلطة الدينية والمدنية، وانكمش نفوذ البابا، وأصبحت شؤون الدول وتدبير نظام المجتمع، في يد رجال السياسة.
فالإصلاح أولاً يحتاج إلى عظماء متنورين فكرياً، ولا يحتاج إلى متظاهرين، لأن القضية فكرية ثقافية توعوية، أصلها الجدال والحوار. وحسبما نقرأ في الكتب التاريخ فإن جذورها لا تمتد إلى عدة أجيال فحسب، بل إلى عدة قرون ريثما تتهيأ عقول الشعوب لاستيعاب مفاهيم الإصلاح والشروع به. ولا يعني ذلك أن كل من أراد الإصلاح كان مصلحاً، ولكن يجب أن يخضع عمله وبرنامجه للبحث والتدليل والبرهان، فمن لا يملك برهاناً لا يملك إصلاحاً والشعوب ليست حقلاً للتجارب والضياع حتى يأتي الإصلاح.
إن الشخصيات السياسية التي تتولى قيادة المهام والنفوذ السياسي، وتقود الإصلاح، تخلقها الأحزاب السياسية. إلا أن أحزابنا الوطنية، ما زالت قاصرة عن مثل هذا المطلب وليس عندها ما يفيد، فليس لدينا حزباً يفيد في الإصلاح وقضايا المرحلة الراهنة، ولم نجد أحداً من الأحزاب يحدثنا عن الثورة الفرنسية أو الثورة الأمريكية اللتين مهدتا الطريق إلى الديمقراطية.

الغضب الشعبي يحاصر نموذج الحكم الأميركي في العراق/ نقولا ناصر


(أي احتجاجات شعبية عراقية لا يمكن، بحكم الأمر الواقع، إلا أن تكون موجهة إلى القوة الأميركية القائمة بالاحتلال في الأساس بقدر ما هي موجهة إلى وكيلها المحلي)

التغيير في نظام ديموقراطي يحدث بآليات لتبادل السلطة أهمها الانتخابات، و"لأن النظام السياسي في العراق هو نظام ديموقراطي" كما قال رئيس وزراء الحكومة المنبثقة عن الاحتلال الأميركي في بغداد، نوري المالكي، فإنه ليس "قلقا على الاطلاق بشأن نظامنا السياسي" بسبب "جمعة الغضب" التي استبدلت حصار المقاومة بالحصار الشعبي لمقر حكومته ومقر القيادة العسكرية والسياسية للاحتلال في المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية. لكن وقائع جمعة الغضب العراقية دحضت تماما تظاهر المالكي بالاطمئنان.

فالاجراءات القمعية التي اتخذها لمحاصرتها لم تؤكد بأن المالكي كان يعلن ما لا يبطن فحسب ليؤكد بذلك هتافات جموع المتظاهرين التي اتهمته ب"الكذب" بل أكدت أيضا "كذبة الديموقراطية" التي ادعت في نص الدستور الذي صاغه الاحتلال على الحق في التظاهر السلمي ليسقط هذا الادعاء في أول اختبار عملي له، ليكون تعديل هذا الدستور في رأس مطالب جمعة الغضب العراقي خصوصا وأنه لا يحدد مدة ولاية رئيس الوزراء مما يفسر مماطلة المالكي في الاستجابة لهذا المطلب الوطني القديم المتجدد طوال سنوات الاحتلال، ربما أملا منه في أن يتيح له ذلك أن يكون بن علي أو مبارك العراق في يوم ما.

وفي خضم ربيع الانتفاضات الشعبية التي تجتاح الوطن العربي يغيب عن ذاكرة الملايين العربية مشدودة الأعصاب في متابعة أدق تفاصيلها أن أول انتفاضة عربية من هذا النوع نجحت في تحقيق هدفها كانت عراقية وكان لها اسم عراقي هو "الوثبة" التي أسقطت حكومة صالح جبر عام 1948 لمنعه من توقيع معاهدة جديدة مع الدولة البريطانية المستعمرة آنذاك بديلا لمعاهدة 1930 تلزم العراق بالتبعية لبريطانيا وتحوله إلى قاعدة عسكرية لقواتها وهي المعاهدة التي كان وراءها رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد.

وتدرك الولايات المتحدة الأميركية و"الوثبة" العراقية الجديدة كلاهما أن المالكي يستعد لربط العراق بتبعية مماثلة لقوات الاحتلال الأميركي باتفاقية استراتيجية جديدة عندما ينتهي في نهاية العام الحالي العمل باتفاقية تنظيم وجود قوات الاحتلال الأميركي في العراق التي وقعها المالكي عام 2008، والتي ما زالت بنودها السرية لم تكشف بعد والتي انتقدها في حينه الجاران السوري والإيراني. ومن هنا هتاف "يا بغداد ثوري ثوري، خلي نوري (المالكي) يلحك (يلحق) نوري (السعيد)" الذي تردد في جمعة الغضب العراقية.



وكان إنهاء وجود قوات الاحتلال الأميركي وإجراء "استفتاء" على اتفاقية عام 2008 الأمنية مع واشنطن مطلبين ضمن تسعة مطالب أعلنها الصحفي العراقي منتظر الزيدي الذي اشتهر بعد قذفه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش بالحذاء مما قاد إلى اعتقاله مجددا قبل ان يعلن مطالبه في مؤتمر صحفي عشية جمعة الغضب التي كان يحض على المشاركة فيها. والجدير بالذكر أن إجراء استفتاء كهذا نصت عليه اتفاقية عام 2008 لكن المالكي تعمد المماطلة فيه حتى تجاهلت هذا الاستحقاق تماما حتى الآن حكومته "المنتخبة" وبرلمانها وكل القوى السياسية "الشرعية" المشاركة فيهما.



وجمعة الغضب العراقية لا تهدد إن استمرت بمنع تقييد العراق باتفاقية جديدة مع الولايات المتحدة فقط بل تهدد كذلك انعقاد قمة جامعة الدول العربية المقررة في بغداد أواخر آذار / مارس المقبل والتي إن انعقدت سوف تضفي شرعية عربية زائفة على وضع لا يمت إلى العرب والعروبة بصلة وتعطي ضوءا أخضر لإطالة أمد الاحتلال الأميركي بهذه الصيغة أو تلك. وقد أوجزت صحيفة اليوم العربية السعودية عندما شككت في انعقاد القمة بقولها إن "العراق دولة القمة ساحة حرب وليبيا دولة التسليم ساحة ثورة"، ناهيك عن خشية القادة العرب من مغادرة عواصمهم كالرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي ألغى زيارة كانت مقررة اليوم للولايات المتحدة.



إن الفصل بين ساحة التحرير مركز الغضب الشعبي وبين المنطقة الخضراء بالأسوار الاسمنتية ثم غلق كل الطرق المؤدية إلى الساحة بأسوار مماثلة حول المنطقتين عمليا إلى سجنين الفارق الوحيد بينهما أن سجن المنطقة الخضراء فرضته الجماهير الغاضبة على نزلاء مرغمين على حماية انفسهم داخله بينما سجن ساحة التحرير فرضه النظام المدعوم بالاحتلال الأميركي على معتصمين فيه باختيارهم يأتيهم المدد الجماهيري أفواجا متتالية طوعا كذلك بالرغم من فرض الإجراءات التي تقيد حركة الناس والسيارات التي فشلت في منع تدفقهم مشيا على الأقدام لمسافة كيلومترات طويلة، وبالرغم من فرض تعتيم إعلامي بمنع سيارات البث التلفزيوني والاذاعي المحلية والعربية والأجنبية من دخول ساحة التحرير واعتقال أكثر من (300) صحفي ومثقف وفنان وتعذيبهم وتهديد بعضهم بالاغتصاب ومداهمة مؤسسات إعلامية عراقية بحثا عن "مؤامرة" أجنبية أو عراقية وقتل (29) شهيدا بالرصاص الحي (الواشنطن بوست في 27/2/2011)، وبالرغم من استنفار المرجعيات الطائفية وقيادات الأحزاب الطائفية المشاركة في "العملية السياسية" للانضمام إلى المالكي في حملة التخويف من "المندسين والمتسللين" من "إرهابيي القاعدة" ودعوته الصريحة إلى عدم المشاركة في جمعة الغضب لأن "أنصار النظام السابق" من "البعثيين والصداميين" سوف يستغلونها لصالحهم.



إن هذه الاجراءات المصحوبة تدحض تماما إعلان "عدم قلق" المالكي وتؤكد أن الاحتجاجات الشعبية عندما تطالب بتغيير نظام ديموقراطي وصل إلى السلطة عبر انتخابات ديموقراطية فإن ديموقراطية هذا النظام وانتخاباته هي التي تكون في موضع اتهام وليس الشعب الذي يخرج إلى الشارع مطالبا بتغييرها.



وقد فرزت جمعة الغضب العراقية قبل ثلاثة أيام العراقيين فرزا واضحا طالما شوشته الفتن العرقية والطائفية إلى معسكرين متخندقين في مواجهة بعضهما، يصطف الشعب العراقي بعربه وكرده في أحدهما ويصطف في المعسكر المقابل الاحتلال الأميركي ونظام المنطقة الخضراء بسفارتيه الأميركية والبريطانية وحكومته وبرلمانه وكل الأحزاب الطائفية المؤتلفة والمتكالبة على السلطة والمغانم والمفاسد في إطار "العملية السياسية" التي هندسها الاحتلال حيث اتفقوا جميعا على مقاطعة الوثبة الشعبية العارمة وقمعها.



إن إجماع فصائل المقاومة العراقية باستثناء القاعدة على إصدار بيان "مشترك" يعلق العمليات الجهادية "خلال فترة التظاهرات"، وإجماع المالكي وحكومته وبرلمانه وكل القوى المشاركة فيهما على مقاطعتها بحجة أن البعث والصداميين وهيئة علماء المسلمين والقاعدة يقفون وراءها، هما مؤشران يؤكدان الفرز الواضح الذي أحدثته جمعة الغضب العراقية بين خندق الشعب والمقاومة في جهة وبين خندق الاحتلال ووكلائه في الجهة المقابلة.



فعشية "جمعة الغضب"، حث المالكي الخميس الماضي "الشعب العراقي" على "ضرورة إجهاض مخططات أعداء الحرية والديموقراطية وعدم المشاركة في مظاهرة الغد لأنها مريبة"، وسبب الريبة كما قال هو كونها "مظاهرة يقف خلفها الصداميون" وكذلك "الارهابيون والقاعدة" مرددا تهمة رددها كذلك "قائد الثورة" الليبي معمر القذافي في مواجهة الثورة الشعبية عليه كفزاعة يأمل الرجلان من ترديدها في تحييد الحكومات الغربية والرأي العام الغربي. وقد غاب عن المالكي أن الحرية والديموقراطية تتناقضان تماما مع الاحتلال الأجنبي، لكنه أكد بإجراءته القمعية أن سلوك النظام السياسي المنبثق عن الاحتلال لا يمكن أن يختلف في طبيعته عن سلوك دولة الاحتلال التي أقامته بالغزو المسلح، مما يذكر بصمت الإدارة الأميركية الحالي عن إدانة الإجراءات القمعية العنيفة للاحتجاجات السلمية العراقية.



