مُمكِن يا رَيِّـس!؟/ مهندس عزمي إبراهيم


ممكن أفضفـض مشاعـري *** واللي فـي نفسي يـا ريِّــس
تسـمع منــــايـا وشجــوني *** وتـدّيـــني وِدنَـــــك كوَيـِّس
تسمـع أنيــــني وصــراخي *** وتسمعـني لـو حتى اهْمِـس
***
ممكـن نعيــش في بلـــــدنا *** وننسى الكابوس اللي خدنا
وبَـثّ فينــا الخــــــــــــلاف *** وسـقـانا ســــم وزعـــــاف
أخَـــد الديــــــانة عبــــــاية *** عشان ننخـــدَع أو نِخــاف
***
ممكـن أعَـلـــــِّـــــــم ولادي *** يبقـــوا في خدمــة بــلادي
ممكـن أشـَغــَّــل عيـــــادتي *** وافتح تجـارتي وبضاعـتي
واراعي جــــاري وعيــلتي *** وأأدّي واجـــبي ووظيفـتي
***
ممكـن أحـــس بأمـــــــــان *** لا سـيــــف ولا سـَجــَّــــان
ولا عميـــــــل مأجــــــــور *** ولا بلطــــــجي سَعــــــران
ولا إمَّـعَــــــة طـرطـــــــور *** ولا طائــــــفي سُـلطــــــان
***
ممكـن أصارحَـك.. بِسِرّي: *** نفسي أعيش بـاقي عمـري
في عِشِّـتي أو في قصــري *** وارجع أحـس اني مصـري
واحِـس تـــــاني بكيـــــاني *** سَـيـِّــد زمــــاني وعصـري
***
ممكـن نخَضـَّـــر واديــــــنا *** ونلـــم نــــوره ف عنيــــنا
رخـــاء وفرحـــة وزيــــنة *** في كـل عـِزبـــة ومديـــــنه
وحُــب مصــر ف قـلوبـــنا *** وحُكــم مصــر ف ايـديــــنا
***
ممكـن بحيــري وصعيــدي *** وبورسـعيــدي ورشـيـــدي
نـوبي وبـدوي... وغيـرهم *** دايمــاً ايديـــهم في إيــــدي
أنــا أعَيـــِّــــد في عيــــدهم *** ويعَيـِّــدوا معـــايا عـيـــدي
***
ممكـن لخضــرة العفـيــــفة *** تِهـدي الصبـــاح للغيطــان
وبنــت بلـــــدي الشـريـــفة *** تمشي ف بلـدها ف أمـــان
ونقـول نُكَتـــــنا الظـريـــفة *** ونبـــقى زي زمـــــــــــــان
***
ممكـن نــراعي ضميـــــرنا *** في أمـور حياتـنا ومصيرنا
نواسِـي بعـض ف أســـــانا *** ونهـني بعـض ف هنـــــانا
ونحتــــرم رأي غيــــــــرنا
ومقـدســـاتــه ودينـــُـــــــه *** زي احترامنــــــا لِديــــــــنا
***
ممكـن نخلـِّي الديـــــــــــانة *** في القلــب كِنـــز وأمــــانة
مكانـــــها دور العبـــــــــادة *** مُش في حكومـة الكنـــانة
ومش وسيـــــلة إدانـــــــــة *** ولا سـبيـــــل للإهــــــــانة
***
ممكـن عـدالــــة القانــــون *** ســواء نكـــون مسـلميـــن
أو كنــــا غيــــر مسلميـــن *** ونسيــب إلهنــــا "يُـديـــن"
والمصري بالأصـل مصري *** بأيّ مِلــــَّـــــة وديــــــــــن
***
هـل ممكـن أفـــرَح ببلــَـدي *** واربّـي بِنـــــتي ووَلـــَــدي
وأحـكي لـهم عن آثـــــارها *** ومَجـــد جِـــــدَّك وجِـــــدّي
وأغـــني مـــــوالي فيـــــها *** واشـرح غلاوتــها عنــدي
***
ممكـن نجَــــــدّد بَهـــــــاها *** نعشــق ترابـــها وهــــواها
ونصون رُبــاها وحــدودها *** عكس الغريــب اللي جــاها
وعاش في نورها وخيـرها *** وقـلبـــــه بيحـــب غيـــرها
***
ممكـن نحقـــــق آمـالنــــــا *** ما بين جهودنــا وجهــودك
نمـشي بعـرقـنـــــــــا وراك *** قـائــــد.. وإحنـــا جنـــودك
نهـــدي لمصـــر عهـــودنا *** وهيَّ ف أمـان في وجـودك
***
ممكـن يا ريِّــــس نعيــــش *** ونطـــــرد الخفــافـيـــــــش
وكـل مأجـــــور وخـايـــــن *** وبلطـــــجي ودرويــــــــش
في خيــرها ممكــن نعيـــش؟
دا زي مصــــر... مافيــــش!
*******
مهندس عزمي إبراهيم

