المصالحة الفلسطينية تغضب تل ابيب وتربك واشنطن/ د. صالح بكر الطيار

توصلت حركة حماس وفتح الى اتفاق على مصالحة وطنية سيتم التوقيع عليها لاحقاً في القاهرة ليتم بذلك وضع نهاية لخلاف استمر سنوات وكان من نتيجته اضعاف الموقف الفلسطيني عربياً ودولياً وإعطاء اسرائيل كل المبررات التي اتاحت لها ممارسة سلسلة متتالية من الأعمال العدوانية في الضفة الغربية وغزة على حد سواء .
وشكل هذا الحدث مفاجأة كبيرة حتى للقيادات الفلسطينية التي لم تكن تتصور انه سيتم القبول بالمصالحة بهذه السرعة ، كما لم تتوقع ان تنجح القيادة المصرية الجديدة في تحقيق خلال اسابيع ما عجز عن تحقيقه نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال سنوات . وينص الأتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وأنشاء قوة أمن محترفة ومستقلة عن الفصائل يشرف عليها المجلس التشريعي ، ودمج قوات الأمن التابعة للفصائل الفلسطينية في غزة ، إضافة الى بنود اقتصادية ومالية وسياسية . وبدا ان اسرائيل كانت من اكثر المتضررين من اتفاقية المصالحة إذ عمدت قيادتها فوراً الى رفض ما تم التوصل اليه بين فتح وحماس والى تهديد الرئيس محمود عباس بوقف المفاوضات وبعرقلة اقامة دولة فلسطينية مستقلة متهمة حركة حماس بأنها ضد السلام وبأنها " منظمة ارهابية تؤمن بالعنف " . اما الولايات المتحدة الأميركية فقد صدر عنها موقف مقتضب اذاعته الناطقة بلسان وزارة الخارجية هايدي برونك – فولتون المحت فيه ان واشنطن لا تعترف إلا بالسلطة الوطنية الفلسطينية وبأنها ستعيد النظر في المساعدات التي تقدمها للفلسطينيين في حال تشكيل حكومة جديدة . والواضح ان جملة امور دفعت بحركتي فتح وحماس للتوصل الى اتفاقية المصالحة من اهمها :
- ادراك القيادات الفلسطينية ان المصالحة باتت مطلباً شعبياً ملحاً بدليل تداعي الناس الى تنظيم تظاهرات عفوية في سائر المناطق الفلسطينية للمطالبة بوضح حد للإنقسام الداخلي . وكان من الممكن ان تتصاعد هذه الحملات الشعبية لولا لجوء اسرائيل الى الضغط على مشغلي مواقع الفيسبوك لحجب المنتديات الفلسطينية من التواصل خوفاً من ان يتداعى الشعب الفلسطيني الى انتفاضة جديدة .
- ادراك القيادات الفلسطينية ان الإنقسام الذي كان حاصلاً كان يخدم اسرائيل بالدرجة الأولى لكي تستفرد بكل طرف على حدة كما كان يخدم الولايات المتحدة للتذرع بأن الشارع الفلسطيني ليس جاهزاً للسلام بعد .
- تخوف القيادات الفلسطينية من ثورات شعبية ضدها اسوة بما حصل في مصر وتونس ، وبما يحصل اليوم في دول عربية أخرى .
- اقتناع الرئيس محمود عباس ان الأميركيين غير جديين في رعايتهم للعملية السلمية في المنطقة وأن اسرائيل تماطل من اجل السيطرة على اكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية. ولهذا فإن الرد يجب ان يكون بوحدة الصف الفلسطيني لما يشكل ذلك من عناصر قوة وضغط .
- تخوف حركة حماس مما يجري في سورية حيث ان الإطاحة بالنظام سيؤدي حكماً الى اضعاف اوراق حماس التفاوضية ، وأن هذا قد يكون مقدمة لعزل ايران ولمحاصرة حزب الله . والبديل هو العودة الى الى المصالحة .
- وصول قيادة مصرية جديدة مستعدة لأن تكون على مسافة واحدة من حركتي حماس وفتح على خلاف نظام حسني مبارك الذي كان همه ارضاء واشنطن وعدم ازعاج تل ابيب . وثمن هذه المصالحة هو تكريس شرعية ابو مازن بالنسبة لفتح ، وفتح معبر رفح بالنسبة لحماس .
- ارادت حركة فتح وحماس مواكبة استعداد بعض الدول الأوروبية الإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة اواخر العام الجاري رغم رفض تل ابيب ومعارضة واشنطن . المهم ان تلقى الخطوة الفلسطينية احتضاناً عربياً قوياً لأنه ليس من المستبعد ان تلجأ اميركا ومعها بعض الدول الأوروبية الى فرض شروط تعجيزية على الجانب الفلسطيني من اجل مواصلة مسيرة السلام ، كما ليس من المستبعد ان تقدم الدول المانحة على وقف مساعداتها بحجج وذرائع مختلفة لطالما ان اسرائيل غير راضية على ما جرى .
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

العرب العاربة، والعرب العاريـة/ صالح الطائي


عنوة لوى أجدادنا رقبة النص المقدس (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ليدعون انه يخص الأمة العربية دون سواها من خلق الله على كثرتهم، وتنوع ألوانهم وأجناسهم وألسنهم وجغرافياتهم، تساوقا مع اليهود في دعواهم التي يقولون أنها نص مقدس أيضا ويدعون من خلالها أنهم (الشعب الذي أختاره الله)
فتلك، وهذه، كلتاهما فكرتان متحيزتان، تظهران الله سبحانه وتعالى وكأنه أختار أمة واحدة من ملايين الأمم التي خلقها، بما فيها التي تشترك في معتقد ديني واحد، لتكون سيدة خلقه كلهم، دون منازع. تماما مثلما تجد هناك ضمن أصحاب الدعوة الأولى من يدعي أنه وقومه (الفرقة الناجية) الموعودة بالنعيم، دون سواهم من خلق الله أجمعين، وكأنه سبحانه خلق باقي خلقه من البشر عبثا ولهوا، ليلقي بهم في خاتمة المطاف إلى جهنم وبئس المصير، لمجرد أنه لم يجعلهم من هذه الأمة المحظوظة، أو يهدهم لاعتناق فكر هذه الفرقة المميزة!
ويقينا أن المقصود بالآية الشريفة جميع أمة الإسلام بعربها وأعاجمها، وبكل أجناسهم وأحسابهم وأنسابهم وألوانهم، وهذا لا علاقة له بالانتقائية التي أشرنا إليها باعتبار أن أمة الإسلام بمجموعها أمة عظيمة جدا، ولا غرو أنها تشكل اليوم خمس سكان العالم، والمقصود بالفرقة الناجية هم أفاضل هذه الأمة وخيرتها. أما أهلنا العرب الذين يدعون أن الآية مختصة بهم وحدهم، فهم حسب أهل العلم بتاريخ الشعوب، على ثلاثة أقسام، فهل المقصود هو القسم الأول، أم الثاني، أم الثالث؟ من هذه الأقسام، أم قسم آخر سيأتي من بعدهم فيبزهم خلفه، وهذه الأقسام هي:
• عرب بائدة: هم عاد وثمود وطسم وجديس، وقد عثر العلماء على آثار لهم في "تيماء" شمالي الحجاز، هي عبارة عن نقوش بالخط اللحياني، والثمودي، والصافوي، ولغتهم لم تكن العربية، وهم:عرب كهلان وقبائلهم: طي،همدان، لخم، وكندة. وعرب حمير وقبائلهم:قضاعة وتنوخ وكلب وعذرة، وهذا يعني أنهم لم ينقرضوا كليا!
• عرب عاربة: هم القحطانيون اليمنيون، قيل أنهم أصل العرب، ويعرفون بعرب الجنوب، وهم من سلالة يعرب بن قحطان.
• عرب مستعربة وهم العدنانيون، سكان الشمال، سموا كذلك لأنهم نزحوا من البلدان المجاورة للجزيرة ووفدوا إليها واختلطوا بأهلها، ومنهم "النزاريون،والنجديون، والأنباط، وأهل تدمر. ويعود نسبهم إلى عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح النبي
وربما تأثرا بتسمية العرب المستعربة، اعتقد "سيد القمني" أن اسم المدينة العربية العريقة "الحجاز" مشتق من اسم الهكسوس" الذين احتلوا العراق القديم باسم " الكاسيين" واحتلوا مصر القديمة باسم "هـ ـ كاس" وكان من بينهم قبيلة حملت لقب "قاطعوا الرقاب" تكتب بالمصرية القديمة "سا ـ جاز" أو "هـ ـ كاز" وهي القبيلة التي أشتق اسم الهكسوس منها. ومن تحريف تسمية "هـ ـ كاز" جاء اسم الحجاز!
وأعتقد أيضا أن الإسرائيليين الذين خرجوا من مصر متأثرين بعقيدة "إخناتون" التوحيدية، وعبادة إله أوحد، كتبه المصريون "آتون" وكتبه الإسرائيليون "أدون" أي: السيد، الرب، هم أصل كلمة "عدن" في العرب العدنانية، معتبرا أن كلمة (عدن) هي تحريف لكلمة (أدون) أو كلمة (أدن) وذلك بقلب الهمزة عينا) [1]

أما الكاتب الدكتور"سيد كريم": فيرى في موضوعه المعنون (قدماء المصريين وبناء الكعبة) [2] أن كهان مدينة "منف" الموحدون هربوا بعد الثورة على الأسرة الفرعونية السادسة إلى الجزيرة العربية وأكتنوا هناك بكنية (أهل منف) أو (بني مناف) وهم الذين أطلق عليهم الفراعنة إسم "جرهم" وهم الذين أقاموا بيتا للرب هو الكعبة في مكان إقامتهم الجديد على غرار كعبتهم المصرية التي تركوها في "منف" والتي تعرف حاليا باسم "هرم يعدوم" [3]
وفي حديثها عن تشكل القبائل العربية وهجينيتها، قالت جريدة الدستور الأردنية ضمن موضوعها عن العرب الصفويين: إن مفهوم القبيلة عند العرب يقوم على: صلة الدم القرابية، وتسلسل النسب إلى الجد الأكبر.
أو على التشارك القائم على الجغرافيا.
أو بسبب عبادة اله معين واحد.
ووفق هذا المفهوم فإن نسق القبيلة لا يقوم بالضرورة على البعد الإثني، وعلى نقاء الدم وسلسلة النسب، فالقبيلة مجموعة من العشائر المختلفة الأصول التي جمع بينها المكان، أو المعبد، أو الحرفة، فالقبيلة جماعات عمل تمثل منحى مما سبق، تنطوي فيما بينها على أساس الإحساس بالهوية المشتركة، فتشكل كيانا أضخم وأكبر، يكون لها إقطاعياتها، أو أنشطتها الوظيفية المتسقة بتسلسل يصل إلى نظام القبيلة التي يحكمها الشيخ، أو مالك الإقطاع، أو العمل، الذي ينتهي به المطاف لأن يصبح الجد الأكبر لتجمع القبائل. هذا على اختلاف الأصول والمنابت. وينتسبون جميعهم إليه.
المهم أن هناك بيننا من يرفض الاعتراف بهذه التقسيمات، ويرفضها جملة وتفصيلا مستندا إلى بعض الروايات والأحاديث التي تنسب إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، فيدعي أن العرب أمة واحدة من أصل واحد وهم جميعا من نسل "إسماعيل بن إبراهيم الخليل" وأن اليهود هم الذين زرعوا الشقاق بينهم، يوم ترجموا "يقطن" التوراتية إلى "قحطان" وجعلوه من نسل "عابر" خلافا لما جاء في القران الكريم بقوله تعالى ( والى عاد أخاهم هودا ) وعاد وهود من العرب البائدة لان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله أبو ذر الغفاري رضوان الله عليه، عن الرسل العرب أجابه:( هود، وصالح، وشعيب، ونبيك، يا أبا ذر)
وتبعا لهذا الفهم يرى هذا البعض أن من يقول: بأن اليمن هي اصل العرب، فقد كفر، وخالف قوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة} وقوله تعالى {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت} وقوله تعالى {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا} ولذلك سميت مكة بأم القرى، لأنه لم يعمر قبلها قرية على وجه الأرض فهي عاصمة الكون. ويعتقد أن من يؤمن بحقيقة وجود التقسيم، هم المثقفون القحطانيون الذين صدقوا اليهود في مزاعمهم عن "يقطن" على انه "قحطان" وصدقوا قضية العرب العاربه، والعرب المستعربه، التي وضعها اليهود [4]
وأرى أننا سواء أخذنا بهذا الرأي أو ذاك، نجد أن أي من هذه الأقسام لم يشفع لنا لنستمر في البحث عما يصل بنا إلى جذور وجذوة الوجود الإنساني، أو ليصل بنا إلى مرتبة خير الأمم، أو مجرد التواصل مع (كنتم خير أمة) ولاسيما بعد أن نهشنا لحومنا بأيدينا، وبعد أن أكل بعضنا لحم أخيه حيا وميتا، وبعد أن استل سلاطيننا وولاة أمورنا سيوفهم ورماحهم، راجماتهم وصواريخهم، مدفعيتهم وطيرانهم ليقصفوا مدننا وأحياءنا وزنقاتنا (زنقة .. زنقة) وتعزنا، وعدننا، وصنعائنا، ودوار لؤلؤتنا، ودرعتنا. فنحن بعملنا المشين هذا، نزعنا عنا ورقة التوت الأخيرة، والوحيدة التي كانت تستر عوراتنا، ولم يعد بيننا وبين العالمين من حجاب ساتر، وأصبح الناس الغرباء ينظرون إلى حقيقتنا، وجوهرنا، ومعدننا، فلا يرون علينا لباسا يواري سوءاتنا، وإنما يرونا كيوم ولادتنا، ويوم حشرنا، عراة حفاة غرلا،كما في حديث أمنا الفاضلة عائشة رضي الله عنها، يستجدون منهم الرحمة والعون والدعم.
فانبرى المختصون منهم ليعلنوا أن هناك صنفا آخر من العرب، لم تشر إليه المدونات التاريخية من قبل، وهم العرب المعاصرون، فأطلقوا عليهم مجازا اسم "العرب العاريـة" فهل أن هذا القسم هو المقصود بأحاديث التفضيل، ونحن لا ندري، أم ماذا؟