لكن "ريبة" المالكي بأن الصداميين والبعثيين يقفون وراء الانتفاضة الشعبية العراقية تؤكد من حيث لم يقصد حجم ما يتمتع به هؤلاء من نفوذ وشعبية إذا حكم المراقب استنادا إلى حجم المشاركة الشعبية الواسعة فيها بالرغم من إجراءاته، والتفسير الآخر هو أن هذه "الريبة" التي أجمعت عليها كل أطراف "العملية السياسية" الأميركية في أن تكون هذه "تظاهرات بعثيين" إنما هي "محاولة بائسة .. لإيجاد مبرر لضرب هذه التظاهرات المعبرة عن إرادة جميع العراقيين في إنهاء الاحتلال وتصفية آثاره ومخلفاته وإفرازاته النتنة" كما قال الممثل الرسمي لحزب البعث في العراق د. خضير المرشدي تعليقا على تصريحات المالكي. غير أن المراقب لا يسعه أيضا إلا أن يلاحظ التزامن بين جمعة الغضب وصدور بيانها الأول في الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة من شهر شباط / فبراير وبين وصول حزب البعث إلى السلطة في اليوم نفسه وفي الساعة نفسها وفي الشهر نفسه عام 1963، لتبدا منذ تلك السنة حرب طويلة ما زالت مستمرة بين الحزب وبين الولايات المتحدة بدأت بتأميم النفط وانتهت الآن باستباحته، وأن يلاحظ كذلك بأن جمعة الغضب انطلقت في اليوم التالي لبدء الحرب البرية في "عملية عاصفة الصحراء" التي قادت الولايات المتحدة فيها إئتلافا عسكريا من (34) دولة ضد العراق في الرابع والعشرين من هذا الشهر عام 1991.



وقد لفت انتباه العربي السعودي محمد الخبر "النفاق" الأميركي بادعاء الديموقراطية في العراق عندما كتب يوم الجمعة الماضي في "أراب نيوز"، وهي أول جريدة سعودية تصدر باللغة الانكليزية، مستذكرا حادثة وقعت مؤخرا بينما كانت وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تحاضر عن ضرورة احترام الدول الأخرى لحقوق شعوبها في الاحتجاج السلمي وتحث على عدم استخدام العنف ضدها. فقد مارس هذا الحق للاحتجاج على الحرب الأميركية المستمرة على العراق راي ماكفرن، وهو محلل متقاعد بعد خدمة استمرت سبعة وعشرين سنة في وكالة المخابرات المركزية (السي آي إيه) عمره سبعون سنة ومصاب بالسرطان، أثناء إلقاء كلينتون لمحاضرتها، ليس بالهتاف مقاطعا لها، بل فقط بالوقوف صامتا مديرا ظهره لها بطريقة سلمية تماما، ليتم دفعه بوحشية خارج القاعة ثم ضربه ليمضي ليلته في زنزانه وهو ينزف بينما تابعت كلينتون محاضرتها بهدوء، ليتضح بأن "الديموقراطية كلمة فارغة لا معنى لها تستخدم عندما يكون استخدامها مناسبا للولايات المتحدة ويتم تجاهلها ونبذها عندما لا يناسبها استخدامها"، كما كتب الخبر.



وقد ميز الاضطراب والتردد والتذبذب المواقف الأميركية من الانتفاضة الشعبية في مصر وتونس وليبيا وغيرها من الأقطار العربية لأن هذه الانتفاضة كانت مفاجئة لصانع القرار الأميركي وأجهزته الاستخبارية، ولأنها تهدد "الاستقرار" الذي كانت توفره الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية للمصالح "الحيوية" الأميركية، مما قاد مثلا قناة "فوكس نيوز" الاخبارية إلى "البحث عن الأخطاء في مظاهرات الشوارع .. التي تطالب بديموقراطية حقة باللغة نفسها التي استخدمها جورج بوش لتسويغ تغيير النظام في العراق"، كما كتب دراموند بايك في "ذى هافينغتون بوست" في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.



وهذه الأسباب مضاعفة في العراق، ويضاف لها ويأتي في مقدمتها أن إدارة باراك أوباما الأميركية الحالية ما زالت ملتزمة بادعاء الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش الذي سوغ غزو العراق ثم احتلاله بقوله في سنة 2003 إن "نظاما جديدا في العراق سيعمل كنموذج للحرية مثير وملهم للدول الأخرى في المنطقة"، لكن الإدارة الأميركية يرعبها اليوم أن الانتفاضة الشعبية العربية الجارفة المطالبة بالتغيير الديموقراطي التي أطاحت بنظامين من حلفائها وتكاد تطيح بنظام ثالث في ليبيا بعد أن طوعته بالعدوان المباشر والعقوبات والحصار فأخرجته من الخندق المعادي لها قد أحدثت تغييرا جذريا لم يكن من صنعها بل كان إنتاجا عربيا خالصا يرفض حتى في حالة صعبة مثل ليبيا أي تدخل أجنبي أميركي أو غير أميركي، وهو نموذج يبشر بشرق أوسط جديد غير ذاك الذي خططت له الولايات المتحدة بنموذج من صنعها فرضته بالغزو العدواني المسلح في العراق حيث كانت تأمل في تعميم هذا النموذج الطائفي التجزيئي انطلاقا منه. إن "جمعة الغضب"العراقية في "ساحة التحرير" العراقية قد حاصرت النموذج الأميركي تمهيدا لوأده في مهده.



لذلك لم يكن مستغربا أن لا يقل حرص واشنطن عن حرص وكلائها في بغداد على الانتقاص من أهمية الانتفاضة العراقية بتصويرها كمجرد احتجاجات مطلبية جهوية احتجاجا على البطالة وفقدان أو سوء الخدمات الأساسية والفساد بعد أن فشلت الانتخابات الطائفية وحكومة المحاصصة الطائفية المنبثقة عنها في إخفاء حقيقة أن العراق ما زال بلدا تحت الاحتلال العسكري المباشر إلى أمد غير منظور. فالمسؤولون الأميركيون يعتبرون المظاهرات دليلا على "ازدهار" الديموقراطية التي حملوها على ظهور الدبابات الغازية إلى العراق. واعتبرها نائب قائد قوات الاحتلال في العراق روبرت كون الذي غادره أوائل الشهر الجاري "مؤشرات صحية إلى حرية الشعب العراقي"، بينما دافع المتحدث باسم السفارة الأميركية المحاصرة في المنطقة الخضراء عن المالكي بقوله إنه "أكد حق الشعب العراقي في التظاهر" بينما قواته الأمنية "بصفة عامة لم تستخدم القوة ضد المحتجين المسالمين".



ويدرك الشعب العراقي "بأننا حتى الآن لدينا رئيسان للحكم في العراق، واحد في بغداد والآخر في واشنطن" كما قال رئيس مرصد الحريات الصحافية في العراق هادي جلو مرعي، وبالتالي فإن أي احتجاجات شعبية عراقية لا يمكن، بحكم الأمر الواقع، إلا أن تكون موجهة إلى القوة الأميركية القائمة بالاحتلال في الأساس بقدر ما هي موجهة إلى وكيلها المحلي.



ولذلك أيضا لم يكن مستغربا أن كانت "المنطقة الخضراء ببغداد هدفا" لجمعة الغضب كما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، فلا يعود مستغربا كذلك أن تغض الولايات المتحدة النظر عن أي عنف تلجأ إليه حكومة المالكي وعصابات المليشيات الطائفية للأحزاب المشاركة فيها التي انتشرت بخاصة في العاصمة العراقية لمنع جموع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة التحرير وهي مسلحة بفتاوى معظم المرجعيات الدينية الطائفية التي سبق لها أن افتت بتحريم مقاومة قوات الاحتلال الغازية قبل سبع سنوات.



ويلفت النظر بين هذه المرجعيات مسارعة زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر في العودة إلى العراق من إيران ليس لشد أزر شعبه بل لاقتراح مشترك مع آية الله علي السيستاني لتأجيل "الوثبة الجديدة" ستة اشهر يجري خلالها "استفتاء" العراقيين ليس على الاتفاقية الأمنية مع دولة الاحتلال بل على مبدأ الوثبة نفسه، إدراكا منهما بانهما مستهدفان مثل الاحتلال وحكومته.



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

تحية شعب/ رأفت محمد السيد


الشعب والجيش إيد واحده ، شعار رفعه المصريون منذ اللحظة الأولى لثورة 25 يناير 2011 ، ولم يكن هذا الشعار وليد الصدفه أو الموقف – فالقوات المسلحه المصريه كانت ومازالت وستظل نموذجا يحتذى به على مر العصور فى كيفية إدارة الأزمات مهما بلغت حجمها ومهما كانت خطورتها ليس ذلك فحسب وإنما عودتنا القوات المسلحة بأنها تتجاوز كل المحن والشدائد بنجاح منقطع النظير ، ولاينكر أحد أن القوات المسلحة كانت سببا رئيسيا بعد مشيئة الله وقدرته فى نجاح ثورة شباب مصر بدعمها ومساندتها لها فهى لم تستمع أو تنجرف وراء من كان ينادى بقمع هذه الثورة فى مهدها وكان يمكن لهذه الثورة أن تفشل فشلا ذريعا لولا إرادة الله ومشيئته أولا ثم دور رجال القوات المسلحة وأنا كمواطن مصرى حر يحب رجال القوات المسلحة ويقدرهم ويعترف بأنهم قادرون على عبور هذه الازمة كما عبروا من قبل قناة السويس وقد كتبت فيهم أكثر من مقال إشاده بدورهم فى شتى المجالات والميادين أخرها كان بعنوان ( خير أجناد الارض ) ولكن أحزننى جدا ماقرأته فى بعض الجرائد من تعرض معتصمون فى ميدان التحرير لإعتداء وإجبار على الرحيل بالقوة من قبل رجال الشرطه العسكرية ، علاوة على تعرض العشرات منهم للإحتجاز ولأن القوات المسلحة هى كلمة السر لمعنى الثقة التى فقدها الشعب المصرى فى النظام السابق فقد أدركت قيادات القوات المسلحة ذلك وجاء الإعتذار سريعا وفوريا على الصفحة الرسميه للقواتت المسلحة عبر الموقع الإلكترونى
( فيس بوك ) يوم السبت مؤكدا أن ماتعرض له المعتصمون هو إحتكاكات غير مقصوده بالتعدى على أبناء هذا الشعب ووعدوا وتعهدوا بأنه سيتم إتخاذ جميع الإحتياطات التى من شأنها أن تراعى عدم تكرار ذلك مستقبلا – فكم أثلج صدرى إعتذار القوات المسلحة بشموخهم وكلنا يعلم أنه ليس سهلا على الجندى أن يعتذر ونقدر لكم ذلك – بل نقدم لكم تحية إجلال وتعظيم من شعب مصر الذى يكن لكم كل محبة واحترام تحية مثل التى قدمتموها على الهواء مباشرة لأرواح الشهداء التى ضحت بدمائها فى سبيل رفعة هذا الوطن وتطهيره من الفاسدين ، كل الشكر لكل قيادات القوات المسلحة ضباط وصف وجنود على تحملهم وبذلهم الغالى والنفيس من اجل هذا الوطن العظيم من أجل مصر الحبيبة ولكنى أناشد رجال القوات المسلحة بما لهم من رصيد حب واحترام وتقدير وأؤكد لهم أن لدينا الكثير الذى يسمح لنا قبول حجة إنفعال اللحظة وتوتر الأعصاب وسط أجواء ضاغطه لاسيما وأنه من المؤكد أن بين جموع هؤلاء المعتصمين من ينشرون الفوضى ولكن يمكن بحكمتكم وقدرتكم أن تكشفوا هؤلاء الخارجين على القانون بطرق شتى من خلال بطاقات هوياتهم وتفتيشهم إذا ماساوركم الشك فيهم بالتحذر الذى تعلمناه منكم فى كيفية التعامل مع الناس ولعلكم تستمرون فى غرس القيم والمبادئ وتعليم المؤسسات الأمنية الاخرى كيف يكون التعامل مع المواطنين لاسيما الذين ليس لهم هما إلا رفعة أوطانهم – أعلم أن الحمل ثقيل ومازلتم تقدمون الكثير والكثير فقد بأتم وقطعتم شوطا كبيرا فى حفظ إستقرار وأمن مصر ولكن الاهم هو الإستمرار إلى النهاية بنفس الأسلوب الراقى الذى رأيناه منكم منذ بداية ظهوركم على الساحة فالأعمال الطيبه الطاهره التى بدأتموها لابد وأن تكون كذلك عند الإنتهاء من هذه المهمة فالاعمال بخواتيمها وأرى أنختامها سيكون مسك بإذن الله مادام الحب والإحترام بينكم وبين الشعب هما الأساس المتين للعلاقة الحميمية التى ستظل حتى قيام الساعة وأردد من قلبى مايقوله الشعب تعبيرا عن حبه وتقديه لكم الشعب والجيش إيد واحده – حفظك الله يامصر وحفظ شعبك وجيشك العظيم.