مسؤولية قيامة لبنان مسؤوليتنا/ الدكتور فيليب سالم

أنا واحدٌ منهم. هؤلاء اللبنانيون المنتشرون في العالم. تراهم اينما ذهبت في الارض. تعرفهم من وجوههم. وعيونهم مسمرة الى أرض في الشرق. ارض مصلوبة هناك. مصلوبة بين البحر وسوريا واسرائيل. وحده البحر يعانقها ويحبها. الارض مصلوبة في الجغرافيا، أما الوطن فهو مصلوب على خشبة آلامه. لقد صلبه اهله قبل ان يصلبه الغرباء. يقتلونه كل يوم ولكنه يرفض ان يموت. هؤلاء اللبنانيون المنتشرون في جميع بقاع الأرض هم "مملكة" لبنان التي لا تغيب عنها الشمس. لقد عملوا وتعبوا فأغنوا حضارات الدول المضيفة، كما أغنوا حضارات العالم. كل في عمله، فليس هناك بينهم متسول واحد يقف على قارعة طريق. قال جبران وهو يقف على مشارف مدينة نيويورك، المدينة التي احبته: "ايتها المدينة، نحن لسنا هنا لنأخذ منك فقط، بل لنعطيك ايضا. لقد جئنا لنشارك في صنع مستقبلك". وكان هؤلاء اللبنانيون اوفياء للبلاد التي عانقتهم واحتضنتهم فأحبهم اهلها. جاء في خطاب احد رؤساء الجمهورية في المكسيك: "ان لم يكن لك صديق من أصل لبناني ففتش عن واحد بينهم". هذا الحضور اللبناني المميز في العالم، هو النفط الحقيقي للبنان. هذا النفط هو اهم بكثير من ذلك النفط الموجود في اعماق البحر. ان عظمة لبنان في التاريخ وفي العالم لم تكن يوما في موارده الطبيعية، بل كانت دائماً ولا تزال في موارده الانسانية. كانت ولا تزال في انسانه.
يعقد غدا في بيروت وبدعوة من وزارة الخارجية والمغتربين مؤتمر عن "الاغتراب" اللبناني "كطاقة" كبيرة يمكن تفعيلها في سبيل خدمة لبنان وانمائه. ندوات ومؤتمرات كثيرة كانت قد عقدت في الماضي، الا ان معظمها لم يعبر حدود الخطابة والشعارات والفولكلور فضاعت في ذاكرة النسيان. وحتى لا ينتهي هذا المؤتمر مثل غيره من المؤتمرات نقترح ان يعالج القضايا المحددة الآتية:
أولا: توحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم. فكما هو لبنان المقيم مشرذما بين من هم في 8 آذار ومن هم في 14 آذار ومن هم بين الاثنين، كذلك الجامعة فهي مشرذمة بين ثلاثة رؤساء. لذا تراجع دورها واصبحت عاجزة عن القيام بمهماتها الاساسية. وكنت قد شاركت شخصيا في لجنة استشارية بهدف توحيد الجامعة، الا ان قرارات هذه اللجنة اصطدمت بحقيقة الدولة، بحقيقة عدم وجود الدولة، وبعدم القدرة على اتخاذ القرار الجريء.
ثانيا: انشاء وزارة مستقلة عن وزارة الخارجية ترعى شؤون المنتشرين وتدعى “وزارة الانتشار اللبناني”. فكما هي وزارة النفط أهم وزارة في السعودية. ووزارة الفنون اهم وزارة في ايطاليا، فكذلك “وزارة الانتشار اللبناني” ستكون بمثابة اهم وزارة في الدولة اللبنانية. فبينما ترعى الوزارات الاخرى شؤون اللبنانيين المقيمين وعددهم نحو أربعة ملايين، ترعى الوزارة الجديدة شؤون اللبنانيين المنتشرين وعددهم نحو ستة عشر مليونا.
ثالثا: منح الجنسية اللبنانية لكل من يستحقها من المنتشرين، واشراك المنتشرين في العمل السياسي داخل لبنان وخارجه. وأقول “خارجه” لأن للمنتشرين دورا كبيرا وفاعلا في الخارج لدعم لبنان ودعم حقوقه لدى الدول المضيفة ولدى المؤسسات الدولية والهيئات العالمية.
رابعا: اشراك المنتشرين في الحياة اللبنانية بما هو أبعد من السياسة، وبناء جسور تواصل في العلم والطب والهندسة والادب والفن والقانون والاقتصاد. فلبنان كيان حضاري قبل ان يكون كيانا سياسيا. والعالم يعرف لبنان من خلال حضارته لا من خلال دولته. والسر هنا انه قد يكون للعمل السياسي للمنتشرين حواجز يصعب القفز فوقها. الا انه في العمل الحضاري ليست هناك حواجز تحول دونه. والسر الاخر انه ليس هناك من وطن بحجمه الصغير يمتلك الموارد الحضارية التي يمتلكها لبنان.
خامسا: الحفاظ على اللغة والتراث. ثلاثون سنة وانا أعيش خارج لبنان. لقد تعلمت انه لا يمكنك التواصل مع الارض والوطن من دون الحفاظ على التراث. وللحفاظ على التراث يجب الحفاظ على اللغة. من دون اللغة يندثر التراث. فاللغة لا تحمل معها الكلمة بقدر ما تحمل معها الحضارة. والذين هاجروا يعرفون ان المهاجر قد يمر بهجرتين: الهجرة الاولى عندما يبتعد عن ارضه. والهجرة الثانية عندما يبتعد عن اولاده واحفاده. فان لم تحافظ على التراث والحضارة يصبح الأولاد ابناء حضارة اخرى، فتكبر الهوة بينهم وبين اهلهم، وتاليا تزول العلاقة بينهم وبين الوطن الأم. من هنا يجب ان يطالب هذا المؤتمر بتأسيس مدارس في المهاجر لتعليم اللغة العربية وتعليم التراث. هذا اذا اردنا ان يحيا لبنان في العالم وأن يحيا في المستقبل.
غدا يستضيف لبنان بعضا من أبنائه المنتشرين في العالم في مؤتمر يبحث في شؤونهم. فماذا يا ترى سيرون؟ سيرون وطناً ممزقا ودولة لا رئيس لها. وسيرون “تجار الهيكل” يقهقهون، و”يعيثون في الارض فسادا”. ولو بُعث جبران حياً وقدم معهم لردّد للمرة الالف: “لكم لبنانكم ولي لبناني”. هذا هو “لبنانكم” اما لبنان جبران فلم يأت بعد.
منذ مئة عام وهذا الوطن الصغير يتأرجح بين الموت والحياة. وها هو اليوم في قبضة ازمة مصيرية ، لا بل وجودية. وان كان لبنان دائما في حاجة الى أولاده المنتشرين في العالم، فهو يحتاج اليهم اليوم اكثر من اي يوم مضى. فالحقيقة المؤلمة هي ان مسؤولية قيامة لبنان هي مسؤوليتنا نحن اللبنانيين مقيمين ومنتشرين. مسؤوليتنا نحن وحدنا لا غيرنا. غيرنا له مصالحه ومصالحه غير مصالحنا. غيرنا لا يحبه بقدر ما نحبه نحن. والحقيقة المؤلمة الاخرى هي انه اذا اردنا وتعالينا عن صغائرنا فنحن قادرون على انتشاله من الجحيم.
سنظل نحبه حتى الرمق الاخير. سنظل نحبه حتى لا يموت. سنظل نحبه حتى يقوم من موته

كيف أكافي؟/ محمود شباط

كيف أكافي على أجَـلِّ يدٍ 
من لا يرى أنّها يدٌ قِـبَـلِـي
استنجدتُ بشعر أبي الطيب عـلَّـهُ يُعبِّـد لي الطريقَ إلى ما عجزتُ في التعبير عنه حيال معروفٍ أدين به إلى كبارٍ كبارٍ منحوني شرفَ نيلي لجائزة شربل بعيني، إلى من أنعموا علـيَّ بأيقونة تحمل في لـبِّـها الجائزة الأصل، الجوهرةُ الأساس، حيث ينعم رابح الجائزة بربح ارتباطه بوشائج روحية أثيرية تصله بأخوة لم تلدهم أمه، معظمهم لم يلتقه ولم يسمع صوته. 
يقضي الوفاء أن أتوجه بالشكر بداية إلى روح عـرَّاب الجائزة ومؤسسها الحاضر الغائب الدكتور عصام حداد مدير معهد الأبجدية في جبيل. وإلى ناسك محراب الأدب المهجري، متعدد أماليد الإبداع بامتياز: شعراً وأدباً وكتابة وإعلاماً، حاضنة رؤوم لبذور التراث والحضارة والإنسانية عبر مؤسسة الغربة الإعلامية الصديق والأخ شربل بعيني، وإلى كل الأعزاء القيِّمين على تلك المؤسسة الغراء، وإلى السادة الأفاضل القيمين على معهد الأبجدية في جبيل.
أتوجه بالتهنئة إلى الأكاديمي الدكتور جميل الدويهي بمناسبة نيله الجائزة عن إسهاماته المقدرة في التنقيب عن درر شربل بعيني، مع الشكر والامتنان على تهنئته اللطيفة لي لنيلي الجائزة عن الأدب والقصص القصيرة، كما أهـنِّيء الشاعر القدير عصام ملكي على نيله الجائزة عن شعره الرائع.
أتوجَّه بالشكر إلى الدكتور علي بزي على تهنتئه الرقيقة وعذوبة مشاعره الأخوية، كما إلى الإعلامي الرائع الأستاذ أكرم المغوش لما خصَّني به من سلسبيل تعابيره الرائقة الأنيقة، والشكر موصول إلى السيدة ماري انجول (فرنسا)، وإلى الأستاذ أديب حنا (البرازيل) على رسالتيهما. كما أتوجه إلى أهلنا الكرام آل حداد في مدينة جبيل اللبنانية بكل المحبة والتقدير على تهنئتهم، ونشاركهم ألم غياب قريبهم- قريبنا الدكتور عصام حداد. 
وضعتُ جائزةَ شربل بعيني في ما بين القلب وشغافه، سأحرص عليها حرص الأرملة على قرشها وأم اليتيم على اليتيم، وسوف أحتفظ بها حيث وضعتها ما حييت كونها مثل شربل: غالية، عزيزة، حجر كريم من أصفى وأنقى أنواع الحجارة الكريمة، ثمينة.. ثمينة... ثمينة .. وموضع تقدير كبير. إنها طيف شربل.
محمود شباط
الخبر في : 29/05/2014      

