جاء العيد: لا تطيعوا أولي الأمر منكم/ عطا مناع

في العيد نكتب، وفي الحقيقة لا نكتب، لأننا لا نقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر أو الوزير الفاسد، المهم أن نحسبها في ميزان الذهب، فالقضية ربح وخسارة، ونحن في غنى عن وجعة الرأس.
في العيد ومن قبلة رمضان الذي يفترض أن يكون مباركاً عشنا الهزيمة، لا أتحدث عن الجوع والموائد الرمضانية العجاف، أتحدث عن الجوع الروحي الذي يجتاح وطننا العربي من محيطة إلى خليجه.
في فلسطين أم القضايا، وعدنا الدكتور بدولة المؤسسات، بقي الدكتور وما زلنا ننتظر دولة المؤسسات، ولسان حالي يقول موت يا حمار، فدولة المؤسسات ليست لنا عندما نتحول إلى مشروع اقتصادي وامني لشريحة اعتقدت أنها تضحك علينا وأننا نصدقها، وفي الحقيقة نحن نضحك من أنفسنا وعلى أنفسنا.
جاء العيد والدكتور قدم الساعة ستون دقيقة، أما أمير المؤمنين في غزة فقرر أن يؤخر الساعة ستون دقيقة، للحقيقة هيك السياسة والمواقف العقائدية، والشعب الذي يرفع شعار نريد إنهاء الانقسام أصبح يخجل من نفسه لان الجماعة كل يوم برفعوا شعار انهاء الانقسام في خطاباتهم وتصريحاتهم.
في العيد كيلو التفاح بعشرة شواقل، وهذا مسحوب على اقتصاد السوق، معلش وزير الزراعة مش فاضي للشعب، اللة يعينو اللي فيه مكفية، وحتى ما نغلط وكما قال السيد الوزير أطال اللة في عمرة ليبقى صخرة رابضة على صدورنا المتهم بريء حتى تثبت إدانته، طبعاً أنا لا اقصد المواطن الذي هو متهم حتى تثبت براءته.
في العيد علينا آن نكبر ونهلل للحكومة ونصلي للة شكراً وعرفناً على نص الراتب، يا هل ترى هل حصلت الشريحة التي سرقت حلمنا على نص راتب؟؟ وهل عايشوا الموائد الرمضانية العجاف؟؟ وهل وقفوا على أبواب البنوك التي تستفرد في البلاد والعباد؟؟؟ وهل جلسوا للحظة مع ذاتهم حتى يزبطوا ميزانية العيد والمدارس؟
على أبواب العيد كثرت الندوات السياسية المتعلقة بالدولة واستحقاق أيلول مثل ما بحكوا، حضرت ثلاثة لقاءات، وبصراحة اكتشفت أن الشعب غلطان، وان القيادة صامدة، يا جماعة القيادة ما تنازلت!!!! القيادة صامدة!!! والجيد أن قيادتنا منسجمة مع بعضها من يسارها إلى يمينها؟؟؟؟ حتى نائب الأمين العام للجبهة الشعبية يقول في معرض حديثة عن الانقسام لكل واحد أيلول ويقصد غزة ورام اللة، السؤال أين ايلولك أنت؟؟؟
في العيد تعودنا على زيارة مقابر الشهداء، في الصباح يلتقي بعض الأصدقاء الذين عقدوا اتفاق غير مكتوب وحافظوا على تقليدهم، كانوا يسهرون حتى الفجر وهم يصنعون الإكليل من ورود تجمع من الحدائق المنزلية، واليوم تائي الأكاليل جاهزة جميلة ولكن مضمونها مختلف.
دعونا ونحن نعيش العيد أن نترحم على روح كاتبنا السعودي عبد الرحمن منيف الذين الذي حكى لنا في خماسية مدن الملح والعرب العاربة والأنظمة الفاسدة التي لا تهتم إلا بجمع الذهب وبالبطون والجنس الوسخ، فنحن عبيد لهم، نحن لا شيء، هكذا ينظرون ألينا، وما التسريبات حول ألقذافي ومبارك وحاشيته إلا بعض الحقيقة، أما سوزان مبارك وأشرطة الجنس التي سجلتها لقادة عرب حكاية أخرى.
القتل والاغتصاب والليالي الحمراء والمتاجرة بالمخدرات لسان حال النظام العربي الرسمي الذي كما قال شاعرنا العراقي مظفر النواب كم سيسقط من طبقات تسمي احتلال البلاد ضيافة، هي طبقات ترفع شعار أطيعوا أولي الأمر منكم، وهي طبقات كنزت باعت مقدراتنا للأجنبي، ووصفتنا بالفئران وكان الرد الشعبي يا حيف.
قالوا أن أبو ذر الغفاري خامس خمسة في الإسلام وأنة أول من حيا محمد بتحية الإسلام، وقالوا أنة يمشي ويموت ويبعث وحدة، وقالوا أن أبو ذر كان يفضل الفقراء على نفسه، وكان أبو ذر يؤمن بعدم اكتناز المال، ، وقال فيه الرسول الكريم أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيس بن مريم، وبعد أن نفي أقام في الزبدة هو وزوجته وغلامه حتى مرض، بكت علية زوجته بسبب أنة يموت في الصحراء لوحدة ولا يوجد كفناً له، فقال لها : إذا مت فغسلاني وكفنانني وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكما فقولا له هذا أبو ذر، فلما مات فعلا ما أمرهما بة، وبالفعل مشى وحدة، ومات وحدة.
هذا هو حال أبو ذر الفلسطيني، يمشي وحدة ، ويموت أشلاء وحدة ويحملون علية أنة مقصر تجاه القضية الوطنية، وما يعاني منة الفلسطيني ينسحب على العربي، فالفلسطيني الجيد من وجهة نظرهم هو الفلسطيني الذي يضع "شوافات البغل" ويقاوم "الإرهابي الذي في داخلة، والعربي الجيد هو العربي الذي يناصر النظام الرسمي وإلا فالموت والتعذيب والملاحقة في انتظاره.
ما أحوجنا في هذه المرحلة إلى أبو ذر الفلسطيني الذي يقول للأعور أنت اعور دون خوف أو وجل، وان يخرج في يوم الاستحقاق ،استحقاق أيلول رافعا صوته في وجه شريحة تعاملت مع الأرض المحتلة كمزرعة ونحن عبيد نجلد يومياً على طريقة القرن الواحد والعشرين، وما أحوجنا انزع الشرعية عن مفاوض سقط وأسقطنا وعن مقاومة تأكل المقاومة وتختصرها في مشهد احتفالي عقيم أتى على قدسنا وأرضنا المحتلة باسم اتفاقيات السلام الملعونة.
لا طاعة للقذافي السيئ الذكر الذي وصف شعبة بالجراذين، ألقذافي الذي أصبح جزءُ من التاريخ الوسخ لامتنا العربية، ولا طاعة لبلطجية نظام مبارك الساقط أصلا، ولا طاعة للنظام السوري وشبيحتة حيث الموت والتعذيب والهمجية، لا طاعة للذين يبيعون البلاد والعباد، ولا طاعة لمفاوض فلسطيني لم يغترف يوماً بخطأة وكأنة قدرنا، ولا طاعة يا أخ رفيق النتشة للوزراء الفاسدين وتجار القضية الذين باعوا الأموات منا قبل الأحياء، وهم ليس أولي الأمر منا حتى نطيعهم إنهم صناعة أجنبية اسقطوا على شعوبنا العربية بهدف سرقة أروحنا وتحويلنا لمجرد جثث حية تأكل بعضها.

الصين تدخل عصر إمتلاك حاملات الطائرات/ د. عبدالله المدني

من بعد تردد وتأخر وتخلف عن دول عالمثالثية أخرى، دشنت الصين في العاشر من أغسطس الجاري حاملة طائراتها الأولى، لتصبح بذلك خامس دولة آسيوية تملك مثل هذا السلاح، والدولة الحادية عشرة على مستوى العالم من بعد الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرازيل والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند.
فعلى صعيد الدول الآسيوية سبقت الهند الصين في إمتلاك بحريتها لحاملات الطائرات، وذلك حينما إشترت في عام 1994 حاملة الطائرات الروسية "أدميرال غوروشكوف" التي تزن 45.5 ألف طن، بمبلغ 1.6 بليون دولار، علما بأن البحرية الهندية بدأت منذ عام 2005 في بناء حاملة طائرات أخرى محلية التصنيع بالكامل بوزن يناهز 37.5 ألف طن. كما ان تايلاند سبقت الصين أيضا بإمتلاكها لحاملة طائرات إسبانية الصنع بدءا من عام 1997 ، علما بأنها صغيرة الحجم (لا يتجاوز وزنها 11.5 ألف طن، ولا يتسع سطحها لأكثر من 26 طائرة نصفها من المروحيات). أما اليابان، التي كانت رائدة في إمتلاك حاملات الطائرات الضخمة قبل هزيمتها في الحرب الكونية الثانية، فصارت بسبب القيود المفروضة عليها تتحاشى إستخدام إسم حاملة الطائرات في وصف سفنها الحربية الضخمة ذات التقنيات العالية والتي يمكنها أن تتحول إلى مهابط للطائرات المقاتلة والمروحيات عند الحاجة. وتملك كوريا الجنوبية حاملة طائرات مصنوعة محليا، وتزن 14 ألف طن، وبإمكانها حمل 700 عنصر مقاتل و12 مقاتلة حربية و10 مروحيات.
إن دخول الصين عصر إمتلاك حاملات الطائرات أثار الكثير من علامات الإستفهام في الأوساط العالمية ومراكز البحوث الإستراتيجية، إلى الدرجة التي دفعت واشنطون رسميا إلى طلب تفسير من بكين حول الحدث ومراميه. ذلك أن الكثيرين شبهوا تدشين حاملة الطائرات الصينية الأولى بتدشين الأمريكيين لحاملتهم الأولى "يوجين إيلاي" من حوض بناء السفن في برمنغهام في 14 نوفمبر 1910 ، مفترضين أن الحدث الصيني ربما كان مثل الحدث الإمريكي قبل قرن من الزمن لجهة بداية حقبة جديدة من الإستراتيجيات والعمليات الحربية في أعالي البحار. وبكلام آخر هل الخطوة الصينية هي البداية لمشروع صيني أكبر يكتمل في عام 2020 مثلا، ومفاده إستخدام القوة العسكرية في أعالي البحار لترجيح وتأمين المصالح السياسية والإقتصادية للصين مثلما فعلت واشنطون من قبل.
ورغم أن بكين قاومت جميع أشكال المبالغة في الإحتفال بتدشين حاملتها الأولى، بل حاولت إسدال قدر من الغموض على الحدث، إلى حد تجنبها إطلاق إسم معين على الحاملة، بل والإصرار على أن ما دشنته بحريتها ليس سوى سفينة أبحاث وتدريب، فإن المراقبين لم راحوا ينقبون عن غير المعلن. فإذا كان صحيحا أن الحاملة، التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، وتم بناؤها في أوكرانيا، وتزن 67 ألف طن، وإشترتها بكين من موسكو في عام 1998، ثم أجرت عليها تعديلات وتجديدات كثيرة في ميناء "داليان"، مجرد سفينة أبحاث وتدريب، فإن الصحيح أيضا هو العملية بمجملها إستباق وتحضير لقيام الجيش الأحمر بتدشين حاملة طائرات صينية خالصة في عام 2014 ضمن ثلاث أخريات تعتزم بكين إلحاقها بسلاحها البحري المتعاظم، وبعضها مزودة بقدرات نووية.
وإذا كان صحيحا أن بكين تحاشت إطلاق إسم على الحاملة التي كانت عـُرفت في الحقبة السوفياتية بإسم "فارياغ"، فإن مصادر مقربة من جنرالات الجيش الأحمر سربت خبر إختيار " شي لانغ" كإسم للحاملة، وذلك تيمنا بالأدميرال "شي لانغ" المنحدر من سلالة "قينغ" التي حكمت الصين ما بين 1644 - 1911 . وإستنادا إلى ما عــُرف عن هذا العسكري من دعوات بالسيادة على تايوان، فقد قيل أن إطلاق إسمه على الحاملة متعمد ويستهدف إرسال رسالة إلى تايبيه مفادها أن أي عمل متهور بإعلان إستقلال تايوان سوف يواجه بالقوة العسكرية.
على أن خبيرا عسكريا أمريكيا هو الأدميرال المتقاعد "إيريك ماك فارون" له رأي آخر. إذ قال أن إطلاق إسم "شي لانغ"، رغم حساسيته، ليس فيه إيحاءات بالتهديد لتايوان، مضيفا أن حاملة الطائرات غير ضرورية لسينايوهات غزو تايوان، لأن لدى بكين أعداد هائلة من المقاتلات التي يمكن تحريكها بسهولة من البر الصيني عبر مضيق تايوان في عمليات قصف خاطفة وسريعة. كما أن الخبير العسكري الإمريكي أثار نقطة هامة كانت مجلة "وايرد" قد طرحتها من قبل في عددها الصادر في يونيو الماضي، وهي أن نقطة الضعف الرئيسية في الحاملة الصينية "موجودة تحت جلدها" وتتمثل في محركاتها الأوكرانية الصنع من تلك التي أثبتت فشلا ذريعا في تحقيق السرعة المطلوبة، بدليل ما حدث لحاملة الطائرات "كوزنتسوف" الروسية المطابقة للحاملة "فارياغ" تصميما ومضمونا.
في أسباب لجؤ بكين إلى هذه الخطوة من بعد تأخر وتلكؤ، تباينت آراء المحللين. فمن قائل أن بكين تسعى إلى فرض هيمنتها في بحر الصين الجنوبي، ومياه المحيط الهندي حيث التنافس على أشده بين بكين من جهة وقوى إقليمية كالهند واليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، إلى قائل بأن للأمر علاقة بردع كل من يستهدف الصين أو يقلل من شأنها أو يحاول فرض الأمر الواقع عليها، إلى قائل بأن الخطوة ليست سوى محاولة لرفع معنويات سلاح البحرية في الجيش الأحمر والذي هــُمـّـش طويلا لصالح سلاحي الجو والبر، هذا ناهيك عمن قالوا بأن الخطوة تستهدف الإيحاء لمن يعنيه الأمر بأن البحرية الصينية تواكب التطورات العالمية لجهة عمليات حراسة السفن التجارية في أعالي البحار، ومحاربة القرصنة والإرهاب، والمساهمة في عمليات الإنقاذ والإغاثة والإجلاء وتقديم الخدمات الإنسانية. أي أن الصين تتحمل مسئولياتها كدولة عظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وبطبيعة الحال، كان هناك من قال بأن المسألة تتعلق بالتنافس الإمريكي – الصيني، وهو ما إستسخفه "إيريك ماك فارون"، قائلا أن البون شاسع جدا في ما خص القدرات القتالية البحرية، ليس بين الصين والولايات المتحدة فقط، وإنما بين الأخيرة وكل دول العالم مجتمعة، فالولايات المتحدة تمتلك مثلا 20 حاملة للطائرات، بينما دول العالم الأخرى مجتمعة تملك 10 منها فقط ، ناهيك عن أن الحاملات الإمريكية أكبر حجما وأكثر تقدما في تقنياتها. ويكفي في سياق المقارنة أن نوضح أن المساحة الإجمالية لأسطح الحاملات الإمريكية العشرين تبلغ 280 ألف متر مربع، بينما هي في الحاملات الأجنبية الأخرى كلها لا تزيد عن 60 ألف متر مربع.
ويجزم الأدميرال "ماك فارون" بأن الصينيين على قدر من الذكاء الذي يجعلهم يتعاطون بواقعية مع قدرات القوى الأخرى، مضيفا أن الأرجح هو تعاون حاملات الطائرات الصينية والإمريكية مع بعضها البعض من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، وليس تنافسهما.
وفي قول مشابه، يؤكد "يوشي يوشيهارا" الأستاذ المشارك في معهد السياسات الإستراتيجية التابع للكلية البحرية في "رود آيلاند" بأن الصينيين واقعيون، وبالتالي فإن إستثماراتهم في السلاح البحري ستكون معتدلة وحذرة بحيث لا تقودهم إلى سباق تسلح مكلف يؤدي في نهاية المطاف إلى الإفلاس والإنهيار مثلما حدث للإتحاد السوفيتي.
د. عبدالله المدني
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
تاريخ المادة: أغسطس 2011
الإيميل:elmadani@batelco.com.bh