الهوامش
1. رب الزمان، سيد محمود القمني، ص 61- 62
2. نشرته مجلة الهلال المصرية بعددها فبراير / شباط 1982
3. رب الزمان، سيد القمني، ص 66
4. آراء مستقاة بعناية من بعض المصادر المهمة والموثوقة

عاجل "تعليقاً على خبر الغوغاء بمسجد الفتح للسلفيين"/ مجدي نجيب وهبة


** هل إنفرط زمام هذه الدولة .. من الذى يحكم الأمن فى مصر .. هل الجيش سيظل صامتا على هؤلاء الغوغاء والسفلة والإرهابيين .
** هذا المقال أرسله إلى جميع أقباط العالم وإلى الذين هللوا لثورة 25 يناير أو كما زعموا أنها ثورة وإلى أحد الأباء الكهنة فى أحد قنوات المهجر وهو يقول برافوا ياولاد يابتوع 25 يناير إستمروا ياولاد نحن معكم ياولاد .
** أرسلنا عديد من المقالات لتحذيرهم ولم يسمع أحد وها هى النتيجة ، كما أرسل هذه اللافتة لقداسة البابا بسبب إصراره على الصمت وإصراره على إقامة قداس عيد القيامة والذى حاولنا أن نمنع هذا الإحتفال بسبب السفالة والحقارة التى بدأت تنتشر ضد أقباط مصر وبسبب التصريحات السافلة من السلفيين فى جميع المحافظات والأمور أصبحت واضحة فلا مكان لأى قبطى فى هذه الدولة وعلى الأقباط الذين يقبلون الحياة فى مصر أن يعلموا أن مصر أصبح يحكمها الإخوان المسلمين بزعامة د. محمد بديع .
** أما عن السلفيين فهم لم يكونوا سوى أداة فى يد الإخوان وفى النهاية الفكر واحد والمبدأ واحد والهدف واحد والأقباط مازالوا يعيشون فى وهم أن غدا سيكون أفضل من اليوم ولكنى أؤكد وأكدت أكثر من مرة أن مصر تنزلق فى هوية منتهى الخطورة ليس فقط بسبب حكم الشريعة الإسلامية ولكن بسبب الإنتقام الذى صار يطول جميع مناحى حياتنا داخل مصر .. الجميع فى الغرب صامتون وجميع مجالس هباب الإنسان صامتة والجميع يتفرجون ويتفلسفون ولا أحد يتحرك وسوف ننتظر وقوع الكوارث فى كل شبر فى هذا البلد ثم نطالب بالإعتصام أمام ماسبيرو ونظل نعتصم ونحن حاملين الصلبان مع ترديد الهتافات بالروح بالدم نفديك ياصليب دون الوصول لأى حل ولن نصل لأى حل .. فكل ما يتم على الساحة الأن هو تخدير للجميع وإذا كانت الحكومات التى يزعم بعض المنظمات والأقباط أنها حكومات حقوقية تطالب بحقوق الشعوب وحماية عقائد الأقليات فإنها على الطبيعة وما نراه الأن لم تكن إلا حكومات بلطجية يسعون إلى إقتناص الفرص وتخريب الشعوب مهما كان الثمن الذى سيدفعه الكثيرون للإنقضاض على ثروات تلك البلاد .
ربما لم يكن بمصر تلك الثروات البترولية التى تتواجد لدى دولة العراق أو ليبيا أو معظم دول الخليج ولكن مصر ظلت على تاريخها الماضى هى الركيزة لأمن دول الشرق الأوسط بالكامل .. مصر هى الموقع الإستراتيجى الذى يربط الشرق بالغرب .. الشمال بالجنوب .. هى محور القوة والركيزة ، أما الأن فقد صارت مصر مريضة وهشة بفضل تلك السياسة التى لم تحدد أهداف مصر المستقبلية .. تحول الشارع المصرى والسياسة المصرية إلى فوضى عارمة لتصفية كافة الحسابات سواء مع النظام السابق أو مع من يخالفونهم فى الرأى .. نحن نرى القمع الفكرى يسود الوطن من أقاصى الشمال إلى أقاصى الجنوب .. هناك من أراد أن يقيم ندوة صحفية فى مدينة الأقصر وهو الدكتور عمرو موسى بفضل ترشيحه رئيسا للدولة وسواء إتفقنا مع السيد عمرو موسى أو إختلفنا معه فهذا ليس موضوعنا ولكن الندوة تحولت إلى معركة بالكراسى وأدوات حديدية أصيب فيها العديدين لأؤكد أن هناك سيناريو متفق عليه فى جميع محافظات مصر .. إهدار دم كل من تسول له نفسه أن يفكر فى ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية والذى تكرر الأن مع سيادة الفريق أحمد شفيق بتلفيق عديد من التهم وإستدعاؤه للنيابة العامة للتحقيق معه وسوف يخرجون له ملفات وهمية بالتربح والكسب غير المشروع لأنه تنامى للبعض أن الفريق أحمد شفيق قد طالبه البعض بترشيح نفسه لرئاسة الدولة وسوف تتكرر هذه المعركة والإتهامات الجاهزة لكل من يتجرأ ويرشح نفسه بعيدا عن مسار الإخوان ..
** نحن تحولنا إلى دولة لم يعد فيها القانون يسودها بل أصبح يحكمنا قانون الفوضى والسطو على أموال الأخرين .. ليس هذا المقال يمكن أن يرتبط بأى من نواحى الفساد داخل مصر ولكنها هذه هى الصورة العامة التى أصبحنا نعيش فيها .. إعلام مزيف غلب كيد النسا ، وصحف مزورة .. كل يكتب كما يريد دون ضابط أو رابط أو أى شرف صحفى .. لك أن تؤلف قصص كما تشاء .. لك أن تقول وتتهم فى الأخرين فالأبواب أصبحت مفتوحة على مصراعيها لكل مناهج الفوضى والفساد ..
** هذا المقال أكتبه بعد أن بدأت ملامح أحداث طائفية تندلع فى منطقة الزاوية الحمراء .. قيل أن سببها إعتداء قبطى على طفلة مسلمة .. قامت الأسر القبطية بدفع مبلغ قدره 25 ألف جنيه تعويض عن التشهير باسم البنت، وأن البنت سليمة ولا يوجد بها أى سوء، وأن المنزل الذى وقع فيه الحادث سيعلن غداً للبيع بسعر السوق العادى. كما أشار الشيخ إلى أن والد المتهم قام بتسليم ابنه إلى الجيش الذي سيتولى محاكمته ، فهل كلما أتهم شاب مسيحى دون التأكد من الواقعة يتم تغريم الأسرة بمبلغ أى كان يتم دفعه فورا ثم مغادرة المكان وبيع منزله .. نحن نعلم جيدا أن معظم هذه القصص يتم إدعاءها بالكذب وبالباطل ويقف الأقباط عاجزون للدفاع عن أنفسهم ، فإذا إعتبرنا أن هذه القصة حقيقية هناك قصة أكثر سفالة وإنحطاط ولا يعتريها المجتمع أى أهمية وهو ما حدث بالتحرير بإعتداء مجموعة من البلطجية فى صحبة فتيات على بلطجية أخرين حاولوا خطف هذه الفتيات منهم وإشتعلت هذه المعركة من الواحدة صباح اليوم حتى الرابعة فجر الجمعة وإستخدمت فيها كافة الأسلحة البيضاء وسقط عديد من الجرحى وتم الإعتداء على المستشفى التى إستضافت هؤلاء الجرحى فأين هو القانون الذى يدافع عن شرف الفتيات وأين هو القانون الذى ترك هؤلاء الفتيات يمرحون فى الميادين حتى الساعة الرابعة فجرا .. ألا يزال يوجد قانون حظر التجوال حتى الأن وإذا لم يكن موجودا هذا القانون أين الشرطة المصرية التى تبحث عن هوية هؤلاء البنات وهوية هؤلاء الشباب أم أنهم ساروا قرب منطقة نفوذ لا يستطيع الإقتراب منها وهى بسلامتها التحرير .. قد لا يعنينا هذا الموضوع ولكن أردت أن أكشف أن هناك تربص بالكنيسة والأقباط فى مصر بقصص أثيرت أكثر من مرة ولا تجد من يردعها ولا من يقبض على مثيريها مثل قصة السيدة كاميليا شحاتة ومثل قصص مماثلة وهى الإعتداء على البنات المسلمات ، وإذا حدثت الأمور عكسية فلا يتم القبض على أى جانى بل يهدد أهالى الضحايا بالصمت منعاً لحرق الأسرة أو تدميرها بالكامل وكان لنا نموذج فيما حدث مع المواطن ديمترى حينما قطعت أذنه تنفيذا لإقامة الحدود ..
** أرسل هذا المقال لكل القنوات بالخارج .. لا أقول القبطية ولكن أقول التى تهتم بالشأن المصرى لأننى لو تطرقت للقنوات القبطية فهم يتحدثون كما يريدون هم لا كما يريد الأخرين أن يقولوا الحقيقة .. لا أرى أمامى إلا مزيدا من الفوضى فى هذا الوطن منذ إندلاع فوضى 28 يناير ، فهل هناك حل .. كل من لديه حل يتفضل بعرضه .. وشكرا .