في الرملة سيفرحون بنجاح حمدي/ جواد بولس

"سمعت أنك ستزور أبو حمدي غدًا،  فرجائي أن تنقل له سلامنا جميعًا وطمئنه عنّا، نحن بخير ومشتاقون له، بلّغه أن "حمدي" أنهى جميع امتحاناته وهو الأول في صفّه، بيرفع الراس فليفرح له وبه، لا تنس ذلك يا أستاذ".. 
تنهي أم حمدي محادثتها وتحمّلني ذلك الشوق والبشرى أمانات، لأعود أنا إلى قلمي ليستذكر ولينزف.
أوصلني سجّان من بوابة السجن الرئيسية إلى غرفة صغيرة، هي مكاتب التسجيل في سجن "أيلون" في الرملة. لا جديد في هذه الغرفة التي يذكّر كل شيء فيها بالبؤس. طاولتان من خشب رخيص قديم، وحيطان متعبة لونها كلون الجراد. وراء الطاولة التي في الصدر ينكب "طارق"، سجّان عرفته منذ سنوات بعيدة، على دفتر من ورق مجدول وله هوامش، عيناه مغروزتان فيه، وبقلمه الذي يحرّكه كطالب في الصف الأول، يملأه بملل، وأفأفة واضحة، شعره كان كثير اللمعان، لم أتحقق إن كان ذلك من فعل "جيل" مرّغه للزينة أو من كثرة عرق، في لحظة دخولي رفع عينيه ورحب بي بحيادية مصطنعة. تبادلنا بعض الجمل وشرحًا عن أسباب غيابي لأكثر من عقد، ففي هذه السنوات لم يحتجز هناك أسرى فلسطينيين أمنيين. نقل "طارق" أسماء الأسرى الذين طلبت زيارتهم وشدّد على من يتلقى القائمة في الطرف الآخر للهاتف، أنهم إداريون مضربون عن الطعام.
على يساره يجلس سجّان أسمر، شعره مقصوص على قالب "كاظم"، خدّاه أسيلان وعيناه توعزان بجدّية شاب راضٍ بوظيفته، صدره مدفوع ويعلن: عاش السجن. عرّفني إلى نفسه فتبيّن أنه قريب لصديق لي منذ كنا طلّابًا في الجامعة. مازحًا توعدّت أن أشكوه لقريبه إذا لم يحسن معاملتي، فحظيت بابتسامة عريضة على وجهه، لم ترحني. تركتهما في الغرفة، وخطوت إلى الخلف لأقف قريبًا من مدخلها، وعلى طرف ما يشبه الساحة.
 أمامي حركة يقظة لأفواج من بشر يتحركون كدمى تعمل على بطّاريات مستعملة. صراخ ينداح مثل الرعد من جميع الجهات، بعض مصادره تأتي من وراء قضبان تشابكت على شبابيك تخفي غرفًا معتمة وراءها. سجناء يلبسون البرتقالي، مكبّلون في الأرجل والأيادي ويمشون ما بين " القفقزة" و"الشحشطة"، رؤوسهم "تتقمّع" كبنادل لساعة حائط قديمة، يحرسهم سجّانون يلبسون ثيابًا يصعب تحديد لونها، لكنّها عابسة قاتمةً، تميل الى لون خوخة بدأت تتخمّر، وبعضها يبدو بلون الطحالب عند أقدام ساقية. 
أحاول أن أفهم من أين يأتي الصراخ وعلى ماذا؟ لكنني كنت وحيدًا في هذا الهمّ، فالكل هناك يسمع والكل يطنّش، لقد ربّوا أذانًا لها مصافٍ ومغالق. فجأة يمد أحدهم يده ويشير باتجاه الأرض، قريبًا من قدمي  ويصيح : "إنّه جرذون ..جرذون كبير"، لم يكترث معظم من كان في الساحة، واستمروا بحركتهم، البعض بدأ يضحك. نظرت للأسفل، فبدا الجرذ تائهًا مذعورًا؛ مدّ رأسه إلى الأمام فصار يشبه خنزيرًا بريًا صغيرًا، يغرز رجليه الخلفيتين ويدفعهما بقوة ملتصقًا بالأرض، وكأنه سيارة  سباق عجيبة. بلحظة غاب عن أنظاري. "عادي"، قالها أحد السجانين الذي كان بجانبي في الساحة، ودخل مسرعًا إلى المطبخ. عدت إلى الغرفة الصغيرة حيث نادي وطارق ما زالا يمارسان الملل.
بعد ساعة قضيتها في ساحة العجب أدخلني صديقي السجّان إلى غرفة الزيارة حيث بدأت رحلتي مع الوجع وفي عالم كلّه بشر وحقيقة، حنين وأمل يتجدد.
 زرت ثلاثة من الأسرى المضربين عن الطعام منذ أكثر من شهر اعتمدوا فيه على شرب الماء فقط. بدوا في حالة ضعف مقلقة، على وجوههم صفرة تكلّل بريق عيونهم المتَّقد من حب وشوق. تحدّثنا طويلًا وأكدوا أنهم سيمضون حتى نهاية الطريق، فلقد عافوا المذلة وانتظار "الرحمة " ويعرفون أن فاقد الشيء لا يعطيه. والأهم أنهم  أهابوا بأحرار العالم ليقفوا معهم ويعلوا صوتهم من أجل الكرامة الإنسانية والحرية وصرخوا لأبناء شعبهم عاتبين بأن "اتحدوا وراء راية فلسطين واتركوا الرايات المفرّقة، فالزمن يستصرخ الوحدة والصوت يجب أن يردد ما قاله الحادي؛ لا وقت للأخضر يناطح، ليغلب في الساحات الأصفر أو الأحمر، فهل كان للحرّية لون إلا لون الروح والنفس".
سجّلت ما قالوه بدقة وألم، وسجّلت أن محمودًا قضى  ثلاثة عشر عامًا في السجن الإداري، عاش منها حرًا ثمانية وعشرين شهرًا فقط. استطاع أن يخطب شريكة حياته  المختارة في العام ٢٠٠١، واستطاع أن يتزوّجها فقط في العام ٢٠٠٥. ولد بكره "حمدي" في تموز من عام ٢٠٠٦، بعد ولادته بثلاثين يومًا اعتقلوه مرّة أخرى إداريًا. ولد ابنه الثاني "حسام الدين" في كانون الثاني من عام ٢٠١٠ وكان محمود في السجن لأنهم اعتقلوه إداريًا قبل ولادته. وأمّا "عمر" ابنه الثالث، فولد يوم ٢٠١٤/٢/١٣، ومرّةً أخرى كان محمود في السجن فهو معتقل منذ ٢٠١٤/٢/٢ حيث مازال  يكابد هذا العبث.
كان محمود شبانة، أبو حمدي، يروي لي قصته بصوت ينتفض إنسانية وشموخًا، وأوصاني أن أنقل للعالم ولأهله حكايات الرملة وأخواتها وكان يصرخ ورفاقه: "هاكم ذروة القمع والبطش فلا تختلفوا على "رابعة" ولا على صورة "مرسي" أو "السيسي"، في فلسطين ما يكفي من ألم وفخر وعزة، وفيها قصص لبشر دفع ويدفع حياته عربونًا لحرّية معطّلة، وفيها ما يشرّف من صور ورموز كي توضع على الصدور نياشين؛ أوقفوا تلك المزاحمات الوهمية، وارفعوا صرخة الوطن في ساحات فلسطين المترددة والمتوجسة".
في طريقي إلى خارج السجن رافقني سجّان حاول أن يكون ودودًا. لم أنتبه لحديثه معي وفكّرت بمن تركت خلفي وما رأيت.
 بدأت أرسم تفاصيل زيارتي القادمة. غدًا سأعود إلى الرملة وسأوصل الأمانات لأصحابها، سأجد البؤس يحتفل في كل زاوية وساحة، إلا على وجوه فرسان الحرّية، سأجد البسمة وفي الحدقات وعود العاصفة. سيلاقونني مؤمنين بأن "البئر أبقى من الرشاء"، وسيفرحون بنجاح حمدي الفلسطيني لأنّه وأترابه سيحملون راية المستقبل وشعلة النور، سأخفي عنهم بعضًا من تأتآت ساحات فلسطين لأعود من عندهم محملًا حبًا وعزيمة ورسالة "لحمدي" تقول:
من يعش على حب وايمان سينام على ورد ونبض.  