الشعب لن ينال الحرية بحجب الحقيقة عنه/ نقولا ناصر

(أصبح التغيير في أنظمة "الجمهوريات الملكية" استحقاقا سياسيا وتاريخيا واقتصاديا واجتماعيا سوف يقع ان عاجلا أو آجلا لكن هذا التغيير ليس بحاجة الى التضليل الاعلامي لكشف عورات مثل هذه الأنظمة الا في حالة واحدة وهي عندما يراد استخدام هذا التضليل للتغطية على أجندات خارجية)

إن حكم الحزب الواحد أو حزب القائد الذي وصل الى السلطة في الجمهوريات العربية عبر الانقلاب العسكري في الأغلب هو نظام موروث من حقبة الحرب الباردة اصبح تغييره متوقعا خصوصا بعد انهيار مثاله السوفياتي ثم سيطرة العولمة الرأسمالية التي وصلت اليه فتأقلم مع ليبراليتها الاقتصادية لكنه لفظ التعددية السياسية الملازمة لها، ثم اتجه نحو تحويل أنظمة الحكم المفترض انها "جمهورية" الى ما يشبه جمهوريات ملكية تكاد العائلة تتوارث الحكم فيها على الطريقة الملكية، لذلك كان من المتوقع أن يستبدل الحاكم الفرد دولة الحزب بحزب الدولة، وأن يستبدل الحزب ذاته بأجهزة الأمن والمخابرات التي تتغول على المجتمع والجيش وغيره من المؤسسات الوطنية بحيث لم يعد من الممكن التفريق بين مؤسسات النظام الحاكم المفترض انه عامل متغير وبين مؤسسات الدولة المفترض انها العامل الثابت، ونموذج حكم القذافي خير مثال على ذلك. لذلك أصبح التغيير في أنظمة "الجمهوريات الملكية" هذه استحقاقا سياسيا وتاريخيا واقتصاديا واجتماعيا سوف يقع ان عاجلا أو آجلا.

لكن هذا التغيير ليس بحاجة الى التضليل الاعلامي حد الافتئات على الحقيقة لكشف عورات مثل هذه الأنظمة الا في حالة واحدة وهي عندما يراد استخدام هذا التضليل للتغطية على أجندات خارجية تتخذ من استحقاق التغيير معبرا الى التدخل الأجنبي والهيمنة الخارجية. وما زالت الكذبة الكبرى عن وجود اسلحة للدمار الشامل ووجود علاقة مع تنظيم القاعدة التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية "مبهرة" بوعود الديموقراطية لغزو العراق فاحتلاله خير مثال على التضليل الاعلامي الذي يتكرر الآن في الحالتين الليبية والسورية بصفة خاصة. ومن المؤكد ان الشعب لن ينال حريته بحجب الحقائق عنه.

لقد كان بيان المجلس الوطني لقوى الثورة الشعبية في اليمن يوم الخميس الماضي الذي طالب "دول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي برفع الغطاء" وب"عدم توفير الغطاء لما تبقى من النظام في التمادي في قتل أبناء الشعب" مناسبة سلطت الضوء على واحدة من الحقائق التي يجري تغييبها عمدا في التغطية الاعلامية للحراك الشعبي العربي من أجل الحرية، بحيث تكاد هذه التغطية تتحول الى عملية تجهيل مدروسة لتتحول بدورها الى عقبة رئيسية في طريق الطموح الشعبي الى الاصلاح والتغيير، لأن الحقيقة هي طريق الشعوب الى الحرية، والحقيقة هي التي تحررها، فالشعب لن ينال حريته بحجب الحقائق عنه، وقد أدرك هذه "الحقيقة" صانع الثورة الشيوعية فلاديمير لينين عندما رفع شعار "كل الحقيقة للجماهير" باعتباره سلاحا رئيسيا في التوعية والتعبئة الشعبية ما كانت النظرية يمكن أن تتحول الى واقع على الأرض بدونه، كما أدركها لاحقا ودفع حياته ثمنا لها الشهيد والروائي والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني عندما جعلها شعارا لمجلة "الهدف" الفلسطينية.

والحقيقة التي سلط "المجلس الوطني" اليمني الضوء عليها هي ازدواجية معايير التعامل غير العادل مع تضحيات الشعوب العربية، فالتحالف العربي – الدولي تحت مظلة حلف شمال الأطلسي "ناتو" وفر غطاء وحماية للحكم في البحرين وما زال يوفر غطاء للنظام الحاكم في اليمن حيث اختار هذا التحالف منذ البداية البحث عن حلول سياسية وأتاح الفرص للوساطات سعيا الى حلول سلمية في البلدين، مع أن المواصفات الجوهرية للنظام في اليمن بخاصة لا تختلف عما هو عليه الحال في ليبيا وسوريا حيث تم ويتم رفع الغطاء العربي والدولي وتم ويتم استبعاد الحلول السياسية والسلمية وتم ويتم منح الضوء الأخضر للتدخل العسكري الأجنبي.

والمثال اليمني يسلط الضوء على حقيقة هامة أخرى يتجاهلها الاعلام الخليجي – الغربي المهيمن. إذ بعد مضي حوالي ستة اشهر على اندلاع الانتفاضة الشعبية في اليمن، ما زال استخدام العنف المسلح حكرا على النظام، الذي حاول ويحاول أن يخلط بين حرب "القاعدة" عليه في محافظة أبين وفي غيرها وبين الانتفاضة الشعبية عليه وهو على علم يقين بعدم وجود اي صلة بين القاعدة وبين الانتفاضة الشعبية. ان وجود "حرب عصابات" و"ثورة مسلحة" ضد النظامين في سورية وليبيا منذ الأيام الأولى وغياب اي ظاهرة مماثلة حتى الآن في اليمن حيث السلاح أوفر وأكثر انتشارا ويمثل جزءا من الثقافة الشعبية والكرامة الشخصية هو ظاهرة يمكن تفسيرها فقط بوجود عامل خارجي ممثل في التحالف العربي الدولي تحت مظلة الناتو الذي يحرص على اسقاط النظام في ليبيا وسورية باسم الاصلاح والتغيير بقدر حرصه على حماية النظام في البحرين واليمن من دون أي حرص حقيقي على الاصلاح والتغيير في الأقطار العربية الأربعة كافة بل وفي كل الأقطار العربية.

ومن يتابع الاعلام الرسمي السوري على سبيل المثال سرعان ما يكتشف بأن سياسة نصف الحقيقة الاعلامية لا تقتصر على الاعلام المعادي له بل تشمله لينسجم في ذلك مع سمة مميزة للاعلام الرسمي في الأقطار العربية كافة مع ان سخونة الحدث وخطورته كانت تقتضي منه افتراقا عنها منذ البداية. فالاعلام السوري يرتكب خطأ فادحا عندما يحصر تغطيته بالعنف المسلح للعصابات التي تعطل الحياة العامة وتخرب المنشآت ذات الملكية العامة ويتجاهل تماما الشهداء المدنيين الذين يسقطون اثناء اشتباك قوات حفظ النظام والجيش مع هذه العصابات المسلحة، وعندما لا يحاول التفريق بصورة واضحة بين "حرب العصابات" التي تشن عليه وبين المظاهرات السلمية التي تطالب بالاصلاح والتغيير لأسباب مشروعة اعترف النظام ذاته بوجاهتها لكنه يستنكف حتى الآن عن تغطيتها اعلاميا لا بل يحاول بطريقة غير مباشرة الخلط بين الظاهرتين والغاء السلمية منهما بالتركيز على الثانية العنيفة.

والخطأ الذي يرتكبه الاعلام المعادي للنظام في الحالة السورية لا يقل فداحة بل يزيد، فهو مصر على رؤية الأحداث بعين واحدة ليتجاهل تماما حقيقة أن أكثر من ستمائة شهيد قد سقطوا في صفوف الجيش العربي السوري وقوى الأمن ممن لا يمكن بالتأكيد أن يكونوا قد سقطوا برصاص متظاهرين سلميين. غير أن الاعلام المعادي في الحالة السورية قد تخطى سياسة اجتزاء الحقيقة التي تتجاهل تماما الرواية الرسمية وشهداءها الذين ينشر الاعلام الرسمي اسماءهم وصورهم ورتبهم العسكرية ومساقط رؤوسهم والأماكن التي توارى فيها جثامينهم وتبث على الهواء مباشرة تعليقات ذويهم الى غير ذلك من التفاصيل التي لا تترك مجالا لأدنى شك في صدق الرواية الرسمية، ليتجاوز هذا الاعلام هذه السياسة التي تتنافى مع ابسط قواعد المهنة الصحفية وأخلاقها الى التحريض السافر المنحاز ضد النظام بل الى التضليل الاعلامي المدروس، ليصور رجال العصابات الذين يسقطون برصاص قوى الأمن وهم يتخذون من المتظاهرين السلميين دروعا بشرية بانهم مدنيين لأنهم يرتدون ملابس مدنية فقط في خلط لا تفسير له سوى كونه مقصودا بينهم وبين شهداء المظاهرات السلمية.
وفي مؤشر واضح لا يترك مجالا للشك الى نوعية العلاقة في المستقبل بين دول الناتو التي شاركت في "تحرير ليبيا" وبين النظام الذي سينبثق عن هذه الشراكة خلفا لنظام العقيد معمر القذافي، وافق مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي على الافراج عن مليار ونصف المليار دولار فقط من الأرصدة الليبية المجمدة في الولايات المتحدة الى "السلطات ذات العلاقة" كما نص قرار المجلس، وليس الى "المجلس الوطني الانتقالي"، ثم اعلنت الولايات المتحدة مباشرة بعد ذلك عن نفسها وصية على التصرف بهذا المبلغ الضئيل من اموال الشعب الليبي المجمدة في اميركا واوروبا لتقرر من جانب واحد صرف ثلث هذا المبلغ فقط للمجلس خلال ايام باعتباره هو "السلطات ذات العلاقة" والتصرف بباقي المبلغ بمعرفتها، وقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن وصاية مماثلة على الافراج عن أموال الشعب الليبي المجمدة فيه، بالتنسيق مع مجموعة الاتصال حول ليبيا التي ترأسها تركيا والمكونة من الدول الغربية والعربية المؤتلفة في عملية الناتو ضد نظام القذافي وهي "لجنة" نصبت نفسها وصية على تغيير النظام في ليبيا خارج اطار الأمم المتحدة ودون اي نص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بليبيا.

وفي مؤشر آخر الى هذه الوصاية كانت فرنسا يوم الاثنين الماضي قد أعلنت عن استضافة اجتماع لمجموعة الاتصال الدولية اوائل الشهر المقبل بهدف وضع "خريطة طريق" لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا، وعندما سألت فضائية "العربية" في اليوم ذاته رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل عن ذلك قال إنه لم يكن له علم به، وعلى الأرجح أن يكون وزير الخارجية التركي أحمدداود أوغلو الذي يرأس مجموعة الاتصال والذي زار بنغازي في اليوم التالي قد أبلغ عبد الجليل بقرار عقد الاجتماع "بعد اتخاذه".

ان توالي التصريحات الرسمية خلال الأسبوع الماضي عن استعدادات في حلف الناتو وفي دول اعضاء فيه قادت تدخله العسكري في ليبيا وكذلك في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لارسال قوات "حفظ سلام" برية عسكرية أو شرطية أو أمنية للمساهمة في ترسيخ أمن النظام الجديد، وقد أعلن عبد الجليل يوم السبت الماضي عن امكانية الاستعانة بشرطة عربية أو اسلامية ايضا للغرض ذاته، انما تشير فقط الى نفاذ صبر "الشركاء" في "تحرير ليبيا" كي يبدأوا سباقهم على تقاسم "الكعكة الليبية" حتى قبل أن يحسم المجلس الوطني الانتقالي الصراع لصالحه نهائيا ليكون مهيأ لسداد "جميل" الناتو عليه بطريقة منتظمة، علما بأن حقيقة السر المكشوف لوجود "قوات خاصة" برية اميركية وبريطانية وفرنسية على الأرض في ليبيا منذ بداية "الثورة" قد بدأت تنكشف مؤخرا بعد أن تم التستر عليها رسميا. ومن المؤكد أن التعتيم على كل هذه الحقائق لا يخدم قضية الحرية لا لليبيا ولا لليبيين.