أنقذوا الشعب السوري من براثن الوحوش!/ سعيد علم الدين

طغاة وحوش مجهزون بمختلف انواع الاجهزة المخابراتية والميليشيات والجيوش ومسلحون بأحدث انواع الاسلحة الفتاكة التي اشتروها من مال الشعب لمحاربة الاعداء واذ بهم ينقلبون في ليلة ظلماء ويوجهونها بحقد دفين وبلا رحمة وضمير الى صدور اهلهم العزل المطالبين بالحرية والكرامة.
درعا العزلاء تستصرخ ضمائر الاحرار لهذا الهجوم الغاشم الجبان وكأنهم يريدون تحريرها من اهلها بدباباتهم التي ضلت طريق الجولان.
فيا احرار العالم انقذو هذا الشعب المظلوم من براثن الوحوش الكاسرة وهي تمزق جسده العاري في جُمُعات عظيمة أليمة وكربلاءات دموية مأساوية ستخنق في النهاية نظام بشار بدخان دباباته القاتلة.
الشعب السوري الحر يولد من جديد مؤسسا لديمقراطية منتصرة بدماء احراره البررة. انه المخاض قبل الولادة!
وهذا المخاض يتطلب دعم دولي جاد لنصرة الحرية.
فأين انت يا مجلس الامن مما يحدث في سورية من مجازر يومية ضد المتظاهرين العزل؟
ويتطلب ايضا ليست جمعة واحدة عظيمة وانما جُمعات عظيمات دمويات يسير من خلالهن الشعب السوري المسالم المصلوب على خشبة نظامه المخابراتي الخشبي الستاليني الأمني المتحالف مع نظام ملالي إيران القمعي الدموي الفاسد على طريق الآلام من ألم عظيم الى ألم أعظم، ومن مجزرة هنا الى مجزرة هناك الى ان ينتصر ويتحرر من كل الآلام ويحقق طموحاته العظيمة بتحقيق الحرية وقيام الدولة السورية المدنية الديمقراطية التعددية المزدهرة والعامرة بشعبها واديانها واعراقها وشاباتها وشبابها.
وهذا المخاض يتطلب ليست كربلاء واحدة مأساوية وانما كربلاءات بالجملة دموية تحدث هذه الايام الحزينة في عهد بشار الاسْود في المدن والقرى والأرياف السورية.
الشعب السوري المناضل يسير في الطريق الصحيح بصدره العاري في مواجهة الدبابة والرصاص الحي.
الاخ المتظاهر سلميا يُقتل الى جانب اخيه يتم تشييع الاخوين النظام القاتل لا يكتفي بقتلهم مع غيرهم بل ويطلق النار بدم بارد على المشيعين فيسقط المزيد من الشهداء في سبيل تحرير سوريا من عائلة آل أسد الظالمة الطاغية.
الشاب يصاب برصاصهم الحي فيقع في حضن والده يحاول الوالد اسعافه فينهالون على الاب المفجوع ضربا مبرحا يموت الشاب بين يدي والده دون ان يسعفه احد مذكرا بموت محمد الدرة الفلسطيني برصاص الصهاينة.
رجال امن النظام السوري يقومون اليوم بنفس الدور الصهيوني في قتل احرار سوريا. الفرق كبير جدا ! كيف لا وهم يقتلون شعبهم والصهاينة لا يقتلون شعبهم وانما يحاربون اعداءهم.
هذا ليس امل العرب المسمى "حزب البعث العربي الاشتراكي" وانما هو قاتل العرب وغير العرب ولا يليق به الا اسم حزب الموت النازي البشاري. وعلى يد البعث الملطخة بالدماء في سوريا والعراق حلت المآسي على بلاد العرب والمجازر والهزائم والنكبات.
الاعلام السوري الرسمي كاذب ومفتري ومفبرك لروايات واقاصيص سخيفة ومفضوحة لا يصدقها الاطفال.
دماء الشهداء من اطفال ورجال تسفك بايدي القتلة المجرمين في الشوارع والساحات.
تتساقط جثث الابرياء مذكرة بكربلاء واي كربلاء انها كربلاءات تحدث يوميا في الحواضر السورية ولن تنتهي الا بانهيار نظام الطاغية بشار ابن حافظ.
وهكذا تقمص بشار ابن حافظ شخصية وعقلية وتسلط ودموية يزيد ابن معاوية. واذا كان الاخير ارتكب كربلاء واحدة ذهب ضحيتها الحسين واهل بيته فبشار وزمرته الحاقدة يرتكبون كربلاءات بالجملة يذهب ضحيتها مئات الشهداء من ابناء الشعب السوري البطل.
وها هو الشعب السوري وبعد ان اعتقد البعض انه قد تم تدجينه على ايدي آل أسد ينتفض اليوم لكرامته ماردا حرا شجاعا ابيا ولن يقف في طريق انتصاره احد.
الشعب السوري يولد من جديد مفجرا معجزته الا وهي ثورة شبابية سلمية وستنتصر بقبضة الشعب القوية:
الحرية على العبودية في سورية!
والديمقراطية على الدكتاتورية في سورية!
والتعددية الغنية الصحية على الشمولية الحزبية السقيمة في سورية!
الشعب السوري الاعزل المسالم سينتصر بصدره العاري على المستبد الطاغية القاتل الظالم!
إرادة الشعب السوري الحرة ستنتصر على أجهزة النظام القذرة! أرواح شهداء سورية الاحرار ستنتصر على عصابات الوريث بشار!
تماما وكما انتصرت ارواح شهداء الحرية والديمقراطية في تونس الغالية ومصر العزيزة وفي معظم دول العالم الحر.
شتاء نظام بشار بصولاته وجولاته وشبيحته واشباحه ومخابراته ودباباته سينهزم امام ربيع ثورة الحرية السورية الديمقراطية بورودها وأزهارها ان لم يكن اليوم فغداً. وان غدا لناظره قريب!
كيف لا وشهداء سورية اليوم هم ربيعها الذي سيزهر ورودا ويزدهر حرية وديمقراطية وتعددية ووحدة وطنية لكل اطياف الشعب السوري ومذاهبه وادياناه وعرقياته وجمال تنوعه.
كيف لا وعندما تتساقط الاحرار عراة الصدور بشجاعة الفرسان على مذبح الحرية تزداد شعلتها وتتأجج شهبها بارواح الشهداء مرتفعة الى السماء معلنة انتصارها التاريخي على القمع والظلم والاستبداد.
كيف لا وعندما يطلق القتلة الجبناء رصاصات الحقد على الابرياء ودبابات الجيش تهاجم المدنيين يكونون في طريقهم الى مزبلة التاريخ دون رجوع.
مئة الف يساوون 23 مليون. فهؤلاء المتظاهرين الاحرار المواجهون للرصاص الحي بصدورهم العارية هم الممثل الشرعي الوحيد لكل الشعب السوري وبالتحديد لأكثريته الصامتة .
هؤلاء الاحرار بما يقدمونه من شهداء يكتبون على صفحات التاريخ بلون الدم القاني دستور سوريا الجديد.

هل من ضامن لاستمرار المصالحة الفلسطينية الفلسطينية أمام الهيمنة الأمريكية؟/ خضر خلف


الكل منا كان على يقين بعدم وجود مكان او إمكان أو زمان من اجل التوفيق أو التوافق نحو المصالحة الفلسطينية الفلسطينية بين بعض أجزاء الشعب الفلسطيني تحديداً حماس وفتح ، وهذا الأمر كان من الأمور المستحيل حدوثها .... محاولة المصالحة بمصر بعهد النظام السابق كانت مبنية على ضرب من العبث ليس إلا , ومحاولة مزعومة لإيجاد توافق أو تطابق ، وبالوقت نفسه كانت ترسم مفهوم للطرفين يقول بان موقف الحوار الحاصل هو مع من لا يؤمن بك ويعترف بك ، نعم أنها كانت هستريا وهذيان النظام المصري السابق من اجل خدمة البيت الأبيض والكيان الصهيوني على حساب التوافق الفلسطيني والقضية الفلسطينية .
نعم رباعية عربية عميلة ، ونظام مصري سابق يمثل شرطي أمريكا بالمنطقة ، جعلوا العلاقة بين فتح وحماس دائما بان تكون في شد وجذب ، بفرض شروط تعجيزية يتم توظيفها لتعكير صفو المنطقة وتميع الحوار القائم والتحايل على القضية الفلسطينية والمكر على طريقة نظام البارك والرباعية العربية ، وبخلق نقطة خلاف جديدة بين فتح وحماس ولا تخدم فلسطين والقضية ، بالوقت نفسه تكون بحد ذاتها فرض لقوانين هيمنة الإرادة الأمريكية واستبدادها بالمنطقة .. لذلك التوافق لم يرى النور في حينه وكان الخبث الأمريكي والصهيوني يظهر ويطفو على العلن ... من خلال تصريحات النظام المصري السابق والرباعية العربية ..
نعم الثورة الشبابية على امتداد الوطن العربي جاءت لتحقق مطالب وطموحات شباب الأمة العربية والإسلامية على امتداد الوطن العربي ، شباب يريدون التغيير و رسم معالم مستقبل العالم العربي يتطابق مع مفهوم طموحاتهم وتصوراتهم لمستقبل أفضل ، لغياب الأنظمة القادرة على تحقيق طموحات الشعوب بالوطن العربي ، نعم الشباب أدركوا بان الأنظمة أصبحت أنظمة عميلة مستبدة جعلت الوطن العربي في مأزق سياسي ، ولا تستجيب لمطالب شعوبها وتسحق إرادة الشعب.
بعد عقد ألاتفاقيه التوافقية والمصالحة بين حماس وفتح أقول بان هذا أمر من الأمور الوطنية أن يتم التوافق ولكن يجب أن يكون متصف بالعدالة الوطنية ، فالعدالة الوطنية التي اقصدها تندرج في بنودها الانحياز الى العدل ومحاربة الظلم والفساد والاستبداد ، وكذلك الانحياز الى حق المقاومة ، وحماية القدس من التهويد وتهجير أهلها ، لان الانقسام والانشغال به ساعد وشارك في تهويد القدس وإقامة المشاريع الاستيطانية ، وان لا تنحاز المصالحة وتنشغل بتقسيم الغنائم بعدد الوزراء وتقسيم مواقع الإدارة والنفوذ .

هذا التوافق سوف يكون تحت المجهر ، ويكون مربط الفرس .. ونحن نحمد الله على توافق الإخوة فتح وحماس .. ولكن نحن نقف أمام وضع الصراع الصهيوني العربي القائم ، والبيت الأبيض يدعو إلى هدم التوافق ويمعن بقلب القوانين وترجمتها إلى قوانين ومفاهيم تتفق مع المشاريع الصهيونية بالمنطقة ، نعم جرثومة الإدارة الأمريكية سوف تنخر وتزعزع ثوابت الأمن بالمنطقة من بعد المصالحة ، لتفرض رؤيتها بكيفية إتمام هذا التوافق .
الإدارة الأمريكية لن تستسلم بالسهولة دون أن تنخر في قواعد المجتمع العربي والإسلامي تبحث دوما عن فرض تواجدهـا لإنهاء أي اتفاق أو وفاق كان الإسلاميين طرف فيه ، لأن الهيمنة الأمريكية معروفة وظاهرة للعلن والاستسلام كما مضى لهذه الهيمنة لن يتحقق التوافق ، قد يتحقق التوافق من خلال عزفنا على وتر الثورة والتغيير وتستغل واقع الثورة الشبابية على امتداد الوطن العربي ، ونقول انجاز الوفاق والتوافق هو ثمرة من ثمار التغير بالوضع العربي والدافع الأساس الاستجابة لمطالب المواطنين .
ومن خلال مقالي هذا أدعو كل القوى والفصائل والحركات الفلسطينية والقوى السياسية والمدنية على امتداد الوطن فلسطين وبالشتات الى اليقظة والحذر من الإملاءات الخارجية لأنها مشاريع أمريكية صهيونية يجب إدراك مخاطرها ومراميها الشريرة في هذا الوقت بالذات .. لان البيت الأبيض يراهن على ورقة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني وفصل غزة عن الجسم الفلسطيني لإجهاض القضية الفلسطينية.
فهل من ضامن لاستمرار المصالحة أمام الهيمنة الأمريكية ؟

السلطة بين الحق والعنف/ زهير الخويلدي


"ان السلطة توجد عندما يفعل الناس معا وانها تتلاشى عندما يتشتتون."[1]

ان وضع الفرد تراجيدي وان حياة الشعوب تخفق بالنشاط والصيرورة وان روحهما تنقسم الى ثلاثة أبعاد التفكير والارادة والحكم، وان الهدف الأول من الثورة التي تنجزها الذات الجماعية هو التخلص من الجهاز التسلطي العجيب الذي يغوي الحشود ويقوم بصهرهم ودمجهم ضمن فعل مشترك واحد Agir en commun unique .

لكن يجب أن نبدأ بعد أن نستفيق من غفوة الحماسة التي غمرت محبي النوع البشري وأن نفسح المجال للشبيبة الأبية أن تظهر قدراتها على تحمل المسؤولية السياسية.

ان التفكير السياسي المستقبلي هو التفكير ثوري يقطع مع الحنين البدائي الى الأصول ولكنه في نفس الوقت تفكر بدئي يتعفف عن التاريخانية والتطورية ولا يعيد تقييم التحولات على ضوء المعايير القديمة بل ينطلق نحو . كما أن السياسة الثورية من هذه الزاوية تكون مشروعا طويل المدى وان ديدنها هو تثبيت الحياة الحسنة لدى الناس من حيث هم كائنات آدمية فانية تفكر في الأبدية وغير راضية بالخلود.

"ان السياسي هو المكان الذي يلتقي فيه القابل للتلف مع الهش"[2] وان النقطة الهشة في المشروع السياسي هي عرضته الى التلف ويفسر ذلك بأن السلطة الشرعية هي دائما ثمرة فعل مشترك وأن الفعل المشترك لا يدوم الا باستمرارية التفاهم والتعاون بين الأفراد التي تتشكل منها الجماعة السياسية وأن ظهور بذور الشقاق والتنازع كفيل بأن يفسد كل شيء ويفقد السلطة مشروعيتها ويتهدم الكيان السياسي.

ان السلطة والسيادة والعنف تتنزل في الشغل والصناعة والفعل من حيث هي مفاهيم تحليلية للحياة النشطة لدى الانسان. ان الهيئة السياسية تظل هشة وقابلة للتلف والضياع ما دامت لم ترتكز على الشرعية الثورية ولم تحظى بالأجماع الشعبي والاقتناع التام للمواطنين الأحرار. وهذه الهشاشة مرتبطة بتشبث الأفراد تحصيل الخير وتعرض قيمة الحق للتهديد عندما يتحول استعمال القوة الى عنف. ان العنف ليس من ضرورات السلطة وان السلطة الحقيقة لا تتعمد بشكل أساسي على الاستعمال المشروع للعنف. بل كل من المفهومين هما على طرفي نقيض. ان التعريف العلمي للحكومة يرى أنها ترتكز على الرأي العام والاجماع والتفاهم والاتفاق والاقناع والرضا وليس على الهيمنة والتخويف وممارسة التعسف والارهاب.

"ان السلطة لا توجد الا عندما يتم توجيه فعل مشترك بواسطة صلة مؤسساتية معترف بها".[3]

ان الخطأ هو تعريف السلطة بكونه علاقة تحكم وخضوع أو بعبارة أخرى صلة أمر وطاعة لأن قبل السلطة على... تأتي السلطة ضمن...وبالتالي تشتق السلطة من المقدرة على الفعل المشترك أساسا. ان الأفراد يحوزون على طاقة ولكن الجماعات عبر فعلها المشترك تحول تلك الطاقة الى سلطة. ان العنف هو استثمار هذه الهشاشة بواسطة مشروع أداتي يخدم مصلحة فئة ضد مصلحة الجميع.

غير أنه يوجد ضعف آخر هو ثنائية السلطة المدنية والسلطان الروحي ومدينة الأرض ومدينة السماء ويسقط السياسي في متاهة كبيرة حينما يبحث عن استحضار العلاقة بين السلطة التي تستمد من ارادة الشعب واتفاقه والنفوذ الذي يستمده الحاكم من التقاليد. ان النفوذ ينتج في حقل الفعل علاقة توسطية عير عنيفة وغير قوية تتحدد ذاتيا من طرف المحكومين وتتخذ شكل دعوى مباشرة.