لقاء رجوي الجربا يخدم الحق و العدالة/ العلامة السيد محمد علي الحسيني

تساهم الکثير من اللقاءات و المشاورات و الندوات المنعقدة هنا و هناك في إذلال العقبات و العراقيل و الصعوبات التي تقف بوجه حل و معالجة مختلف الازمات و المشاکل، لکن و في نفس الوقت هناك لقاءات و مؤتمرات و ندوات تعقد من أجل إضفاء المزيد من التعقيدات و الصعوبات على إيجاد حلول و معالجات لعدد من المشاکل و الازمات، واننا نعتقد بأن اللقاء الذي جمع بين السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية مع السيد أحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة السورية في باريس مؤخرا، هو لقاء من الصنف الاول و بجدارة. المقاومة الايرانية التي تحمل على أکتافها عناء تحرير شعب من ربقة الاستبداد و تناضل من أجل إحقاق العدل و المساواة، تخوض منذ 3 عقود مواجهة عنيفة و حامية الوطيس ضد النظام الايراني وقف دفعت جراء موقفها و نضالها هذا قائمة طويلة من الضحايا و القرابين بحيث تجاوز 120 ألف فردا، في حين أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة و المعارضة السورية، يجسد هو الاخر لسان حال الثورة و الشعب السوري وهو الاخر يخوض حربا ضروسا ضد نظام لايتورع عن الاقدام على أي فعل او رزية من أجل بقائه و إستمراره، هذا النظام الذي يعلم العالم کله بأنه کان في حکم الساقط و المنتهي تماما لو لم يتدخل نظام ولاية الفقيه و يبادر الى نجدة النظام السوري بکل ما في وسعه و حدود إمکاناته، وان إلتقاء هذين الفصيلين على طاولة واحدة و إجرائهما لمحادثات تتعلق بما يجري في سوريا و التدخل المريب لنظام ولاية الفقيه هناك، من شأنه إيجاد الکثير من القواسم المشترکة بين الطرفين و العمل من أجل جعل تلك القواسم المشترکة آليات للتعاون المشترك الذي يصب في خدمة مصالح الشعبين.
اننا في المجلس الاسلامي العربي، نرحب بهذا اللقاء و نعتبره لقائا يخدم الحق و العدالة و يعبر عن إرادتي الشعبين الايراني و السوري، ونرى فيه من ضمن تلك اللقائات التي تجمع بين الاشقاء او الذين يجمعهم طريق واحد و مصالح مشترکة، ومثلما رحبنا باللقاء الايجابي بين قيادتي حرکتي فتح و حماس و التي بحمدالله و خفي ألطافه قد أثمر عن نتيجة إيجابية و انهت القطيعة و الاختلاف بين الاخوة و المجاهدين من أجل نفس الهدف و ذات الغاية، فإننا نؤکد بأن لقاء السيدة رجوي بالسيد الجربا، هو لقاء المناضلين و المجاهدين من أجل شعوبهم و نتطلع الى اليوم الذي نجد فيه تجسيدا لما دار في هذا اللقاء الطيب کفعل و تطبيق عملي، "وقل اعملوا فسيرى الله عملکم و رسوله و المؤمنون".

*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.

زيارة المريض/ أنطوني ولسن

زيارة المريض شيء مقدس بالنسبة للعلاقات بين الناس بعضها البعض في مثل هذا الحدث . حدث زيارة المريض إذا مرض سواء في المنزل أو المستشفى إذا كان مرضه يحتاج العلاج بالمستشفيات .

هذا الشيء المقدس " زيارة المريض " سبب قدسيته " كما أطلقت عليه " هو أن الزائر أو  " الزائرة " عند الزيارة لمريض أو " مريضة " يرفع الروح المعنوية عند المريض ويشعر بوجود الأهل والأقارب أو الأصدقاء إلى جواره " جوارها " وقت الشدة . ولا شدة أصعب من المرض .

يجب على كل زائر " زائرة " مراعاة ظروف المريض " المريضة " فلا يطيل " تطيل " وقت الزيارة لا لشيء سوى أولا إفساح المجال لزوار أخرين ، وثانيا حتى لا نرهق المريض " المريضة " بطول الزيارة والكلام الذي عندما يبدأ بالسؤال عن المريض ويتدرج إلى أحاديث لا طعم لها ولا رائحة في مثل هذه الحالات .

يحاول الزائر " الزائرة إضفاء شيء من " شغل " الوقت بالحديث أحيانا عن نوع المرض وخطورته أو أيّ كلام عن المرض وطرق علاجه ورايه " رايها " في المستشفيات أو الأطباء وهو يقطع وقت الزيارة حتى لا يقال عنه أنه لا يفهم أو لا يهتم " تهتم " .

كما أن هناك زائر " زائرة " من نوع خاص وغريب بالنسبة لموضوع زيارة المريض . هذا النوع من البشر يحلو له ، تحلو " لها " بعد فترة وجيزة من السلامات و التمنيات الطيبة الجلوس وهات يا رغي على فلان وفلانه واللي بيحصل هنا واللي بيحصل هناك وهات يادش في كلام بعضه يخصه " يخصها " وبعضه عن الناس .

وهذا النوع من الزوار ضرره " ضررها " على المريض أو " المريضة " شديد الخطورة . لأن زيارة المريض أهميتها التخفيف عنه " عنها " بالكلمة المشجعة مع الدعاء بالشفاء وليس مكان الزيارة للقيل والقال والحديث عن سيرة الناس .

فهل يعقلون ويرحمون المرضى من زياراتهم ؟!. أتمنى !!!...

لأن زيارة المريض شيء مقدس وواجب لابد القيام به إذا استطعنا إليه سبيلاً ...