ان الخداع الأميركي – الأوروبي في استخدام قرارات الأمم المتحدة يذكر بالخداع المماثل الذي استخدم ما كان يفترض فيه ان يكون حرصا من جامعة الدول العربية على المدنيين الليبيين عندما طلبت الجامعة تدخل مجلس الأمن الدولي لفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا لكي يحول قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي صدر في الظاهر استجابة للطلب العربي الى قرار ل"تغيير النظام" في ليبيا، بغطاء لا يستر عورة من الشرعية العربية والأممية، مما حدا بالعضوين الدائمين الروسي والصيني في مجلس الأمن اضافة الى قوى دولية هامة مثل الهند والبرازيل وجنوب افريقيا والاتحاد الافريقي الى الاعتراض على تمديد تفويض الناتو في ليبيا، وقاد هذه القوى الدولية الى معارضة حاسمة لتكرار هذا السيناريو في سورية.

والتعتيم على مواقف هذه القوى الدولية الهامة هو حقيقة أخرى لا يساهم حجبها بالتأكيد في رفع الوعي الليبي بضرورة ان يكون انتصار الناتو في خدمة انتصار الشعب الليبي لا العكس، فمصادرة حرية الوطن الليبي وسيادته على ارضه وقراره وثرواته لا يمكن ان تكون ثمنا مقبولا لحصول الليبيين على حرياتهم كأفراد، في تكرار للتجربة العراقية بعد الاحتلال الأميركي لمبادلة حرية الوطن بحرية المواطن، اذ سرعان ما يكتشف المواطن بأن حرية الوطن هي الضمان الوحيد لحرياته الفردية.

وتركيز الاعلام الخليجي – الغربي اليوم على انتصار الشعب الليبي فقط هو تركيز على نصف الحقيقة فقط. لكن طائرات الناتو الحربية التي حلقت فوق رؤوس المحتفلين بدخول الثوار الى طرابلس ومجمع باب العزيزية فيها ليطغى هدير محركاتها على أصواتهم، ومشهد المواطن الليبي الذي كان يحمل علما اميركيا كبيرا ويمطره بالقبلات مرددا "ثانك يو أوباما، ثانك يو ساركوزي"، في اشارة الى الرئيسين الأميركي والفرنسي، قد تكفلا بتسليط الأضواء على النصف الآخر المغيب من الحقيقة المتمثل في انتصار الناتو ودوله ايضا.

وتجري الآن محاولات لطمس هذا النصف من الحقيقة بالتركيز الاعلامي على بوادر أزمة جزائرية – ليبية سببها مطالبة الجزائر للنظام الجديد بالتعامل مع قياديين في القاعدة تقول الجزائر انهم يقودون الثورة الليبية الآن وكانت الجزائر سلمتهم الى نظام القذافي الذي طالما خلط كما يخلط النظام الحاكم في اليمن بين القاعدة وبين الثوار على حكمه، أو بالتركيز على بوادر خلافات بين الثوار انفسهم بدأت تطل برأسها وقد لفت النظر في هذا السياق تصريح الشيخ ونيس المبروك رئيس التجمع الأوروبي للأئمة والمرشدين والعضو الليبي المؤسس في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين - - المحرض على الثورة في ليبيا وسورية - - لفضائية "الجزيرة" يوم الاثنين الماضي الذي طالب فيه بتغيير اسم شارع ليبي يحمل اسم الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، أو بالتركيز على بوادر الخلافات بين القبائل التي ما زالت مؤيدة للقذافي وبين تلك المنحازة للثورة عليه، في مشهد يذكر بتحول المحتل الأميركي في العراق الى وسيط في خلافات النظام المنبثق عن الاحتلال في بغداد مع دول الجوار ووسيط في الخلافات التي ايقظها المحتل بين طوائفه وأحزابها التي حملت الدبابات الأميركية الغازية قادتها الى عاصمة الرشيد.

 كاتب عربي من فلسطين

في أفق الإنتخابات التشريعية المقبلة: ملفات ضخمة تنتظر النخبة السياسية الجديدة في سيدي البرنوصي/ علي مسعاد


إذا كان مطلب " التشبيب " لدى شباب حركة 20 فبراير ، من بين أكثر المطالب ترديدا ، في شعاراتها المرفوعة ، أثناء وقفاتها الاحتجاجية في الشوارع ، فإنه ليس أقل أهمية من بين المطالب الأساسية الأخرى ك" الحد من الرشوة و الفساد المالي و إهدار المال العام و ترشيد النفقات و تدبير الشأن العام و تعميم الخدمات الصحية لدى المواطنين ، وغيرها من الحقوق المهضومة كالحق في السكن والعمل و الحياة الكريمة .
فإنه يبقى ، أي مطلب " التشبيب " من بين أهم الرهانات ، التي من الممكن أن تحد من العديد من الأخطاء التي تسببت فيها الوجوه القديمة ، في مجال تدبير الشأن العام ، من حيث فشلها في تحقيق الوعود التي أمطرت بها المواطنين لسنوات .
ولأنهم ، هم المستقبل ، كان طبيعيا ، أن يطالبوا بحقهم في الدخول في معترك السياسة ، عبر لائحة وطنية ، ليقلوا كلمتهم ، في تسيير وتدبير الشأن العام و ما الاجتماعات واللقاءات الشبابية ، التي تعقد هنا وهناك ، إلا من أجل أن يصبح للشاب كلمته في السياسة و ليس فقط " كومبارس " ، للجيل الأول ، الذي ينظر إلى الشباب ، كجيل فاقد للحنكة والتجربة وغير مدرك للعبة السياسية ، ما يفقده المؤهلات التي من شأنها ، أن تدفع به ، إلى ولوج قبة البرلمان و الجماعات المحلية و غيرها من المؤسسات المنتخبة ، للمساهمة من الداخل عوض المشاهدة من الخارج .
ولأننا مقبلون ، على استحقاق إنتخابي ، كان من الطبيعي ، أن تشارك المرأة كما يشارك الرجل و أن يشارك معهم الشباب جنبا إلى جنب ، حتى تكتمل الرؤية ، فجيل " الفايسبوك " له لغته الخاصة ، لا يصعب على الجيل الأول ، فك شفرتها ، وإلا ما معنى ما يجري هنا في سيدي البرنوصي وغيره من المناطق و الأقاليم والمدن ؟ا .
فالملفات ، التي تنتظر النخبة السياسة الجديدة ، في هذا الحي ، قد تكون شبيه بانتظارات شباب كل المدن و إن كان لكل مدينة مميزاتها وخصوصياتها ، إلا أن المشترك هو :
جلب الاستثمارات الأجنبية لتحريك عجلة الاقتصاد .
تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة و مبادرات التشغيل الذاتي .
إيجاد مناصب الشغل جديدة و تشغيل ذوي الكفاءات و الشواهد العليا .
القضاء على دور الصفيح والبناء العشوائي و الباعة المتجولين و احتلال الملك العمومي
الحد من الرشوة المحسوبية و الزبونية و الوساطة في العمل وقضاء المصالح الإدارية .
الحد من تلوث البيئة لما لها من إنعكاسات خطيرة على صحة المواطنين .
إحداث مرافق الترفيه و التثقيف و الرياضة مع تخصيص فضاءات خاصة بالطفل .
تشجيع المواهب المحلية في كل القطاعات و المجالات (الرياضة ، الثقافة ، الفن ...).
إحداث مكاتب خاصة ،لاستقبال شكايات المواطنين وتظلماتهم وحل مشاكلهم الإدارية .
لأن النخبة ، التي تراهن عليها ساكنة سيدي البرنوصي ، سواء في الإنتخابات التشريعية أو الجماعية ، للدفع بعجلة التنمية المحلية و الوطنية ، لا بد لها وأن تشكل القطيعة مع الماضي ، لأن الوجوه القديمة ، فشلت في تجديد الثقة بينها وبين المواطن ، بينها و بين الناخب الذي أصبح لديه "بروفايل " جديد ، خاص بالبرلماني و المستشار الجماعي المنتظر ، فهو لا يشتري ذمم المواطنين و لا يعطي الكلام المعسول دون تطبيقه و يظهر و يختفي عند الضرورة والحاجة ، متنصلا من كل وعوده ، و ليس هو الذي ينسخ برامج الآخرين وينسبها لنفسه و لا يطبق منها بندا ، وليس هو الذي يستغل فقر المواطنين وحاجتهم إليه ، لتوظيفهم في حملاته و خرجاته الانتخابية ، بل هو القادر على وضع برامج و تصورات عملية ، قليل الكلام كثير العمل ، منفتح غير منغلق على محيطه العائلي ، هو الذي يفعل أكثر مما يقول .
لأن زمن الكلام في الهواء ، قد انتهى مع الربيع العربي وعصر التحولات و زمن المحاسبة و الشفافية السياسية و الشعارات التي تطالب هذه الفئة " بالرحيل " من أجل بقاء النخبة التي تستحق كراسيها و تجديد الثقة فيها ، خدمة لهذا الحي ولهذا الوطن الذي نحبه ونعشق تربته .