ان النفوذ يأتي من الأعلى ، من هناك ، من بعيد ومن فوق السلطة ، ولكنه يتوسط السلطة غير قابلة للقسمة بواسطة دعوى حكومة متميزة عن المحكومين وتراتبية. ان المطلوب هو القضاء على النفوذ بعد الثورة بتفكيك المنابع التقليدية التي يتغذى منها وهي الميتافيزيقا والتيولوجيا والأنطولوجيا.

ان الثورة قد جعلت السياسات المتعالية والبعدية والخارقة تتحطم ونادت بعري السياسي وطهارته وتمدده على الصعيد الأفقي وسمحت الى النفود بأن يفد من خلال السلطة وان المدينة مدعوة الى أن تشيد نفسها بنفسها من خلال جعل النفوذ يستمد من سلطة الشعب ولا مصدر متعال وخارجي ومبني للمجهول.

كما حذرت الثورة نادت بإنقاذ الأفعال الانسانية من عبثية المصنوعات وتعرضها للتلف والنسيان وذلك عن طرق الانخراط في لعبة المؤسسات الحرة والمقنعة بعد اتفاق واجماع.

ان الأمر لا يتعلق بذكر مدن فاضلة وجمهوريات مثالية تنتمي الى عصور ذهبية بل يتوقف على مشروع مستقبلي يقوم على تحالف بين الحرية السياسية بماهي اتفاق عضوي مع المدونة الدستورية والحرية الدينية بماهي امكانية ابتداء شيء معين في العالم. ان الحرية الحقيقية تنبع من مقاومة الشمولية ومواجهة الهشاشة وتحدى القدر.

"ان الفكر الثوري هو انسانوي ... ونحن أيضا أناس ونكون دعامة لكل ثورة"[4] لكن ماذا سيفعل الثوري بأعدائه؟ هل سيحاسبهم باسم المنطق الثوري أم سيصفح عنهم ويدمجهم باسم المنزع الانساني؟

ان التخلص من هيمنة الحاكم على المحكومين ومن استغلال الانسان للإنسان لا يتم بشكل نهائي الا بإقامة نظام قانوني وعقلاني قادر على امتصاص العنف وتحييد أطراف النزاع.

ان تحديد الحقل الدلالي الذي تشتغل ضمنه مقولة الهيمنة يقتضي التمييز بين السلطة والقوة والقدرةpuissance والنفوذAutorité والتراث. ان السلطة ليست البتة خاصية فردية بل تنتمي الى المجموعة وتستمر موجودة حتى في ظل الانقسام والتنازع ولكنها تضعف وتنقص عندما يحتل العنف الساحة وتقتصر على العلاقة القائمة بين الأمر والطاعة أينما كانت.

ان الفعل يمتلك مقصدا سياسيا بينما السلطة ليست سوى التعبير الشعبي عن الفعل، كما أن الفعل هو النشاط الوحيد الذي يطابق التعددية كحقيقة الشرط الانساني ويضع الناس في علاقة مباشرة دون وساطة المادة أو الأشياء. ان الرأي وليس الحقيقة هو واحد من الركائز الضرورية لكل سلطة. لكن اذا كان محرك الفضاء الخاص هو التملك والاشهار والاستهلاك فإن محرك الفضاء العمومي هو الرأي والتراث والانفتاح والتعددية.

ان النفوذ يتطلب الاعتراف والاحترام وليس الاكراه والاقصاء كما هو الشأن عند السلطة، ولذلك يبدو من المنطقي التفكير في ثلاثية الدين والتراث والنفوذ. ان النفوذ هو العنصر الثابت والمتواصل والقادر على ايجاد التماسك في المجتمع حتى في ظل تراجع دول السلطة خاصة وأنه يحتكم الى التراث والتقاليد والهوية الثقافية للأفراد.

ان الأمر يتعلق بنفوذ متعال للقيم الأخلاقية والجمالية والمعرفية مثل الخير والحق والجمال حينما يقتضي الموقف القيام بتأسيس أصلي Fondation originale يدشن لولادة كيان سياسي ومجتمعي جديد وحينما يكون فعل التأسيس مسألة مصيرية وحاسمة بالنسبة الى مستقبل الشعب وقواعد اللعبة السياسية التي سينخرط فيها الفاعلون والقوى الرئيسية.

ان المعضلة القائمة تتوقف على تقليد التجربة التي خاضها المشرعون الأوائل حينما أسسوا جسما سياسيا ناشئا دون عنف وبالاعتماد على الدستور.

هكذا يكون التقليد والسلطة والتأسيس والاحياء survivant وهي كلها عناصر ضرورية لاشتغال السياسي بشرط أن يتعلق الأمر بتقليد النفوذ وليس بنفوذ التقليد وذلك لكي يتحرر التأسيس من التفويض ويصبح اتفاق واقتناع ومشاركة. " ان لفظ "الاحياء يتضمن عنصرا مات أو يجب أن يكون لا يزال بعد على قيد الحياة"[5]. "ان الصفح هو وضع معاد وعطاء جديد وما يقطع النتيجة عن الضرورات والذي يبدأ...الصفح ضد القطع"[6].

ان المطلوب هو التصافي والصفح بين قوى الشعب الثائرة والشروع في تنشيط الذاكرة النضالية والوفاء للذات الجماعية واعادة احياء الانتماء الى الجماعة السياسية الكبرى. لكن هل يجوز العفو في ظل الذنب الاجرامي؟ وهل يمكن الغفران بعد ممارسة الشر السياسي؟

المراجع:

Colloque Hannah Arendt, politique et pensée ,éditions Payot & Rivages, 1989.

J-P- Sartre, situations philosophiques, matérialisme et révolution, éditions Gallimard, 1976.

Paul Ricoeur, Lectures1, autour du politique, éditions du seuil,1991.

[1] Paul Ricoeur, Lectures1, autour du politique, éditions du seuil,1991. p.18.

[2] Paul Ricoeur, Lectures1, p.18.

[3] Paul Ricoeur, Lectures1, p.17.

[4] J-P- Sartre, situations philosophiques, matérialisme et révolution, éditions Gallimard, 1976, p. 116.

[5] politique et pensée , colloque Hannah Arendt, éditions Payot & Rivages, 1989, p.287.

[6] politique et pensée , colloque Hannah Arendt, éditions Payot & Rivages, 1989, p,296,

الثورة السورية .. صناعة وطنية بامتياز/ د. عيدة المطلق قناة


يوما بعد يوم تتسع مساحات الغضب الشعبي العربي .. والمشهد الثوري العربي يحتشد بكثير من الحقائق المؤلمة .. إذ أن ثمة ظلم فاحش تعانيه شعوبنا من استبداد لا يرعوي .. ومن مستبدين يجمعهم الغباء حيناً والاستغباء حيناً آخر .. وطغاة يقفزون على حقائق التاريخ والتطور الإنساني المذهل ..وعلى حقائق الدين والحضارة .. ظانين أنهم بذلك يستطيعون الاستمرار في استغفال الشعوب ، والمضي بها حتى أدنى مستويات التخلف والضعف .. !!

طغاة حولوا الأوطان إلى بضاعة يمكن جلبها ساعة عسرة إلى أي مستنقع يريدون .. طغاة ألغوا معادلة الشعب والحكم العادل .. لصالح معادلة العبيد وحكم العائلة .. هم ذاتهم تم استنساخهم واستزراعهم على امتداد هذه الجغرافيا المستباحة !!.

المشهد السوري الذي نحن بصدده ما هو إلا مقطع طولي وعرضي من المشهد العربي الإسلامي الأوسع ..

فسوريا - بما تعنيه من موقع ودور وتاريخ ومستقبل وتأثير - تقف اليوم على مفترق طرق خطير ومصيري .. فقد انتفض الشعب السوري من درعا وحتى معرة النعمان ومن دير الزور إلى اللاذقية على نصف قرن من الفساد والرشوة .. انتفض ضد الفقر والبطالة والتمييز والانتهاك المستدام لحقوقه الطبيعية .. انتفض من أجلا حقه في التنمية واستعادة أمواله وثروات وطنه المنهوبة التي بددها وحش الفساد ..!!

انتفص على أقانيم الاستئثار والإقصاء والتهميش .. على الخوف والقهر وقمع النظام الأمني المريع.. انتفض من أجل الحرية والخروج من السجن الكبير ؛ ومن كل السجون السرية والعلنية (المنتشرة على مساحة الوطن) التي يقبع فيها مئات الآلاف من معتقلي الرأي والمفقودين والمختفين قسرياً .. انتفض من أجل عودة مئات آلاف السوريين المهجرين، من المثقفين والأكاديميين ورجال الأعمال الممنوعين من العودة لأوطانهم ..!!

انتفض ضد البيروقراطية العقيمة التي رسخت منظومة الفساد والاستئثار والهيمنة.. ومن أجل الانفتاح والتغيير والإصلاح الذي يستعصي على التحقق رغم الوعود المتكررة .. انتفض ضد الحلف غير المقدس بين أجهزة الأمن ورجال الأعمال والسياسيين.. وعلى غيرها من الانتهاكات التي مورست عبر أطول حالة طوارئ في التاريخ الإنساني .. !!

انتفض الشعب السوري برقي وحضارية .. أما ردة فعل النظام فقد جاءت – منسجمة مع تاريخه الأسود - لقد أوغل النظام في البدائية والوحشية .. مفرطا بالقتل والترويع والبطش.. فمنذ اللحظة الأولى لتلك الانتفاضة واجه النظام المتظاهرون بالرشاشات .. والقنص العشوائي .. قتل المئات من الشباب وحتى الأطباء والمسعفين والأطفال.. دنس المساجد ، واقتحمها بزعم إيواء مندسين وإرهابيين .. وفي درعا تم إعدام "الجندي" – ابن تل كلخ – لا حترامه قدسية المسجد العمري ورفضه إطلاق النار على المصلين فيه.. !!

لقد سال في هذا الثورة دم كثير وفي كل مكان وارتكب النظام المجازر - حتى فاقت حصيلتها في يوم واحد المئة والعشرين شهيداً سالت دماؤهم على مساحة القطر السوري كله.. !!
مارست أجهزة النظام كل أفانين التعذيب - المدانة والمحرمة- وضرب المتظاهرون بالهراوات والخناجر والعصي لإخافتهم وتفريقهم .. ومن ثم بالرصاص والدبابات .. كما انتهكت كل حقوق الإنسان حتى تعطيل الاتصالات وحجب المواقع الإلكترونية !!

وبعد ذلك كله .. نحد أنفسنا اليوم أمام أزمة فكرية أخلاقية.. إذ يخرج علينا ثلة من مثقفينا يطعنون الثوار في الظهر .. ليجلد هؤلاء بسياط بني جلدتهم مرتين الأولى من أجهزة الأنظمة.. والثانية من بعض المثقفين والمنظرين الذين راحوا يشككون بوطنيتهم ومصداقيتهم.. !


أليس من المعيب أن يروج المثقفون لمزاعم الأنظمة القمعية .. في توجيه اتهامات العمالة والتآمر .. وتنفيذ الأجندات الخارجية لشباب الثورات الرائعين؟؟ ..

فلماذا كل هذه الإساءات المتكاثرة لدماء الشهداء التي بذلت من أجل حريتنا نحن .. ومن أجل مستقبل مشرق لأبنائنا.. ومن أجل أن نحيا كراماً في وطن عزيز حر.. ؟؟

أليس في هذا الموقف ضد ثوار أمتنا تفويض لأنظمة القمع باجتراح المزيد من القتل في الساحات والشوراع .. وبعد ذلك نعود إلى مقاهينا نمارس فيها هواية التنظير للوحدة والقومية والوطنية ومقارعة الامبريالية ؟؟

إن ما يوجه من انتقادات واتهامات لقوى الثورة العربية وفي مقدمتها الثورتين الليبية والسورية إنما يشكل إساءة عميقة للأمة بكاملها .. فهذه الأمة هي من أنجب هؤلاء الثوار الذين يطلقون عليهم مسميات "الخونة والعملاء والمندسين والإرهابيين" – حاشا لله -!!!

إن الشباب العربي الثائر –يجترح اليوم المعجزات .. فهو عبر هذا الطوفان الثوري يحدث حالة من الصدمة والترويع تنتقل وفق "قاعدة الأواني المستطرقة" من بلد إلى آخر .. ومن سيدي بوزيد إلى درعا .. !!
ففي ظل ذهول الأنظمة تنطلق ملايين الحناجر الشابة تهتف للحرية والعدل والحق .. تهتف للوطن، والوحدة .. وتحتفي بالشهادة والشهداء .. وتندد بالفساد والسرقة والرشوة .. وتنادي بسقوط دولة الاستبداد والقتل والقمع .. !!

ثورة الشباب نجحت – حيث فشل المنظرون - في توحيد الأمة .. إذ أحبطت – وهي تحكم الأصنام التي عادت لتنتصب من جديد في الساحات والميادين العربية الإسلامية- كل الفتن واسقطت كل الفزاعات التي استلتها الأنظمة من أغمادها .... !!

لقد أدهشت ثورة الشباب العربي كل العالم .. ونجحت في استقطاب استجابات شعبية واسعة.. وحافظت على صعودها بالمثابرة والتضحية والصمود وأبدعت في وسائلها وطروحاتها على نحو لم يكن ليخطر ببال حتى مفجريها ..!!

أما بالنسبة للثورة السورية فإن العالم بأسره يشهد بأن هذه الثورة انطلقت من داخل سوريا وحدها لتكون صناعة سورية وطنية بامتياز ..لا صناعة أيد عابثة خارجية ..!!