إسرائيليات المدرسة العنفية/ صبحي غندور

عملت إسرائيل منذ 11 سبتمبر 2001 على استغلال الهجمات الإرهابية التي وقعت في أميركا من أجل خدمة عدَّة غاياتٍ، حاولت منذ مطلع التسعينات تحقيقها. فمنذ انتهاء الحرب الباردة، تحاول إسرائيل تأكيد أهمية دورها الأمني بالنسبة للغرب عموماً، ولأميركا خصوصاً، بعدما تحجَّم هذا الدور حصيلة انهيار الاتحاد السوفييتي واستفراد أميركا بموقع "الدولة الأعظم" في العالم. فإذا كانت معظم دول منطقة الشرق الأوسط (بما في ذلك باكستان) هي في حال معاهدات وتعاون أمني مع أميركا والغرب، وإذا كانت البوارج الأميركية تحيط بكلِّ شواطئ المنطقة، فما الحاجة الأمنية لإسرائيل؟ سؤال وجدت إسرائيل الإجابة عنه في إدخال الغرب بحالة حربٍ مع "الإرهاب العربي والإسلامي" بحيث يكون لإسرائيل دورٌ هام في هذه الحرب المفتوحة زمانياً ومكانياً.
لكن كيف كان يمكن لإسرائيل أن تحقّق ذلك؟
خلال حقبة الحرب الباردة، كانت ألمانيا الشرقية تلعب دوراً أمنياً كبيراً وسط الجماعات والمنظمات الشيوعية الدولية التي تقصد موسكو من أجل الحصول على دعمٍ وتدريباتٍ وتوجيهات. وكانت موسكو ترسل هذه الجماعات إلى برلين من أجل تنسيق العلاقات الاستخباراتية وتدريب الكوادر وتوجيهها. وعقب سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية، تبيَّن أنَّ رئيس الاستخبارات فيها واسمه (ماركوس وولف) كان عميلاً مزدوجاً مع إسرائيل وهو الذي كان يشرف على تدريب وتوجيه كوادر في منظماتٍ عربية شيوعية قام بعضها بعمليات خطف طائراتٍ مدنية وتفجيراتٍ حدثت في مدنٍ أوروبية!.
فماذا يمنع أن تكون المخابرات الإسرائيلية قد جنَّدت أيضاً مجموعة من العملاء المزدوجين (مثل حالة ماركوس وولف) من الشيشان وصولاً إلى نيجيريا لتأسيس أو لتدريب وتوجيه حركات أو منظمات تحمل أسماء "إسلامية" تماشياً مع مرحلة ما بعد الحرب الباردة وبدء الصراع بين الغرب و"العدو الإسلامي" الجديد المصطنع؟!.
يكفي أن نستعيد تاريخ الممارسات الإسرائيلية في الستين سنة الماضية، ومن ضمنها ما حاوله عملاء إسرائيليون في عقد الخمسينات بالقاهرة من تفجير مؤسساتٍ أميركية وبريطانية من أجل تأزيم العلاقات مع مصر عبد الناصر، وهي العملية المعروفة باسم "فضيحة نافون" في العام 1954.
ثمّ هل يجوز تناسي ظاهرة كوهين العميل الإسرائيلي الذي استطاع الوصول إلى مواقع رسمية سوريّة مسؤولة في مطلع الستينات من القرن الماضي؟.
وهل ينسى اللبنانيون والفلسطينيون الأعداد الكبيرة من العملاء الإسرائيليين الذين كشفوا عن أنفسهم مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وبينهم من كان مرافقاً لياسر عرفات في مقرّه الأمني في بيروت، وآخرون من العملاء الذين تبرّأت منهم أحزاب لبنانية ومنظمات فلسطينية وجرى أواخر العام 1982 نشر أسمائهم في الصحف اللبنانية.
فإذا كانت إسرائيل وأجهزتها الأمنية تتسلّل إلى أهمّ المواقع السياسية والأمنية في دول كبرى ومنها الحليف الأكبر لها أميركا، فلِمَ لا تفعل ذلك مع أعدائها المحيطين بها؟ إذ رغم كلّ العلاقات الخاصّة يين أميركا وإسرائيل، فإنّ واشنطن ترفض الإفراج عن جيمس بولارد، الأميركي اليهودي الذي يقضي منذ العام 1986 عقوبة السجن بتهمة التجسّس لإسرائيل، وقد انضمّ إليه مؤخّراً عملاء جدد كانوا يعملون لصالح إسرائيل في مواقع أمنية أميركية، ومن خلال علاقتهم مع منظمة "الإيباك"، اللوبي الإسرائيلي المعروف بواشنطن.
كذلك كشفت السلطات المصرية عدّة مرات عن شبكات تجسّس إسرائيلية، وما زال بعض عناصر هذه الشبكات معتقلاً، رغم وجود علاقات طبيعيّة بين إسرائيل ومصر.
***
على الطرف العربي والإسلامي، هناك عرب ومسلمون يقومون أيضاً بخوض "معارك إسرائيليّة" تحت "رايات وطنيّة أو عربيّة أو إسلاميّة"، وعمليّاً يحقّقون ما كان يندرج في خانة "المشاريع الإسرائيليّة" للمنطقة من تقسيم طائفي ومذهبي وإثني يهدم وحدة الكيانات الوطنيّة ويقيم حواجز دم بين أبناء الأمّة الواحدة. أليس مشروعاً إسرائيلياً تفتيت المنطقة العربيّة إلى دويلات متناحرة؟ أما هي بمصلحة إسرائيليّة كاملة نتاج ما جرى في العراق من سعي لهدم كيانه الوطني الواحد ووحدته الشعبية، وما حدث قبل ذلك في الحرب الأهلية اللبنانية وفي الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ثمّ الحرب الأهلية في السودان التي انتهت بفصل جنوبه عن شماله، ثمّ ما حدث ويحدث الآن في سوريا؟! 
إنّ هذا "الوباء الإسرائيلي" التقسيمي لا يعرف حدوداً، كما هي دولة إسرائيل بلا حدود، وكما هم العاملون من أجلها في العالم كلّه. 
ثمّ هل كانت مصادفة زمنيّة أن يكون العام 2001 هو عام بدء حكم "المحافظين الجدد" في أميركا مع ما كانوا عليه من صفة تطرّف عقائدي بطابع ديني مسيحي، وعام وصول شارون لرئاسة حكم إسرائيل على قاعدة تطرّف ديني يهودي، ثمّ بروز "القاعدة" ووقوع أحداث الإرهاب في أميركا على أيدي جماعات متطرّفة بطابع ديني إسلامي؟. 
نعم، نجحت إسرائيل في العقدين الماضيين بتشويه صورة العرب والمسلمين في العديد من وسائل الإعلام الغربية، وفي إعطاء "نماذج" سيئة عن المجتمعات الإسلامية، وفي التركيز على ظواهر سلبية في العالم الإسلامي من أجل بناء ملامح صورة "العدو الجديد" للغرب، بحيث أصبحت الهويّة الإسلامية أو العربية موسومة بالتخلّف والإرهاب حتى لو كان هذا "المسلم" أو ذاك "العربي" يعيش في الغرب لعقودٍ طويلة، أو كان "مواطناً" في بلدٍ غربي .. وكأنَّ التخلّف والإرهاب هما سمات جينية تنتقل بين المسلمين والعرب بالوراثة!! ويظهر عمق الجهل الغربي بالمسلمين والعرب عموماً في عدم التفريق بين "المسلم" و"العربي"، فكلاهما واحد بنظره، على الرغم من أنَّ عشرات الملايين من العرب هم من المسيحيين، ومئات الملايين من المسلمين هم من غير العرب!.
المشكلة أنّه حينما تسقط الدولة في أيِّ وطن، يهوي الانتماء الوطني الواحد أيضاً لترتفع مكانه انتماءات أخرى هي أقلّ من نسيج الوطنية وأشدّ ارتباطاً بالخصوصيات التي يتكوّن منها أيّ مجتمع. ألم يحدث ذلك في تجارب لبنان والعراق وليبيا؟!
فقد ساهم الاحتلال الأمريكي للعراق مثلاً بتهديم الدولة العراقية وليس فقط بإسقاط النظام، مما أدّى إلى تمزيق النسيج الوطني العراقي، وصياغة بدائل أخرى قامت على خيوط طائفية ومذهبية وإثنية، عزّزت نمو ظاهرة التطرّف العنفي داخل العراق، وبدعم إقليمي ودولي، ثمّ أصبحت "عروبة" العراق هويّة "قيد الدرس" في ظلّ فرز انقسامي داخلي بين سنَّة وشيعة، فيُقال السنّة "العرب" والشيعة .. ولا يقال حتّى الشيعة العرب!! تماماً كما جرى فرز المذهب الإسلامي السنّي في العراق إلى "أكراد" و"عرب"، فأصبح الأكراد قوّة منفصلة مخاصمة لمن يشاركونهم الدين والوطنية منذ مئات السنين.
هناك بلا شك مسؤولية "غربية" وأميركية وإسرائيلية عن بروز ظاهرة التطرف والإرهاب بأسماء "إسلامية"، لكنّ ذلك هو عنصرٌ واحد من جملة عناصر أسهمت في تكوين وانتشار هذه الظاهرة.
ولعلّ العنصر الأهمّ والأساس هو العامل الفكري/العَقَدي حيث تتوارث أجيال في المنطقة العربية والعالم الإسلامي مجموعةً من المفاهيم التي يتعارض بعضها مع أصول الدعوة الإسلامية، ومع خلاصة التجربة الإسلامية الأولى منذ فترة الهجرة النبوية إلى المدينة وصولاً إلى نهاية عهد الخلفاء الراشدين. 
ولقد ساهمت الحقبة العثمانية، ثمّ فترة الاستعمار الأوروبي من بعدها، في محاصرة الاجتهاد الإسلامي وفي الابتعاد عن المضمون الحضاري الإسلامي. أيضاً، كان للصراعات الدولية الكبرى إسهامٌ واسع في تأجيج ظاهرة التطرّف المسلّح باسم الإسلام. حدث ذلك في حقبة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، حيث كانت حرب "المجاهدين الأفغان" هي الخميرة التي صنعت لاحقاً جماعات "القاعدة" وأساليبها الإرهابية في أكثر من مكانٍ وزمان.
هي كذلك أزمةٌ فكرية وسياسية في مسبّبات ظاهرة التطرّف المسلّح باسم الدين، حينما تضعف الانتماءات الوطنية وتسود بدلاً منها هويّات فئوية بمضامين طائفية ومذهبية ضيقة. ولعلّ بروز ظاهرة "التيّار الإسلامي" بما فيه من غثٍّ وسمين، وصالحٍ وطالح، في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ما كان ليحدث بهذا الشكل لو لم يكن هناك في المنطقة العربية حالة من "الانحدار القومي" ومن ضعف للهويّة العربية، ومن غياب للمرجعيات العربية والإسلامية الفاعلة التي كانت عليها مصر قبل المعاهدات مع إسرائيل.
إنّ "المدرسة العنفية" في بعض المجتمعات العربية والإسلامية تبرّر أعمالها بحصاد خطايا الآخرين، وتحاول تبرير أساليبها بما يرتكبه الآخرون، إلا أنّها، في ذلك، إنّما تخدم أيضاً الطرف الذي تدّعي هذه الجماعات بأنّها تحاربه وتستهدفه، وتبقى إسرائيل هي المستفيد الأول من ذلك كلّه!.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