العالم ما بين التقدم العلمي والتخلف الفكري والأخلاقي/ أنطـــونـــي ولســـن

ما يدور حولنا في العالم من أمور غاية في الغرابة فهي تحمل الشىء ونقيضه ، إن كان في العلاقات العامة بين الأفراد بعضهم مع بعض أو بين الدول بعضها مع بعض . بل التضاد في العلوم والأفكار والأخلاق . تعالوا معنا نستعرض ما عليه العالم هذه الأيام إن كان من ناحية التقدم العلمي أوالتخلف الفكري والأخلاقي .
نبدأ بالتقدم العلمي ، طبيعي سنتكلم عن الغرب وما على شاكلته من دول أخرى خاصة الدول التي دخلت المعترك العلمي منافسة تارة ومتعاونة تارات أخرى .
إذا تطلعنا حولنا وحاولنا أن نوجز بالحديث عن أجدر المخترعات والإكتشافات التي وصل إليها العالم المتقدم وقدم خدمات أفادة البشرية قاطبة سنجد في رأي الشخصي وقد تختلف معي أو تضيف . أرى أن صنع العدسات المكبرة الكاشفة هو أعظم الصناعات والأكتشافات لأن العدسة أدخلتنا إلى أعمق أعماق المجهول والغامض إن كان على مستوى الطبيعة أو الحياة . لقد إكتشفنا الفضائيات التي كانت لفترة قريبة شيء مجهول مقدس ومجرد التفكير أو التخيل لما قد تكون عليه شكل الأرض والمجرات السماوية هرطقات وكفر يجازى المفكر إذا أباح بفكره للناس ووصل الأمر إلى الكنيسة في الغرب يحكم على الشخص بالموت لأنه تعدى على المقدسات التي يجب على الإنسان أن يتقبلها ويؤمن بها إيمانا أعمي دون نقاش أو تفكير أو حتى التخيل .وقد أخذت إستخدامات العدسة تتعدد مع كبر حجم العدسة وتعدت من تكبير الحروف وإلتقاط الصور إلى الدخول داخل أعماق الفضاء ومعرفة كل ما يدور على أرض المجرات التي تحيط بالأرض . ساعدت الرؤيا التفكير في تحقيق الرؤيا بواقع ملموس فبدأ إختراع المركبات الفضائية لأستخدامها في الوصول إلى ما يمكن الوصول إليه مما شاهدوه عبر ما أطلق عليه " التلسكوب " الذي تطور بشكل مذهل لما رآه العلماء من جمال الخالق في الكون . ونعرف جميعا قصة الوصول إلى القمر والمركبة الفضائية والوصول إلى المريخ وإلتقاط صور حية لأرضه وأجوائه لمعرفة إمكانية العيش هناك وما سنأخذه بإستخفاف الأن لا شك عندي قد يكون حقيقة ليس فقط على المريخ بل قد يتجاوز ذلك إلى أماكن لا يعلمها إلا الله والمؤمنين بالعلم والتقدم العلمي الذي وإن ظهر على أنه سيؤدي إلى الكفر والعياذ بالله وعدم الإيمان بوجود الله ، وإن كنت عن نفسي مقتنعا تمام الأقتناع على أن كل تقدم علمي وفكري هو جزء لا يتجزأ من المعرفة التي أكل من شجرتها أبونا آدم وأمنا حوى . المعرفة التي أثمرت في عقول البعض وقضي عليها في عقول البعض الأخر . بل أنا أيضا عن نفسي مقتنع أن الله سبحانه وتعالى بإرادته سيسمح للإنسان أن يكتشف الكثير من أسرار الحياة على كوكب الأرض والفضاء المحيط بالأرض ليؤمن الناس العقلاء بوجود الله الخالق والقادر أكثر وأكثر ليتفق مع ما تحدث به رسله وأنبياءه وما أخبر به الله البشربنفسه في إقنوم الإبن الرب يسوع المسيح له المجد الدائم .
العلم والعالم المتقدم غيرً الكثير مما كان سائدا منذ نصف قرن مضى أو أكثر بقليل خاصة الناحية الطبية بعد البنسلين وما وصلنا إليه من تحكم في خلية الإنسان والتي يمكن زرعها وتكوين أعضاء جديدة من نفس نوع الخلية التي تم زراعتها إن كان الكبد أو الكُلى وإلخ من إكتشافات وتطورات في أمور الصحة وإكتشاف ما بداخل الإنسان عن طريق العدسة وإعداد الأدوية المعالجة أو إجراء العمليات الناجحة و يطول الحديث عن المخترعات والإكتشافات العلمية الصحية لخدمة الإنسان والحيوان أيضا الذي يعتمد عليه الإنسان .
هذا التقدم العلمي الذي تحدثت عن القليل والقليل جدا مما تم إنجازه في جميع مناحي الحياة جعل الإنسان يفكر في العلم وما وصل إليه العلماء مما يضعهم في مصاف الأله . وبناء عليه تعددت الأله وكثر أتباعها وبدأ التسيب الأخلاقي أو ممكن تسميته بمصطلحنا الشرقي ، بدأ الإنحلال الأخلاقي خاصة الحريات التي تنعم بها شعوب العالم المتقدم . وإن كانت هذه المجتمعات لا ترى أي تسيب أو إنحلال أخلاقي فيما يفعلونه لآنهم يؤمنون بحرية الإنسان إذا لم تتعارض مع حرية أخيه الإنسان إن كان على أرض الوطن أو في أي مكان .. حريتي تنتهي عند أول سلم حريتك . وهكذا يعيشون وهكذا يتعاملون مع أنفسهم وغيرهم . وأصبحت هذه المجتمعات أقرب ما تكون ما كان عليه أهل لوط ، وما تسبب في إنهيار الأمبراطورية الرومانية العظيمة التي تفشى فيها اللواط وإنتشرت الأمراض فأنتهت أسوأ نهاية .
أيام لوط لم يجد الله في سادوم وعامورة العدد الكافي الذي يجعله يعفو عنهما كما طلب من أبونا إبراهيم . وتم حرق المدينتين بعد خروج لوط وعائلته . أما الأمبراطورية الرومانية فكانت قد وصلت إلى الحد الذي لم تصل إليه أي دولة أخرى في ذلك الزمان من غنى وجاه وسلطان وطبيعى لم يعرفوا الله فلعب بهم الشيطان وكانت نهايتهم في شهواتهم .
إذا أردنا أن نطبق هذا الكلام على حالة الدول المتقدمة علميا سنجد أنهم قاب قوسين أو أدنى لما حدث لسادوم وعامورة مع إختلاف في إعتقادي أن نسبة المؤمنين سواء من عامة الناس أو من العلماء والمفكرين مازالت مرضية عند الله على الرغم من تفاقم ما سبق وقلت عنه بالإنحلال الأخلاقي .
نأتي إلى الجانب الأخر من العالم ، الجانب الشرقي مهد الديانات والحضارات وما آل إليه حال شعوبها من تخلف علمي وإجتماعي على الرغم من وجود عامل الدين فاعلا متفاعلا بين شعوب الشرق وشعوب العالم الثالث .
الشرق الذي أضاء بعلمه وحضارته ومعرفته الكون كله وقت أن كان الظلام ، ظلام الجهل والتخلف يسيطر على الغرب . الشرق الذي إختاره الله سبحانه وتعالى ليبعث برسله وأنبيائه ليكونوا هدى للعالم يبشرون ويخبرون بحقيقة الإله ضابط الكل وخالق السموات والأرض . الشرق الذي أوجد الله فيه الكنوز من ذهب وفضة وفحم وبترول وما شابه . الشرق الذي أوجد فيه الله جنة عدن لتكون مسكنا ومكانا ينعم به أول خليقة خلقها الله وهو أبونا آدم ومنه أمنا حواء .الحب والحياة ، العلم والحضارة منبعهم الشرق . فماذا حدث لهذا الشرق العظيم ؟ سؤال من الصعب الإجابة عليه خوفا من التجني أو البعد عن الحقيقة . الحقيقة الصادمة لكل من يبحث عنها في الشرق .
تكلمنا عن العالم الغربي وكيف تخطى مرحلة التخلف الفكري إلى التقدم العلمي وما تبعه من إنحلال أخلاقي حسب مفهومنا الشرقي عن الأخلاق . ورأينا كيف خرج من التخلف الفكري ليقود العالم في جميع ما يشغل بال الإنسان علميا وطبيا وتكنلوجيا ومعرفة إن كان ذلك عن الفضاء أو باطن الأرض وأيضا داخل جسم وعقل الإنسان بصورة لم تكن تخطر على قلب بشر خاصة بشر الشرق .
الشرق الذي أبتلي بضربات متلاحقة من دول بدأت تتصلت عليه وتحتل أرضه وتذيقه ويلات العذاب والإضطهاد والإذلال مما أفقد الشعوب القدرة على المقاومة فإستسلموا لقدرهم ولم تعد لديهم الرغبة في الإبداع أو التجديد لخضوعهم لمتطلبات المستعمر كل حسب ما يريد فباتوا وأصبحوا فاقدي الإرادة مسيرون لا مخيرون وهنا بدأت علامات الوهن والعجز وفقدان روح الإبداع الذي إشتهروا به . حقيقة ظهرت طفرات إبداعية ولكنها كانت تخبو بسرعة لأنها كانت لإرضاء المستعمر الذي ما أن يحصل على مايريد يدير وجهه عن المبدعين بل قد يقتلهم حتى لا أحد يعرف أسراره. ولا نستطيع أن نشير إلى مستعمر بعينه لنقول أنه هو ما أصاب الشرق بهذا التخلف وخاصة بعد أن دخلت أوروبا عصر الإكتشافات والتي صارت معها إحتلال ما أكتشف إلى جانب إحتلال الدول المجاورة ولم يقتصر ذلك على دولة بعينها بل كانت أوروبا تتصارع دولها فيما بينها للإحتلال حتى يكون لها اليد العليا على شعوب الدول المحتلة ويبدأ الإستعباد والإسغلال لموارد البلدان التي إحتلوها. وأستخدم المستعمر بكل ألوان طيفه بما فيه العرب أخطر سلاح للسيطرة على شعوب الشرق ، وهو سلاح " فرق تسد " خاصة بإستخدام الدين الذي تعدد ووجدت فيه شعوب الشرق الأمل الذي سيعوضهم عن عذابات وإضطهادات المستعمر على الأرض ووعود الأديان بحياة أفضل في الأخرة ، وكل دين وكل ملة أو مذهب أو عقيدة كانت ومازالت تعد تابعيها بجنة سماوية أنتم تعرفونها حسب الدين أو المذهب أو العقيدة أو الملة التي تتبعونها .
الغريب في الأمر أنه بعد أن إستقل البعض من دول الشرق وخاصة في الحقبة الزمنية التي عاصرت ذلك التغير السريع والمذهل في كافة أنواع الحياة والمخترعات والمكتشافات في الغرب ، رأينا حكام الشرق الجدد الذين هم أبناء هذا أو ذاك البلد حنسوا بوعودهم وأستخدموا مع شعوبهم نفس سلاح " فرق تسد " مستخدمين التعدد الديني وما يتبعه . ولم تر هذه الدول حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا الكلام وعلى الرغم من قيام مجموعة من دول الشرق بثورات " مجازا " أطاح بعضهم بحكامهم ويحاول البعض الأخر ، إلا من تولوا أو من ينتظر أن يتولوا شئون البلاد لا يوجد أي بصيص أمل لشعوب هذه الدول في مستقبل أفضل . لأنهم سيستخدمون نفس الإسلوب وبنفس الطريقة وقد يكونون أشد ظلما وتعسفا بمن هو لايتبع دينهم أو ملتهم أو مذهبهم أو عقيدتهم .
أما الناحية العلمية للشرق فحدث بلا حرج . حقيقة ظهر نوابغ في كافة مناحي الحياة العلمية . لكن هؤلاء فروا إلى الغرب الذي ساعدهم على الإستمرارية في العطاء .
والأخلاق ينطبق عليها هذا القول :
الأمم بالأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
كيف توجد أخلاق في مجتمعات الشرق وهم مستعبدون بحكم بنيهم الظالمين والمستبدين والذي أعادهم إلى عصور الظلام والتخلف وأصبحوا عالة على الغرب ينتظرون منه المعونة ليعيشوا ولا ينتجون فقد سرقت أراضي زراعاتهم وبيعت للغير لإستخدامها في تجارة المباني .
فهل يعقل أن توجد أخلاق والفساد قد عمً البلاد ؟؟!! كل بلاد الشرق بما في ذلك من تطلق على نفسها أنها دول تحكم بما أمر به الدين !!..
وهكذا نرى أن ما يدور حولنا في العالم من أمور غاية في الغرابة فهي تحمل الشيء ونقيضه ، إن كان في العلاقات العامة بين الأفراد بعضهم مع بعض أو بين الدول بعضها مع بعض . بل التضاد في العلوم والأفكار والأخلاق .

غزة ممر اجباري الى الامم المتحدة/ نقولا ناصر


اذا كان المقصود من ذهاب منظمة التحرير الفلسطينية الى الأمم المتحدة في ايلول / سبتمبر هو نهج جديد ينقل الملف الفلسطيني الى المجتمع الدولي وينهي ارتهانه لاحتكار الرعاية الأميركية له وللتفاوض الثنائي مع دولة الاحتلال الاسرائيلي وليس المقصود منه ان يكون خيار ملاذ أخير يائس "اضطرت" القيادة المفاوضة للمنظمة الى اللجوء اليه بعد "خيبة الأمل" التي أعربت عنها رئاستها من الرعاية الأميركية والمفاوضات الثنائية على حد سواء، واذا كان المقصود منه ترجيح خيار انتزاع اعتراف بدولة فلسطينية من الأمم المتحدة على خيار الوصول الى دولة كهذه "بالاتفاق" التفاوضي مع دولة الاحتلال عبر الرعاية الأميركية، عندئذ يكون هذا النهج الجديد اعلانا صريحا بدخول مواجهة مع الولايات المتحدة ودولة الاحتلال كلتيهما.

ولا يجادل فلسطينيان في أن اي مواجهة كهذه تقتضي انجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، وفي هذه الحالة تكون غزة ممرا اجباريا في الطريق الى الأمم المتحدة، والا فان ذهاب الرئيس محمود عباس اليها لن يزيد على كونه مجرد محطة في الحلقة المفرغة التي كان يدور فيها منذ وقع اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) في البيت الأبيض الأميركي في الثالث عشر من ايلول / سبتمبر عام 1993.

لقد تحولت زيارة عباس الى غزة قبل ذهابه الى الأمم المتحدة الى محك اختبار لصدقية أي نهج جديد يوحي به ذهابه الى الأمم المتحدة، ولصدقية الالتزام باتفاق المصالحة الوطنية الموقع في القاهرة في الخامس من أيار / مايو الماضي. ولا يتوقع أحد أن يضم عباس رئيس الحكومة التي اقالها اسماعيل هنية الى الوفد الذي سيرافقه الى الجمعية العامة للهيئة الأممية، فخطوة كهذه سوف تعني بأن عباس قرر أن يقود ثورة وهذا مستبعد تماما في ضوء معارضته حتى لمظاهرة سلمية شعبية تتجه نحو احدى نقاط التماس مع قوات الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية، لكن القفز عن غزة في طريقه الى الأمم المتحدة يشكك في أن اعلانه برام الله في السادس عشر من آذار / مارس الماضي عن استعداده "للذهاب الى غزة غدا من أجل انهاء الانقسام" انما كان مجرد اعلان لتنفيس الضغط الشعبي الذي كان يتصاعد آنذاك مطالبا بانهاء الانقسام وانجاز الوحدة الوطنية.

وبينما يجري اليوم الحديث مجددا عن زيارة مرتقبة ينوي عباس القيام بها لغزة قبل توجهه الى نيويورك الشهر المقبل، استنادا الى الاتصال الهاتفي الذي اجراه عباس مع هنية في الحادي عشر من هذا الشهر، يظل أمل يبدو كالوهم يداعب الرأي العام الفلسطيني في أن يفي عباس بوعده وهو وعد جدده بعد توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة عندما اكد في السادس والعشرين من حزيران / يونيو الماضي على انه "منذ سنوات طويلة وأنا لدي قرار بالذهاب الى غزة .. انني مصمم على الذهاب الى غزة وقد يكون ذلك مفاجأة للجميع".

ولم تترك حركة المقاومة الاسلامية "حماس" اي مجال لاتهامها بأي سبب يدعو عباس لعدم الوفاء بوعده بزيارة غزة أو لعدم التزامه باتفاق المصالحة. فدعوة عباس لزيارة غزة جاءت أولا من هنية قبل يوم من اعلان عباس عن استعداده لزيارتها، وهو اعلان رحبت به حكومة هنية على الفور في حينه وفي اليوم ذاته. وبعد أربعة ايام من توقيع اتفاق القاهرة الأخير وجهت حماس الدعوة لعباس ولرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لزيارة غزة واعلنت عن ترميم وتجهيز منزل الرئيس لتسليمه له شخصيا في زيارتة المرتقبة المؤجلة كما يبدو الى اجل غير مسمى. لكن الأهم ان الحركة قد اثبتت حسن نواياها بمنح عباس مهلة عام كامل لخوض آخر تجربة له في آخر اختبار له لنهج المفاوضات بالرعاية الأميركية عندما وافقت في اتفاق المصالحة الأخير على اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد عام من توقيع اتفاق القاهرة، وقد اعترف عباس نفسه بذلك عندما قال ببيروت في الثامن عشر من الشهر الجاري ان حماس تعطي "فرصة للمفاوضات ولدولة بحدود 1967 وطرح اعلان الدولة الفلسطينية".
ومع ذلك لا يزال في حاشية عباس من يسوغ له عدم الوفاء بوعده، فعضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي، على سبيل المثال، يرى ان "هناك عوامل لا تزال لا تسمح بالزيارة" ومنها "التخوف من وجود شغب أو فلتان أمني" كما قال يوم الأحد الماضي، لكن زميله في اللجنة المركزية لفتح نبيل شعث كان أكثر صراحة منه عندما قال في الخامس من حزيران / يونيو الماضي: "لا أتوقع ان يزور الرئيس غزة قبل الاعلان عن الحكومة الجديدة".

وليس من المتوقع أن ترى النور اي حكومة فلسطينية جديدة مؤلفة عملا باتفاق القاهرة الأخير طالما ظل عباس ومنظمة التحرير يدورون في حلقة اتفاق أوسلو المفرغة ويرفضون ما وصفه رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك ب"آلية التنفيذ" لوضع اتفاق المصالحة موضع التنفيذ، لأن تنفيذ هذا الاتفاق سوف يظل يصطدم باستمرار بالتزام المنظمة ورئيسها ومفاوضيها بشروط دولة الاحتلال التي تبنتها اللجنة الرباعية الدولية والتي تؤبد الانقسام الفلسطيني، اللهم الا اذا قرروا "اقفال بوابات السلطة .. ورمي مفاتيحها في الشارع" الفلسطيني في اليوم التالي لتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على طلب الاعتراف بدولة فلسطين وبعضويها، كما كتبت هآرتس في افتتاحية لها في الثاني عشر من هذا الشهر للتحذير من ان ذلك هو "أكثر ما تخشاه اسرائيل"، لكن عباس ما زال يحرص على تكرار ان المفاوضات هي خياره الوحيد بغض النظر عن نتيجة تصويت الامم المتحدة، مما ينذر بتأجيل زيارة غزة والمصالحة الوطنية الى أجل غير مسمى، ربما بانتظار "عرض" جديد يعيده الى الدوران في الحلقة المفرغة اياها.