لإصلاح بالعقل/ صالح خريسات


أطلب من القارئ الكريم، أن ينسى في هذه اللحظة الراهنة، تفاصيل ما يجري من أحداث على امتداد مساحة الوطن العربي الكبير. وأطلب منه أيضاً أن ينسى ما يحب وما يكره، كما ينسى معتقداته الأخلاقية فيما هو خير وما هو شر، ليحكم على الأمور بطريقة علمية محضة وأسلوب بعيد عن التحيز تماماً.
هناك نوع من التفكير السيئ، تقوده فئة مضللة تريد أن ينتهي الأمر بالأنظمة السياسية والاجتماعية إلى الزوال التام، والوقوع في فخاخ الفوضى العارمة، فبعد أن توصلنا في نهاية المطاف إلى ما وصلنا إليه من حكمة في الوقت الحاضر، يريد هؤلاء أن يعجلوا للمرة الثانية بالسقوط، كما حدث في العصور الإسلامية السابقة، عن طريق توريط الجماهير في فخاخ السلطة والوصاية.
ويتكلمون في كل مكان، وبصوت مرتفع، عن الإصلاح وعن التنوير، ويطلبون من النظام أكثر فأكثر. ولكن ما فائدة الإصلاح إذا كان في الناس من لا يريد إصلاحا؟ ولما كل هذا النور إذا كان في الناس من لا عيون لهم، ومنهم ذوو عيون لا يفتحونها؟ وكيف يطالبون بالتقدم إلى الأمام وعيونهم خلف الرأس. أو على نحو مما قاله الخالق سبحانه "تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون"
إن الإصلاح وضع مختلف، يمر بمراحل تطور فكرية لم نتلمسها في حياتنا المعاصرة بعد، ليس بسبب وجود النظام السياسي نفسه، وإنما بسبب طرائق تفكيرنا البدائية. فقد سقطنا في وهدة الطلاسم المحيرة، وعافت عقولنا الشديدة الحرص على الوضوح، ما انحدر إلينا من غموض في التفسيرات، والتأويلات العجيبة.
إن الإصلاح ليس هو تحريك النفوس، ولا هو العاطفة والحس، بل هو أعمال الفكر الصارم الدقيق، وإتباع نظام العلم الذي لم تتقبله الجماهير المطالبة بالإصلاح. إن الإصلاح يقتضي أن تكون العقول مستعدة، لقبول تعديل فكري، بخصوص المسائل التي كانت تطرح عليها بقوة متزايدة. إنه ليس ثورة دامية، ومظاهرات تستند إلى الرغبة في العنف والتدمير، أو الذهاب إلى الحرب. إنه حالة تفتح للمشاكل الروحية، التي تستوجب قواعدها حياة تلتئم أكثر فأكثر، مع متطلبات الفرد. وهذه المشاكل، كانت دون شك، أساس تحرير الشعوب، وهي التي تسمى الدروس الصعبة، وهي التي مهدت السبل أمام ارتقاء العالم.
لقد كنا نرى في العالم الغربي، قبل الإصلاح، أفكاراً ثائرة لا تتفق مع أفكار المجتمع وتقاليده، وعاش المفكرون والأدباء حياة صعبة، في سبيل أفكارهم المتحررة. فكانت لهم وجهات نظر ثورية، في التربية، وفي الفلسفة، وفي الاجتماع، وفي السياسة، أسخطت الرأي العام، لكنهم خلقوا وعياً متمرداً قاد بالنتيجة إلى الإصلاح.
لقد حوكم هؤلاء مرات عديدة، ودخلوا السجن مرات، وجرحوا وأهينوا وعذبوا ومنهم من قتل وأحرق حياً، لكنهم ظلوا وفيين لآرائهم، مصممين على عهدهم، ضاربين المثل في الشجاعة والثبات على المبدأ. لكن أحداً منهم لم يطلب السلطة، وإنما طلبوا الإصلاح!

سن القلم: ماء الماء/ عادل عطية

مـاء المـاء
الخراف، تتحدث بلغة: الماء .
ونحن نستخدم هذه اللغة، فى حالة العطش والبحث عن الارتواء!
وكما نحن شركاء فى اللغة،
ألا نستحق نحن أيضاً : الذبح؟!..
لأننا: لوثنا ماء البحر،
وماء النهر،
وماء الماء..
باصرارنا على استيراد اللحوم الفاسدة،
التى لن تطهرها الماء،
حتى ولو قلنا: ألف ماء وماء!
اشرب يا عم!!
تعلمنا فى الكنيسة، واختبرنا: "أن الحياة أفضل مع المسيح"..
ولكن التلفزة، عبر اعلاناتها، تريد أن تعلمنا: "أن الحياة أفضل مع كوكاكولا"!
.. واشرب ياعم!

قضــاء إلهــي
مشكلة مصر مع دول النيل على الموارد المائية، هو الرد الإلهي الحتمي على الحكومة التي تبيع نعمة الله المجانية للناس بما يرهق كاهلهم!
العيب فيهم !
الخبر الذي يقول: "بأن هناك تسعة وتسعين بالمئة من المصريين غير قادرين على العلاج" ، يؤكد انهم يعتمدون على الحكومة وليس على الله!
تذكرة بلا رجوع
بعض الأطباء، يكتبون لمرضاهم العلاج بخطوط أشبه بخطوط جهاز رسم القلب، ونجد المريض أو أحد أقاربه، يحمل التذكرة الطبية وينتقل بها من صيدلية إلى صيدلية دون جدوى؛ ففي كل مرة يقف الصيدلاني صامتاً عاجزاً عن فك كلماتها الملغّزة. وقد يجد حامل التذكرة الطبية ضالته لدى صيدلاني عجوز مخضرم، وقد يأخذ من آخر ـ بطريق الخطأ ـ دواء غير الدواء ، يكون فيه موته الزؤام!
إن قائمة الانتظار الطويلة، وضيق وقت الطبيب، ليس مبرراً للشخبطة واللخبطة، فأهم من النواحي المادية، أن يكتب الطبيب اسم الدواء بخط واضح ومفهوم، فهذا أبسط تعبير عن مدى احترامه للمريض، وللصيدلاني، وبالتالي بناء جسور الثقة والأمان والاطمئنان بين الجميع!
نحن ما نأكل !
نحن ما نأكل، حكمة غذائية، توضح أن ما نأكله يتحوّل إلى جسد، وإلى دم . وكلما كان الغذاء صحياً، كنا في ملء الصحة!
ومع ذلك، لا تتحوّل القردة إلى بشر، ولا يستحيل البشر قردة؛ لمجرد اشتراكهم في تناول جوز الهند، والموز، وغيرهما!
ولم يصرالإنسان قطاً، ولن يكون القط إنساناً؛ لمجرد أنهما يتاولان: اللبن الحليب!
فقد تعودنا نحن المصريين،أن يتهمنا البعض، بإننا كالحيوانات؛ لأننا نأكل الفول!
مصنفين ما يأكله الإنسان، وما يأكله الحيوان.. وفاتهم تصنيف الماء الذي هو القاسم المشترك الأعظم بين كل الكائنات، وأسألهم: ماذا يكون الكائن الذي يأكل لحم الحيوانات، التي هي أساساً تأكل: "البرسيم"؟!
لجوء روحي
المدارس ترفع المصروفات، والتجار يرفعون الأسعار، والحكومة ترفع الضغط ، أما نحن فلنرفع عيوننا إلى السماء من حيث يأتي العون!


النار يا أمي/ لبنى ياسين


إهداء ألى روح البوعزيزي رحمه الله
عربة للخضار بأربع عجلات تدوس قلبي كل يوم ألف مرة،أجرجر وراءها خيبة يوم سابق، وعمر لاحق، أجمع فوقها أمنيات ضحلة بغد أفضل، وشمس تشرق على الجميع بالقدر نفسه من الدفء، دون أن تحرق أحدا منا وتدفئ الآخر، أجر خطواتي وعربتي بالقدر نفسه من الخيبة، و القدر ذاته من الاستسلام، ما الذي يمكن أن تأتي به عربة متواضعة للخضار، فواتير الكهرباء، دواء أمي، طعام العائلة المؤلفة من سبعة أشخاص؟؟.. هل بوسعها أن تشتري لي بعض الصبر، بعض الفرح، موتا مؤقتا أغلق خلاله عينيّ وعقلي عن كل ترهات زمن لا أجد نفسي محسوبا ضمن كائناته الحية.

دورية الشرطة تلاحقني، العربة غير مرخصة، والشارع الراقي يفقأ عين جماله مرور قباحة عربتي وصاحبها..ساكنو الشارع تؤذي ذائقتهم رائحة الفقر التي تفوح من كم وجعي، تتوجه الدورية إليّ بكل عناصرها، كأنما في جعبتي أموال الوطن، وخزي الرشاوى المقبوضة لاختلاس حقوق مواطن آخر، جريمته الوحيدة أنه لا يستطيع أن يدفع رشوة، إما لبقايا ضمير يرفض أن يموت ولو باغتيال من أصابع حامله، أو لجيب مثقوب لا يحوي قرشاً إضافياً يقدمه هدية حاجة مزمنة لجيب متنفذ آخر، قاطع طريق عصري، يقف في وجهك لا يشهر سلاحاً مرئيا لكنك تعرف جيداً أن طلقاته لا تأتيك إلا في مقتل، ويهدد حياتك دون أن ينطق بكلمة مسموعة.

لا شأن للشرطة بقطاع الطرق الذين ينهبون خزائن الوطن، ويتاجرون بأحلام شبابه، ويهربون الأماني في طائرة ورقية ليودعوها حسابات سرية، فالأمور تحسب بدرجة أهميتها، ولا شك أن عربة الخضار هذه أكثر خطراً على أمن البلد من جميع السرقات المفضوحة والمخفية، فوحدي حظيت بدورية كاملة، ولم يحظَ أصحاب السعادة اللصوص الكبار إلا بالتبجيل والتطبيل.

لا تنفع توسلاتي لأكبرهم رتبة، والشرح الذليل الذي أتكبده في أن ورائي عائلة، أفواها مفتوحة على آخرها بانتظار رغيف خبز نتقاسمه دون شبع، وبأدنى مراتب الشهية لقوت ليس في وسعنا أن نحظى برفاهية تبديله، وأنني لست رجلاً بلا مؤهلات، فقد صادف أن حصلت على إجازة جامعية منحتني إياها جامعة الوطن بعد أن دفعت ثمنها سنوات أربع، ليضاف اسمي في نهاية المطاف إلى قائمة العاطلين عن الحياة، اليائسين من الموت، المرتمين على قارعة الوجع، لا يهم المسمى، المهم أننا جميعاً نشترك بصفات تصنفنا في القائمة ذاتها، ليس عليك أن تحصي تلك الصفات، يكفي أن تنظر في عيون أحدنا لتدرك أنه في تلك القائمة التي يطويها الوطن كل يوم، وقد أضيفت إليها دفعة أخرى، لتنبت نخيل همٍّ ووهم على ترابه، همّ لا يقوى على اجتثاثه، فالأرض لا تنكر أبناءها، حتى وهم جائعون، عراة..يطلبون الموت ولا يطلبهم.