الثورة السورية هي صناعة حضارية راقية لا فتنوية .. ولا صناعة عصابات مندسة أو إرهابية .. إنها صناعة سلمية .. لا صناعة عنفية أو مسلحة .. !!

إنها ثورة من أجل مستقبل مختلف لا مجال فيه لمعادلات الفساد والظلم والقمع والاستبداد.. وما تفرضه من آفات الجبن والصمت ، والركوع والانحناء .. مستقبل سداه الحق والعدل والكرامة .. ولحمته الحرية والاحترام .. مستقبل تقوم فيه دولة القانون والمؤسسات .. وحكومة الشعب كل الشعب .. وبرلمان الشعب كل الشعب ..

وعليه فإننا في محراب الثورة ... أمام طهر الشهادة وعلى وهج الدماء الطاهرة .. "لنقل خيراً أو نصمت" !!

حينما تتحول الدولة إلى تنظيم إرهابي يهدد بالإغتيالات/ د. عبدالله المدني

قلت سابقا و سأظل أكرر، كلما أتيحت لي فرصة، أن جارتنا المشاغبة إيران تملك كل مقومات التحول إلى قوة إقليمية مؤثرة تأثيرا إيجابيا في مسائل الأمن والإستقرار والإزدهار والتنمية في بحيرة الخليج العربي، فقط لو إستثمرت المعطيات المتوفرة لها إستثمارا صحيحا، ونبذت السياسات العبثية والديماغوجية والشعبوية والإستفزازية بحق جاراتها العربيات في المنطقة.
ولعلكم تتذكرون ما كتبته قبل مدة ليست ببعيدة تحت عنوان "جارتنا التي لا ينقصها شيء"، والذي عددت فيه ما وهب الله إيران من مقومات حضارية وثقافية وإقتصادية وعلمية وجغرافية وسكانية وسياحية، من تلك التي لا يتوفر مثلها مجتمعة لأي قطر آخر، وبالتالي يساعدها للبروز كدولة نموذجية يتطلع إليها العالم كعامل إستقرار – وليس كعامل توتير وتأزيم - ليس في الخليج فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وأضفت في المقال المذكور أن ما ينقص إيران حقا هو غياب إدارة سياسية عاقلة تفهم أبجديات علم السياسة، ومباديء القانون الدولي، وأصول العلاقات الدولية، وتجيد الدبلوماسية الرصينة البعيدة عن الشعارات، ولغة التخوين والإستعلاء، وإطلاق الإتهامات الجزافية.
وهذا، بطبيعة الحال، يقودنا إلى إستحضار ما كان من أمر إيران في حقبة ما قبل قيام ثورتها الإسلامية في عام 1979 ، ومقارنتها بالحقب التالية، كدليل على صحة ما نقول. ففي حقبة النظام الشاهنشاهي، وبالرغم من كل ملاحظاتنا على السياسات الخارجية لهذا النظام، وما إتصفت به من تناغم مع السياسات الغربية الإستعمارية، وبالرغم من كل ما إعترت العلاقات العربية- الإيرانية آنذاك من شد وجذب وخلافات على خلفية مواقف الشاه من القضية الفلسطينية، وحركات التحرر العربية، وقضية السيادة على البحرين، وإحتلال الجزر العربية التابعة لدولة الإمارات الوليدة، فإن تلك العلاقات إتسمت إجمالا بالهدؤ والتعاون والتفاهم الذي يمكن أن نعزوه تحديدا إلى وجود قيادة إيرانية على رأسها رجالات تراكمت لديهم التجارب السياسية والدبلوماسية والثقافية الرفيعة، جراء إحتكاكهم بالعالم الخارجي والثقافات الأجنبية، وتلقيهم العلم في عدد من أفضل الجامعات العالمية وأعرقها، من أمثال: د. منوشهر إقبال، وحسين علي منصور، وعلي أميني، وأمير عباس هويدا، وعباس علي خلعتبري، وجمشيد أموزيغار، وأسدالله علم، وأردشير زاهدي، وغيرهم. وقتذاك لم يكن في سدة القرار في طهران رجال دين معممون، لئن صلحوا لإدارة المآتم والمساجد وإلقاء خطب صلاة الجمعة والإجابة على الأسئلة الفقهية، فإنهم لا يصلحون لإدارة الأوطان والشعوب والأزمات لإفتقارهم الشديد لفنون السياسة والحكم، خصوصا حينما يختلط الديني بالسياسي، فيبني الزعيم القائد قراراته الخارجية على غيبيات أو خرافات مستمدة من بطون كتب التاريخ القديم، أو يسترشد في إستراتيجياته بالأحلام والأوهام و تخيلات "الهالات النورانية المحاطة به"، أو يسبغ على سياساته صفة العصمة المطلقة غير القابلة للنقاش والجدل.
في الماضي، وفي ظل وجود قيادات سياسية عاقلة في طهران، أمكن لدول الخليج – وبصورة أدق كبرى تلك الدول ممثلة في المملكة العربية السعودية تحت قيادة عاهلها الراحل فيصل بن عبد العزيز – أن تتفاهم مع إيران بطريقة حضارية وهادئة من أجل حل العديد من الملفات الشائكة كقضية البحرين، وقضية التمرد المسلح في إقليم ظفار العماني، ناهيك عن تعاون البلدين في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي، وتأمين إستقرار أسعار النفط من خلال عضويتهما في منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبيك)، وهذا ما لايمكن حدوث توقعه اليوم في ظل القيادة الإيرانية الحالية، حتى لو عقد الجانبان آلاف الإجتماعات على أرفع المستويات، وذلك لأن النظام الفقهي الإيراني لديه أجندة خاصة غير قابلة للتفاوض قوامها زرع الفوضى واللاإستقرار في بحيرة الخليج، وإحداث الشقاق بين الأنظمة الخليجية وشعوبها، من أجل فرض هيمنته ومن ثم إقامة أنظمة جديدة مسلوبة الإدارة، ومتواطئة معه، وسائرة في ركابه على شاكلة النظام العراقي الحالي. ذلك أن هذا، في تصوره، تكليف إلهي لا بد من تنفيذه إستعدادا لظهور الإمام الغائب.
ثم كيف - وهذا سؤال نوجهه إلى البعض ممن ينادون بضرورة إقامة حوار ما بين الطرفين الإيراني والخليجي لحل جميع الملفات البينية الشائكة – يمكن إقامة مثل ذلك الحوار في وقت لايتوقف فيه نظام طهران والدمى التي تحركها من أحزاب وتنظيمات وشخصيات عربية عن التحريض على الأقطار الخليجية وأنظمتها الشرعية، وزرع شبكات التجسس والفتنة في معظم دول مجلس التعاون، ناهيك عما يطلقه رموز النظام الإيراني بين الفتنة والأخرى من إدعاءات حول حقهم في السيادة على البحرين وعلى جزر الإمارات العربية، وحقهم في تسمية الخليج بـ "الفارسي" بل ما يبثه هؤلاء من سموم تكشف عن عدائهم الدفين للعرب عموما ولعرب الخليج خصوصا، بدليل إتهاماتهم المتكررة للأنظمة الخليجية بالعمالة للغرب والصهيونية، وحديثهم عنها بلغة إستعلائية مقيتة ومثقلة بالإهانات، الأمر الذي لا يليق بنظام دولة تزعم أن عمرها يناهز 2500 عام، أو بسلوك أناس من أصحاب الحضارات العظيمة والعلوم والفنون الرفيعة، طبقا لما فصله الصحافي والمعلق الإيراني "صادق زيبا كلام" في موقع "دبلوماسي إيراني" بتاريخ 13 إبريل الجاري.
فمن بعد عودتهم مجددا في عام 2007 إلى إثارة موضوع حقهم في السيادة على البحرين، وتشكيكهم في هذه المسألة المحسومة دوليا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 278 لعام 1970 ،هاهم كبار رموز النظام الإيراني السياسيون والدينيون والتشريعيون والعسكريون يعودون مرة أخرى إلى لغة التهديد والوعيد والتحريض معطوفة على محاولات خائبة للظهور بمظهر الحمل البريء عبر إلقاء مسئولية الخلل في العلاقات ما بين ضفتي الخليج على الولايات المتحدة وقوى "الإستكبار" العالمية بحسب زعمهم. ودليلنا الأقوى هو ما صدر مؤخرا على لسان المدعو "حسين شريعتمداري" ممثل المرشد الأعلى "خامنائي" لدى صحيفة "كيهان" المعبرة عن توجهات الولي الفقيه، من ضرورة إستهداف الشخصيات الرسمية السعودية في مختلف دول العالم تحت مسمى "الإعدامات الثورية"، وهو ما سيحول إيران من دولة إلى تنظيم إرهابي عالمي.
والحقيقة أن مثل هذه التهديدات لا تأتي من فراغ، وليست لمجرد التهويش. فالنظام الحاكم في طهران له باع طويل في العمليات الإرهابية عن طريق أدواته المنتشرة هنا وهناك، وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني الإرهابي. فهذا الأخير تبين أن له علاقة مؤكدة بإغتيال الدبلوماسيين السعوديين الأربع في العاصمة التايلاندية في منتصف الثمانينات، وبالمحاولة الفاشلة لإغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، وبتفجير إسكان الخبر بعد حرب عاصفة الصحراء، وبإختطاف طائرة "الجابرية" الكويتية في عام 1988، وقبل ذلك عملية تفجير المقاهي الشعبية في الكويت في عام 1986. ويمكن في السياق نفسه، ذكر العديد من عمليات التصفية الجسدية التي قامت بها طهران ضد معارضيها في الخارج بواسطة أدواتها الإستخبارية الذاتية مثل إغتيال المناظل الكردي الإيراني "عبدالرحمن قاسيملو" في فيينا في عام 1989 ، وإغتيال "شاهبور بختيار" آخر رؤساء حكومات الشاه في منزله في باريس في عام 1991 .
المؤسف هو أنه بالرغم من كل هذه الأدلة والبراهين والمعطيات على سؤ سلوك النظام الإيراني تجاه عرب الخليج، فإن هناك من المفكرين العرب، بل ومن ذوي الإتجاه القومي العروبي (هذه وحدها تثير علامات التعجب!!!) من لا يزال حتى هذه اللحظة يشيد بالقوة العسكرية الإيرانية، ومشروعها النووي المثير للشكوك والمخاوف، معتبرا إياهما ذخيرة للعرب والمسلمين في معركتهم الكبرى مع إسرائيل،دونما أدنى إكتراث بما يشكلهما من خطر داهم على أشقائه في الخليج. أما الأكثر إيلاما فهو أن ضمن هذه الجوقة العربية المصدقة لطروحات طهران، والمتماهية مع الأجندة الشيطانية للأخيرة ، أناس من الخليج نفسه، يعرفون بـ "المفكرين" ويعتبرون أنفسهم دعاة للحرية والديمقراطية والإصلاح.
والسؤال في الختام هو : ألا يخجل هؤلاء من هكذا إزدواجية فاضحة؟ أم أنهم لم يسمعوا بعد بأساليب القمع الوحشية في شوارع طهران ضد المتظاهرين العزل من أجل الإصلاح والحريات ولقمة الخبز؟ ثم ألا يتذكر هؤلاء أنهم هم من علمونا إبتداء كراهية إيران، و الحذر منها، والوقوف ضدها، بسبب و من دون سبب، زمن المد القومي؟
د. عبدالله المدني
باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: إبريل 2011

مواسمُ تعبيرٍ وتغبيرٍ أم حملاتُ تغييرٍ وتعيير!/ آمال عوّاد رضوان


للإعلام المقروءِ والمسموع بكلّ أنواعِه متباينةِ التوجّه علاماتٌ فارقةٌ في حياةِ البشريّة، فهو لغةُ تعبيرٍ وتناغمٍ بينَ المُرسِلِ والمستقبل، يَعملُ على إيصالِ فكرةٍ أو قضيّة ما، ليجعلَ الرّأيَ العامّ يتأثرُ بها ويستجيبُ ويتفاعلُ معها سلبيًّا أو إيجابيًّا، لِما له مِن انعكاساتٍ وتداعياتٍ وتشويشاتٍ قد تخدمُ جهاتٍ مُوالية، وقد تحاربُ أخرى مُعارِضة!

