بداية الصدام بين جماعة الإخوان المسلمين ونظام البعث الحاكم
انتفاضة حماة الشعبية واعتصام الجامع الأموي بدمشق
وزير الداخلية (فهمي العاشوري) من إذاعة دمشق: (لو وقفت الكعبة في طريقنا لهدمناها).
في عام 1954م نشأت في صفوف جماعة الإخوان المسلمين مدرسة جديدة الطرح والتوجه تميزت بالنزق وفورة الشباب، تبنته مجموعة تمردت على الجماعة وشقت طريقاً خاصاً بها، ونمت هذه المدرسة ككرة الثلج وكثر أتباعها، حتى باتت عبئاً يصعب على الجماعة لجمها أو وقف أنشطتها، وبالتالي أخفقت قيادة الجماعة في التحكم بتصرفاتهم أو وقفهم عند حدهم، أو حتى معرفة ما ينون وما يبيتون من عمل، ولم يكن أمامها من حل سوى فصل أعضاء هذه المدرسة الذين تعرفت على بعضهم، وبقيت مجموعة لم تتعرف عليهم بقوا في ضمن صفوف الجماعة.
وفوجئت الجماعة كما فوجئ الجميع بانتفاضة حماة الشعبية في نيسان عام 1964م والتي استمرت نحو تسعة وعشرين يوماً، وكان يقود هذه الانتفاضة (الشيخ مروان حديد).
بدأت الانتفاضة على شكل إضراب طلابي قاده مروان حديد المسؤول عن التنظيم الطلابي للإخوان في ثانوية عثمان الحوراني إحدى أكبر ثانويات مدينة حماة. وتحول الإضراب إلى عصيان شارك فيه طلاب ناصريون واشتراكيون، وهم من خصوم الإخوان التقليديين. واستمر – كما قلنا – 29 يوماً. واعتصمت مجموعة مروان حديد بجامع السلطان الكبير واشتبكت مع وحدات من الجيش الذي خف لإنهاء العصيان.
يقول المراقبون المحايدون عن الدوافع التي حدت بمروان حديد ومجموعته من القيام بهذه الانتفاضة أن العوامل الإيديولوجية لعبت دوراً كبيراً في قيادة شباب الإخوان المتطرفين للعصيان، فقد أصيب الشباب بالذعر من جراء طرح يسار البعث في مؤتمريه القومي السادس والقطري الأول عام 1963م لبرنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي راديكالي، وتخوفوا بشكل خاص أن يؤدي تطبيق هذا البرنامج إلى إلغاء مادة التربية الإسلامية والأوقاف وقانون الأحوال الشخصية. وساهمت مقالات زكي الأرسوزي التي كان يؤكد فيها مفاهيمه التقليدية التي طرحها منذ الأربعينيات عن أن (الجاهلية هي العصر الذهبي للأمة العربية) في استفزاز الشباب الإخواني.
لقد أبرز هذا العصيان نجاح العناصر الراديكالية في الجماعة في إنضاج مدرستهم، ليطفو على السطح تنظيم جديد حمل اسم (كتائب محمد)، وهو سلف تنظيم (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين) لاحقاً.
لم تكن قيادة الجماعة – كما قلنا – على علم مسبق بما خطط له مروان حديد، وفوجئت بالعصيان كما فوجئ به الآخرون، ولذلك بقي العصيان محلياً ولم يخرج عن حدود مدينة حماة، بالرغم من استمراره 29 يوماً، فقد تكتمت عليه وسائل الإعلام الرسمية الوحيدة التي يمتلكها النظام، كما منعت أجهزة الأمن الدخول أو الخروج من حماة أثناء العصيان. واتخذت الجماعة قراراً ملزماً بعدم التحرك أو الإقدام على أي عمل طائش لا تحمد عواقبه، مما جعل العصيان يمنى بفشل ذريع، لتؤكد الجماعة مجدداً أنها لا تؤمن بالوصول إلى السلطة بغير الوسائل الديمقراطية والسلمية ولو كلفها ذلك خمسمائة عام من الانتظار. ويؤثر عن الأستاذ عصام العطار قوله: (إن مثقفاً لديه أهم من كتيبة دبابات).
وأخفق عصيان مروان حديد الذي جوبه بالحديد والنار وقصف جامع السلطان الذي اعتصم به وتم اعتقاله وتصفية عدد كبير من أتباعه.
ولم يمر هذا الأمر دون تحرك جماهيري قاده الشيخ حسن حبنكة في حي الميدان الوطني، والشيخ أحمد الإمام (الشيخ المجهول) في جامع بني أمية حيث خطب في المصلين المحتشدين خطبة نارية ضمنها فتواه بهدر دم رأس النظام (أمين الحافظ) الذي تطاول على بيوت الله (كما جاء في فتواه التي أهدرت دمه).