العربة في جعبة رجال الشرطة، يصادرونها وعلى وجوههم الكالحة يورق شيء أفهم بأنه عدم اكتراث، هم لا يسمعون صرخة قلبي وأنا أفقد مصدر رزقي الوحيد.. لو أنني كنت من قطاع الوطن،أولئك الذين ينامون كل يوم بعد أن يبتلعوا دواء للتخمة كتبه لهم مستشار الهضمية الذي يعمل في أفخم منتجع طبي تم تصميمه خصيصاً لأوجاع الكروش المنتفخة، والرؤوس التي استؤصلت ضمائرها، وزرعت بدلا عنه ذواكر إلكترونية لحفظ أرقام سرية لحسابات تفوق عدد أصفار أرصدتها قدرتي المتواضعة على المعرفة، تلك التي لا تتجاوز حدود الدراهم التي تفقأ عين حاجتي وأنا أدور بعربتي متوسلاً بيع البضاعة بربح بخس، بينما أتجرع كل يوم جوعي وقرفي وبؤسي..وبقية كرامة تأبى ألا أن تنخز خاصرتي قبيل النوم، تذكرني أنني أفقد كل يوم شيئاً من إنسانيتي، ويضاف إلى رصيد خسائري كوم من أشلاء أحلام كنت أرتكبتها قبل أن أدرك أن للأحلام لصوصاً، بمقدورهم أن يسرقوا الضوء من بين جفنيك..قبل أن تعرف أنه بإمكانك أن تراه جيداً.

أجرجر ذيول تعبي متجهاً نحو لا شيء، ولا يبدو عصياً على الفهم أن يكون الثقل الذي أجره الآن تحديداً -وقد نقص منه وزن العربة- قد زاد، وبدت خطواتي كمن يحمل في أقدامه قيوداً حديدية مربوطة إلى صخرة كبيرة عليَّ أن أحركها مع كل خطوة أخطوها.

أمرُّ إلى مكتب البلدية مراجعاً من أجل إعادة المتجر الضخم المتحرك الذي صودر مني دون حق، تتلقفني الموظفة كما لو كنت ذبابة سقطت على وجهها، فاندفعت تبعدها عن ملامح كبريائها بكل قوة.

"عُـدْ غداً"، وما أدراها كيف أعود غداً، وأنا لا أملك عشاء اليوم، سبعة كائنات حية ستنام اليوم دون عشاء، قد يسكت كبيرهم محتسباً، لكن ماذا عن صغيرهم؟ قد تبتلع أمي صوت تأوهها ألماً جراء نقص الدواء، لكن ما الذي يمكن أن يبتلعه الصغار لكي يسكتوا ولا يعذبون قلقي بجوعهم؟

أعود غداً، ذبابة نجسة لا تلبث أن تثير حمق الموظفة، فتطردها بالجملة نفسها، وأرجع بخيبة أكبر، وأعلم أن صوت الجوع اليوم سيغدو صاخباً، فلا أعود إلى البيت إلا في وقت متأخر، لكي أصافح أحلامهم الصغيرة برغيف لا أملكه..بدلاً من أصواتهم.

أعود غداً آخر..وآخر ..وآخر، قلا تقابلني إلا بالجفاء نفسه، يكبر الغل في كبدي، أصوات أخوتي الجوعى تتكدس في قلبي، وصوتها يستفز أكداس الهم الغافية فوق صدري، أخبرها بأنني أريد عربتي حالاً، فتمعن في بشاعة ردها البارد، لا أرجع هذه المرة كما تخبرني كل يوم، بل أبقى ملتصقاً بمكتبها، أخبرها أن ورائي جياعاً يريدون طعامهم، تأبى أن تستمع لكلمة واحدة، كأنما تحولتُ فعلاً لذبابة تزعجها دون أن تفهم شيئاً من أزيزها، فتبعدني بصفعة من كفها، أستشيط غضباً، يرتفع صوتي، فتسب أبي، أستشيط أكثر، يقترب مني حراس الأمن، بإمكانهم دائماً أن يحملوني خارجاً بحجة الأمن، ومن يخرجهم خارج حدود جوع أخوتي؟ من يخرجهم خارج حدود أحلامي الصغيرة؟ من يرفع آثار أقدامهم عن جثة آخر حلم دفنته في صدري؟ من يمنح أخوتي رغيفاً دون أن يكون مغموساً بدبق الحاجة ووجع الكرامة؟

لن أتحرك من هنا إلا بصحبة عربتي..

أصرخ ملء صوتي، فيقتربون مني بزيهم الرسمي، ووجوههم الجافة، يجـرُّوني خارج المبنى الحكومي، ويلقون بي إلى الخارج، أتحول إلى فأر قميء لا يروق لأصحاب البيت تطفله على بيتهم.

أقف خارج المبنى أمام الباب، مدفوعاً بكل أوجاعي وخيباتي وخسائري تنفجر دموعي غصباً عني لتغسل عار خدودي، أخجل من دمعي، من عجزي، من فقري، من جوع أخوتي، ووجع أمي، ألملم دموعي بطرف كمي، لكنها لا تتوقف، تشتعل النار في صدري، أشعر باللهيب يحرق كبدي، أصرخ بهم أعيدوا العربة أيها الكلاب، الصغار يريدون خبزاً... خبزاً فقط أيها الكلاب.

يجتمع عليّ بعض الأشخاص محاولين تهدئتي، بينما تصب علي نظرات حراس الأمن الساخرة وقوداً كافياً ليزداد حريقي، أعيدوا عربتي، فقد تستطيع شوارع الوطن أن تغضَّ النظر عن قباحتي، وقد تعتبرني ذبابة على خدها لكنها لن تقوم بطردي..إنه وطني أيها الكلاب..وطني.

النار في داخلي تستعر، نظراتهم الساخرة تزداد حدة، ترتفع قهقهاتهم لتملأ السماء صخباً، كل ما فيَّ يحترق، وأصوات جوع أخوتي يمخر عباب السماء، قلبي يتفتت، وقهقهاتهم ترتفع أكثر، لم يعدْ هناك معنى لوجودي، أي شيءٍ أستطيع أن أفعله يا أمي؟ عاجزٌ أنا عن ملء أفواه الصغار بقضمة خبز، عاجزٌ عن جلبِ دوائك، عاجزٌ عن حماية عربة الخضار..رفيقة خيبتي وفقري...عاجزٌ أنا عن الحياة يا أمي..عاجزٌ عن الحياة ...أشعلُ عود كبريت وأمنح ملابسي قبساً من النار، النار تستعر في داخلي، وفي ملابسي، وفي محاجر عيني، نظراتهم تصب علي وقوداً حامياً يرفع من وتيرة وجعي..النار يا أمي..النار تبتلعني ...فليموتوا يوماً واحداً كما أموت كل يوم، النار يا أمي...تلسعني، لكن نارهم أمضى وأكثر اشتعالاً..سيحترقون يا أمي فلا تحزني..هذه النار يا أمي..النار التي تشويني ستشويهم جميعاً..ستقتلع عيونهم وأظافرهم فلا تحزني، غطيني يا أمي..فأنا الآن أرتعش برداً، النار غادرتني إليهم..اطمئني يا أمي..ستثأر النار لي ولكم..ستثأر جيداً لجوعكم ولكرامتي، لخزائن الذهب المختبئة تحت جلودهم، وستستنشقين دخان احتراق كفوفهم التي امتدت إلى قوت أولادك، وسيبرد قلبك...غطيني يا أمي جيداً..فأنا أموت بـــ....رداً.
---
لبنى ياسين
كاتبة وصحفية سورية
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات

الرجال يريدون إسقاط المدام/ رأفت محمد السيد

ما أجمل هذا الشعب العظيم الذى فى أحلك الظروف تخرج من النكته والفكاهة فهو يطبق المثل القائل شر البلية مايضحك ، فى الأمس القريب كان الشعب ينادى بمنتهى الصدق والجدية ( الشعب يريد إسقاط النظام ) ويصر علي ماينادى به إلى أن تحقق له مااراد بفضل من الله وبعزيمة الشباب ومساندة رجال القوات المسلحة وتشجيع الاباء والأمهات لأبنائهن وبناتهم لتحقيق مالم يستطيعوا هم تحقيقة منذ ثلاثون عاما من القهر والذل – ليعبر الناس بعد تجاوز هذه الازمة بفكاهة على سبيل الدعابة والفكاهة والضحك فيرددون نفس الشعار الذى كانوا يرددونه بالامس ولكن هذه المره يطالبون بإسقاط زوجاتهم والأجمل أنهم أيضا يضعون أسباب هذا المطلب فى قالب كوميدى يعكس مدى خفة الشعب المصرى العظيم بل ويطالبون بخروج مظاهرة مليونية رِجَـالية تُـرَدّد هِـتَـافاتها (الـرِّجَـال يريدون إسقاط الـمَـدَام ) ، وهنا خرجت بعض (الزوجات) لترد على الفكاهة بفكاهة تفوقها قائلات: نعدكم بإجراء تعديلات جذرية تتمثل فى إصلاحات وتنازلات وطَـلَـبْـن من الرجال إنهاء المظاهرة والاعتصام ، ومن تلك التنازلات أو الإصلاحات :- السّـمَـاح للرجال بتعدد الزوجات كما أقر الشرع بعد تعسفهن من قبل وقولهن أنا زى الفريك ماحبش شريك - السماح لهم بالخروج مِـن المنزل فى أى وقت يريدون دون سؤالهم أين تذهب أو متى تأتى ؟ - عدم مراقبة الجوال والحاسب الآلي . ولكن المتظاهرين من الرِّجَـال رفضوا تلك التصريحات ، ورفعوا سَـقْـف مطالبهم حيث نادوا : برحيل المُـدَام التي ظلت كالحجرعلى صدورهم لِـعقود طويلة ؛ وقد تجَـوّل مراسلوا القنوات الفضائية العربية مثل الجزيلاة والعربية وBBC العربية وغيرها بين المتظاهرين الذين يحملون العديد من اللافتات ، وخرجوا بالتصريحات التالية
- طائفة من المتظاهرين تهتف (هى تمشى مش حنمشى) ولما سئل متظاهر عن السبب أجاب لقد كُـنتُ في خدمتها لأكثر من ثلاثين عاماً ؛ أعمل لها سائقاً ، وحَـامِـل أمتعة ؛ دون مقابل ودون كلمة شاكرويارتنى كنت عاجب ، طائفة أخرى من المتظاهرين تهتف
( إرحلى يعنى إمشى ) ولما سألنا متظاهر عن السبب أجاب لقد أفنيت صحتي وقُـوّتي في خدمتها وعندما مِـرِضت ؛ كان رد الجميل أنها تخلت عني ورمتني ، طائفة ثالثة من الرّجَـال ذكرت أنها أعلنت تمردها؛ لأن(الـمَـدَام المتسلطة ) ، كانت تستولي على رواتبهم ، وتنفق عليهم بالقطارة ؛ والآن جاء زمنهم للقضاء على فَـسَـاد (الـمَـدَام) ، طائفة رابعة من المتظاهرين تهتف ( الرحيل الرحيل ياللى خليتوا نهارنا ليل ) وبسؤاله عن السبب قال لقد كمّمت (الـمَـدام) فمي ومنعتني من التعبير وحرية الكلام سنوات طويلة ، والآن جاء دوري لأقول كلمتي : ( الرِّجال يريدون إسْـقَـاط الـمَـدَام)، هذا ، وقد كان ردّ (الـمَـدامات) على تلك الأصوات التي تطالب برحيلهنّ بأن تلك أصوات مأجورة وأن هذه الأحداث مؤامرة خارجية من النساء ذوات العيون الزرقاء والخضراء !!
وقد ذكرت القنوات الفضائية التي تبنت مطالب الرجال في الشوارع بأن المظاهرة مازالت قائمة ، وسقف مطالبها يرتفع ، فالرجال بحسب - شهود عِـيـان - لم يقتنعوا بتلك الإصلاحات التي أطلقتها (الـمَـدَامات) ، ووصفوها بأنها مجرد فرقعات إعلامية !!ولكنى من وجهة نظرى المتواضعة أرى أن الرجال يستطيعون إسقاط أى نظام إلا نظام وجبروت النساء ( إن كيدهن عظيم ) ولايقدر عليهن إلا الله - فهل تتوقعون أن يَـثْـبت الـرِّجَـل أمام تَـسَـلط وجبروت (الـمَـدَام) ؟!
raafat.1963@gmail.com