هل كلُّ إعلام يُساهمُ في عمليّةِ التثقيفِ والتقريب مِن الحقيقة، فيعملُ على التنوير والتبصير والإقناع وبثّ الوعي لصالح الفرد والمجتمع، وبتغطيةٍ متعدّدةِ الجوانب، أم أنّه قد يكون أحاديّ الاتّجاه، يوجّهُ الجيلَ الناشئَ بطُرُقِ المبالغةِ والتزوير والتحريف، ويدعو إلى حالةِ تحريضٍ وتقزيمٍ وتشويش وتثوير على ثوابتَ وحقائقَ يقوم عليها استقرار المجتمع؟

هل وصلت مجتمعاتُنا إلى حالةٍ مِن يقظةٍ فكريّة، ونضجٍ عاطفيّ وأمنيّ ونفسيّ تؤهّله للتمييز بين الحقيقةِ والوهم؟

هل يَعلمُ المواطنُ البسيط أنّ هناك أحزابًا وعناصرَ لها مكانتُها الدّينيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والفنيّة والثقافيّة، يمكنها أن تجرفَ الحقيقة عن مسارِها، وفي الخفاءِ تلعبُ مِن وراءِ الكواليس ألاعيب الغمّيضة والتعتيم، من خلالِ أسهُمٍ لها في الإعلام تشتري بها الذّمم، فتمنحُ الصّحف حصصًا إعلانيّة، أو مقتطعات سنويّة، أو مكافآتٍ ومخصّصاتٍ شهريّة، الأمر الذي يمنحُها القدرة على التحكّم بآليّات النّشر، ونشر ما يخدمها، أو منع أيّة مادّةٍ صحفيّةٍ مِنَ النشر، إن كان لها علاقة بها وتهدّد مصالحَها، أو تتعارضُ مع مصالحِ المحيطينِ بها؟



هل يعملُ الإعلامُ على تحقيق الحرّيّةِ والعدالة والكرامة للإنسان، ويُراعي هوامشَ الحرّيّاتِ المتفاوتةِ بينَ القرّاء، أم أنّ بعضَهُ يلهثُ وراءَ الرّبح، على حسابِ الأخلاقيّاتِ والوطن وأمنِهِ واستقرارِه؟



في الفترة الأخيرةِ تدأبُ مواقع إعلام كثيرة في إثارةِ عجاج الغبار مِن حول بلدانِنا العربيّة، فتشاركُ في جريمةِ إخفاءِ الحقائق، وتلبسُها أوهامًا قد تودي بالثقة العربيّةِ المتبقيّةِ إلى هاوياتِ اليأسِ واللاّمبالاة!




وأنت الشّاهدُ على مآسي إعلامِنا، قد ينعتكَ بعضُهم بالعدائيّ المتطرّف، وقد يَصِفكَ بعضُهم بالاستسلاميّ الانهزاميّ، وقد يَعدُّكَ نفرٌ آخر معتدِالاً مُسالِمًا، وتظلُّ مرهونًا بوجهاتِ نظرٍ متعدّدة الأبعاد متباينة، تتعلقُ بثقافةِ قرّائِكَ ووعيِهم لقضايانا الرّاهنة.




هل يمكننا التّعامل مع الرّأي الآخر بتوجّهاتِهِ المختلفة، كجزءٍ مِن حرّيّةِ التعبير وليس كجزءٍ من الاتّهام؟ متى؟ وكيف؟

متى يدخلُ الرّأيُ والخبرُ في معتركِ الإشاعاتِ والأباطيل؟




هل للإعلام الرّسميّ دوْرٌ في تفشّي الإشاعةِ الإعلاميّة؟

هل ستبقى منابرُنا الإعلاميّة أداةَ تَسوُّقٍ في بسطاتِ الرّأي والرّأي الآخر؟




الفنان مارسيل خليفة الملتزم فنيًّا ووطنيًّا وعربيًّا قالَ في برنامج "بلا مجاملة" بتاريخ 18-4-2011، في حلقةٍ مسجّلةٍ بُثّت في تلفزيون حنبعل التونسيّ الفضائيّ:

"لا صحّة بتاتًا لأيّ أخبار عن اشتراطي مبلغ 150 ألف دولار من أجل إقامةِ حفلٍ في تونس، بمناسبة الثورة التونسيّة التي ساندتها، ولم يتّصلْ بي أحد أصلاً، مِن أجل إقامةِ حفلٍ في تونس، حتى يحقّ الحديث عن مبلغٍ ما اشترطتُه"!

وما بين ترويجٍ خبرٍ تناقلتْهُ صحفٌ ومواقع إلكترونيّة وما بين نفيِهِ، يقفُ المُتتبّعُ والمُراقبُ مشدوهًا حانقًا، لِما وصلَ إليه الإعلامُ مِن تضليلٍ وتظليل!




الفقرُ الموضوعيُّ واللاّمسؤولُ في بعض وسائل الإعلامِ العربيّةِ الرّسميّة والتّجاريّة يتجلّى واضحًا، فالمذيعةُ الّتي دسّت الخبرَ في وجبتِها الإعلاميّة، تحتَ بند فنانٍ ملتزم، تنفي وتبرّرُ وتُنكرُ أنّه المقصود، مِن منطلق عدم ذِكْرِ اسمِهِ في حيثيّاتِ ما أورَدتهُ في خبَرِها.

هل أمرٌ كهذا، قد يضعُ تاريخًا بأكملِهِ في خانةِ التّشويهِ، سواءً كانَ الأمرُ يتعلّقُ بفنّانٍ أو بكاتب أو سياسيّ، وقد يُفضي إلى إعلان حُكم الإعدام على مسيرةٍ ناجحةٍ، بغضّ النظر عن توجُهاتِها؟




هل باتَ السّبقُ الاعلاميُّ وصناعة الإعلام تجارةٌ تفتقرُ للموضوعيّة، وتعتمدُ الإشاعة والإثارة لضمان الرّبحيّة والاستمراريّة؟

ما وجهةِ نظرِ قوانين المرئيّ والمسموع وأنظمةِ المطبوعاتِ والنّشر في دولِنا العربيّة، تجاهَ المنظومة الإعلاميّةِ الّتي تُغرّدُ خارجَ سربِ المهنيّةِ والموضوعيّة؟




في أوج المتغيّراتِ في العالم العربيّ واندلاعِ ثوراتِ التغيير، برزت إشاعاتٌ لا تخضعُ لا لرقيبٍ ولا لحسيب، إشاعاتٌ مكثفة لم يسبق لها مثيل، أضاعت المواطن العربيّ بين تعدّدِ الرّواياتِ، وبعثرته في حكاياتٍ وتفاهاتٍ تُشغلُهُ بعيدًا عن جوهرِ القضيّة، وساهمت في انهيارِ أنظمةٍ، وتفتيتِ النسيج المدنيّ بين مُؤيّدٍ ومُعارِض!




هل الرّوايةُ الصّحفيّة التي صبّتْ جُلّ اهتماماتِها على جوانب النّساءِ والزواج والعشيقاتِ والأموال المنهوبةِ وغيرها، هي جزءٌ مِن الحبكاتِ الإعلاميّةِ، من أجلِ سحْقِ الأغلبيّة الصّامتة، وخلطِ حابل الحقيقةِ بنابل نقائضِها، كي تُرسّخَ حالةً مِن انعدام الثقة ما بينَ مؤسّسةِ الشّعبِ ومؤسّسةِ القيادة؟




هل يُؤخذُ على المسؤولين والمعنيّين بأمر الإعلام العربيّ مسؤوليّة ما آلت إليه الأمور، مِن نزوح إعلامِنا نحوَ النقل عن المواقع المشبوهةِ التي تُروّجُ لإخبارِ الإثارة؟




لماذا نستسلمُ للإعلامِ الغربيّ في السّرّاءِ والضّرّاء، وهو الإعلامُ الذي فتحَ قنواتِهِ على مدارِ السّاعةِ لفضح استثماراتِ "الزعماءِ والكبار"، في الوقتِ الذي كانَ بهِ بالأمس القريب يُبجّلُ بنزاهةِ هؤلاءِ الكبار، ويضعُهم على رأس قوائم المشهودِ لهم بالشّفافيّة؟




لماذا انهارَ الإعلامُ الوطنيُّ المسؤول في بعض الدّول الشقيقة، وصارَ ينطق بمستوى لغويٍّ أشبه بلغطٍ همجيٍّ يجتاحُ اللّغوَ المهنيّ؟

منصورتي/ عبدالواحد محمد


هي فاتنة كل العشاق الذين طافوا بدروبها منذ القدم وصديقة كل الشعراء الذين هاموا بحسنها ونقائها وعذريتها التي أسقطت لويس السادس عشر من فوق جواده يوما . ومبعوثة كل الأمم بما حملته من لواء الثقافة العربية النابضة في قلب العالم والتاريخ ؟!
هي كل المفردات التي لعبت دورا تنويريا مكنها من تجاوز كل الحدود بوعي وكرم وذوق رفيع جعلها شامخة لا يفتنها سوي كل أصيل ومبدع جاد لايعرف غير الحقيقة لكي يتواصل معها لذا كانت عذراء الشعر والجمال والحب والسياسة والنضال والدين والتاريخ الذي حملته بين نيلها الواقع بين فرعي دمياط ورشيد ؟
البعض يصفها بالحدوتة وأنا أراها الخلود لما هو آت وهذا ما يجعلني مفتونا بها وأنا أطوف بدروبها فتنفحني شجرة الدر بحكمتها التي مكنتها من السيطرة علي أعدائها وأعداء عذريتها الذين تصوروا أنهم قادرون علي تدنيسها باشارة حمقاء وهم البؤساء الذين لم يدركوا كيف تكون منصورتي منذ الميلاد وحتي قيام الساعة ؟لها قوام رجل ونهد امرأة لم تعرف عبث ومجون الذين توهموا الريادة بالجنس والمال فقد سقطوا في نيلها ولم يعودوا حتي اليوم ومن يفكر سوف يدفع الثمن
(منصورتي ) كم أنت حبلي بالفن والثقافة فمن دوربك خرج المبدعون من كل زمان ومكان بل وفدوا إليك لأنك الحضن الدافئ العذري لرحلة قلم وتاريخ ومن بين هؤلاء كثيرون من كل الأجيال والاعمار فمنهم الباشا .. والشاعر .. والحاكم .. والأديب .. والصحفي .. والأقتصادي .. والعسكري .. والفنان .. والطبيب .. والمسرحي .. والإعلامي والأكاديمي .. والرياضي .. وغير ذلك كثيرون لأجدني اقرأ من جديد لهؤلاء المبدعين الذين حملوا وهجك وهم خارج حدودك كأنك فاتنتهم الملهمة دوما وأبدا ومن بين هؤلاء استاذ الجيل أحمد لطفي السيد .. القانوني الذي كتب أول رواية عربية ( زينب ) محمد حسين هيكل .. الباشا فؤاد سراج الدين .. العسكري عبداللطيف بغدادي أحد الضباط الأحرار ونائب رئيس الجمهورية .. الأديب الكبير أنيس منصور.. الفقية الدستوري كامل ليلة .. الإذاعي الكبير كروان الإذاعة محمد بك فتحي .. . كوكب الشرق أم كلثوم .. سلطان العود رياض السنباطي .. الكاتب والشاعر والفنان عبدالرحمن الخميسي .. الفيلسوف والعلامة الباشا فوزي فهمي .. الطبيب المعجزة الدكتور محمد غنيم أبو الكلي في العالم .. كما عاش بين دروبها عبدالله النديم وهو يناضل ضد المستعمر .. آل جميل الذين نزحوا إليها مع وطأة الحكم التركي من لبنان .. كما كان العذب حامل رسالة الدين بمفهوم عصري الداعية الكبير الشيخ محمد متولي الشعراوي .. وشيخ الأزهر جادالحق علي جادالحق أحد المخلصين للدين والوطن .. وجراح عالمي هو نقيب الأطباء الحالي الدكتور حمد السيد .. فاتن الحمامة نجمة السينما العربية .. صلاح نصر اشهررئيس مخابرات عربي .. كما أنجبت هؤلاء المخلصين للدين وللعلم وانجبتهم الشيخ محمد الموافي .. الاستاذ محمد عبدالواحد محمد .. معلم الأجيال والد كاتب هذه السطور المتواضعة .. استاذ الانجليزية الموهوب فتكورعزيز الدكتور محمد الظواهري .. المحافظ سعد الشربيني .. الذي يعود له الفضل في بناءها الحديث ومعه خيرة الرجال اللواء فخر الدين خالد محافظها الاسبق .. وشيخ نقباء ومعلميها الأستاذ أحمد موافي .. والسياسي البارز المهندس طرطير .. وكثيرون من بينهم المهندس الشاب والباحث أيمن عياد في مجال الكهرباء والوقاية .. والمهندس الكبير فؤاد الخولي .. وغير ذلك كثيرون في كل مجالات الحياة كما أن للمنصورة سحر وأنت تتجول بين دروبها العتيقة فتجد نفسك محاط بكل عصورها المملوكية والعثمانية في سوق الخواجات .. وحي الصاغة القديم .. النحاسين .. الحسينية .. توريل القديمة .. المختلط .. المديرية .. الطميهي ... الشيخ حسانين .. السكة القديمة .. كنائسها .. معابدها .. مساجدها في حي الصيادين .. اسطورة بحق وأنت تعبر من الضفة الأخري من سوق الخواجات ليحتضنك 0 دار أبن لقمان ) الذي اسقط المعتدي والمغتصب لويس السادس وجرده من لقب ملك فرنسا ؟كما تسكن ويسكن لك جامع المملوكي النجم صالح .. وربما تذهب أبعد من ذلك لتجد كل دروبها تحمل نداء خاص وملهم وأنت تنقب عن التاريخ في صفحات مفتوحة تؤكد أن للمنصورة هويتها وخاصة عندما تقف امام مدرسة الأيوبية بنين التي شيدها محمد علي باشا في القرن 18 ميلادي وأيضا المدرسة التي انجبت عظماء الامة المدرسة الثانوية في قلب شارع الثانوية والتي تحول اسمها اليوم علي اسم الزعيم العربي الكبير جمال عبدالناصر
وللعمارة حضور قوي ومعبر يعطر جولاتك مع رؤيتك لقصر الشناوي باشا الذي يطل علي نيلها الخالد من الناحية الاخري كما يوجد بيت آل الجميل الأثري علي مقربة من مبني المحافظة التاريخي وللعدالة دور في قصورها التي تحولت إلي ساحة للقضاء وانت تري تاريخها يعود إلي العصر المملوكي فتعرف وتثق ان المنصورة كانت تحمل ميزان العدالة وجوهر التاريخ العربي كما تجسد لك مدرسة الثانوية بنات القديمة في قلب شارع المختلط معلما من معالم العلم الذي يؤكد أن لسيرة بناتها صدي علمي وسلوكي رفيع جاء مبكرا وربما سبقت دعوة قاسم أمين بتحرير المرأة من الجهل فكانت الأسر في المنصورة تسابق في تعليم فتياتها كما ينبغي أن نسجل هنا أن خصوبة مصر كانت تمر من بابها المفتوح علي العالم فكثير من مثقفيها ومثقفي العالم ترعرعوا علي ارضها فمازالت مدارس الجالية اليونانية والايطالية موجودة وكذلك النادي اليوناني العريق وغير ذلك كثير ودائما للفن والثقافة حضور وطغيان عالمي وأيضا الطب فالمنصورة معروفة انها كعبة الطب العربي ففيها مستشفي غنيم للكلي معجزة عصر وعندما تزورها تشعر بعروبتها يقينا لافرق عراقي .. ليبي .. كويتي .. فلسطيني .. مصري .. سوري .. كردي ..عماني .. .. الخ طابور عربي يحمل كل الأسماء ومعها صوت الآذان الذي ينبعث من مسجدها الكبير جامع النصر الله أكبر الله أكبر ..ومن ثم تجدك روحانيا منجذبا نحو رسالة السماء كما شغفك وشغف كثيرون شاعرها الموهوب محمود علي طة الذي له مدرسة تحمل اسمه في منتصف شارع الثانوية هي تاريخ وليست حدوته بل قلب التاريخ وهي تستقبلك وتودعك بكل ترحاب وكرم ومن نافذة الحوار نعود بمرور الوقت وقد تملكني شعور بالجلوس علي مقهي الفراعنة المطل علي نيلها لأرتشف فنجان من القهوة العربية كما هي عادتي دائما في زيارتي لها من الحين إلي الآخر وتشعر أنك تعيش بين جدرانها وأنت ترتشف من فنجان القهوة بعروبتها وعروبتك فتصلك لهجات عربية محببة إليك من مرتديها وهم من العراق .. فلسطين .. سوريا .. السعودية ... ليبيا .. الكويت .. الجزائر .. الاردن .. تونس .. المغرب .. السودان .. ليمتد الحوار مع رشفات من فنجان القهوة الثاني ونحن نتبادل الحوار معا في ألفة ومودة بعودة العراق حرا آبيا والقدس عاصمة لكل الديار العربية بل وحدتنا العربية التي نحن لها في اعماقنا وكتابنا الذي لن يسجن مهما حاولوا بتر القصيدة المتنبية ؟! كما شهدت منصورتي أحداث ثورة 25 يناي وشارك فيها جموع الشعب وطوائفه كعهدها الأبدي فتحول ميدان المحافظة لميدان تحرير آخر في ملحمة من ملامح التحرر من الديكتاتورية والطغيان والفساد والرشوة التي تفشت بصورة مرعبة وهي تندد بالظلم وسقوط النظام الذي لوث عذرية الوطن علي مدار ثلاثة عقود مريرة ؟
فكانت فتية علي مر التاريخ حتي سقط النظام وسط فرحة عارمة دفع ثمنها شهداءها ومثقفيها وشيوخها وشبابها في تميمة عاشق لايعرف غيرها حبيبة وآنيسة لكل العهود ومعها عادت نانا من غربتها لتكتب من جديد رائعة من روائع التاريخ المطلي بدماء هؤلاء الذين غيروا كل مناهج الجبن والاحتيال ومعها عزف لن ينقطع ؟

