نحن شعب دونكيشوتي بامتياز؛ لم ننتصر على صدّام حسين، بل هزمنا حتى في موته. لم ننتصر على الخميني، بل تحول ضريحه إلى مزار. لم ننتصر على أميركا، بل قامت باحتلالنا.
.............................
ما هي الثورة وماذا سيحدث؟ في النهاية يتقيأ المجتمع أحشاءه على الجدران، والشوارع. يعود كل فرد إلى بيته، ومأساته الشخصية. الفقير لن يصبح غنياً، والقبيح لن يصبح وسيماً، الجاهل لن يصبح عالماً.
.............................
ما هي الثورة وماذا سيحدث؟ في النهاية يتقيأ المجتمع أحشاءه على الجدران، والشوارع. يعود كل فرد إلى بيته، ومأساته الشخصية. الفقير لن يصبح غنياً، والقبيح لن يصبح وسيماً، الجاهل لن يصبح عالماً.
الثورة، نوع من الصراخ الجماعي، ضد العذاب الوجودي. شعب يخلع حكومته ليلبس قميصاً آخر. ليس أكثر نظافة بالضرورة، ولكن الهواء الأسود المتراكم، يحتاج إلى مجتمع يصرخه، ويتوهم وجود معنى وأهداف سامية. كالثورة المصرية على حسني مبارك عام 2011م، التي لم تصنع سوى مأساة اسمها محمد مرسي. والثورة المصرية هذا اليوم30/6/2013 على محمد مرسي ليأتي شيء آخر، ربما إرهاب في مصر ليس له مثيل لا أحد يعرف. هي ثورات تلد أخرى بلا فائدة.
انتصر الشعب على محمد مرسي، عجيييييب. ومن هو محمد مرسي ؟ أنتم جلبتموه وأنتم رفعتموه، والله قضية مملة حقاً، لو سألتوني لقلت لكم لا تنتخبوا الإسلاميين. أرجو أن تختاروا جيدا هذه المرة. أعتقد الشعب المصري يحب الخروج إلى ساحة التحرير. لا سلاح كيمياوياً مثل سلاح بشار الأسد، ولا سحق بالدبابات مثلما فعلت الحكومة الصينية.
أنا لا أفهم ماذا يفعل الإخوان المسلمون في مصر؟ حين جاء نظام الخميني إلى إيران، أول شيء قام به تصفية القوى العلمانية و مطاردتها، و زجهم في السجون والمشانق، هل نسينا محاكمات خلخالي؟ الشيء الثاني الذي قام به الخميني إشاعة الكآبة و طقوس الموت، والشيء الثالث البحث عن حرب للتخلص من الشباب، وأخيراً لا بد من رسالة وهمية كتصدير الثورة الإسلامية لأي نظام شوفيني معزول.
حزب الإخوان المسلمين هو حزب ديني، يريد أن يحكم مصر بالتعايش مع القوى العلمانية، وبالتعايش مع إعلام مصري ديمقراطي، هذا مستحيل. سوف يسقط الإخوان بكل تأكيد، إلا إذا أعلنوا حربا داخلية و خارجية. وإلا إذا أحكموا سيطرتهم على الجيش وتصفية العسكر المعارضين. يمكنهم الدخول في سوريا. نعوش الشهداء ستطيل عمر النظام المصري، وكلما طالت الحرب، تزداد قبضتهم قوة.
هذا طبعاً، في حالة لم يسقط الرئيس الإخواني مرسي خلال الساعات القادمة بثورة شعبية وطنية مليونية مصرية كما يقول معارضوه.
مسكين الشعب الإيراني تحمل حكومة دينية ظلامية خمينية أكثر من ثلاثين سنة، بينما الشعب المصري لم يتحمل الإخوان المسلمين سنتين. المشكلة سخرية المثقفين المصريين واضحة من أتباع ولاية الفقيه، خصوصاً كتاب حزب الدعوة العراقي، وهم يشجعون المصريين على الثورة. يا أخي لا تخف على المصريين.