خامنئي يريد أن يغير العالم کله إلا إيران/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

يطلق القادة الايرانيون بشکل عام، و خامنئي بشکل خاص، تصريحات نارية واستثنائية بخصوص ضرورة إجراء وحدوث تغييرات سياسية وفکرية في دول العربية بصورة خاصة والعالم کله بصورة عامة، خامنئي، وخلال جل خطبه الاخيرة، يريد ان يوحي للعالم أجمع ولشعوب المنطقة خصوصا، بأنه يساند ويدعم التغيير في مختلف ارجاء العالم وانه يدعو کل الشعوب للنهوض من أجل بناء مستقبلها. خامنئي، الذي يصدر التصريحات والفتاوي تلو الاخرى ويظهر نفسه بمظهر المناصر والمؤيد والداعم لموقف الشعوب الرافضة لحکامها بصورة تجعله يبدو وكأنه الملهم والموجه لهکذا تيار، لکن، وعند التمعن والنظر بدقة الى المشهد الايراني والاوضاع المزرية التي يمر بها شخصيا مع نظامه قبالة المطالب الجماهيرية العادلة للشعب الإيراني وابسطها رفض نظام ولاية الفقيه، نستطيع أن ندرك وبکل وضوح ان تصريحات وفتاوي"التغيير"و"الثورة" التي يصدرها من طهران ليس يصدرها إلا من أجل معالجة الاوضاع الداخلية الايرانية التي تکاد أن تشبه قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، خامنئي يريد ومن خلال إتباع سياسة توجيه الانظار صوب الخارج وإصطناع او إفتعال المشاکل والازمات او التدخل في امور اخرى من أجل أهداف خاصة، السيطرة من جديد على زمام الامور الداخلية التي باتت رويدا رويدا تفلت من بين يديه وهو کما يبدو مع جميع ارکان نظامه يعاني الامرين من اجل إرجاع الاوضاع الى سابق عهدها، لکن وکما هو مؤکد فإن هذه المهمة صارت في حکم المستحيل وان اوساطا من النظام الايراني قد باتت تنظر بتشاؤم الى المستقبل ومن المرجح انها قد بدأت في الاعداد والتخطيط للمستقبل المجهول.
ان خامنئي الذي يرفع عقيرته مناديا الشعوب کي تهب للثورة وتقوم بتغيير الاوضاع في‌ بلدانها نحو الافضل، ينسى القاعدة القرآنية المعروفة:( الاقربون اولى بالمعروف)، إذ ان شعب إيران أولى من کل شعوب العالم بندائاته"الحميمة"و"المخلصة" وهي"الاحوج"لفتاويه التي بات يقدمها لکل الشعوب من دون إستثناء، نعم أن شعب إيران الذي يعيش حالة من الغليان الثوري و يطمح ويعمل بکل جهوده من أجل احداث التغيير بما يخدم آماله وتطلعاته، يبدو أن عيني الولي الفقيه ليس بإمکانها أن تبصره وان آذانه کما يبدو أيضا عاجزة عن سماع أصوات الاحتجاج والرفض المتصاعدة من طهران وزنجان وأصفهان وتبريز وسنندج وغيرها من المدن الايرانية، لکن آذانه وفي نفس الوقت بإمکانها أن تلتقط أصوات الرفض والاحتجاج في قارتي افريقيا وآسيا وکافة أرجاء العالم، فهل أن خامنئي ولي أمر جميع شعوب العالم ومن حقه التدخل في شؤونها کيفما يحلو له إلا أنه وعندما يتعلق الامر بشعبه وما يشعر به من ظلم وجور وإظطهاد وفساد وتزوير لإرادتهم وسرقة لثرواتهم، فإن الأمر يصير بصورة مغايرة تماما، فإيران بالنسبة للخامنئي مثل النسبة الثابتة 22/7، لاتغيير فيها أبدا فيما يعتبر العالم کله ساحة مفتوحة للتغيير ومن حقه"تصدير"فتاويه بالمفرد والجملة لها.
اننا کمرجعية اسلامية للشيعة العرب، في الوقت الذي نستهجن ونرفض بشدة هکذا اسلوب يعتمد اساسا على مبدأ"الکيل بمکيالين"، فإننا لانستغرب أبدا من إلتزام خامنئي لهذا الاسلوب والطريقة غير الاسلامية، ذلك أن نظام ولاية الفقيه قد عاش ويعيش على مبدأ الکيل بمکيالين في تعامله مع العالم من جهة، وإيران من جهة اخرى، وان هذا الاسلوب ومع مرور الايام قد أثبت عقمه وفشله الذريع في تسيير وتجيير الامور بما يحلو للنظام ويخدم أهدافه، واننا نقول أن تلك الفتاوي التي يصدرها خامنئي ويوجهها الى خارج إيران فعليه أن يدرك جيدا من أنه ليست هنالك من آذان مستعدة للإصغاء الى کلام رجل يتجاهل معاناة وحرمان شعبه ويتظاهر بالاهتمام بمعاناة وهموم شعوب اخرى هي اساسا في غنى عن فتاويه وتوجيهاته وإرشاداته وان الشعب الايراني الابي قد عرف طريقه وهو يعمل بکل جهده من أجل بلوغ أهدافه وغاياته السامية في حياة حرة کريمة والتي لن تکون متيسرة أبدا مع بقاء هذا النظام، واخيرا، فإننا نقول؛ أن خامنئي وکما يصدر فتاوى إنهاء وتغيير النظم، فإن عليه أن يعلم جيدا بأن الشعب الايراني قد أصدر قراره الوطني الحر الشجاع بتغيير نظامه و بناء نظام وطني ديمقراطي قائم على حكم الشعب بيد وإرادة الشعب يخدم آمال وتطلعات إيران وشعبها وعموم شعوب المنطقة و العالم.
*المرجع الإسلامي للشيعة العرب.

الفيتو لم يسقط رهان المفاوض الفلسطيني على أميركا/ نقولا ناصر


(عباس يواصل التعاون مع الولايات المتحدة بالرغم من "الفيتو" ويؤكد أنه لا يسعى إلى مقاطعة الإدارة الأميركية)

صحيح أن حق النقض "الفيتو" الذي أشهرته الولايات المتحدة ضد مشروع قرار فلسطيني - عربي تبنته (14 من 15) دولة عضو في مجلس الأمن الدولي وشاركت في رعايته (120) دولة عضو في الأمم المتحدة في الثامن عشر من الشهر الجاري قد عرى كل ادعاءات إدارة باراك أوباما "بالتغيير" وكشف زيف كل وعودها المعسولة لمفاوض منظمة التحرير الفلسطينية وأثبت أنها لا تختلف عن سابقاتها، لكن الصحيح أيضا أن "الفيتو" لم يسقط رهان المنظمة ومفاوضيها على أميركا مع انه وجه صفعة وقحة لاستمرار رهان هذا المفاوض على "عملية السلام" والرعاية الأميركية لها وعلى استمرار تمسكه باستراتيجية "التفاوض فقط" كخيار وحيد فرضته واشنطن عليه.

غير أن هذه الصفعة كانت موجهة إلى الشعب الفلسطيني قبل أن تكون موجهة إلى من يتفاوضون باسمه، وكان من المتوقع أن تقود إلى موجة احتجاج شعبي عارمة معادية لأميركا، احتاطت لها القنصلية الأميركية في القدس بإجراءات احترازية حظرت فيها على المسؤولين الأميركان دخول أريحا وقيادة السيارات في طرق الضفة الغربية المحتلة وزيارة معبر الكرامة مع الأردن لمدة ثلاثة أيام.

إن مسارعة مفاوض المنظمة إلى استباق هذه الموجة بمحاولة ركوبها عن طريق قيادة حراك شعبي معاد لفظيا لأميركا إنما هو محاولة بائسة مليئة بالتناقضات تحاول حرف الغضب الشعبي بعيدا عن هذا المفاوض الذي يمثل العنوان المحلي للولايات المتحدة وسياساتها والرهان عليها.

فبينما كانت وزارة خارجية سلطة الحكم الذاتي في رام الله تصدر بيانا رسميا يقول إن الإدارة الأميركية باتت وسيطا غير نزيه يقف في وجه القانون الدولي وضد الإجماع الدولي ولم تعد قادرة على رعاية أي مفاوضات مع دولة الاحتلال، وكان الأمين العام للجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه يقول إن "الفيتو" الأميركي وجه ضربة قوية لجهود إحياء هذه العملية، وكانت حركة "فتح" تنظم مهرجانا في رام الله خاطبه قادة في الحركة منهم عضو اللجنة المركزية توفيق الطيراوي الذي حث على الخروج إلى الشوارع في يوم غضب أمس الجمعة لم يخرج أحد فيه للغضب ضد ما قال إنه "الابتزاز" الأميركي الذي كشف "الوجه الحقيقي" لأميركا وكشف كذلك "الكذبة" الأميركية في الدعوة إلى الحرية والديموقراطية في العالم العربي، وكان القيادي في الحركة حاتم عبد القادر يحث على مقاطعة المسؤولين الأميركيين ومؤسساتهم ومنظماتهم، .. في هذه الأثناء كان رئيس فتح والسلطة والمنظمة محمود عباس يصرح لوكالة الأنباء الرسمية "وفا" بأنه سوف يواصل التعاون مع الولايات المتحدة بالرغم من "الفيتو" ويؤكد أنه لا يسعى إلى مقاطعة الإدارة الأميركية!

إن "القرار" الذي أعلنه عباس يدحض "التظاهر" اللفظي في التصريحات وبعض ميادين المدن بالعداء لأميركا ويجعل من هذا "التظاهر" محاولة مكشوفة لركوب موجة غضب شعبي متوقعة ضد الولايات المتحدة من ناحية ومحاولة فاشلة من ناحية ثانية للتقرب من الشعب الفلسطيني الذي يتابع متململا جموع أشقائه العرب وهي تحاصر حكامها في انتفاضة تستلهم روح الانتفاضة الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي.

إن "عملية السلام" ومفاوضاتها والشروط الإسرائيلية التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية (الأمم والولايات المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي) لإدامة الانقسام الوطني الفلسطيني هي أجندة أميركية لضمان أمن دولة الاحتلال وانتزاع الاعتراف العربي والاسلامي بها كثمن لقبولها التفاوض على توسعها العسكري والاستيطاني منذ سنة 1967، وهي الأجندة التي يصر مفاوض منظمة التحرير على استمرار الالتزام بها. ولا يوجد أي تفسير منطقي أو مسوغ حتى "براغماتي" لاستمرار هذا الالتزام سوى كون المفاوض أصبح رهينة لهذا الالتزام كتوأم سيامي متصل من الرأس لا يمكن فصله إلا بعملية جراحية تكاد تكون مستحيلة دون المخاطرة بموته.

وفي هذا السياق نفسه تأتي مبادرة رئيس الوزراء المكلف في رام الله، د. سلام فياض، الذي استنتج مؤخرا بأن كل حوارات الوحدة الوطنية السابقة قد فشلت لأنها انطلقت من تحقيق المصالحة أولا كشرط لإنجاز الوحدة، لذلك فإنه يدعو اليوم إلى حكومة وحدة وطنية تقود إلى المصالحة على أساس رفض التعددية الأمنية، والقبول بالتعددية السياسية خارج دائرة صنع القرار الوطني طبعا فهذه الدائرة يجب أن تظل موحدة أيضا على أساس الأجندة الأميركية. وبغض النظر عن كون فياض "ليس طرفا في الخلاف القائم"، وكونه "لا يمثل قيادة فلسطينية" و"غير مخول بالحديث في الشأن العام"، كما تقول حركة "حماس"، فإن خلاصة اقتراحه في ظاهره دعوة إلى الوحدة تفتقد الصدقية في جوهرها وإلا لما وضعت العربة أمام الحصان، كما يقول المثل الغربي، فحصان الوحدة لن ينطلق دون مصالحة، والمصالحة لن تتحقق دون الاتفاق على أجندة سياسية موحدة، ف"المشكلة ليست مشكلة حكومة" كما قال القيادي في "حماس" صلاح البردويل، إذ انهارت حكومة الوحدة الوطنية التي أعقبت الانتخابات التشريعية عام 2006 بسبب الاختلاف على الأجندة الأميركية لمفاوض منظمة التحرير.