النموذج الإثيوبي لازدواجية المعايير الأميركية/ نقولا ناصر



(طبقا لل"سي آي إيه"، فإن اثيوبيا مدرجة ضمن أكثر المجتمعات انعداما للمساواة بين حوالي ستين عرقية فيها، حيث تسيطر عرقية التيجراي التي تمثل (7%) من السكان الذين يزيد عددهم على ثمانين مليون نسمة، نصفهم في الأقل مسلمون يكاد يكون تمثيلهم في مؤسسة الحكم صفرا)

تقف اثيوبيا اليوم، التي وصفها السفير الأميركي في أديس أبابا دونالد إي. بوث أوائل الشهر الجاري ب"جزيرة استقرار" في منطقة مضطربة، خير مثال على ازدواجية المعايير الديموقراطية الغربية بعامة والأميركية بخاصة.

ففي حقبة تاريخية شهدت الاحتلال العسكري الأميركي للعراق وأفغانستان، وتشهد حاليا تحريك الولايات المتحدة لحلف الناتو الذي تقوده ويقود بدوره التدخل العسكري الحالي في ليبيا، من أجل "تغيير الأنظمة" في هذه البلدان، بحجة كونها أنظمة حكم شمولية يحتكر السلطة فيها فرد أو حزب واحد يستخدم الاستبداد والخوف والأجهزة القمعية والأمنية لمصادرة الحريات العامة والمعارضة وتبادل السلطة من أجل الاحتفاظ بالحكم، وفي وقت يموج فيه المحيط العربي والإفريقي بالحشود الشعبية الهادرة المطالبة بحقوقها وحرياتها، تلوذ واشنطن بالصمت حيال النموذج الاثيوبي لمثل هذه الأنظمة، بل إنها تحرص على إطالة عمره بإغداق المعونات المالية والعسكرية عليه، وتتحالف معه استراتيجيا في حربها العالمية على "الإرهاب"، وتحوله إلى وكيل إقليمي لهذه الحرب، فتدعم مغامراته العسكرية خارج حدوده، وتهديداته لجواره الإقليمي، بحجة الحفاظ على استقرار الإقليم الذي يفتقد الاستقرار بسبب هذا التحالف الأميركي – الاثيوبي على وجه التحديد.

وهذا التحالف ليس ثنائيا، فهو ثلاثي، ودولة الاحتلال الإسرائيلي هي ضلعه الثالث، وعلى الأرجح في حسابات واشنطن أن أهمية اثيوبيا لحليفها الاستراتيجي الإسرائيلي أهم من كونها "الشريك الاستراتيجي" للولايات المتحدة في الحرب على "الإرهاب" مما يسوغ ازدواجية المعايير الديموقراطية الأميركية تجاه اثيوبيا. ويجري أميركيا واثيوبيا التعتيم على دور الشريك الإسرائيلي في هذا التحالف الثلاثي بسبب الانعكاسات السلبية لأي إبراز للدور الإسرائيلي على العلاقات الأميركية الثنائية بخاصة مع دول الإقليم العربية على الأخص، لكن المصالح المشتركة بين الحلفاء الثلاث واضحة في إبقاء خطوطهم مفتوحة على مداخل البحر الأحمر ومخارجه كطريق حيوي لإمدادات النفط وبوابة إسرائيلية بحرية إلى إفريقيا وآسيا ومنفذ بحري وحيد لاثيوبيا المحاصرة باليابسة.

إن مبادرة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى أن تكون أول دولة تعترف بجمهورية أرض الصومال عام 1960 ثم إعلان استعدادها مؤخرا لتجديد هذا الاعتراف، وتبني اثيوبيا لمنحها مقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي، ورفض الرئيسين المصري السابق حسني مبارك والسوداني عمر البشير حضور قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة في الخرطوم إلا بعد سحب دعوة لجمهورية أرض الصومال لحضورها، ليست إلا مثالا واحدا على تقاطع المصالح الاثيوبية الإسرائيلية وتضارب المصالح العربية الاثيوبية.

وكان فوز شركة "بلو بيرد" الاسرائيلية هذا الشهر بعقد لبيع طائرات حربية دون طيار إلى اثيوبيا مجرد المثال الأحدث على علاقات اديس ابابا الوثيقة مع تل أبيب في عهد رئيس الوزراء الاثيوبي منذ عشرين عاما ميليس زيناوي، الذي سلح حراسه الشخصيين برشاش "تافور" إسرائيلي الصنع واختار العلاج في مستشفى هداسا الإسرائيلي بالقدس المحتلة في حزيران / يونيو عام 2006، بعد أول زيارة رسمية لدولة الاحتلال على الاطلاق يقوم بها رئيس وزراء اثيوبي في أواسط سنة 2004 اجتمع خلالها مع نظيره الغائب عن الوعي حاليا آرييل شارون، ليرحب في سنة 2009 في العاصمة الاثيوبية بوزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي تتجنب دول كثيرة في العالم استقباله رسميا لتطرفه وعنصريته ناهيك عن تحقيقات النائب العام الاسرائيلي معه بتهم الاحتيال وغسيل الأموال وخيانة الأمانة والتلاعب بالشهود. والجدير بالذكر أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع اثيوبيا عام 1992، أي في السنة التالية لتولي زيناوي الحكم، بعد أن كانت اديس ابابا قطعتها أثناء الحرب المصرية والسورية – الإسرائيلية في أكتوبر / تشرين الأول 1973.



قال السفير الأميركي بوث إن اساس العلاقات الأميركية – الاثيوبية يقوم على ثلاثة ركائز هي التنمية الاقتصادية، والاستقرار الإقليمي، والديموقراطية وحقوق الانسان. ومن الجدير بالذكر هنا أن زيناوي "الماركسي الستاليني" وحزبه قد حظيا بالدعم الأميركي أثناء "كفاحهم" لآسقاط نظام منغستو هيلي ميريام الماركسي، وأن التمثيل الدبلوماي الأميركي في أديس أبابا رفع إلى مستوى سفارة فقط عام 1992 بعد سنة من تولي زيناوي الحكم.



وبعد مرور عشرين عاما على زيناوي في السلطة، واستمرار الملايين جوعى وفي فقر مدقع، وزيادة معدل البطالة على أربعين في المئة، وبينما أنفقت زوجة زيناوي، أزيب مسفين، (1.2) مليون يورو على الملابس على ذمة صحيفة إيه بي سي انترناتسيونال التي تصدر في مدريد (27/1/2011)، وتصنيف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لاثيوبيا في المرتبة (157) بين (169) بلدا، وتصنيفها في المرتبة (107) بين (110) بلدان (http://www.prosperity.com/rankings.aspx) في الازدهار الاقتصادي، فإن الركيزة الأولى التي ذكرها السفير بوث كأحد أسس العلاقات مع الولايات المتحدة تنهار، مما يثير أسئلة جادة حول مصير حوالي مليار دولار أميركي قيمة معونات سنوية تقدمها واشنطن لأديس أبابا، إضافة إلى المعونات العسكرية، مما يجعل منها أكبر المانحين لاثيوبيا التي يمدها الغرب بأكثر من ثلاث مليارات دولار معونات سنوية، يمول نظام زيناوي بها قمعه في الداخل ومغامراته العسكرية في الخارج. ومما لا شك فيه ان جزءا من المعونة الأميركية يذهب للصرف على السجون السرية التي أقامتها السي آي إيه في اثيوبيا. وتمثل هذه المعونات اكثر من (90%) من ميزانية الحكومة.



وفي تقريرها السنوي الذي اصدرته في الشهر العاشر من العام المنصرم بعنوان "تنمية بلا حرية" قالت منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش) إن حكومة زيناوي تستخدم المعونات الأجنبية "كأسلحة سياسية للتحكم في السكان، ومعاقبة المعارضة، .. ويحرم المسؤولون المحليون الناس من البذور والأسمدة والأراضي الزراعية والقروض والمعونات الغذائية وغيرها من موارد التنمية"، كم أن هذه المعونات "تساهم في إشاعة مناخ أوسع من الخوف، وتبعث برسالة قوية بأن أساسيات البقاء على قيد الحياة تعتمد على الولاء السياسي للدولة والحزب الحاكم". وقالت مديرة المنظمة في القارة الإفريقية، رونا بليجال، إن المانحين الأجانب مع ذلك ما زالوا "يكافئون هذا السلوك بأموال متزايدة من معونات التنمية". وطبقا للبنك الدولي، يتحكم حزب زيناوي الحاكم بحوالي نصف الاقتصاد الوطني من خلال مجموعة تجارية تابعة للحزب تسمى "صندوق وقف إعادة إعمار تيجراي".



أما الركيزة الثانية لهذه العلاقات، أي "الاستقرار الإقليمي"، فينسفها واقع أن اثيوبيا كانت بقيادة زيناوي وما زالت العامل الأهم في اضطراب الإقليم، بسبب الحروب على جيرانها والتدخل السافر في شؤونهم الداخلية. وبفضل "الشراكة الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة، يتجرأ زيناوي الآن على التهديد ب"تغيير النظام" في اريتريا ويلوح بمواجهة مع مصر، فقد نقلت رويترز عنه في الحادي والعشرين من نيسان / أبريل الجاري اتهامه لاريتريا بانها "تدرب وتنشر قوى .. مخربة لإرهاب بلدنا. لكن مصر هي القوة المباشرة التي تقف خلف هذه العناصر المخربة"، ليضيف: "الآن وجدنا أنه لم يعد في وسعنا الاكتفاء بالدفاع السلبي، .. لذلك علينا أن نسهل الطرق أمام الشعب الاريتري للتخلص من نظامه الدكتاتوري" .. اي "تغيير النظام" في اريتريا كما أوضح وزير خارجيته هيلي مريام ديسالجن.