لقد نفى كبير مفاوضيه صائب عريقات "نفيا قاطعا" في الأسبوع الماضي خبرا نشرته "يديعوت أحرونوت" عن مفاوضات بين المنظمة وبين الاتحاد الأوروبي للتوصل الى "حل وسط" بين طلب عضوية الأمم المتحدة وبين الرفض الأميركي له، وكان عباس نفسه قد أعلن رفضه عرضا اميركيا مماثلا للاعتراف بدولة فلسطين كدولة مراقبة مثل الفاتيكان في الأمم المتحدة. ولا يحتاج المراقب الى مصادر خاصة تؤكد الاستنتاج بأن زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان للعاصمة القطرية في تزامن مع اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية انما جاءت في سياق تصعيد الضغوط الأميركية عشية ذهاب عباس الى الأمم المتحدة، وكذلك اجتماع فيلتمان مع عباس في الدوحة يوم الثلاثاء الماضي.



ان "الدعم العربي" لمسعى عباس في الأمم المتحدة الذي عبر عنه بيان لجنة المتابعة العربية في الدوحة ليس بديلا كافيا عن الوحدة الوطنية الفلسطينية لمقاومة الضغوط الأميركية والأوروبية ولمواجهة الفيتو الأميركي المتوقع في مجلس الأمن الدولي لنقض طلب منظمة التحرير ثم مواجهة نتائج التصويت سلبا أم ايجابا على هذا الطلب في الجمعية العامة، فهذا الدعم العربي المفترض مطعون في جديته فلسطينيا، ليس فقط بسبب "الوضع الاقتصادي الكارثي" للسلطة الفلسطينية نتيجة لعدم وفاء الدول العربية بتعهداتها لها للسنة المالية الجارية، بل ايضا لأنه لا يمكن لدول تعجز عن عقد مؤتمر قمتها السنوية الدورية أن تكون قادرة على تقديم اي دعم فعال لأي عضو في "جامعتها".



غير أن جدية الدعم العربي للقضية الفلسطينية يبدو مطعونا فيها أكثر عند المقارنة بين "قدرة" جامعة الدول العربية على طلب التدخل العسكري لمجلس الأمن الدولي لفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا بحجة حماية المدنيين الليبيين من بطش حاكمهم وحجم ونوعية الدعم الذي تقدمه دول عربية لهذا التدخل وتسليحها وتمويلها للمقاومة الشعبية الليبية، وبين "عجز" الجامعة العربية ودولها عن مبادرة مماثلة لحماية المدنيين الفلسطينيين وتسليح وتمويل مقاومتهم لقوة الاحتلال الاسرائيلي التي تبطش بهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة أطول من حكم معمر القذافي، بالرغم من الفارق النوعي بين الحالتين الذي يجعل اختبار "القدرة" العربية في فلسطين استحقاقا ملحا دائما لكنه في أحسن أحواله لن يكون بديلا عن الوحدة الوطنية الفلسطينية.



* كاتب عربي من فلسطين

* nassernicola@ymail.com

ما تقيش مقاطعتي/ علي مسعاد

إذا كانت ، كانت الثقافة هي " الترمومتر " الذي تقاس به مستوى حضارات الأمم ، فإنها بالتأكيد ستكون الوجه أو المرآة العاكسة ، لسكنات و نبضات وتحولات ، أفرادها من حيث مستوى وعيهم و درجة ذائقتهم الفنية و مكانة المثقف ، لديهم من حيث حضوره الرمزي و المادي و انفتاحهم على المحيط .
هنا ، في سيدي البرنوصي كما في سيدي مومن ، على سبيل المثال لا الحصر ، يمكن أن نقف عند حضور الهم الثقافي والفنى ، لدى أعضاء المجلس البلدي ، بإعتبارهم لسان حال الساكنة و بحكم تمثيليتهم لهم ، على مستوى الرقعة الجغرافية المحلية .
فأعضاء المجلس ، بكلتا المقاطعتين ، يغيب لديهم الحس الثقافي والفني وإن كانت هناك ، لجنة تتحدث باسم تنشيط الفعل الثقافي والفني بتراب المقاطعتين ، إلا أننا نصاب بخيبة أمل كبيرة و كل مقاطعات التابعة لنفوذ جهة مدينة الدار البيضاء ، قد عملت على تنظيم مهرجان محلي أو أسبوع ثقافي ، في الوقت الذي تغيب فيه الأسابيع الثقافية هنا ، بشكل كبير و الكثير منها ، قد عمل على تنظيم رمضانيات خلال هذا الشهر الفضيل ، في حين أن مقاطعة سيدي البرنوصي ، قد صامت عن الكلام ، خلال هذا الشهر ، الذي أوشكنا على توديعه ، دون أن تحرك مقاطعة سيدي البرنوصي ساكنا .
مما يعطي إنطباعا سلبيا ، لدى ساكنة المنطقة ، عن أعضاء مجلسهم ، الذين يصومون عن الكلام في الكثير من المناسبات ، للترفيه عنهم وتثقيفهم و إتاحة الفرصة لأبنائهم ، الموهوبين منهم على وجه الخصوص ، لإبرازها خلال الأسابيع الثقافية والفنية و رمضانيات المقاطعة ، و غيرها من الأنشطة التي تهم الساكنة ، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان .
قد يقول قائل ، أن أعضاء المجلس لا وقت لديهم للثقافة والفن والفكر و أنهم منشغلون بعديد أشياء أهم من الثقافة والفن ، لأنهما لا يطعمان أحدا و بلا مردودية مادية و أن ساكنة المنطقة ، ليس في حاجة للثقافة بقدر حاجتها للشغل و النظافة والسكن و الطرقات و الفضاءات الخضراء و فضاءات الترفيه و المشاريع الإستثمارية و المبادرات الإقتصادية لتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة .
لأننا ، سنعود بالتفصيل ، في مقالات قادمة ، لكل هذه الملفات ، من أجل الوقوف عند ما تحقق ولم يتحقق خلال هذا المجلس ، الذي لم يفكر في التواصل مع ساكنته ، من خلال المرقع الإلكتروني ، الذي توقف تحيينه منذ فترة غير قصيرة ، من أجل الإطلاع عن المنجزات والمشاريع و عن الأوراش التي قام بها المجلس ، خلال ولايته الانتدابية ، لكننا نجد موقعا خارج التغطية و خارج التاريخ .
ولأننا ، نعيش زمن الإدارة الإلكترونية ، فلم نعرف لحد الساعة ، هل فكر أعضاء المجلس في إقتحام التجربة ، على غرار بعض المقاطعات ب" فاس نموذجا " ، التي عملت على إدخال المعلوميات وبياناتها على الحاسوب ، من أجل خدمة المواطن ، الذي يقضي الساعات من أجل الحصول على وثائق ربما قد لا تتطلب غير الضغط ، على زر .
فين حين ، أن المواطن في ظل الإضرابات التي تشهدها الجماعات المحلية ، يجد نفسه أمام عدة علامات إستفهام ، لعل أبزرها : أين هم منتخبونا ، لحل مشاكلنا العالقة ؟ا أين هي وعودهم التي لم يتحقق منها أي شيء ؟ا ولماذا يتحركون الآن يمنة ويسارا ، من أجل قضاء مصالحنا والإستماع إلى بعضها ؟ا هل لأن الإنتخابات التشريعية ، على الأبواب ؟ا وهل سيتقمصون الأدوار نفسها بإعتبارهم " غودو "الذي سيخلص ساكنة البرنوصي ، من زحف الباعة المتجولين و إحتلال الملك العمومي وإنتشار و تناسل البراكات الصفيحية و القضاء على البطالة والحد من الرشوة و تلوث البيئة وو غيرها من الوعود ، التي تطلقها بعض الوجوه في حملات سابقة لأوانها ، تحت ذرائع عدة : منها موائد الرحمان ، قفة رمضان ، دوريات في كرة القدم و غيرها من المناسبات لتأكيد حضورهم على الساحة السياسية المحلية ضدا على اختيارات الساكنة ورغبتها في القطع مع الماضي وكل الوجوه القديمة التي اغتنت في غفلة من الزمن ، بتراب المقاطعة .
بل وهذا الأهم ، لماذا تصر الأحزاب السياسية الوطنية ، على منح تزكياتها ، لأفراد أعلنوا إفلاسهم سياسيا ، عند كل إستحقاق ، كأنه ليس هناك وجوها جديدة بإمكانها حمل مشعل تدبير الشأن المحلي ، بتراب العمالة ؟ا .
لأن مستشارين لا يفكرون إلا أنفسهم و غير مبالين بمصالح الساكنة ، لم يعد لهم مكانا بيننا اليوم ، ليس لأننا نعيش زمن التغيير و الرحيل ، فحسب ، بل لأن مصلحة الوطن فوق مصلحة الفرد و النزاهة و الإستقامة والشفافية وحسن تدبير الشأن المحلي و ترشيد النفقات و خلق المبادرات و التشجيع عليها ، هو المطلوب في بروفايل ممثلي الساكنة ل2015 و ليس مستشارا جماعيا وجوده كعدمه وبلا قيمة مضافة و لا يهمه إلا قضاء مصالحه الخاصة والعائلية و الضحك على الذقون .
الحل هو وجوه جديدة من أجل التغيير .

لازلنا قادرين أن نفكر/‏‏ عبد العالي غالي

جاءنا من السيد مجد الاسطواني ما يلي: مع احترامي للجميع فان اعحابي بمقالة السيد غالي عبد العالي احببت ان يقرأها الجميع وقد تم ارسالها من قبلي الى اكثر من 10 مراكز اعلامية وصحفية ليقرأها اكبر عدد من القراء والخطأ مع اعتذاري الجديد اني لم اسمي اسم الكاتب على مجلة الغربة وشكرا لكم.
 أما نحن فنقول للسيد مجد أننا حوّلنا المقال الى اسم غالي عبد العالي، ونتمنى أن لا يتكرر مثل هذا الخطأ الممجوج في المستقبل، لأننا لن نسكت عليه، كما قلنا في شروط النشر.وبالمناسبة نعتذر من الاستاذ عبد العالي عن هذا الخطأ الذي لا نريده ولن نريده في المستقبل، وندعوه للانضمام الى كتابنا، مع تقديرنا واحترامنا.
أسرة مجلة الغربة



بعد هزيمة امريكا في العراق وافغانستان وفشلها في تحقيق اي من اهداف الحرب سواء المعلنة او المخفية، وبعد هزيمة اسرائيل في لبنان 2006 وفي غزة 2008 .. وفشلها في تحقيق اي من اهداف الحرب سواء المعلنة او المخفية، تأكد لهم بما لا يترك مجالا للشك ان الحرب التقليدية لا تحقق اهدافها مهما بلغت قوة النيران وكثرة العتاد والجنود، ومهما علا تدريبهم ومهما بلغوا من دراسات وتحاليل في استراتيجية الحروب. وعليه فقد قرروا الا يعيدوا الكرة ثانية لأنهم لايلدغون من الجحر مرتين فكان ان غيروا من استراتيجيتهم و ابتدعوا حروبا من نوع جديد هم متأكدون اننا لن نفهمها حتى تحقق اهدافها وعندئذ يكونون قد بلغوا مرادهم ... هذا النوع من الحروب الجديدة وهو مانراه اليوم في كل البلدان العربية فلسفتها " سنجعلهم يحققون اهدافنا وهم يعتقدون انهم يحققون اهدافهم" ومعناها حروب بالوكيل المحلي والاقليمي ان اقتضى الحال .. حروب دعامتها ورأس حربتها الاعلام وهو الذي يلعب دور الشيطنة ونزع القداسة عن الوطن ايا كان الوطن ... والجميل ان يستعين هذا الاعلام بالفقهاء والمفتين و رجال الدين وهم طبعا رهن اشارة اولياء نعمهم ... وطبعا شعار الديمقراطية وحقوق الانسان يكون اكثر جدبا كلما قيل بلغة عربية سليمة منقحة ببعض آيات القرآن الكريم وحديث الرسول الكريم ... امر لزمه اعداد طويل وتدريب شاق لصحافين ومفكرين و مفتين وفقهاء ... ولأن كل مهمة الاعلام لاتتجاوز الشيطنة والتحريض كان لزاما عليه تعويض المراسل الصحفي بشاهد العيان وتعويض الكاميرا الواضحة بصور الهاتف النقال التي لاتأخذ معناها الا من التعليق المصاحب لها .. دون اهمال الفبركة والتركيب والتلاعب الفني بالصورة ثابثة ومتحركة .. ولكل ذلك كانت الهجمة في حاجة الى مؤسسات اعلامية بنت مصداقيتها عبر سنوات من المهنية و الرأي والرأي الآخر ... وكان للمفكر العربي دوره المحوري وللفقيه العالم العلامة واجبه ... بل كان لزاما عليهم وهم يبنون مصداقيتهم ان يتمسرحوا في مؤتمر دافوس وان يزوروا الضاحية الجنوبية لبيروت وهي تحت النار ويعلنوا انهم مستعدون لاعادة اعمار ما دمر في الحرب.. وينظموا قمة غزة وهي تحت لهيب الطائرات .. بل وان يتقربوا من حركات المقاومة دعما و دفاعا في المحافل الدولية ويظهروا بمظهر الملكي اكثر من الملك احيانا ...

حتى اذا دقت ساعة الصفر وجاء وقت فتح الحساب لاغلاقه نهائيا كما يطمحون كانوا على اتم الاستعداد للعب ادوارهم ... و للمزيد من خلط الاوراق وبعثرة الافكار كان لزاما عليهم ان تكون فاتحة حربهم الجديدة التكتيكات و الاسلحة والعتاد اعطاء شعوب المنطقة كأس عسل يستفتحون بها وان ضحوا لأجلها بأكبرحلفائهم في المنطقة لكونه لم يعد يتقن اللعبة ولان دوره عفت عليه الأيام ... كأس ابتلعناها جميعا و تركونا ننتشي بها. وفي غمرة النشوة بدأوا في تطبيق خطتهم التي وللحقيقة كانوا فيها بارعين. وماجعلنا نستفيق من غفوتنا هو انهم لم يحتسبوا للبحرين امرها ... وحقا قال فقهاء القانون وعلماء الاجرام عندما يؤكدون الا جريمة كاملة...