وربما يكون جديرا بالتذكير أن المرة الأولى في تاريخ العلاقات الأميركية مع منظمة التحرير التي قدمت فيها الولايات المتحدة معونة مالية مباشرة إلى سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية كانت بتاريخ 16 تموز / يوليو 2004 بعد استحداث منصب رئيس الوزراء في أواخر عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما أودعت حوالي عشرين مليون دولار في حساب خاص يديره وزير المالية آنذاك سلام فياض. وفي العام التالي وصف الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو. بوش انتخاب محمود عباس رئيسا للسلطة بأنه "يوم تاريخي". وبعد "إزاحة" الشهيد عرفات اعتبرت واشنطن أن النظام السياسي الذي خلفه بقيادة الرجلين كان ثاني نظام سياسي تغيره في الشرق الأوسط بعد احتلال العراق. وفي سنة 2007 أطلقت الولايات المتحدة "الشراكة الأميركية – الفلسطينية" بهدف "دعم قيادة فلسطينية ملتزمة بالسلام ومستعدة للتفاوض على التسويات السياسية المطلوبة للوصول إلى هذا الهدف الهام"، حسب الموقع الالكتروني الأميركي لهذه الشراكة.

إن إعلان عباس بأنه سوف يواصل التعاون مع الولايات المتحدة بالرغم من "الفيتو" الأخير يؤكد استمرار التزام الرجلين بالشراكة بين الطرفين وبالأجندة السياسية المنبثقة عنها. ومما يلفت النظر أن بقاء حقيبة وزارة مالية السلطة بيد فياض وتمويل منظمة التحرير عن طريقها قد تحول إلى الضمانة الأميركية لاستمرار الزام مفاوض المنظمة يهذه الأجندة.
وقد سوغت المنظمة والسلطة التزامهما بالمضمون الأمني لهذه الشراكة، ومنه التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، بالالتزام الأميركي بالأجندة السياسية لها. ومن الواضح أن "الفيتو" الأميركي يوم الجمعة قبل الماضي قد أكد مجددا بأن الانحياز الأميركي لدولة الاحتلال الإسرائيلي في الصراع العربي معها سوف يظل ثابتا من ثوابت السياسة الخارجية الأميركية لا يتغير بتغير الإدارات الحاكمة في واشنطن ما لم تبن مجموعة الدول العربية مواقفها من الولايات المتحدة على أساس هذه الحقيقة، وهي لن تفعل ذلك طالما ظل أي ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني يرفض البناء على هذه الحقيقة التي حولت الولايات المتحدة إلى شريك للحركة الصهيونية العالمية في احتلال فلسطين.

لكن "القيادة الفلسطينية" المفاوضة - - التي تعاني من "مشكلة شرعية" حيث "لا توجد مساءلة ولا ضوابط ولا توازنات" كما قال الناطق باسم حكومتها في رام الله د. غسان الخطيب للبي بي سي يوم الأربعاء الماضي - - ما زالت ملتزمة يالشق الأمني للشراكة مجانا دون أي التزام سياسي أميركي مقابل، في تناقض لم يعد ممكنا وصفه بالبراءة طالما يصر اصحابه على المكابرة في الاثم كي لا يعترفوا بفشلهم وعجزهم وبالتالي للتقاعد والرحيل طوعا قبل أن يجتاحهم طوفان الترحيل الإجباري للقيادات الذي يجتاح المنطقة.

فمنذ عام 1947 عندما صدر قرار تقسيم فلسطين الذي تبنته الولايات المتحدة الأميركية صدر عن الأمم المتحدة أكثر من (800) قرار لصالح القضية الفلسطينية منها أكثر من (74) قرارا لمجلس الأمن الدولي، وعارضت الولايات المتحدة أكثر من (305) قرارات في الجمعية العامة وامتنعت عن التصويت على أكثر من (78) قرارا واستخدمت "الفيتو" أكثر من (36) مرة ضد مشاريع قرارات تدين دولة الاحتلال الإسرائلي من مجموع يزيد على (77) مرة استخدمت فيها حقها في النقض.

ومع ذلك ما زالت قيادة منظمة التحرير تسعى إلى إضافة قرارت جديدة من المنظمة الأممية تضاف إلى ركام القرارات السابقة المهملة في أدراجها بانتظار قرار فلسطيني أو عربي أو كليهما بالاستعداد لوضع أي من هذه القرارات موضع التنفيذ على الأرض، في الأقل أسوة بالحركة الصهيونية التي كانت جاهزة لتنفيذ قرار التقسيم (رقم 181 لعام 1947) من جانب واحد، لكن المنظمة تسعى إلى استصدار قرارات أممية جديدة وفي الوقت نفسه تجرد شعبها من كل أسباب المقاومة القادرة وحدها على وضع أي قرار دولي موضع التنفيذ، لا بل الأدهي والأمر أنها بدلا من ذلك ما زالت تراهن على وهم أن تنقلب الولايات المتحدة على شراكتها مع دولة الاحتلال لتتحول في الأقل إلى وسيط نزيه غير منحاز دون أن يكون للمنظمة أي دور يجبرها على ذلك.

* كاتب عربي من فلسطين

ورثـــة الشـــر!/ عـادل عطيـة


عندما اندلعت ثورة الخامس والعشرون من يناير، رأينا كيف خرجت النفوس الذهبية من الوردة النارية وهي أكثر نقاء، وصفاء، ولمعاناً، وظننا أن القلوب والضمائر التي اخرجت لنا شوكاً وحسكاً ، وكانت مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها للحريق قد اندثرت في بوتقتها المقدسة.
ولكننا بعد أن شاهدنا في ميدان التحرير كيف تعانق الهلال والصليب بصدق و حميمية يجسدها رمزياً وبصورة مدهشة مفتاح الحياة الفرعوني "عنخ"، صدمنا بكل مشاعر الحزن الرهيب، وصرخات الاسى العظيم، والرعب الذي لا يمكن وصفه، بنفوس أخرى عنقائية الشر، مهما احترقت، تولد من جديد من الرماد بهويتها الشريرة التي تمتد إلى ما هو أبعد من الذات والعائلة!
فهوذا ماهر الجوهري، يصرخ من التعسف والتعامل غير اللائق الذي يلقاه من الضباط، حتى بعد رحيل العادلي، والاستمرار في منعه من السفر مع أنه يحمل تصريحاً قضائياً بالسفر هو وأبنته!
وهوذا الأقباط يصرخون..
من حوادث القتل والذبح التي تطالهم هذه الأيام أكثرها في صعيد مصر!
وحرائق لكنائسهم في رفح، والعريش!
وهجوم على بعض الأديرة!
،...،...،...
نحن لا نريد ابادة الاشرار، ولكننا نريد ابادة الشر الذي فيهم.
وهي مسئولية المؤسسات الدينية.
وعليها محاولة العدو بالتزامن مع حركة التاريخ ودوران الأرض حول الشمس، وتبدأ في:
معالجة هؤلاء الذين سلّموا دفة حياتهم لإبليس، فلم يعد يجذبهم انتصار الحياة والفرح، ولم يعودوا منشغلين بولادتهم بل بموتهم ، وموت غيرهم!
وملاحقة ارهاب الفكر، فهو أخطر أنواع الارهاب، لأنه ارهاب خفي يتسلل ليسمم العقول ، وصاحبه لا يحتاج أن يكون ملثماً، ولا أن يحمل سلاحاً !
ومحاربة عقول هؤلاء الذين يرتكبون جرائم الكراهية التي تبدأ عندما تتحول المنابر عن وظيفتها الاساسية، فبدلاً من زرع الحب والسمو الاخلاقي بين اتباعها، تجعل اتباعها مجرمين باسم الدين!
فهذه قضية اساسية تتعلق باحترام اوقات صعبة ومفجعة في تاريخنا.
،...،...،...
يقول غاندي: "دور العبادة ليست ذات قيمة إلا إذا حرسها رجل الله الخيّر".
فماذا نقول لو كانت ذات خطر؟!...