سنتَيْن: في الذكرى الثانية لغياب الصحافي بطرس عنداري/ فؤاد نعمان الخوري


سنتَيْن ما فلفَشْتْ بسماتَكْ،
سنتيْن ما هجّيتْ كلماتَكْ،
سنتَيْن، يوم الأربعا مخجُولْ
ما شمّ منتُورة مقالاتَكْ...
سنتَيْن "بيّاع الفرَح" مشغُولْ
يلملِم من السهرات ضحكاتَكْ،
سنتَيْن...مين قال: السفَر بيطُولْ
ها القدّ، ما بتمرُق عَ رفقاتَكْ؟
سنتَيْن، يسألنِي عنب أيلُولْ:
أمتِينْ بدُّو يبُوس كاساتَكْ؛
سنتَيْن عدّيتُنْ: تمان فصُولْ
وأصعَب علينا فصل سكتاتَكْ!
سنتَيْن ساكِن خلف ها المجهُولْ
وتزيِّن الأحلام طلاّتَكْ...
يا بُو زياد اليوم طلّ وقُولْ:
من وين بدنا نشتري النسيانْ
تا القلب يتعوَّد عَ غيباتَكْ؟
+++++

لا، لا، ما بدنا نشتري النسيانْ،
والْ "كي لا ننسَى" الرمز والعنوانْ!
كيف بنسَى لْ هونْ مشوارِي
عصفُور من ظلم القفَص هربانْ؟
وغطّيْتْ عا شجرِة "العندارِي"،
طَبُّو عليّي الزهر والأغصانْ،
وصارِتْ "نهارُو" زينة نْهارِي
وعا صَدرها يتربّعُو القصدانْ...
حبّيتْ ها لْ ما بيعرف يداري،
صاحِب الحقّ، وكلمتُو سلطانْ؛

حبّيتْ ها لْ علَّق عَ أشعارِي
قُونة الطِّيبِه ومشلَح الوجدانْ..
ومرّات لولا تطرّفِت ناري،
بالإعتدالْ يعدِّل الميزانْ؛
ولَو قلتْ: بدّي آخُد بتاري
يقرا عليّي رْسالِة الغُفرانْ...
كان الحواري، وجدولُو جاري،
يجمع الناسْ ويجمَع الأديانْ..
راحْ، وما فيّي وفيِت العْياري:
جبتْ القصيدِه من بعد سنتَيْنْ
تزرَع عَ قبرُو شْقايق النعمانْ!
+++++

وشو بخبّرَك عَ ل صار ها السنتيْن؟
لبنان بعدُو مكتّف الجنحين،
وبالكاد عملُو نتفة حكومِه،
وكرسي الرئاسه بين شاقوفِين!
ودنيا العرَب للعضم مقسومِه،
ومش عارفِه سهم الطريق لوين؛
وبترقص بها القصر سالُومِه،
وبتأمُر...وبيطير راس "حسين"!

والجاليه حلوه ومهضومِه:
عجقة جَمال وفنّ، يخزي العين؛
عا مؤتمَر لبنان معزوُمِه،
وليش نقّيتُو عُمَر مش زَيْن!...
وتطلّ انت من السما، تُومي
ببسمة التمّ ورفّة العينين،
تقلّي: لا تنسى تسجّل همُومي
وتحفُر بذاكرة الوعي صوتين!

يا بُو زياد عم تنعس نجُومي:
فلّو أحبّه كتار ها اليومين..
وكرمال عينك حِملِتْ كرُومي،
وديوان رح يطلع بها الشهرين
والمقدّمه من أشرف الإيدين!
+++++
و"المُنتدَى" لمّا ندهنِي جيتْ
تا مسحْت دمعِة عيلتَكْ، وبكيتْ:
بكيتْ عَ حالِي وعَ ها الحالِهْ
وعَ شهُور فيها كلمتَكْ ما قريتْ!
وتطلَع عَ بالي، يلمَع بْبالي
عمر الصداقَه لْ سحرها ما نسيتْ؛
وعا كلّ منبَر شوفَك قبالي
تعقُد جبينَك ورد كلما حكيتْ!