الله وحده يعلم لماذا الثورة نزهة على النيل في مصر، بينما هي حرب عالمية في سوريا. لماذا عشرة قتلى يغيرون النظام كل يوم في مصر، بينما مئة ألف قتيل تعيد بشار الأسد إلى الحكم في سورية.
الثورة، نوع من تأكيد الهوية الجماعية، هرطقة تستحضر روح الشعب، وعواطف بشرية لا جدوى منها. الثورة، تشبه حفلات نهاية الأسبوع الصاخبة في كندا. حيث يفيق كل شخص في اليوم التالي مصاباً بالصداع والكآبة. تشبه المريض في الغرفة المجاورة الذي يملأ قسم الطوارئ بالصراخ، دون أن يعرف سبب وجعه.
هؤلاء الذين يكتبون هذا النهار، يعبرون عن وجع ومرض. يظنون أنفسهم أطباء يكتبون وصفات شافية.
نحن شعب دونكيشوتي بامتياز. الشعوب تصنع ثورات ونحن نصفق لها بحماسة مشبوهة، و ننتظر ثورة يبدأها رجل إيراني خرفان اسمه علي السيستاني، يعطينا فتوى بالثوران.
خلال قرنٍ كامل توهمنا حروباً مع طواحين هواء كثيرة، كالبعث، والشيوعية الملحدة، والعدو الفارسي، وصدام حسين، والخميني، والصهيونية، وإسرائيل، والإمبريالية، والقاعدة، والوهابية. ثم عدنا مهزومين من حروبنا الخيالية، ببلد محتل ومقسم.
لم ننتصر على صدام حسين، بل هزمنا حتى في موته. لم ننتصر على الخميني، بل تحول ضريحه إلى مزار. لم ننتصر على أميركا، بل قامت أميركا باحتلالنا.
كل ما نريده الآن، إسقاط السيد نوري المالكي "أبو إسراء "، الذي كان قبل سنوات فقط، متسكعاً في السيدة زينب. يصرف دولارات في الحسينية الحيدرية، حتى هذا النصر السخيف، يبدو بعيد المنال.
خلال قرن كامل لم يقدموا لنا سوى انتصار واحد، هو انتصار الشيعة على السنة. يعني انتصاراً على أنفسنا، وذاتنا.
نحن شعب دونكيشوتي أبعد من تصور الإسباني سرفانتس. لأن زعيقنا، وحروبنا الوهمية، جلبت لنا الهزيمة تلو الهزيمة. شعب مصاب بشيزوفرينيا دينية مزمنة، وبعقائد موجعة. بوعي عذابي مخيف، و كراهية شديدة لأنفسنا بسبب سؤال الهوية.
نحن مشكلة لا حل لها في الخيال، فما بالك بالواقع. ما زلنا نتوهم التشابيه حقيقة، وأن هناك حرباً مازالت قائمة، بين يزيد والحسين، وأننا طرف أصيل فيها، نخرج دائماً بالملايين ثائرين من مؤخرة الزمان، لننضم إلى الحسين ضد معسكر يزيد، ونرجع إلى بيوتنا منتصرين. نحمل معنا غنائم وفيرة، من الطاعات والحسنات. هل رأيتم دونكيشوتية أكثر وضوحاً من هذه؟
كيف نثور ونحن امتداد للثورة الإيرانية، التي ترى أن الصراخ في الشوارع لا ينفع، ولا جدوى منه، بل العبرة في القنابل النووية التي تجعل الحدود الفارسية مقدسة، ومحترمة في نظر الدول العظمى.
كان الكويتيون أيام الحرب بين العراق وإيران يتوجهون إلى الله بدعاء خبيث:" اللهمّ اهزم الخميني، اللهم لا تنصر صدام حسين". وبعد الضجيج، والغبار الذي لقيته من الكتابات الثورية الحماسية هذا اليوم، أتوجه إلى الله بذات الدعاء: اللهمّ اهزم الدكتاتوريات، اللهم لا تنصر الثوار.
0 comments:
إرسال تعليق