الهدف دائما واحد والمستفيد هو نفسه ... القضاء على حركات المقاومة و مزيد من الأمن للشعب الصهيوني وطبعا السيطرة على خيرات المنطقة النفطية... لكن الأدوات تبدلت فلا حاجة للجندي الأمريكي والاسرائيلي ولاحاجة للبوارج والطائرات وطبعا ما سينفقونه في الحرب الجديدة سيكون اقل بكثير مما انفقوه في حروبهم التقليدية التي ما حققت اهدافها رغم تكلفتها الباهضة التي اودت باقتصاداتهم الى حافة الانهيار... يكفي ان تكون معهم الجزيرة و القرضاوي و المفكر العربي حتى يتشظى البيت الواحد و نقع في حيص بيص يفقد خلاله جلنا اعصابة تحت تأثير صورة الدم المراق كل جمعة وللخطباء والمفتين ان يتمموا مسيرة التحريض وما على البيت الأبيض الا ان ينزع الشرعية و يطالب بالتنحي و الجوقة تتبعه مرددة لازمته ... والبديل طبعا معد سلفا و لمراكز الدراسات الاستراتيجية ان تبرهن على نبوغها في تكوين القادة المناسبين لمرحلة ما بعد الانهيار

لكل ماسبق وان كنت اعترف انها وجهة نظر مبنية على تحليل وليس على معطيات ... وجب على حركات المقاومة ان تفكر وقبل فوات الاوان في طرق جديدة للمقاومة ... فلا يجب ان ننتظرا حربا كالتي عايشناها في تموز 2006 حيث يكون العدو ظاهر لايشكك فيه الا عميل او متعامل ... هذا ما لن نراه في المرة القادمة ... سوف يظهر العدو في ثوب آخر وغالبا ما سيكون ناطقا بلغة عربية فصيحة منقحة بآيات من الذكر الحكيم و حديث الرسول الكريم وسوف لن تنفه في مجابهته ترسانة الصواريخ البعيدة والقريبة المدى ولا الاسلحة المضادة للسفن وحتى الطائرات ... حرب لن تستخدم فيها الميركافا حتى نحتاج الى مضادات للدروع ...


لست بالمنظر كي اعطي حلولا لكني اعتقد انه من حقي وخوفا على البقعة المضاءة في عصرنا هذا الذي ابتلي بنا وانعكس عليه وجودنا رذاءة و احتقارا، ولولا تلك المقاومات لحكمنا عليه بالرذاءة ولحكم علينا بالازدراء. لتلك الغيرة وفقط اعطي نفسي حق التحليل وطرح الاسئلة ودق ناقوس الخطر الذي اعتقد انه اكبر مما نتوقع وألا مفر لنا منه الا باستبداع طرق جديدة تناسب الهجمة وتفوقها تكتيكا وتخطيطا وأجرأة في الميدان .. الذي حتما سيتغير و طبعا سيفاجأ بوعورته المقاومون انهم لم يتلقوا تدريبا عليه... لامكان للمجاملات بعد الآن ولا موضع لتبويس اللحى فالعدو اضحى يتخذ اشكالا هلامية صعب تحديد معالمها وقد نقطع اصابعنا معتقدين انها اصابعه ... والخطر ان نغرز الخناجر في قلوبنا واهمين اننا نلنا منه لنكتشف بعدها انه نال منا بأيدينا فتتحقق اهدافه التي من أجلها دمر العراق وافغانستان و من اجلها طبعا كانت حرب لبنان وغزة

طرابلس في ليلة ذات قدر/ إبراهيم حمامي

في العشر الأواخر من شهر رمضان، وفي ذكرى فتح مكة، وبصيحات التكبير من على مآذن المساجد، انتفضت طرابلس عروس البحر في وجه طاغية آخر، استبد وحكم بأمره لأكثر من أربعة عقود من الزمن، حوّل فيها البلاد والعباد لملكية خاصة لنزواته وشطحاته، حتى دقت وأزفت ساعة التحرير والانعتاق في تلك الليلة الرمضانية المباركة، بأيدٍ متوضئة، وبدماء وتضحيات من أبناء الشعب الليبي قل مثيلها في هذا الزمان.

يوم سقط طاغية تونس وفرعون مصر، لم يتصور أحد خاصة من عرف وعاش مع الشعب الليبي، أن يثور هذا الشعب هذه الثورة الرائعة التي أطاحت بأكثر الأنظمة الشمولية في المنطقة، شعب صغير العدد في مساحة جغرافية شاسعة، بلا سابق تجربة سياسية، وتحت قمع متواصل يمنع النجومية حتى في مجالات الفن والرياضة، وإعلام يسبح بحمد الشخص الواحد الأوحد، ومليشيات من حثالات المجتمع أُعطيت السلطة والنفوذ لتعمل كآلة للقتل والتدمير بين أبناء الشعب الليبي، عوامل كانت تشير إلى استحالة النهوض والثورة في وجه النظام، لكن الشعب الليبي فعل المستحيل، وقهره أيضاً.

الحاكم بأمره
كان طاغية ليبيا ليس ككل الطغاة، كان حاكماً بأمره بكل ما تحمل الكلمة من معان، يرى في نفسه كل صفات العظمة، ويضع نفسه فوق مصاف البشر، فهو رسول الصحراء، ومنقذ البشرية عبر نظريته العالمية الثالثة كما أسماها، وتحول من رافض للألقاب والمناصب إلى ملك ملوك أفريقيا، وأسبغ على نفسه لقب عميد القادة العرب، وشبه نفسه بملكة بريطانيا، ولم يجد غضاضة بأن يتسمى بإمام المسلمين، ناهيك عن باقي الألقاب العابرة من ثائر ومناضل ومجاهد ومكافح ومقاوم، مروراً بهازم أعتى قوة والمنتصر دائماً.

ولأنه مهووس ومفتون بجنون العظمة، أصبح كل ما لديه عظيم: ثورة الفاتح العظيم، النهر الصناعي العظيم، الشعب العظيم، الجماهيرية العظمى، وغيرها من الأسماء رغم أنه لم ينتصر يوماً في مواجهة إلا على شعبه.

تدخل في الشأن الأفريقي فخرج يجر أذيال الخيبة والهزيمة في أوغندا وتشاد، واجه العالم بظاهرته الصوتية ليستسلم تماماً دافعاً تعويضات عما اقترفه من جرائم -لوكربي وملهى برلين وغيرها– مسلماً بالعشرة للغرب ليقبل به مقابل بيع من كان يدعمهم –الجيش الجمهوري الإيرلندي على سبيل المثال– وكذلك برنامجه المزعوم لأسلحة الدمار الشامل، لم يجد يوماً حرجاً بأن ينقلب على مبادئه ليبقى هو الواحد الأوحد، وكل ذلك من دماء وقوت الشعب الليبي.

لا نجد في سيرته شيئا من العظمة مهما حاولنا أن نبحث وننظر، بل سيل من الشطحات والجنون المقنن، كمن يحلم ليلاً لينفذ نهاراً.

العظيم الوحيد اليوم هو هذا الشعب الليبي الأبي الذي أطاح به وبعائلته وعصابته في ثورة تابعها القاصي والداني.

ثوار الناتو
لم يعجب البعض خاصة من أتباع اليسار العربي، وأكثر خصوصيةً يوم ثار الشعب السوري البطل على طاغية آخر، فبدؤوا بابتداع الأسماء وتداعوا لتشويه ثورة الشعب الليبي بكل قوتهم دفاعاً عن معاقلهم الأخيرة في طرابلس ودمشق، رغم دعمهم المطلق لثورات مصر وتونس، وتلقف ذلك بعض "المثقفين" ليطلقوا لأنفسهم العنان في حملة التشويه تلك وليعتمدوا اسم ثوار الناتو، وليطعنوا بثورة الشعب الليبي، وكان منهم رؤساء تحرير وكتاب وإعلاميون، يضخمون الإشاعة ويتغاضون عن المعلومة الموثقة.

بل وصل بهم الإسفاف حد اعتبار برنار هينري ليفي محرك الثورات العربية جميعها، معتبرين كلامه منزلاً غير قابل للشك والطعن خاصة حول رسالته المزعومة لنتنياهو، رغم النفي القاطع والواضح من كل القيادة الليبية الجديدة، ليكرروه في كل لقاء ومقال، بل وصل الأمر ببعضهم وفي بدايات الثورة الليبية للتأكيد وعلى المسؤولية الشخصية أن القاعدة ترتع في شرق ليبيا.

حملة مغرضة أقل ما يقال فيها إنها تختزل ثورة شعب قدم الآلاف من الشهداء والجرحى ومن قلب معاناة استمرت 42 عاماً ، لم نسمع فيها أصواتهم يوم علّق الليبيون على المشانق، وسحلوا في الشوارع، وألقيت فيها جثامينهم في البحر، وهدمت الجرافات بيوت أهاليهم، وزج بأقاربهم في السجن.

لم يعترضوا يوماً على قصف المدن الليبية بالطائرات في تسعينيات القرن الماضي، ولا حصار المدن ومعاقبتها جماعياً، ولا حين ارتكبت المجازر في سجن بو سليم وفي بنغازي أمام القنصلية الإيطالية، ولم يتباكوا على مئات الأطفال الذين حقنوا عمداً بفيروس الإيدز لتلصق وتلفق التهمة لآخرين كما اعترف سيف الإسلام بلسانه لاحقاً.

هذا في ماضي الأيام، وربما يتحججون بأنهم لم يعرفوا ولم يسمعوا، لكن ماذا عن أيامنا هذه، وبعد ثورة الشعب الليبي البطل في شهر فبراير/شباط الماضي؟ أين كانوا وماذا قدموا عندما سقط المئات برصاص مضادات الطائرات في شرق ليبيا؟ أين أنتم –على طريقة من تدافعون عنه- عندما كانت مصراتة والزاوية والزنتان تذبح وما من سائل؟ لِمَ لم نسمع صوتكم ووفود القذافي تطير إلى تل أبيب تستنجد بنتياهو وليبرمان، وشحنات الأسلحة تأتيه من هناك؟ هل أعجبكم مثلاً تحذيره بأن سقوطه سيضر بأمن "إسرائيل"؟

أكثر من شهر والشعب الليبي يصرخ ويستنجد بالعرب والمسلمين، وما من سائل، أكثر من شهر والشعب الليبي يستفرد به من قبل جزار مجنون لا يراعي فيهم ضميرا أو ذمة، ثم تريدون منهم ألا يقبلوا مساعدة العالم للدفاع عنهم؟

وللتذكير فإن يوم 15 فبراير/شباط شهد سقوط أول شهيد في ثورة الشعب الليبي أمام مبنى المحكمة في بنغازي، والقصف الأول لقوة الحماية الدولية كان يوم 19 مارس/آذار. قرابة الخمسة أسابيع والليبيون وحدهم يحصون قتلاهم وجرحاهم، تدك المباني على رؤوسهم، لم يجدوا قوات عربية أو إسلامية تدافع عنهم ليقولوا لا لقوة الحماية الدولية، ليخرج بعد ذلك من يزايد عليهم.

ما هو بديلكم وأنتم ترددون لو بقيت سلمية كان أفضل لهم. سلمية في وجه الصواريخ والدبابات والطائرات؟ أي منطق هذا وأي عقل؟ من سقط في الأيام الثلاثة الأولى من ثورة الشعب الليبي فاق من سقطوا في تونس ومصر مجتمعين، فاقهم عدداً ونسبة.

ليسوا ثواراً لأحد إلا لأنفسهم، انطلقوا بإيمان وثقة وثبات وعزيمة، قبلوا دعم الغريب بعد أن تخلى عنهم القريب، الذي لم يتخل وصمت بل زايد عليهم، وكأن لسان حالهم يقول، إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها.

مصالح الغرب
وأهم من يظن أن الغرب تدخل من أجل سواد عيون الشعب الليبي، أو حفاظاً عليه، ما حرك الغرب هو مصالحه أولاً وأخيراً، هذا لا يختلف عليه أحد، بل ربما أراد الغرب تقسيم ليبيا، ولذلك وجدناه يماطل ويتثاقل، والمتابع لأداء قوة الحماية الدولية لا بد وأن يتساءل، لماذا بقيت تلك القوة تتفرج على مصراتة وقبلت أن يستعيد القذافي الزاوية؟ ما هي الحكمة في إبقاء ثوار الشرق على أعتاب البريقة ومنعهم من التقدم؟ هل يحتاج باب العزيزية لخمسة أشهر من القصف لتدميره؟

تساؤلات كثيرة ومواقف أسقطها فقط إصرار الشعب الليبي على نيل حريته، وهبته في كل مكان، ولا نبالغ إن قلنا إن صمود مصراتة والزنتان تحديداً أفشل مخططات من كان يسعى للتقسيم وقلب الطاولة عليهم.

نعم هي المصالح، لكن ما يضير الشعب الليبي في ذلك إن التقت المصالح، النفط الذي حرموا من إيراداته لعقود من الزمن عليهم أن يبيعوه لمشترٍ، ما المشكلة أن تكون الأولوية لمن ساعد الليبيين للتخلص من الطاغية؟ لا يمكن أن ينظر الليبيون لموقف الدول التي ساندته ويساويه بالموقف الروسي مثلاً، الذي ما زال يصر أن للقذافي دورا حتى بعد سقوط حصنه.

ما يطمئن أن الشعب الليبي شعب مؤمن محافظ، شعب يفاخر بأن خمس سكانه من حفظة القرآن الكريم، وما سمعناه وشاهدناه حتى اليوم يبشر بالخير الكثير، وبوعي سيسقط كل مؤامرة تحاك في الخفاء لسرقة دماء شهدائه.

ما بعد القذافي
لم يترك القذافي مؤسسات أو بنى تحتية يمكن أن يبدأ منها الليبيون، كان في مهمة لتدمير مقدرات البلاد وبشكل منهجي ومنظم لا يتسع المجال لتفصيله، وإن كانت تلك مأساة إلا أنه يمكن تحويلها لايجابيات كثيرة، منها أن الشعب الليبي يبدأ من صفحة بيضاء لا يوجد فيها بقايا نظام كما هو الحال في تونس ومصر، ومنها أن إعادة الإعمار والبناء يعني فرص عمل واستثمارات ونهضة تنموية، ويعني طلاقا بائنا مع تلك الحقبة السوداء في تاريخه، فرصة تاريخية للنهوض بالبلد لتنعكس ثروة ورخاء وحضارة يستحقها الشعب الليبي بجدارة.

لكن لكي يستقيم الأمر ويتم النصر، على الشعب الليبي بكل فئاته ومكوناته أن يتوحد وينصهر تماماً، ويكون ليبياً وليبياً فقط، بعيداً عن القبلية والمناطقية والانتماءات والمعتقدات، وكذلك تجميع السلاح وسحبه، وإعادة تأهيل الأفراد والمؤسسات، والاستعانة بكل الطاقات والخبرات.