وما زال زيناوي يصر على التذكير بخسارة "حق اثيوبيا في السيادة" على أراضي عفر الساحلية من ميناء عصب مرورا شمالا بمصوع فالجزر الاريترية في البحر الأحمر، ليرفض ترسيم الأمم المتحدة للحدود مع أريتريا ويخوض معها حربا عام 2000 تسببت في قتل ما يزيد على مئة ألف من الجانبين حتى الآن.



وكان زيناوي قد غزا الصومال بتمويل ودعم عسكري أميركي، بعد أن كاد اتحاد المحاكم الإسلامية يوحد البلاد ويعيد إليها الاستقرار الذي افتقدته طويلا منذ الغزو الأميركي في عهد الرئيس الأسبق محمد زياد بري، بحجة منع قيام دولة صومالية يسيطر عليها الإسلاميون وتكون حاضنة للإرهاب، والوضع الراهن في الصومال خير دليل على النتائج العكسية لهذه المغامرة الاثيوبية – الأميركية.



وفي جيبوتي حيث توجد قاعدة عسكرية لداعميه الأميركيين يدعم زيناوي حكم اسرة الرئيس إسماعيل عمر غوليه التي تحكمها وتستاثر بالثروة والسلطة والفساد فيها منذ ما يزيد على ثلاثين عاما والتي قمعت مؤخرا احتجاجات شعبية واسعة متأثرة بالثورتين المصرية والتونسية، بذريعة أن جيبوتي الآن هي المنفذ البحري الرئيسي لاثيوبيا، مع أن أي نظام حكم جديد لن يستغني طبعا عن مئات الملايين من الدولارات التي تدفعها اثيوبيا لجيبوتي كرسوم سنوية لاستخدام مينائها.



غير أن التهديد الأخطر على الاستقرار الإقليمي الذي يمثله نظام زيناوي وهو ساند ظهره إلى حليفيه الأميركي والإسرائيلي فيكمن في استفزاز مصر حد جرها إلى حرب بالتصرف من جانب واحد في مياه النيل دون تشاور مع دولتي المصب في مصر والسودان حسب الاتفاقيات الموقعة، مما دفع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشير محمد حسين طنطاوي، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي الرسمي في الحادي والعشرين من آذار / مارس الماضي إلى التهديد ب"تغيير نظام" زيناوي إذا واصل استفزازاته.



والركيزة الثالثة التي أشار إليها السفير بوث، أي الديموقراطية وحقوق الانسان، تنقضها تقارير أميركية ودولية. فطبقا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "السي آي إيه"، فإن اثيوبيا مدرجة ضمن أكثر المجتمعات انعداما للمساواة بين حوالي ستين عرقية فيها، حيث تسيطر عرقية التيجراي التي تمثل (7%) من السكان الذين يزيد عددهم على ثمانين مليون نسمة على حكم ميليس زيناوي، نصفهم في الأقل مسلمون يكاد يكون تمثيلهم في مؤسسة الحكم صفرا.



وكان تقرير هيومان رايتس ووتش في حزيران / يونيو 2008 بعنوان "عقوبة جماعية: جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في منطقة أوغادين من الإقليم الصومالي لاثيوبيا". أما التقرير عن ممارسات حقوق الانسان في اثيوبيا الصادر في أوائل الشهر الحالي ضمن التقرير السنوي لعام 2010 الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية فقد تحدث عن انتهاكات للنظام وأجهزة أمنه وشرطته "الخاصة" ومليشياته المحلية ضد المعتقلين وأنصار المعارضة شملت "القتل غير القانوني" والاعتقال التعسفي دون توجيه اتهام والقيود على حرية التعبير واستخدام العنف والتهديد أثناء الانتخابات والفساد في الشرطة والإدارة والقضاء والإفراط في استخدام القوة ومضايقة المنظمات غير الحكومية والتدخل في نشاطات النقابات والرقابة على الصحف والإعلام والانترنت.



وكان من الطبيعي في هذه الأجواء أن يفوز الحزب الحاكم في انتخابات أيار / مايو من العام الماضي ب (545) مقعدا من (547) مقعدا في البرلمان، وب(1903) مقاعد من (1904) مقاعد في البرلمانات الإقليمية، وفي الانتخابات المحلية عام 2008 فاز بكل المقاعد البالغ عددها (3.4) مليون مقعدا وخسر أربعة مقاعد منها فقط، كما جاء في التقرير. وقد دافع السفير دونالد بوث عن هذه النتائج في 12 الشهر الجاري قائلا إن "الشعب الاثيوبي قبل" بفوز الحزب الحاكم بنسبة (99.6%)، وكانت بلاده قد واصلت معوناتها للنظام بعد أن انقلب على فوز المعارضة في انتخابات 2005 وقتل المئات واحتجز الآلاف واعتقل المئات من الشخصيات المعارضة ثم أصدر عدة قوانين منها واحد لمكافحة الارهاب وآخر للصحافة في ظل حالة طوارئ سارية المفعول حتى الآن كي يضمن ألا يتكرر فوز المعارضة في انتخابات 2010.



وإذا كانت ازدواجية المعايير الديموقراطية الأميركية صارخة في نموذجها الاثيوبي لكن يمكن فهمها باعتبارها عرفا راسخا في السياسة الخارجية الأميركية، فإن ازدواجية بعض المواقف العربية المماثلة تمثل استهتارا بالتهديد الاثيوبي للبوابة الجنوبية للوطن العربي وهي بحاجة إلى إضاءة.



* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com*

أوجاع الفلبين من إضطرابات الشرق الأوسط/ د. عبدالله المدني

شكلت التحويلات المالية الأجنبية من قبل العمالة المهاجرة على الدوام عامل إنقاذ للإقتصاد الفلبيني الهش، مما جعل الأخير يعتمد عليها إعتمادا كليا في مواجهة الأزمات الإقتصادية العالمية، وبالتالي الهروب مؤقتا من مشاكل البطالة وإنحدار مستويات المعيشة على المستوى الوطني، وذلك على نحو ما حدث أثناء الأزمة الإقتصادية الأخيرة ما بين عامي 2008 و2009 ، خصوصا وأن الفلبين ليست فقط صاحبة إقتصاد هش، وإنما أيضا تفتقد القدرة على جذب الإستثمارات الأجنبية المعتبرة بسبب أحوالها الأمنية المضطربة من جهة وتفشي الفساد في مفاصل أجهزتها الرسمية من جهة أخرى.
ومما لا شك فيه أن إضطراب الأحوال في عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤخرا، جعل الفلبين يواجه تحديا إقتصاديا كبيرا. وليس أدل على ذلك من أن مانيلا قدرت خسائرها من تحويلات عمالتها الموجودة في البلدان المذكورة بفقدان أكثر من ثلاثة ملايين عامل فلبيني لوظائفهم، علما بأن هناك من يشكك في هذا الرقم ويصفه بالقليل إنطلاقا من أن مئات الآلاف من العمال الفلبينيين المهاجرين غير مسجلين لدى سلطات بلادهم.
ولعل ما ضاعف مصيبة الفلبين أن إضطرابات منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي إنقطاع التحويلات المالية أو إنخفاضها، تزامنت مع حدوث الزلزال المدمر في اليابان، وهي الكارثة التي لم تنحصر آثارها في فقدان فليبينيين مهاجرين كثر لوظائفهم، بل تعدتها إلى إرتفاع تكلفة بعض السلع التي تستوردها الفليبين من اليابان، وبالتالي تضرر المستهلك الفلبيني العادي. هذا ناهيك عما حدث من تجميد مؤقت لبعض الصادرات الفلبينية التي تعتمد عليها مصانع الإلكترونيات اليابانية بنسبة 20 بالمئة تقريبا، وما رافق ذلك من تسريح للعمال أو تخفيض لأجورهم.
وتقول "سارة كاترينا مارامق" المسئولة الإعلامية في منظمة الهجرة العالمية أن وجود أعداد هائلة من العمالة الفلبينية في الخارج لهو دليل واضح على إنعدام الفرص الإقتصادية الكفيلة بالحصول على معيشة لائقة داخل الوطن. وتضيف قائلة: "أن الفلبين تشهد يوميا نزوح ما معدله 4500 مواطن إلى الخارج من أجل البحث عن وظائف أفضل أو دخول أكبر، ومعظم هؤلاء ينحدرون من الطبقة الأكثر فقرا في المجتمع".
أما المسح الميداني الذي قامت به إحدى مؤسسات الأعمال الإستشارية فقد أشار إلى أن إنقطاع تحويلات العمالة المهاجرة أو إنخفاضها سوف يقصم ظهر الإقتصاد الفلبيني، بل سوف تكون له نتائج كارثية على صعيد القدرات الشرائية لأفراد وأسر المجتمع والتي تعتمد كليا في إنفاقاتها اليومية ومعيشتها على ما تتلقاه من أبنائها وأقاربها المغتربين، بمعدل مائة دولار في الشهر. ولمزيد من التوضيح في هذا السياق، يستحسن بنا الإشارة إلى أنه في العام الماضي فقط وصل إجمالي ما حولته العمالة الفلبينية الموجودة في الخارج والمقدرة بنحو 11 مليون نسمة، إلى 19 بليون دولار (مما جعل الفلبين تحتل المركز الرابع - بعد الهند والصين والمكسيك - ضمن دول العالم النامي لجهة تحويلات النقد الأجنبي من عمالتها المهاجرة). ورقم الـ 19 بليون دولار هذا يعادل 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي (جي دي بي)، فيما لم يزد حجم التحويلات في عام 1975 عن 105 ملايين دولار. وفي السياق نفسه، تجب الإشارة إلى أن أكثر من ثلث المبلغ الضخم المذكور جاء من عمال يعملون في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحديدا من السعودية (تستضيف نحو 1.8 مليون عامل فلبيني) فالإمارات العربية المتحدة، بينما جاء الثلثان الآخران من فلبينيين يعملون في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا، تليها أقطار مثل اليابان وسنغافورة وتايوان.
ومن باب الإنصاف، لا بد من القول أن الإقتصاد الفلبيني قد حقق مؤخرا بعض النجاحات الخجولة بفضل البرامج والسياسات الصارمة لرئيسها الشاب "نوي نوي أكينو" والهادفة إلى القضاء على مظاهر الفساد، والتشدد في فرض القانون والنظام والشفافية. غير أن الرئيس الذي لم يمض عليه سوى أقل من عام في قصر "مالاقانيان" الرئاسي صار هدفا لحملة إنتقادات واسعة مؤخرا من قبل منظمات وشخصيات محلية بسبب ما قيل عن عدم إمتلاك حكومته لإستراتيجية واضحة حول كيفية إجلاء الفلبينيين من مناطق الحروب والأزمات، وكيفية إستيعابهم مجددا في مجتمعاتهم، وكيفية الإنفاق عليهم ريثما يتدبرون أمورهم، ناهيك عن تخبطها بشأن إستصدار قوانين عاجلة يحظر بموجبها على المواطنين السفر إلى مناطق الحروب والقلاقل. ويقال أن هذه الإنتقادات أثرت سلبا على شعبية الرئيس الذي جاء إلى السلطة في العام الماضي بأغلبية ساحقة. ولعل مما زاد في حملة الإنتقادات ان نسبة البطالة في صفوف الفلبينيين كانت مرتفعة أصلا (في حدود 7.4 بالمئة حسب إحصائيات يناير 2011 )، مما يعني أنه كان هناك قبل إندلاع إضطرابات الشرق الأوسط ما يقارب 3 ملايين فلبيني في حالة بطالة، بل هناك من يقول أن العدد أكبر بكثير، إذا ما أخذنا في الإعتبار نحو 7.1 مليون نسمة ممن يمكن إدراجهم بحسب التوصيفات العالمية في خانة العاطلين.
وجملة القول أن الرياح جاءت بما لا تشتهي سفن الفلبين التي كانت تتوقع هذا العام والأعوام القادمة سفر المزيد من عمالتها الماهرة وشبه الماهرة إلى الدول النفطية في الشرق الأوسط من تلك التي لا تزال تنفق بسخاء على مشاريع تنموية في قطاعات الإنشاءات والإتصالات والبتروكيماويات والكهرباء.
وهكذا، يبدو أن الفلبين ليس أمامها حل لمعضلتها سوى تصدير جزء من عمالتها الماهرة إلى الولايات المتحدة حيث توجد شواغر وظيفية في قطاع التمريض تحديدا، يقال أن عددها قد يصل إلى 800 ألف فرصة عمل من الآن وحتى عام 2020 . كما يمكن لمانيلا أن تحاول الإستئثار بفرص عمل لعمالتها في قطاع الإنشاءات والخدمات المتصلة ضمن عملية نقل قاعدة "أوكيناوا" الإمريكية من اليابان إلى جزيرة "غوام"، خصوصا وأن للعمالة الفلبينية خبرة متأتية من عملها السابق في قاعدتي "سابك" و"كلارك" في الفلبين، واللتين جلت عنهما القوات الإمريكية في منتصف التسعينات.
ويمكن للفلبين أيضا أن تستأثر بنحو 700 ألف فرصة عمل متوفرة أو سوف تتوفر في دول آسيوية كماليزيا والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وتايوان.

د. عبدالله المدني
باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة : أبريل 2011
الإيميل:elmadani@batelco.bh