يا بُو زياد الطيِّب الغالي
وجَّك قفِي، لكن انت ما قفيتْ:
باقي التلج عَ جبينَك العالي،
باقي الأدَب، باقي الإسم والصيتْ...
والصخر من "متريتْ" وصَّالي:
لَ عيُون "بطرُس" شحم قلبي هديتْ!
...وصْرَختْ حتّى انبحّ موّالي:
ممنُون عين "المُنتدى" بْ سدني،
وممنون عينَك، يا صخر "متريتْ"!
++++

سدني 20 أيّار 2014

جميل عبدالقادر والجمعية العومية للاتحاد الدولي في باكو/ عبدالواحد محمد

يؤكد الاتحاد العربي للصحافة الرياضية قدرته علي التفاعل الدولي وفق معادلة الرياضة العالمية ومؤثراتها المتعددة والمتنوعة والفاعلة في قلب الصحافة الرياضية العالمية ؟
وقد ترأس  الاستاذ محمد جميل عبد القادر رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية مساء امس الاول اجتماعا عقدته المجموعه العربية المشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية (AIPS) شاركت فيه الوفود العربية كافة ، المشاركة في الكونقرس والذي افتتح في مدينة باكو برعاية رئيس جمهورية اذربيجان الهام عالييف  بمشاركة  108 دول من كافة قارات العالم  حيث اشار الزميل عبدالقادر رئيس الاتحاد الى أهمية هذا التجمع الاعلامي الرياضي العالمي ومدى الفائدة التي ستعود على الاعلام في العالم وطالب الزملاء العرب بضرورة الخروج بالمكتسبات العديدة من هذا الملتقى واشاد بالزملاء الذين التقوا للتشاور والتحاور وتنسيق المواقف العربية وتوحيدها لصالح القضايا العربية والاعلام الرياضي العربي من خلال هذه الاجتماعات التي تضم اصحاب القرار والخبرة والتأثير الاعلامي الرياضي على مستوى العالم.
وكان رئيس جمهورية آذربيجان التي تستضيف الكونغرس قد افتتح اعمال المؤتمر الذي مازال منعقدا في باكو عاصمة آذربيجان وقد بحث الكونغرس في كل مايساعد الصحفي الرياضي لتغطية كأس العالم القادمة في البرازيل وكذلك استضافة اذربيجان لأول العاب اولمبية اوربية عام 2015 واول العاب اولمبية اسيوية عام 2016 حيث اعدت منذ الآن المنشآت الحيوية المطلوبة لهذين الحدثين الكبيرين كما تحدث المؤتمر عن الاعلام الحديث ومدى تأثيره في المستقبل عن العمل الاعلامي الرياضي في كل انحاء العالم بعدما طرأ من تقدم عن وسائل الاعلام الحديث.
وقد حضر اجتماع المجموعة العربية الزملاء فيصل القناعي رئيس الاتحاد الاسيوي ومحمد المالكي نائب رئيس الاتحاد الدولي وعبدالله ابراهيم عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي من الامارات وجلال بوزرارة عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي من المغرب ووفود الاردن – قطر – الامارات – البحرين – الكويت – تونس – الجزائر – المغرب – ليبيا – السودان – لبنان .
عبدالواحد محمد
abdelwahedmohaned@yahoo.com

نور الحياة/ نسيم عبيد عوض

اليوم هو الأحد الرابع من الخمسين يوما المقدسة‘ منها أربعين يوما قضاها رب المجد يسوع مع تلاميذه بعد القيامة ‘ مع قادة كنيسة العهد الجديد ‘ وقبل صعوده للسموات قال لهم " هاأنا معكم كل الأيام والى إنقضاء الدهر." مت28: 20 ‘ ولذلك تصلى الكنيسة يوميا فى القداس الإلهى" كما كان هكذا يكون ‘ من جيل الى جيل ‘والى دهر الدهور. آمين" . والملاحظ أن جميع فصول انجيل قراءات الآحاد المقدسة السبعة فى الخمسين المقدسه جميعها من انجيل القديس يوحنا الإنجيلى ‘ لأنه يقدم للعالم الله الكلمة ‘ "والكلمة صار جسدا وحل بيننا.." يو1: 14‘ وهو الذى يبدأ انجيله " فى البدأ كان الكلمة .والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة الله. هذا كان فى البدأ عند الله . كل شيئ به كان وبغيرة لم يكن شيئ مما كان . فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس . والنور أضاء فى الظلمة ‘ والظلمة لم تدركه. كان النور الحقيقى الذى ينير كل انسان آتيا الى العالم." يو1: 1-9‘ وهكذا نتتبع انجيل القديس يوحنا البشير:  1- فى الأحد الأول يجيئ الرب بعد القيامة ويقف وسط تلاميذه ‘ ويطلب منهم أن يجسوه حتى يثبت إيمانهم ويطوب الذين آمنو ولم يروا..ويظهر لهم جسده النورانى بعد القيامة..   2- فى الأحد الثانى يعطيهم خبز الحياة النازل من السماء الذى هو جسده ودمه الأقدسين .    3- وفى الأحد الثالث يهبنا عطية الله وهو ماء الحياة ويعلمنا ان الساجدين لله بالروح والحق يسجدون.  واليوم وبفاعلية الجسد والدم الكريمين يكون هو نور العالم . فمن يأكل هذا الخبز فلا يجوع ‘ ومن يشرب من هذا الماء الحي  فلا يعطش ‘ وهكذا ينبثق منه نور الحياة. لأن فى المسيح كانت الحياة والحياة كانت نور الناس ‘ والنور أضاء فى الظلمة‘ كما قال الكتاب.

من هو هذا ابن الانسان؟   كان هذا سؤال الجمع للرب يسوع " فقال لهم يسوع النور معكم زمانا قليلا بعد. فسيروا فى النور لئلا يدرككم الظلام. والذى يسير فى الظلام لا يعلم الى أين يذهب."- وبالفعل عندما صلبوه صارت ظلمة على الأرض - كقول الكتاب" وكان نحو الساعة السادسة .فكانت ظلمة على الأرض كلها الى الساعة التاسعة . واظلمت الشمس. "لو23: 44‘ ومن أجل ذلك قال لهم الرب" مادام لكم النور .آمنوا بالنور. لتصيروا ابناء النور." يو12: 36. سيروا فى النور مادام لكم النور ‘ والمعنى واضح ان بداية عمل الله  فى الخلقة كان النور‘ "وقال الله ليكن نور فكان نور .ورأى الله النور أنه حسن."تك1: 3و4‘ وهذا هو النور الطبيعى للكون كله ‘ أما النور الحقيقى هو السيد المسيح ‘ لأنه نور لا نهائي‘ غير محدود ‘ هو النور الحقيقى الذى يستعلن طبيعة الله فى قلب الانسان‘ كما قال المرتل" بنورك نرى نورا." مز36: 9 ‘ وعندما نولد ثانية من الماء والروح تنبثق فينا الاستنارة ‘ فهو الذى وهب النور للخليقة الجديدة ‘ ونور الحياة الأبدية للمولدين ثانية أو المعتمدين بأسم الآب والإبن والروح القدس.