ليس الأمر بالهين بعد كل ذلك الكبت، لكنه ممكن وسهل إن وجدت الإرادة والعزيمة، وقدم الجميع مصلحة الوطن على مصلحة الفرد.

ما بعد القذافي مرحلة جديدة يمتد أثرها لما هو أبعد من حدود ليبيا الجغرافية، وانعكاساتها سمعت ومنذ اللحظة الأولى في سوريا واليمن، يوم خرج المتظاهرون يهتفون تحية للشعب الليبي، مستبشرين باللحاق بركبهم في قطار الحرية والانعتاق.

ثورات ثلاث حتى اليوم أسقطت طغاة ثلاثة، كل بأسلوب ونهاية مختلفة، في تونس حرك البوعزيزي الناس وتظاهروا حتى هرب بن علي وبقي لهم العبور بثورتهم نحو بر الأمان، وفي مصر اعتصموا في ميدان التحرير وحركوا كتلهم البشرية حتى تنحى مبارك ليظهر في قفص الاتهام رغم كل محاولات المجلس العسكري هناك، وفي ليبيا بدؤوا بصدور عارية حتى اضطروا لمواجهة وثورة مسلحة أسقطت القذافي ليصبح اليوم طريداً، والبقية تنتظر.

مبروك لليبيا التي ولدت وعشت وترعرت وتخرجت وعملت وتزوجت وأنجبت فيها، مبروك لنا جميعاً، وهنيئاً للثوار بثورتهم المباركة. لقد كانت ليلة شهدنا فيها التاريخ ولم نقرأه، طرابلس كانت على موعد وليلة هي دون شك ليلة ذات قدر.

على مرمى دولةٍ أم على مهبطِ وطن؟/ آمال عوّاد رضوان


وما زلنا بقايا البقايا هنا.. شظايا مِن تكويناتِ الأمس والأزل، تشدّنا اللحظة إلى حنين الأمّهات للجبهات المحروقة، وتحرقنا جمراتُ الانتظار، أكأنّما نغطّ في صمتٍ زاحفٍ إلى أوج النهايات أم إلى دركِ البدايات؟

مِن قمّةِ الكرمل إلى ساحل حيفا البحر، مُرورًا بسور عكا ومينائها تمخرُ الآمالُ وتُحلّقُ في سماءِ القدس وتتضرّع، عساهُ يتزلزلُ حجابُ الشّمس مِن خلفِ زخّاتِ العِبَر ليفتحَ بابَ الفرَج!

لكن في كلّ هفوةٍ لنا سقطة!

ونسقطُ من أعالي السّموات الحالمةِ، تتلقفنا فوضى الحقيقةِ مترامية الأطراف على عتباتِ الانزلاق.. نحبو بوجع.. ونصبو إلى آتٍ مُغاير.. ينثرُ بذارَ الآمال المضيئةِ في حقولِ وطن، بعيدًا عن حدودِ الهاوية والعتمة!

فهل لنا أن لا ننجرفَ في مزالق مَن أرادونا حكايةً خاصّة بكامل التفاصيل المرسومة، كي يسردَها العابثون في أروقةِ التماهي وصوامع التباهي، وتحتسيها كؤوسُ اللّغات بمذاقاتِها الغريبة!

تتوالى الأحداثُ وتتعاقبُ الأدوار، وباختصارٍ دونَ لفٍّ ودون اجترار، يَبُقُّ التاريخُ حصوةَ ذاكرتِهِ الملغومةِ عبْرَ عشراتِ العقود.. ويعلو صوته مزمجرا..

اعترفت القمّة العربيّة بمنظمة التحرير الفلسطينيّة ممثّلاً شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطينيّ، لتؤكّد حقّ الشعب الفلسطينيّ في إقامة دولةٍ مستقلة، كما حصلت منظمة التحرير الفلسطينيّة على صفةِ مراقب في الأمم المتحدة كدولة غير "كيان" منذ 22 نوفمبر 1974، وخوّلتها بذلك أن تتحدّث في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، ولكن ليس بالتصويت.

ثمّ..

في عام 1988 أعلنت القيادة الفلسطينيّة ممثلة بالرئيس الرّاحل ياسر عرفات في الجزائر استقلال دولة فلسطين، وحصلت على اعتراف على إعلانها الرّمزيّ الذي جاء في أوج الانتفاضة الفلسطينيّة!

ثمّ..

عام 1993 عادت منظمة التحرير الفلسطينيّة إلى غزة وأريحا ضمن اتفاقيّة أوسلو، إذ منحت المنظمة تشكيلَ "كيان" على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، بعد الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينيّة وإسرائيل..

واليوم..

يتجه الفلسطينيون في الضفة لانتزاع اعترافٍ دوليٍّ بدولةٍ فلسطينيّة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ويبدو أنّ الجدل بات صاخبًا بين مؤيدين ومعارضين!

التفتوا شمالا..

إنّ الأقليّة الفلسطينية ال 48 في الضفة الأخرى داخل الخط الأخضر حائرة في مستقبلها، ضائعةٌ بين التكوينات السّياسيّة والتركيبات الاجتماعيّة في كيان يعجُّ بالأقليّات الدّرزيّة والمسيحيّة والإسلاميّة إلى جانب الأكثريّة اليهوديّة!

إنّها أقليّة تصارع للمحافظةِ على زفير لغتِها بين أجيالها المتعاقبة، وعلى شهيق انتمائها بتأكيد جذورها في كلّ شبرٍ من وطنها الرّاكن في مفاتيح ذاكرة القرى المهجرة، وتصرّ على البقاء في شظايا وطن سلخته السّاسات والاتفاقيّات!

إنّها أقلية تائهة بين إصرار "إسرائيل" على انتزاع اعترافٍ عالميٍّ بيهوديّة دولتها، وإصرار الفلسطينيّين بأحقيّتهم بدولة.. فإلى أين سيقود الضياع بين إصرار كيانييْن، أحدهما يُشدّد بقبضةٍ حديدية على الأرض والإنسان، والآخر هشّ لحدٍّ يهدَّد بخطر الوجود؟

وما زال أيلول أسود بكلّ المعايير في الذاكرة الفلسطينيّة والعربيّة..

فهل يُخفي أيلول انتفاضة جديدة، أم أنّ المسيرات المؤيّدة للدّولة ستضع الدّولة العبريّة أمام يهوديّتها على مائدة الأمم؟

هل سيكون المقابل بالمقابل، وتمنح الدولة الفلسطينيّة شرعيّةً ليهوديّة إسرائيل؟

هل سيشطب أيلول حقّ العودة من أجندة المبادئ الفلسطينيّة، ويقضي على ما تبقى مِن وطن؟

وتتعدد أحجار الشطرنج على موائد المفاوضات، وتتراوحُ بين سقوط جنود وخيول وقلاع وطن..

وما زالت ثقافة القابضين على جمر الصّمود تعلو فوقَ كلّ الأصوات الناشزة، والتي ارتأت أن تدمج بين مؤسّسات الترهيب ودوائرِ الترغيب!

وما زالت ثقافة الرفض للذوبان والتذويب في محلول التجنس والتجنيس، تصرّ على مدّ جسور التواصل مع كافة ينابيع وأنهر وحتى نواعير الوطن!

وما زالت ثقافة التحدّي تستنشقها الأجيال تلوَ الاجيال، عبْرَ المواويل والميجانا والعتابا والأوف، عبْرَ قصيدةٍ تغني للوطن، وتعتبُ على إخوة الجوارِ الذين تخلّوْا عن أهل الدّار وأطفال الدّيار..

وما زالت ثقافة الانتظارِ تبتهلُ لإخوة على الحدودِ بين النّار والنار، تشتاقهم مفاتيحُ البيوت الموصودة المهجورة، لتتعطّرَ بهم مواسمُ قطافِ الزيتون والبرتقال وكروم العنب والصبر والتين.

يتمدّدُ الوقتُ وتتثاءبُ الفصولُ على مسرح الانتظار.. تحتضرُ عقاربُ الزمن المعقوفة على حواشي الوطن، وتتبدّلُ اتجاهات الرّياح وتهبّ من خلفِ الحدود، تحاول أن تستحضرَ أجنّة سلامٍ نجَتْ من أنين المراحل المُجهَضة!

أتراها تنقشع الغيوم عن سماء الأنقياء، لتستردّ الرّوح من أقبية الضّياع؟

الكينونة أمستْ تعرضُها جدرانُ الفصلِ وجداريّات البتر، والصّورة الكيانية باتت مشروخةً بمشرط الأمم!

وما زالت الأحلامُ تنفردُ على مساحاتِ التعبير والولاء والتبعيّة، ونحن وهم وكلّ الأشقاء أشقياء في وطن ممزّق بين شطريْن، فنحن وهم نتوق إلى وطن وننتظر على حافة التمني لزمن آخر نحشوه برونق وطن...

وهم.. يتمنون دولة؟

فمن هم ومن نحن؟

ومَن تراهم يكونون أبرارًا ذوي كفوفٍ بيضاء في وطن تكسوه العتمة؟

مَن تراهم يكونون أخيارًا في وطن النزوات وأرض الحكايات الحية؟

ومَن تراهم في لظى الحَرّ يرسمون على الوجوه الشمعيّة وطنًا مصبوغًا بالأحمر؟

وفي ظل الالتفافاتِ على كلّ المشاريع السّابقة واللاحقة، تتراوحُ التساؤلات بيَن شرعيّتِها وعدم شرعيّتها..

فهل تنجح السّلطة في إعلان دولةٍ على وطن مزّقته السّاسات الأمنيّة والمطامع الخارجيّة؟

أم سيصحو الفلسطينيّون على كذبة أيلول أسود آخر، يتآلف وأيلول الآخر السّالف، الذي ما زال أسودَ في تاريخ العلاقات الأخويّة الأردنيّة الفلسطينيّة؟

معمر القذافي وأرواحه السبعة!/ ولاء تمراز


بعد الاحداث الاخيرة بداية من شهر3 شهر اندلاع الثورة الليبية , وحتى اللحظة يقف مئات الليبيين الان في الساحة الخضراء مطالبين بتغير اسمهما الى ساحة الشهداء , الجميع الان يبحثون عن اسماء تمكنهم من العيش وسط او بعد اتون الحرب الاهلية التي حصدت عشرات القتلى يوميا بين كتائب العقيد القذافي وما يقال عنهم الثوار المدعومون من الغرب بمساعدة حلف الناتو, لسبب وحيد هو اسقاط نظام العقيد معمر القذافي .

القتال من أجل تغير الهوية الحالية , والقتال من اجل الوطن والحرية , مصيبة أخرى من مصائب ليبيا " الجديدة " تكبده نظام العقيد القذافي الذي اصبح يشبه نظام صدام حسين سابقا , وما انفك , في اطار الدمار ألم ومنهج , يغير ماضية ويتنكر له , الى حد المطالبة بتغير العلم الليبي وحتى يمكن النشيد الوطني .الامر بدعه ,فلقد لجأ الكثيرون في عهد القذافي الى تغير اسمائهم , لما تثيره من شكوك لدى اجهزة النظام , حيث أن البدعة تحدث خدعة تثير حماس الجميع لكل الشعب , ولا أدري بصدق ان كانت تثير حزن احد ... بعد أن يخلع الليبيون اسمائهم , ماذا سيبقى في حوزتهم ليتعرفوا الى انفسهم ؟ بعد انهيار نظام العقيد القذافي .

الكتاب الاخضر: اعجوبة هذا الزمان

اليوم يوجد من كل ليبي نسختان , الاولى في داخلة لا يعلم بها سواه , والثانية في الجيب مكتوبة على ورق , فقد نجحت ماكينة الحرب من قبل الناتو في اختراع شيء جديد يتكفل الليبيين من الوصول الى طموحاتهم التي كانوا يحلمون بها , بما في ذلك طموح البقاء على قيد الحياة . حيث كان اول طموح لهم حرق وتمزيق الكتاب الاخضر , في هذه اللحظة يحتاج الشعب الى الشجاعة , ام الى الجبن , لياخذون قرار البقاء لإنقاذ حياتهم ؟ مع الادراك تماما ان لا حياة لنظام العقيد القذافي بعد الان ,وان كل شيء مات والشعب يحمل الراية , باختيار اسم جديد وعلم جديد ونشيد وطني جديد .

في كل هذه الاحداث يحتاج المريء فينا الى ان يرتاح , فواجب على الجميع ان يوقن بأن راحة العقل تكمن في قلة التفكير ما استطعتم في يوم من الايام شيئا , لقد عشت وفيا للاشاهد هذا المشهد التاريخي والشعب الليبي يقتحم باب العزيزية , حيث كانت هي قناعاتي ولقيم اريد ان تكون خط احمر لا يمكن تجاوزها .. فأجهزت هذه القيم علي , منذ ان اورثت في هذه الحياة احلام القومية العربية ... في خضم ربيع الثورات العربية. فأنا منتسب الى عروبتي في تحرر كل شعوب العالم العربي, حيث كانت العروبة لعنة وعقاب ؟ فتأخر الوقت يا عرب , فالعروبة كما يقال هي بلاء وداء , وفتن ومحن , وخونة واعداء , ويساريون ويمينيون , وفرقاء يساومون على دم الفقير الذي يسيل , واحياء مكلفون بدفن الجثث وطمرها كل هذا , بذريعة الدفاع عن الاوطان والانظمة والحق في الحياة .

الشاعر الراحل محمود درويش رأي طول عمرة الفلسطينيين اصحاب قضية عادلة لوطن مسلوب , ولكن بعد ان رأى الفلسطينيين ينقضون بعضهم على بعض بتهمة الخيانة والاختلاس , اصيب بصدمة قوتها 1000فولت في الدماغ , حيث أفقدته كل شبكة التفكير في عقلة , واعادت الى اذكارنا حقبة الثمانينات تحديدا عام 1982الحرب الاهلية اللبنانية و حصار بيروت , وذكرى اشلاء اللبنانيين والفلسطينيين المتناثرة حول السيارات المفخخة , بالحق الطائفي البغيض , كل ذلك من اجل اكمال مالا وقت للجيش الاسرائيلي لا تجازه خلال الحرب وحصار بيروت . يسأل الشاعر الراحل محمود درويش فيقول : من الذي يدخل الجنة اولا ؟ هل من مات برصاص العدو او مات برصاص الاخ ؟ فبعض الفقهاء يقولون : رب عدو لك ولدته امك !!...