اعتصام المسجد الأموي بدمشق
احتدمت الخلافات داخل حزب البعث بين مؤيد للفريق أمين الحافظ ومؤيد للواء صلاح جديد والذي اعتبر صراعاً ما بين يسار الحزب ويمينه.
ولكن الفريق أمين الحافظ وتسرعه بمبادرة غير محسوبة لدفع عدد من الضباط المحسوبين عليه لاعتقال المقدم مصطفى طلاس قائد اللواء الخامس في حمص، والذي كان الشرارة للاستعجال بالقيام بحركة مضادة في 23 شباط عام 1966م، وقيام مجموعة من الضباط المناوئين لأمين الحافظ بهجوم على القصر الجمهوري واعتقال أمين الحافظ بعد معركة دامية بين المهاجمين وحرس القصر، وأحكم هؤلاء سيطرتهم على دمشق.
تبنى رجال حركة 23 شباط خطاباً يسارياً متطرفاً يمكن أن يوصف بيسار اليسار، وهذا أرعب المجتمع السوري المحافظ، مما أدى إلى شبه اعتصام مدني عفوي في الجامع الأموي بدمشق، قوبل باقتحام المدرعات العسكرية لحرم الجامع والفتك بالمعتصمين المدنيين العزل، في حين أعلن وزير الداخلية (فهمي العاشوري) من إذاعة دمشق أنه (لو وقفت الكعبة في طريقنا لهدمناها).
ولم يكن للجماعة أية علاقة أو معرفة أو علم بهذا الاعتصام، كما كان الحال في اعتصام حماة. فقد تم هذا العصيان بدعوة من الشيخ حسن حبنكة أحد كبار علماء دمشق. ومع هذا فقد قام البعثيون الجدد بحملة اعتقالات واسعة شملت كافة القيادات السياسية المعارضة، وطالت حملتهم (جميع أفراد الصف الأول في جماعة الإخوان المسلمين).. ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967م.
وما لبثت السلطة أن قامت باعتقال من أفرجت عنهم إثر تشكيل المعارضة الناصرية والقومية (الجبهة الوطنية التقدمية) عام 1968م، مع أن الإخوان لم يكونوا طرفاً فيها رغم دعوتهم للمشاركة.
أصبح صلاح جديد شبحاً مرعباً لجميع أطياف المعارضة يمينها ويسارها ووسطها.. مما جعل هؤلاء يقفون إلى جانب وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد في صراعه مع صلاح جديد بما عرف بـ(أزمة الحزب) عام 1969-1970م، دون تخطيط أو اتفاق مسبق.
يتبع
انتفاضة حماة الشعبية واعتصام الجامع الأموي بدمشق
وزير الداخلية (فهمي العاشوري) من إذاعة دمشق: (لو وقفت الكعبة في طريقنا لهدمناها).
في عام 1954م نشأت في صفوف جماعة الإخوان المسلمين مدرسة جديدة الطرح والتوجه تميزت بالنزق وفورة الشباب، تبنته مجموعة تمردت على الجماعة وشقت طريقاً خاصاً بها، ونمت هذه المدرسة ككرة الثلج وكثر أتباعها، حتى باتت عبئاً يصعب على الجماعة لجمها أو وقف أنشطتها، وبالتالي أخفقت قيادة الجماعة في التحكم بتصرفاتهم أو وقفهم عند حدهم، أو حتى معرفة ما ينون وما يبيتون من عمل، ولم يكن أمامها من حل سوى فصل أعضاء هذه المدرسة الذين تعرفت على بعضهم، وبقيت مجموعة لم تتعرف عليهم بقوا في ضمن صفوف الجماعة.
وفوجئت الجماعة كما فوجئ الجميع بانتفاضة حماة الشعبية في نيسان عام 1964م والتي استمرت نحو تسعة وعشرين يوماً، وكان يقود هذه الانتفاضة (الشيخ مروان حديد).
بدأت الانتفاضة على شكل إضراب طلابي قاده مروان حديد المسؤول عن التنظيم الطلابي للإخوان في ثانوية عثمان الحوراني إحدى أكبر ثانويات مدينة حماة. وتحول الإضراب إلى عصيان شارك فيه طلاب ناصريون واشتراكيون، وهم من خصوم الإخوان التقليديين. واستمر – كما قلنا – 29 يوماً. واعتصمت مجموعة مروان حديد بجامع السلطان الكبير واشتبكت مع وحدات من الجيش الذي خف لإنهاء العصيان.
يقول المراقبون المحايدون عن الدوافع التي حدت بمروان حديد ومجموعته من القيام بهذه الانتفاضة أن العوامل الإيديولوجية لعبت دوراً كبيراً في قيادة شباب الإخوان المتطرفين للعصيان، فقد أصيب الشباب بالذعر من جراء طرح يسار البعث في مؤتمريه القومي السادس والقطري الأول عام 1963م لبرنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي راديكالي، وتخوفوا بشكل خاص أن يؤدي تطبيق هذا البرنامج إلى إلغاء مادة التربية الإسلامية والأوقاف وقانون الأحوال الشخصية. وساهمت مقالات زكي الأرسوزي التي كان يؤكد فيها مفاهيمه التقليدية التي طرحها منذ الأربعينيات عن أن (الجاهلية هي العصر الذهبي للأمة العربية) في استفزاز الشباب الإخواني.