ثورة الأسلام المعتدل/ د. عبد الله عقروق


كل الحقائق التي ذكرت في اشعال هذه الثورات كانت حقيقية وواقعية . أنظر أنا الى ما حصل ، وبهذه السرعة ، الى ثورة جديدة لا أحد اعطاها اهمية وهي ثورة الأسلام المعتدل الذي اكتشفت فجأة أن المتشددين في تطبيق الشريعة الأسلامية هم اوهام تدفع المسلمين الى الأنغلاق وعدم مسايرة الحضارات الأخرى ..وأكتشفوا أن بعبع القاعدة والدعوات الأسلامية المتطرفة هي التي تفرقهم ، وهي التي تمونها االولايات المتحدة لأجل الأساءة الى الأسلام الحنيف ورسالته الأنسانية العادلة ، وتجاوب الاسلام مع العصر ، وأن الدين يسر وليس عسرا
ويخطيء الكثير من المسلمين باعتقادهم بأن العولمة العربية التي ستكون مرتبطة ارتباطا كاملا مع ادياننا السماوية خطر على الاسلام والمسلمين ، ولا يعلمون انها سوف تجعلهم يديرون أمورهم الدبنيه بطرق أصلح وأسلم برجال الدين الأكفاء من رعيل الشباب الذين درسوا الفقه الأسلامي دراسة وافية ، واصبحوا من العلامة المشهورين ، واصبح لهم باعا طويلا في التعمق بأصول الدين التي تتناسب مع اصولهم والعادات العربية والتقاليد وكل الموروثات الصالحة من تاريخنا
نحن شعب من شعوب هذا العالم . ملزمون أن نتعامل مع الدول الأخرى بشكل عصري حضاري .وأصبح يربطنا مصالح كثيرة مع الأخرين .هذه المشاكل لا تحل الا اذا استعملنا العقل المتطور المتحضر لنتعامل مع هذا الكم الكبير من الدول .ويجب أن تكون قراراتنا في مستوى المسئولية كتركيا مثلا . فالأتراك متمسكون كل التمسك بفرائض ديتهم ،وايمانهم موصول مباشرة مع الخالق .ومعظمهم يعملون حسب ما يراه الدين الحنيف مناسبا ومعقولا ..ويجب أن نغض النظر عن المسلسلات التركية التي تعكس صور القليلين جدا في المجتمع التركي ، وهنالك اشياء كثيرة ممكن أن نتعلمها من هذه المسلسات احترامهم لدينهم وعاداتهم وتقالبدهم والحب المتناهي بين الاسرة الواحدة ..هذه كلها تجعل هذه الدولة الأسلامية أحسن مثال ، والتي يعطيها الرونق الجميل هو عندما يظهر رئيس الجمهورية التركية و تظهر السيدة عقيلته بحجابها التي يعطيها الحشمة والوقار
هذه الثوراات التي رأيناها في الأردن ، ثم تونس ، ثم مصر ، وغدا في ليبيا والجزائر ، ودول عربية أخرى هم رجال ونساء مسلمون. لم نر للمرة الأولى الأسلمين كجماعات الأخوان المسلمين ، أو غيرهم .كذالك لم نجد اعلاما أمريكية وأسرائيلية تحرق بل كان غالبيتهم العظمى مسلمين يؤمنون بأن حكوماتهم قد هدرت كراماتهم ، ونكلت بشبابها ، وسرقوا ثروات البلاد ، رأيناهم مواظبين على أوقات الصلاة . يتمتعون بسمو عال من الأخلاق والمعاملة ، يعملون كفريق واحد ، حافظوا على مباني الحكومة ، ووقفوا صفا واحدا أمام المتاحف الرئيسية ، كان تعطشهم للحرية دافعا اساسيا وكانت هتافاتهم تدل انهم يريدون حكما عادلا شريفا نزيها لا يميزهم عن بعضهم البعض الا التقوى يطبقون كل تعاليم الاسلام بأعمالهم وأقوالهم ولافتاتهم، ايمانهم بالدين الحنيف
الشباب المؤمن المندفع لتصحيح أمور بلادهم ، ويفرضون على الحكومات سياسة التغير ، وانهاء مدة خدماتهم التي واكبت اعمارهم وأكثر ، ولاقوا الأمرين منها ، وتشردوا في كل بقاع الأرض لأن قيادتهم كانت تعتبر أن المواطن أصبح عبئا على الدولة ، وتشجيعه على الهجرة والغربة . أحس هؤلاء الشباب والشابات أن الأنظمة ديكتاتورية غير حكيمة وليست عادلة فهبوا جميعا للثأر الى كرامتهم المهدورة وساروافي الشوارع يطالبون الحرية ..لم يطالب احدهم بأن يكون الدين جزءا عن الدولة .ولم يريدون أن يحكمهم اسلاميين متطرفين أو متزمتين، أرادوا الحرية والعبش الأفضل تماما كما نص عليه الدين الأسلامي .وحققوه ،
ان هذه الموجات المندفعة من شبابنا وشاباتنا يرون أن الدين لله والوطن للجميع .والوطن والوطنية لا تباع وتشترى ، وأن حقوق الأفراد والجماعات حق للجميع مهما كانت انتماءاتهم السياسية ، ومكان ولادتهم ، واختلاف اديانهم ومذاهبهم ..وأجمل ما كان في ميدان التحرير بالقاهرة هو نبذ اقباط مصر الأذعان لآوامر قداسة البابا شنودة من اعطاء الولاء الى مبارك ، والعودة الى بيوتهم ، حينها ترك الأقباط كنائسهم ، وترك الكهنة مكان عباداتهم وصلوا معا في ميدان التحرير .لقد عصي اقباط مصر اوامر البابا وانخرطوا مع احوانهم وأصبحوا جزءا من هذا النسيج القومي ..كما خرج اساتذة وشيوخ وطلاب الأزهر وانضموا مع الشعب الثائر .فلم يرفعوا الشعارات الدينية تطالب بتطبيق الشريعة الأسلامية ، بل هتفوا جميعا للوحدة الوطنية
هذا الخليط من شعب مصر رجالا ونساءا ورجال دين من الازهر الشريف يدل أن ثورة جديدة ولدت في العالم العربي ، وهي ثورة الأسلام المعتدل بعيدا عن شعارات اعتدنا على سماعها طول السنوات الماضية .هؤلاء الشباب والشابات قادرون أن يحكموا مصر العربية ، مصر الأسلامية بالعدالة بين جميع سكان مصر مسلمين أم اقباط ، ويمنحو الشعب حرياتهم التي سلبت منهم ، ويعيدون لهم كرامتهم التي هدرت ، واموالهم التي سلبت ، وشخصيتهم التي سحقت ، محافظين كل الحفظ على ديانة الأسلام والتي تناسب مع كل عصر وزمان .أن السلام المعتدل هو الذي سيجعلنا أن نركز ثانية على اظهار نهضة عربية اسلامية مثقفة مخلصة لاوطاننا. حضارة نفتخر بها والجميع ينتمي الى هذه الحضارة التي ستعيد امجادنا ، وستوحدنا جميع لنصون الوطن ، ونعيد بناءه ليتماشى مع العصر ، حتى نبرهن للجميع أن الأسلام ليس القاعدة .أن الأسلام ليس ارهابيا .ان الاسلام لا يكفر الأديان السماوية الأخرى .أن الأسلام لا يرفع السلاح على أخيه المسلم .أن ألأسلام المعتدل ينصف الجميع آن كتابه هو القرأن الكريم ،كتاب الله المنزل ، وديانة الأسلام مبنية على السنةالأسلامية ، والأحاديث النبوية الشريفة لا على المذاهب التي وضعها الأنسان ، ولا على الأجتهادات البشرية ، وبعيدة كل البعد عن العديد من هذه الفتاوي التي اصبحت سلعة يتاجر بها رجال الدين ، كما فعل بابوات روما في العصور الوسطى أنهم بدأوا يبيعون اماكن في الجنة مقابل مبالغ باهظه يدفعها الكاثوليكي تسمى رسائل الغفران ..وهذا ما جعل الكنيسة البروتستانتيه الأنفصال عن الكاثوليكية ..الأسلام المعتدل الذي يتبع القرأن الكريم ، والسنة ، والأحاديث النبوية الشريفة قادر أن يجمع المسلمين الى اسلام واحد بعيد عن الأنشقاقات المذهبية والتعصب الأعمى لبعض هذه المذاهب ..الأسلام المعتدل يجمع ولا يفرق لآنه مبني على المثلث الأوحد .القرأن الكريم ، الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، وألأحاديث النبوية ولا شيء أخر

هل تقدم امريكا على غزو ليبيا؟/ سعيد الشيخ

في حمأة الاحتجاجات الشعبية الجارية في كل المدن الليبية والتصدي العنيف الذي يمارسه نظام القذافي، حيث يزج بالوحدات العسكرية المتبقية تحت سيطرته لمواجهة هذه الاحتجاجات بقوة السلاح، من أثرها سقوط اعداد هائلة من أفراد الشعب الليبي بين قتيل وجريح واطلاق النار بدون تردد على الوحدات العسكرية التي تتمرد على اوامر النظام والانضمام الى صفوف الشعب الذي اعلن الثورة لإسقاط النظام...
وسط هذا المشهد الدامي فأن السؤال العاجل يطرح نفسه: هل تقدم الولايات المتحدة الامريكية على غزو ليبيا؟
المسببات كثيرة التي تجعل امريكا ان تفكّر في الاقدام على مثل هكذا خطوة، وهي ماثلة للعيان وقد يعلنها البيت الابيض في حال قراره بالتدخل مثل حماية الامريكيين المتواجدين في ليبيا ووقف المجازروالعنف ضد الشعب الليبي ومساعدته في بناء نظام ديمقراطي، ولكن السبب الاساس والرئيسي سيظل طي الكتمان في ملفات واشنطن السرية،ألا وهو حماية منابع النفط الليبية من أن تقع في أيدي قوى متطرفة قد تدخل على خط المشهد الليبي كتنظيم القاعدة. وهذا السبب أيضا هو ورقة القذافي الاخيرة التي يلّوح بها في كل كلمة يتوجه بها لتهدئة الشعب الليبي،ويخوّف بها الغرب المشدوه بما يحصل والذي أصابه الصمم والبكم امام المجازر الجارية.
الولايات المتحدة الامريكية ما زالت في مرحلة دراسة الخيارات،وربما تنتظر تحوّل في الاحداث على الارض لإتخاذ قرار حاسم لتنسيق خطواتها تجاه ليبيا. وهي هنا لا يغيب عن تفكيرها ابدا بأن الثورة الليبية التي لم ترسو سفن انتصارها بعد هي فرصة ثمينة للتدخل في المشهد الليبي الدامي كي تبدو مرة أخرى على انها راعية الديمقراطيات العربية وجالبتها على الطريقة العراقية.
تقديري ان الولايات المتحدة الامريكية لن تفوّت فرصتها الثمينة في امتداد امبراطوريتها نحو ليبيا المترامية الاطراف والغنية بالنفط، حيث ستمنع التقسيم الذي بدأت ملامحه تبدو على الارض. وهو يروق على ما يبدو للعقيد القذافي وقد ألمح به ابنه سيف الاسلام عندما ظهر في التلفزيون الليبي في بداية الاحتجاجات.
ان خيارات الشعب الليبي صعبة للغاية وتبدو مستحيلة في الرضوخ والبقاء تحت حكم ديكتاتوري او القبول بحكم امريكي امبراطوري قادم لنهب خيرات البلاد.
ولكن الشعب الليبي الأبي الذي عرف طريق الحرية سيقهر المستحيلات، وهو على استعداد للمضي في سبيل الحصول على الحرية الكاملة مهما تكاثرت التضحيات.

كاتب فلسطيني-مدير موقع الوان عربية
www.alwanarabiya.se

الانتخابات الفلسطينية ديمقراطية مشوهة؟/ عبـد الكـريم عليـان

اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعها الأخير دعت إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مدة لا تتجاوز شهر أيلول المقبل، ومن الواضح أن الرد جاء سريعا من قبل حركة حماس برفض الانتخابات جملة وتفصيلا واتهمت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأنها لا تمتلك أية شرعية.. أما السيد عزام الأحمد رئيس كتلة فتح البرلمانية دعا حماس لإعادة النظر في موقفها من الانتخابات التشريعية والرئاسية، وقال: لنتوجه إلى صندوق الاقتراع وليكن الحكم بين فتح وحماس لإنهاء الانقسام السياسي، وأضاف أن اللجوء إلى الانتخابات جاء من منطلق غياب الوسيط المصري للمصالحة الفلسطينية..

عندما سمعت وشاهدت حديث الأخ عزام على الشاشة شعرت بأنه كان يستجدي من حماس الموافقة على الانتخابات، ولو أنه قال: بأن الانتخابات يمكن أن تجرى حتى في غزة كما أجرتها حركة فتح في السابق بطرق مختلفة مثل التليفون والإنترنت.. إنه من المخجل يا سيد عزام انتظار الموافقة من حزب أو تنظيم مهما كانت قوته، لأن الانتخابات حق دستوري للمواطن الفلسطيني وليست حقا لأي حزب أو تنظيم بأن يفتي فيها، وكان الأجدر بكم عدم انتظار الوسيط المصري أو أي وسيط آخر لتنظيم هذا الشأن قبلت حماس أم لم تقبل؟؟ وكان يمكن فضح زيفها من خلال نتائج الانتخابات ومشاركة الناس فيها، ونعتقد أن التكنولوجيا الحديثة وفرت كل ذلك بتقنية عالية وبدون تزييف أو تزوير يذكر.. ويمكن أن نطلب من أصدقائنا أو من الأمم المتحدة أن تشرف على هذه الانتخابات وعلى حماس وغيرها.. والمجتمع الدولي القبول بنتائجها هذا هو المنطق وحكمة العقل دون وساطة من أحد ودون تأجيل وتسويف..

لكن علينا أن نسأل أنفسنا أولا ونحن نشهد تغييرا وثورات عارمة تطالب بتغيير الدساتير والأنظمة العربية، هل يمكن أن نمارس الديمقراطية الحرة والشريفة والنظيفة ؟؟ في ظل قوى سياسية تتخذ من الفكر الديني الوهابي منهاجا ودستورا لا يتلاءم وحاجات شعبنا ؟ إنها تريد الديمقراطية لمرة واحدة كي تصل إلى الحكم وبعدها تفرض نظاما على مقاسها بالقوة كما حصل في غزة؟؟ إن الديمقراطية والإسلاموية لا يلتقيان، كما أن الديمقراطية جاءت كبديل أو نقيض لسيطرة الكنيسة قرونا طويلة على المجتمعات الأوربية، ودفعت تلك المجتمعات دما غزيرا في تخلصها من هيمنة الكنيسة وسيطرتها على مقدرات الشعوب.. إن دساتير العالم الديمقراطية لم ولن تقبل بوجود أحزابا سياسية ذات توجه ديني.. والسبب في ذلك واضحا وجليا حيث أن أحزابا كهذه سوف تستغل فطرة الناس و(الربانيات) لصالح حملاتها الانتخابية والديماغوجية، ولعل مجتمعاتنا العربية مهيأة لذلك تماما والعقلية العربية هي دينية بالفطرة والوراثة...! كذلك سوف تستغل أماكن العبادة المتوفرة في كل حي وكل بقعة مأهولة كقواعد حزبية مجانية، حيث أن هذه القواعد لم تتوفر لأي حزب سياسي آخر مهما كانت قوته.! إن تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية في السنوات الماضية مريرة وقاسية سواء في قانون الانتخاب والتمثيل النسبي أو ازدواجية السلطة بين رئيس الوزراء ورئيس الحكومة.. ونعتقد أنه في حال قبولنا للتمثيل النسبي الكامل للأحزاب وإلغاء الدوائر كما وافق على ذلك الجميع فيجب أيضا تغيير النظام الرئاسي إلى نظام برلماني بحيث يتولى أقوى الأحزاب تشكيل الحكومة والرئيس ومصادقة المجلس التشريعي عليها..