السؤال هنا : كم من الاخوة الاعداء انجبت لنا امة العروبة ؟

في العراق وفي اليمن وفي فلسطين وفي السودان وفي الصومال وفي الجزائر وفي... وفي ... حيث الجثث بالعشرات وذهب القتل العبثي بدون وجه حق يغتال الف جزائري على يد جزائريين اخرين على سبيل المثال , يزعمون ويدعون انهم يمتلكون حقا بأرسال الناس الى المقابر , كي يتمكنوا هم من الذهاب الى الفردوس الاعلى . من يقتل من ؟! واجب علينا ان نختار احد الفرقتين اما الذين يقتلوننا او الذين نقاتل معهم ؟ ثم بعد ذلك يعودون للبقاء والمحافظة على الكرسي والجاه والسلطة , ذلك ان قدر المواطن القومي العربي محدود في هذين الاختيارين , لذلك نحن كمن علية ان نختار بين الطاعون القاتل والكوليرا الفتاكة ...!

من جديد المشهد الليبي وحروب الدم , والقبائل الليبية التي تشتري وتباع في مؤتمرات التسليم والاخضاع الاقليمية , فيستوقفك حاجز فكري ليسألك : انت يا هذا مع من ؟ ومع اي حي تسكن ؟ ومع اي علم ترفع ؟ ومع اي فضائية تشاهد ؟ ومع اي زعيم ترفع صورته ؟ ومع اي وطن تحب ؟ هل مع النظام السابق للعقيد معمر القذافي الذي حكم ليبيا قرابة ال42سنة , ام مع ما يسمون انفسهم ثوارا وهم مدعومون من الغرب وحلف الناتو !!؟

في النهاية : لا ارى من خلاص سوى في القضاء على نظام العقيد القذافي , واختيار اسماء جديدة لهم جميعا ؟ فالليبي يحتاج اليوم الى حياة جديدة مع عصر جديد مع نظام جماهيري جديد لينجو جميعا وحتى تبقى ليبيا حره جديدة كما يقولون ...

سقطت اسراطين وعاشت فلسطين/ د. مصطفى يوسف اللداوي

لا شك أن القضية الفلسطينية ستكون بخيرٍ في غياب القذافي، وأنها ستتعافى من كثيرٍ من أمراضها ومشاكلها، وأنها ستتخلص من مراكز قوى كثيرة استطاعت أن تستأثر بالقوة من خلال الدعم المالي الكبير الذي وفرها لها نظام القذافي، وألبها على بعضها البعض، واستخدمها ورقةً في يديه، تخدم أهدافه وإن تعارضت مع المصالح الوطنية الفلسطينية، فقد ساهم القذافي كثيراً في إفساد الحياة السياسية الفلسطينية، وتعكير أجواء العلاقات الداخلية، وكان له دور كبير وضاغط في إكراه الفلسطينيين على تبني مواقف عجيبة وغريبة، وإلا فإن الحرمان مصيرهم، والطرد مآلهم، والجوع سيعضهم بنابه، ويجبرهم على الركوع على أبوابه.

من الصعب أن ننكر تأثير نظام القذافي على القضية الفلسطينية، ومحاولاته صبغ سياسات بعض قادتها بأفكاره ورؤاه وتطلعاته وتنبؤاته، فهو لم يكن يرى في نفسه نبياً لليبيين، بل كان يرى في نفسه نبياً عربياً أفريقياً أممياً، وعلى العالم أن يتبع أفكاره، ويقتفي آثاره، وينفذ تعليماته، ويؤمن بها أنها الأفضل والأنسب لهذه المرحلة وكل مرحلة، والفلسطينيون بسطاءٌ ضعافٌ طيبون، مشردون تائهون حائرون يبحثون عن مأوى ومكانٍ، إذ لا يستطيعون العودة إلى بلادهم، ولا يجدون من يرحب بهم، ويقبل باستضافتهم، لذا فإن عليهم أن يؤمنوا بأفكاره ليبقوا ، وأن يقدموا حياتهم ومستقبلهم قرباناً لما يعتقد به حلاً تاريخياً للقضية الفلسطينية.

جاهداً حاول العقيد القذافي إقناع النخب الفلسطينية السياسية والثقافية بفكرته الغريبة "اسراطين"، التي لم يجد لها مؤيداً إسرائيلياً واحداً يؤمن بها، ويعتقد بجدواها، ويسعى للتبشير بها، ولكنه استطاع أن يجد لها مئات المؤمنين بها من الفلسطينيين والعرب، الذين سخروا أقلامهم للترويج لها، والعمل على نشرها وتزيينها، وقد أنفق القذافي في سبيل هذه الفكرة مئات الملايين من الدولارات، وأنشأ العديد من مراكز الدراسات التي تبشر بها، وتعمل على نشر أفكارها ومفاهيمها، وعقد لأجلها عشرات المؤتمرات في طرابلس وعواصم عربية ودولية كثيرة، وسخر لها المئات من أساتذة الجامعات والباحثين والدارسين، الذين أنشأوا للفكرة مواقع على الانترنت، وعمدوا إلى إصدار ونشر عشرات الكتب التي تتحدث عن الحل السحري للأزمة الفلسطينية، التي ستتمكن من إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ودورهم وديارهم.

بسقوط القذافي تسقط اسراطين، وتموت الفكرة التي دعا لها، وأجبر الكثير على الإيمان بها، وهو الذي هيأ لفكرته بطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من الأراضي الليبية، فجأةً ودون سابق إنذار، دون أن يمهلهم فرصةً من الوقت ليرتبوا أمور مغادرتهم ليبيا، والبحث عن مكانٍ يقبل بهم، ويؤويهم فيه في لجوءٍ جديد، فغصت الحدود المصرية – الليبية بعشرات آلاف الفلسطينيين التائهين الحائرين الضائعين، المجبرين على تطبيق نظريات القذافي، الذي رأى أنه يستطيع أن يغرق الإسرائيليين بطوفانٍ من الفلسطينيين، وأنه بطرده اللاجئين الفلسطينيين من أرضه فإنه سيجبر الحكومة الإسرائيلية على القبول بهم، والبحث عن حلٍ لهم، لكن القذافي زاد في الجرح الفلسطيني، وعمق في أزمته، وشتت الشتات من جديد، إذ لم يجد فلسطينيو ليبيا وخاصة فلسطينيي قطاع غزة حكوماتٍ عربية تقبل بهم، فضاعت بهم السبل، وتشتتوا من جديد في بلادٍ غربية بعيدة، كثيرةٌ هي البيوت الفلسطينية التي اكتوت بنار أفكار القذافي، ودفعت حياتها واستقرار أبنائها من أجل إثبات صحة وحكمة أفكاره وصوابية قراراته.

بذهاب القذافي وزوال نظامه نأمل أن يجد الفلسطينيون راحتهم في ليبيا التي استضافتهم وآوتهم، وعاشوا فيها ردحاً طويلاً من الزمن، في انتظار يوم عودتهم إلى بيوتهم وديارهم، فلعلهم في ظل غياب القذافي لا يجدوا أنفسهم مضطرين أن يحملوا عصا الترحال من جديد، ويتركوا خلفهم بيوتهم وأثاثهم وسياراتهم، لأن القائد رأى أن بلادهم قد تحررت، وأنه يجب عليهم أن يعودوا إليها، لئلا يتركوها نهباً للإسرائيليين، كي لا يتفردوا بالعيش فيها وحدهم، وسيكون الفلسطينيون بعده في مأمنٍ من الطفرات الفكرية، والانقلابات النفسية، والتنبؤات المستقبلية، وأضغاث الأحلام والرؤى الليلية، ولن يجدوا أنفسهم مضطرين للمرآة والنفاق والتملك، خوفاً من قرارٍ متعسفٍ بالطرد والترحيل، فالفلسطينيون أشد تحرقاً من القذافي للعودة إلى ديارهم ووطنهم، ويتطلعون إلى اليوم الذي تكون فيه فلسطين حرةً أبية، ترفرف في سماءها أعلام فلسطين، وتستضيف على أرضها آلاف العرب، يغدون ويروحون إلى الأرض المقدسة، ويؤم مسجدها الأقصى مسلمون من كل مكان، ولكن التحرير تلزمه العدة، والعودة تلزمها القوة.

لن نسمع بعد اليوم عن اسراطين من جديد، فقد ماتت الفكرة، وذهب المؤيدون لها، والمؤمنون بها، وكسر المروجون لها والداعون لتطبيقها أقلامهم، ومزقوا صحائفهم، وبقيت فلسطين واحدة موحدة، لنا نحن العرب والفلسطينيين، وهي التي ستبقى وأي أفكارٍ غيرها ستموت، وسيذهب أصحابها وقد يموتون، ولكن فلسطين ستبقى هي الإطار الجامع الواحد الموحد للأمة العربية والإسلامية، وسيكون مصير كل من تخلى عنها، وحاول المساس بها وإيذاءها، تشويهاً أو حرفاً أو تفريطاً وتسليماً، السقوط والضياع، ففلسطين هي طود النجاة، وعنوان الفوز، وشاطئ الأمان، وبوصلة طريق البقاء والعزة والكرامة، فمن تاهت به الطرق فليعد إلى فلسطين، ومن تشتت به السبل فعليه أن يتوجه نحو فلسطين، فسيجد فيها الأمان وسبيل الرشاد، وأسباب البقاء، فمن تمسك بفلسطين تمسكت به الأمة، ومن فرط في فلسطين انفضت عنه الأمة.


الطبقة الرثة وليست الوسطى؟/ كفاح محمود كريم


بعد اندثار معظم الطبقة المتوسطة خلال حكم النظام السابق أمام نشوء طبقات طفيلية، استحوذت من خلال علاقاتها برموز النظام وحزبه على معظم فعاليات تلك الطبقة، التي إما هجرت البلاد وانتقلت الى بيئات أخرى لنشاطها، أو بدأت بالتقهقر والانكماش تدريجيا الى مستويات خارج تعريف تلك الطبقة!

وبعد سقوط النظام واحتلال البلاد وقيام سلطة الاحتلال بعمليات مدنية في الأعمار، بالتعاون مع مجموعات لا تقع تحت تعريف الطبقة المتوسطة واقرب ما تكون الى اولئك الذين وجدوا في البيئة الجديدة مجالا لتطورهم المالي من خلال العمل مع تلك السلطة والاستفادة من الفروقات الكبيرة في قيمة الدولار والدينار وقتها، وهم في معظمهم من الأميين والنكرات وبعض الحرفيين والمقاولين الصغار والمترجمين والفاسدين الذين استغلوا عدم دراية القوات الأمريكية بطبيعة تكوين المجتمع العراقي كما استغلوا السلطات الحكومية المستجدة وحلقاتها الفاسدة، وتحولوا بين ليلة وضحاها الى سرطانات مالية، ادعى البعض بأنها تمثل بداية نشوء طبقة متوسطة بديلة لتلك التي هاجرت او اندثرت او تلاشت ابان فترة الحكم السابق.

وخلال عدة سنوات ظهرت فعلا شريحة من اولئك الحرفيين والمقاولين الصغار والمترجمين الذين بدأوا يمارسون دور رجال الاستثمار والصناعة والزراعة والعقارات وما الى ذلك من حقول غسل الأموال القذرة التي نزلت على البعض ممن يطلق عليهم في أفضل الأحوال بتجار الحروب وطفيلياتها التي نشأت بشكل كبير وواسع خلال السنوات الأخيرة قبل السقوط وبعده، ومن ثم انتشار ظاهرة الشهادات العلمية المزورة أو المستحصلة من جامعات وهمية لكي تتمتع هذه الشريحة بموقع حكومي يدعم قوتها المالية.

وقد انكشفت خلال السنوات الماضية حقائق مريبة عن تلك الشريحة الطفيلية وشهاداتها المزورة في كل مفاصل الدولة، وما تقوم به من نشاطات مالية وتجارية في التهريب واستيراد المواد والبضائع الرديئة والمغشوشة سواء في الغذاء أو الدواء أو غيره من المواد حتى تم إغراق أسواق البلاد بمواد ومنتجات متوفرة ومنتجة زراعيا وصناعيا، وصلت الى درجة استيراد المعدنوس والبصل الأخضر ناهيك عن كل المنتجات الزراعية والحيوانية العراقية والمواد التي تصنع محليا، لا لشيء الا لكون هذه العملية اكثر ربحا لها دونما ان تفكر للحظة واحدة بإمكانية تأسيس مصانع ومنشاءات تساهم في اعمار البلاد وتقدمها.

وبدلا من أن تكون البلاد متمكنة صناعيا وزراعيا ومن ثم منتجة لكثير من موادها الغذائية، نجحت هذه الطبقة الرثة الى حد ما في تحويلها الى دولة مستوردة استهلاكية وأغرقت الأسواق باردء البضائع ومن مناشئ رديئة ورخيصة، حتى يتندر الأهالي بأن كثير من المستوردين الجدد من هذه الشريحة يذهبون إلى الصين وغيرها ليطلبوا منهم أسوء منتجاتهم وأرخصها!؟

وفي الأعمار والبناء حيث شهدت البلاد خلال العقد الماضي العشرات من المشاريع التي وضع حجر أساسها ولم تستكمل أو بنيت الى مرحلة أولية، وتوقف كل شيء لهروب المقاول أو المستثمر، ناهيك عن استخدامهم لأردئ أنواع المواد الأولية في البناء، لغياب السيطرة النوعية او لانتشار الرشوة التي تكم الأفواه وتصادق على اكتمال بعض المشاريع والمباني الفاسدة؟

وربما نتوقف كثيرا او نحتار في كيفية تعريف هذه الشريحة او الطبقة على خلفية نظام الطبقات الذي يقسم المجتمعات الى ثلاث طبقات رئيسية هي الطبقة الغنية والفقيرة والمتوسطة، ويبدو لي ان تعريفا ورد في أدبيات الماركسية اقرب ما يكون لهؤلاء الا وهو البروليتاريا الرثة، ولكن خارج البنية الاشتراكية!؟

ولك عزيزي القارئ أن تتخيل أو تتذكر هؤلاء الموجودين في قريتك أو مدينتك، وربما تعرف الكثير منهم ومن أين انحدروا وماهية جذورهم ومستوياتهم، ولك أن تحكم من خلال تلك المعرفة أو الرؤيا أي شريحة هذه التي تريد أن تشغل الطبقة الوسطى في مجتمعنا الآن ومدى نجاحها في النهوض بالبلاد؟