لقد أبرز هذا العصيان نجاح العناصر الراديكالية في الجماعة في إنضاج مدرستهم، ليطفو على السطح تنظيم جديد حمل اسم (كتائب محمد)، وهو سلف تنظيم (الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين) لاحقاً.
لم تكن قيادة الجماعة – كما قلنا – على علم مسبق بما خطط له مروان حديد، وفوجئت بالعصيان كما فوجئ به الآخرون، ولذلك بقي العصيان محلياً ولم يخرج عن حدود مدينة حماة، بالرغم من استمراره 29 يوماً، فقد تكتمت عليه وسائل الإعلام الرسمية الوحيدة التي يمتلكها النظام، كما منعت أجهزة الأمن الدخول أو الخروج من حماة أثناء العصيان. واتخذت الجماعة قراراً ملزماً بعدم التحرك أو الإقدام على أي عمل طائش لا تحمد عواقبه، مما جعل العصيان يمنى بفشل ذريع، لتؤكد الجماعة مجدداً أنها لا تؤمن بالوصول إلى السلطة بغير الوسائل الديمقراطية والسلمية ولو كلفها ذلك خمسمائة عام من الانتظار. ويؤثر عن الأستاذ عصام العطار قوله: (إن مثقفاً لديه أهم من كتيبة دبابات).
وأخفق عصيان مروان حديد الذي جوبه بالحديد والنار وقصف جامع السلطان الذي اعتصم به وتم اعتقاله وتصفية عدد كبير من أتباعه.
ولم يمر هذا الأمر دون تحرك جماهيري قاده الشيخ حسن حبنكة في حي الميدان الوطني، والشيخ أحمد الإمام (الشيخ المجهول) في جامع بني أمية حيث خطب في المصلين المحتشدين خطبة نارية ضمنها فتواه بهدر دم رأس النظام (أمين الحافظ) الذي تطاول على بيوت الله (كما جاء في فتواه التي أهدرت دمه).
اعتصام المسجد الأموي بدمشق
احتدمت الخلافات داخل حزب البعث بين مؤيد للفريق أمين الحافظ ومؤيد للواء صلاح جديد والذي اعتبر صراعاً ما بين يسار الحزب ويمينه.
ولكن الفريق أمين الحافظ وتسرعه بمبادرة غير محسوبة لدفع عدد من الضباط المحسوبين عليه لاعتقال المقدم مصطفى طلاس قائد اللواء الخامس في حمص، والذي كان الشرارة للاستعجال بالقيام بحركة مضادة في 23 شباط عام 1966م، وقيام مجموعة من الضباط المناوئين لأمين الحافظ بهجوم على القصر الجمهوري واعتقال أمين الحافظ بعد معركة دامية بين المهاجمين وحرس القصر، وأحكم هؤلاء سيطرتهم على دمشق.
تبنى رجال حركة 23 شباط خطاباً يسارياً متطرفاً يمكن أن يوصف بيسار اليسار، وهذا أرعب المجتمع السوري المحافظ، مما أدى إلى شبه اعتصام مدني عفوي في الجامع الأموي بدمشق، قوبل باقتحام المدرعات العسكرية لحرم الجامع والفتك بالمعتصمين المدنيين العزل، في حين أعلن وزير الداخلية (فهمي العاشوري) من إذاعة دمشق أنه (لو وقفت الكعبة في طريقنا لهدمناها).
ولم يكن للجماعة أية علاقة أو معرفة أو علم بهذا الاعتصام، كما كان الحال في اعتصام حماة. فقد تم هذا العصيان بدعوة من الشيخ حسن حبنكة أحد كبار علماء دمشق. ومع هذا فقد قام البعثيون الجدد بحملة اعتقالات واسعة شملت كافة القيادات السياسية المعارضة، وطالت حملتهم (جميع أفراد الصف الأول في جماعة الإخوان المسلمين).. ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967م.
وما لبثت السلطة أن قامت باعتقال من أفرجت عنهم إثر تشكيل المعارضة الناصرية والقومية (الجبهة الوطنية التقدمية) عام 1968م، مع أن الإخوان لم يكونوا طرفاً فيها رغم دعوتهم للمشاركة.
أصبح صلاح جديد شبحاً مرعباً لجميع أطياف المعارضة يمينها ويسارها ووسطها.. مما جعل هؤلاء يقفون إلى جانب وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد في صراعه مع صلاح جديد بما عرف بـ(أزمة الحزب) عام 1969-1970م، دون تخطيط أو اتفاق مسبق.
يتبع
0 comments:
إرسال تعليق