نؤكد مرة أخرى على أن الشرعية التي يتاجرون بها انتهت مع نهاية الدورة الانتخابية وعلى الجميع الاحتكام من جديد إلى الشعب مهما كانت الأمور والأحوال، وإن مقولة أو مطلب الوفاق الوطني الذي يتذرعون به كي تجرى الانتخابات، وفي نفس الوقت هم المعيقون لهذا التوافق: نقول أن الجميع يحتاج إلى وفاقا وطنيا مع شعبه أولا الذي فقد الثقة بالقوى السياسية الموجودة لأنها لا تقف بجانبه ولم توفر له الطمأنينة والأمان.. والأمان هنا تعني توفير الحرية والحق في العمل والمسكن والتعليم وتكافؤ الفرص وتقليل الفجوة في سلم الرواتب بين الفئات، وكذلك الفجوة بين رواتب العسكريين والمدنيين، وبين الأغنياء والفقراء من خلال اعتماد سياسة اقتصادية ومحاربة الفساد الإداري والمالي في المؤسسات العامة وعدم احتكار السوق..

كما يقول المثل "فاقد الشيء لا يعطيه" فهل يعقل لحزب أو تنظيم فاز بالانتخابات لم يمارس الديمقراطية والانتخابات النزيهة في حزبه سوف يعطيها لشعبه ويكرسها كتقليد دوري وحق للمواطن الفلسطيني؟؟ هذا يقودنا إلى قانون الأحزاب أيضا، وكيف يمكننا مراقبة عمل هذه الأحزاب إن كانت تعتمد في برامجها وأنظمتها الداخلية نزاهة وشفافية حينها يمكننا أن نقبل بها أن تخوض غمار الديمقراطية الفلسطينية.. ولعل السؤال الأهم في الوضع الفلسطيني هو مأزق الاستقلال والتحرر، فلا المفاوضات حققت لنا ما نريد، ولا المقاومة التي يتغنى بها البعض حققت لنا ما نريد.. إذن هل يمكن للجميع الفلسطيني أن يتفق على استيراتيجية جديدة تتلاءم وحاجات شعبنا وظروفه، وتمكننا من الحفاظ على المنجزات وتطويرها تمهيدا لتحقيق أهدافنا القريبة والبعيدة..؟ سيبقى خيار الديمقراطية الشريفة والنظيفة هو الخيار الأجدر لتحقيق الحلم الفلسطيني...


لا ينقذ ليبيا إلاّ شعبها/ صبحي غندور


التدخّل العسكري الوحيد والممكن الآن هو تدخّل مصر بحكم علاقاتها الخاصة مع ليبيا ووجود مخاطر تهدّد الأمن المصري
نماذج مختلفة من حركات التغيير السياسي تشهدها الآن المنطقة العربية. فأمراض جسم النظام العربي الراهن ليست لها وصفة طبية سياسية واحدة. وما نجح في تونس ومصر لن يكون بالضرورة هو حال البلدان العربية الأخرى التي تشهد حالياً تحولات سياسية هامة. ليست الظروف الداخلية فقط هي عناصر الاختلاف بين هذا البلد وذاك، بل تلعب أيضاً المصالح الدولية، وخاصة الأميركية، دوراً هاماً في تقرير مصير بعض الحكومات. أيضاً، الاختلاف كامن في نوعية الحكام. فهناك أنظمة قمعية تمارس قمع الناس حينما ينتفضون عليها لكنها تقف عند حدٍّ معيّن، وهناك أنظمة إبادية لشعوبها لا تمانع في إبادة شعبها إذا مسّها خطر الثورة عليها، ولم يبقَ الآن من فصيلة هذه الأنظمة غير نظام العقيد القذافي. فمنذ عقدين من الزمن شهد العراق أيضاً حالة شبيهة استخدم فيها النظام السابق ضدّ شعبه الأسلحة الكيماوية والطائرات العسكرية في شمال العراق وجنوبه.

ليبيا تشهد الآن أشرس عملية تغيير سياسي في النماذج العربية المعاصرة وسيكون هذا النموذج هو الأخطر حيث لا معايير أخلاقية أو إنسانية للحاكم الليبي، ولا مؤسسات أو مرجعيات دستورية رادعة، ولا استقلالية للقضاء أو لدور المؤسسة العسكرية الليبية. فهي معركة حياة أو موت للنظام الفوضوي الليبي وسيستبيح فيها كلَّ الأسلحة غير آبهٍ بالنتائج المترتبة على أعماله، بما فيها مخاطر التقسيم والتدويل والحرب الأهلية. ولن يتوقف النظام الفوضوي عند ردود الفعل الدولية والإدانات فهذه ستكون بالنسبة للحاكم الليبي أمراً شبيهاً بالحالة الإسرائيلية التي تستهتر بالعالم كله وتعتمد فقط على جبروتها العسكري.

صحيح أنّه من المهم جداً أن تخرج استنكارات دولية لجرائم النظام الفوضوي الليبي ضدّ شعبه وأن يتمّ عزله ومحاصرته دولياً، لكن هذا شيء والمطالبة بتدويل المسألة الليبية شيء آخر. فقد خرجت أصوات ليبية وعربية تطالب بتدخل عسكري دولي وبقرارات من مجلس الأمن لإرسال قوات دولية إلى ليبيا وبفرض مناطق حظر طيران كما جرى خلال حقبة التسعينات مع العراق، وهذ كلّها دعوات خطرة لأنّها أولاً تحافظ على نظام القذافي ولا تسقطه، كما حصل أيضاً في التجربة العراقية، وتجعله حاكماً على جزء من ليبيا مما يكرّس واقع التقسيم الليبي ويكرّر المصير العراقي الذي انتهى بغزو أميركي/بريطاني، مما قد ينهي نظام القذافي لكن على أنقاض الدولة الليبية الواحدة وفي ظلّ تحكّمٍ أجنبي بمصير ليبيا ومقدّراتها وثرواتها.

إنّ التدخل العسكري الأجنبي يحدث في أحد احتمالين: احتلال بالقوة ومواجهة مباشرة مع قوات الطرف الحاكم، أو تدخّل عسكري بشكل قوات فاصلة بعد حروب داخلية أو حروب بين بلدين. والحالتان غير ممكنتين الآن ولا مصلحة ليبية أو عربية في أيٍّ منهما.

إنّ التدخل العسكري الوحيد والممكن هو تدخّل مصر بحكم جوارها الجغرافي مع ليبيا ووجود مخاطر تهدّد الأمن المصري وتوفّر القدرة العسكرية المصرية لذلك. وهذا الأمر ممكن حدوثه بحكم الروابط والاتفاقيات والعلاقات الخاصة بين ليبيا ومصر، وبدعوة من الثوار الليبين أنفسهم الآن، وأيضاً من خلال مرجعية الجامعة العربية التي قامت بشيء مشابه في منتصف السبعينات من القرن الماضي حينما شكّلت قوات الردع العربية لوقف الحرب اللبنانية.

إنّ مصر معنيّة بشكل كامل في كل ما يحدث وما قد يحدث في ليبيا. والأمن القومي المصري والعربي يتطلّب الآن تحرّكاً سريعاً وجادّاً من المجلس العسكري الذي يقود مصر حالياً، فمصر هي الآن بين بلدين عربيين يشهدان مخاطر التقسيم والتدويل (السودان وليبيا) بعدما كان البلّدان مع مصر في "ميثاق طرابلس" أيام جمال عبد الناصر وفي "اتحاد الجمهوريات العربية" أيام أنور السادات، وها هما الآن بعد معاهدات "كامب ديفيد"، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من عزل مصر عربياً ومن حكم الفساد السياسي والمالي، يتّجهان نحو هاوية التقسيم والتدويل، ممّا يشكّل بالتالي على الأمن الوطني المصري مخاطر كبيرة.

طبعاً، المراهنة الأولى والأخيرة يجب أن تكون على الشعب الليبي لإحداث التغيير السليم في ليبيا، ممّا يُحمّل قوى الثورة والتغيير مسؤولية كبيرة في ضبط طروحاتها وممارساتها لتتوافق كلّها مع هدف الحرص على وحدة الشعب الليبي ووحدة الأرض الليبية وعروبة ليبيا واستقلاليتها الوطنية ورفض الانجرار إلى مشاريع دولية وأجنبية. فليبيا عمر المختار لم تراهن على تدخّل عسكري أجنبي ولا على مساندات أجنبية حينما واجهت الاحتلال الإيطالي وانتصرت عليه، بل اعتمدت فقط على نفسها وعلى قدراتها الذاتية وإرادتها الحرّة متوكّلةً على الله تعالى وعلى قيمها الدينية والخلقية.

لقد كان المشروع الأميركي للمنطقة خلال حقبة بوش و"المحافظين الجدد" يقوم على فرض حروب و"فوضى خلاّقة" و"شرق أوسطي جديد" وفي الدعوة لديمقراطيات "فيدرالية" تُقسّم الواطن الواحد ثم تعيد تركيبته على شكل "فيدرالي" يحفظ حال التقسيم والضعف للوطن ويضمن استمرار الهيمنة والسيطرة على ثرواته ومقدّراته وقرارته. وكانت نماذج هذا المشروع في العراق والسودان معاً. الآن نجد إدارة أميركية مختلفة لم تُقم حروباً في المنطقة، وربما لا تقدر أصلاً في هذه المرحلة على ذلك، إدارة تعمل على تحقيق المصالح الأميركية من خلال دعوة الحكومات العربية (والضغط عليها) لتحقيق إصلاحات دستورية واقتصادية تحفظ استمراريتها وتضمن أيضاً في هذه البلدان بقاء المصالح الأميركية، إذ لا يهّم الحاكم الأميركي إلاً المصالح الأميركية فهو قد يكون مع تغيير أشخاص وحكومات في بلدٍ ما ولا يكون كذلك في بلدان أخرى. الأمر يتوقّف طبعاً على "ظروف" هذا البلد ونوع العلاقة الأميركية مع المؤسسات القائمة فيه بما فيها المؤسسة العسكرية، لكن الاعتبار الأميركي الأهم هو "نوع" البدائل الممكنة لهذا النظام أو ذاك. وهنا الآن معضلة الموقف الأميركي.

إدارة أوباما لا تصنع الآن ثورات المنطقة، فهذه ثورات وطنية ذات إرادة حرّة، لكن الإدارة الأميركية تحاول استثمار ما يحدث، كما تحاول أطراف دولية وإقليمية عديدة، من أجل تحقيق مصالحها في منطقة إستراتيجية الموقع، غنية الثروات، وهي محور الاهتمام الدولي الآن وفيها الوجود الإسرائيلي وامتدادات نفوذه وتأثيراته الدولية حتّى على صُنّاع القرار في "البيت الأبيض". وكما كان التأثير الإسرائيلي كبيراً في مواقف حكومتي بوش/بلير تجاه العراق والسودان، ستعمل إسرائيل على محاصرة مصر بدول عربية مفكّكة وبمناطق حروب أهلية وعلى دفع المنطقة كلها لحال التدويل، إذا أمكنها ذلك.

ليبيا أمام مخاطر كبيرة الآن، وكذلك سيكون اليمن مستقبلاً، فكلاهما حالة مختلفة عمّا حدث في تونس ومصر، وفي كليهما مخاطر التقسيم والتدويل والحروب الأهلية. هي أولاً مسؤولية الحاكمين عن كل ما حدث ويحدث، لكن هي الآن أيضاً مسؤولية الثوار والمعارضين فيما يقولونه وما يفعلونه، كما هي مسؤولية عربية عامة في تدارك ما يحصل قبل فوات الآوان.