وكيف نعرف أو نؤمن أو نرى المسيح كنور؟    لأنه كما قال " بنورك نرى نورا." قال أيضا" من التصق بالرب فهو روح واحد."1كو6: 17‘ ولأن الله الذى قال أن يشرق نور من ظلمة ‘ هو الذى أشرق فى قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله فى وجه يسوع المسيح." 2كو4: 6‘ وهذا الإستعلان هو النور الحقيقى. وأصدق ما قيل عن استعلان الله النور فينا قول النبوة عن المسيح فى إشعياء النبى 9: 1و2" الشعب الجالس فى الظلمة أبصر نورا عظيما. الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور ." ‘ والرجل المولود أعمى عندما إستنار رأى نور الله ‘لأنه كان يعيش فى ظلمة.

الإيمان بالنور هو إدراك روحى صافى بوجود المسيح فى حياتنا ‘بالوعى الروحى الذى يقوده الروح القدس الساكن فينا ‘ والنور الإلهى ككيان يحل فى القلب فيملأه فرحا ونعيما وسرورا "ففرح التلاميذ عندما رأوا الرب"‘ وبإستعلان أقوال السيد المسيح ووصاياه وفهمها فهما روحيا عميقا ومؤثرا هو إستعلان فعلا لنوره فى قلب الإنسان. فعندما نتطهر من كل نجاسات العالم هذا هو نور المسيح فينا ‘ وعندما نعيش فى إتضاع القلب ونغلب الكبرياء فينا هذا هو فعل النور فى حياتنا ‘ وبغلبتنا للطمع ومحبة المال ونحيا فى قناعة كاملة إعتمادا على ستر الله لنا نكون فى نور للعالم وأبنار النور يضيئون للناس حوالينا. لذلك فالإيمان بنور المسيح هو تفعيل النور بالظهور الحقيقى لنور الله فى حياتنا‘ لأن الله نور وليس فيه ظلمة البتة كقول الكتاب" ان سلكنا فى النور كما هو فى النور . فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية." 1يو1: 5‘ ويقول المرتل داود" الرب نورى وخلاصى ممن أخاف."مز27: 1 ‘وقال أيضا " سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى"مز119: 105 لأن كلمة الله مضيئة فيها روح وحياة تنير البصيرة ‘ وتنير الطريق فى الحياة مع الله ‘لكى نسلك فى النور ولا نسير فى ظلمة الخطية.

السير فى النور أو سلوكنا فى النور يعنى ملازمة وإطاعة الوصية المقدسة ‘والتمتع بإنجيل الرب وكلمته كل وقت وفى كل الظروف تسيربنا فى نور طريقة وتلزمنا بالسير المضيئ لحياتنا بعيدا عن الظلمة. ويقول الكتاب فى سفر العدد (11: 1-3)‘ وكان الشعب كأنهم يشتكون شرا فى أذنى الرب وسمع الرب فحمى غضبه ‘ وأشتعلت فيهم نار الرب وأحرقت فى طرف المحلة .. فدعى اسم ذلك الموضع تبعيرة لان نار الرب اشتعلت فيهم. " لأنهم كانوا بعيدين عن مصدر النور الله الساكن فى وسط شعبه ‘ ونسوا أنه كما هو نور هو أيضا نار آكلة. 

آمنوا بالنور ...الإيمان بالنور معناه التصديق المطلق والثقة فى مواعيد الله كثقة النور أمام الظلمة ‘ وهذه هى الترجمة الحقيقية العملية بإيماننا بالنور " وهذه وصية" فليضيئ نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات." مت5: 16‘ ولذلك الإيمان بالنور ليس كلاما ولكنه حقيقة لأنه هو الرفض الكامل لأعمال الظلمة‘ فإختيار الظلمة هو نتيجة مباشرة للأعمال الشريرة كقول الكتاب"أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة."يو3: 19 ‘ وأيضا" كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتى الى النور لئلا توبخ أعماله." يو3: 20‘ والترجمة الحقيقية لذلك قول الكتاب" من قال أنه فى النور وهو يبغض أخاه فهو الى الآن فى الظلمة." ومن يحب أخاه يثبت فى النور وليس فيه عثرة ." واما من يفعل الحق فيقبل الى النور لكى تظهر اعماله انها بالله معمولة."يو3: 21.وكما ان " الله نور "1يو1: 5‘ ف "الله محبة."1يو4: 16‘ والنور والمحبة طبيعة واحدة فى الذات الإلهية.

لتصيروا أبنار النور..   يقول الكتاب " كان النور الحقيقى الذى ينير كل انسان آتيا الى العالم. الى خاصته جاء وخاصته لم تقبله‘ واما الذين قبلوه أعطاهم سلطانا ان يصيروا أولاد الله ..أى المؤمنون باسمه."يو1: 9-12‘ ويقول أيضا " الحق  الحق أقول لكم ان كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله ." يو3: 3‘ وبالمعمودية الميلاد الثانى نولد من فوق ‘ ويستعلن نور الله فينا فنصير أبناء النور ‘ وكقول الرسول" جميعكم بنى النور وبنى النهار ..لسنا من ليل ولا من ظلمة " ويكمل القديس بولس الرسول " لكى تكونوا بلا لوم ..بسطاء أولاد الله بلا عيب فى وسط جيل معوج وملتو..تضيئون بينهم كأنوار فى العالم."

فلستيقظ جميعنا اليوم ..نعود للحب الإلهى الذى فينا ..نشعل نار روحه القدوس الساكن فينا بالصلاة المستديمة وبالتضرع والخشوع وطاعة وصايا الله.. نرجع الى أنفسنا ونتطهر من خطايانا ‘حتى يشع نور السيد المسيح داخلنا وينير بنا للآخرين فى العالم. وليكن فى فكرنا دائما قول الرب" أنا قد جئت نورا للعالم حتى كل من يؤمن بى لا يمكث فى الظلمة." وما دام لكم النور آمنوا بالنور لتصيروا ابناء النور ."والمجد لله دائما أبديا.أمين.

الفانوس/ عـادل عطيـة

كان لدى جدي لأمي، صندوقاً خشبياً مزخرفاً، يحتفظ فيه، باشياء تعكس مدى علاقته بالاشياء الصامتة في خدمته!
من هذه المقتنيات، قنديل شعبي جميل، طالما صاحبه، واصطحبه، ككل المجايلين له!
ما أن رأيت هذا الفانوس التاريخي؛ حتى تذكرت قصة مصباح علاء الدين، الذي كان يحكه؛ ليظهر الجني، الذي كان ينفذ أي رغبة تراوده!
لا أعرف كيف تملكتني أمنية أن أحصل على آلة الزمن الخيالية للسفر عبر الزمن، التي اخترعها الكاتب هربرت جورج، وصورها المخرج سيمون ويلز؛ لأضع العالم بين يديّ!
صوت ما أعرفه همس في اذني، بهذه الكلمات:
"ان لكل إنسان آلة زمن خاصة به: يعود إلى الماضي بالذكريات، ويعيش المستقبل البعيد من خلال أحلامه"!
وبينما كنت أنتبه إلى هذا الصوت الآتي من الماضي، أكمل حديثه، وقال:
"ان لديك جنياً أقوى وأعظم بكثير من هذا بداخلك الآن، وهو مستعد لتفيذ كل ما تأمر به. ولكن لو انك لم تكن تدرك هذا، فلعله كان نائماً منذ سنوات عديدة، وآن أوان إيقاظه"!
هذا الصوت كان صوت جدي.. وان مات يتكلم بعد!...

.. ومن سيحاسب المعارضات العربية؟!/ صبحي غندور

تعيش بعض الدول العربية أزماتٍ داخلية حادّة وصل العديد منها إلى مستوى العنف المسلّح، بل إلى حدّ الحروب الأهلية الدموية. والأمر لم يكن محصّلة "مؤامرات خارجية" أو "مخطّطات صهيونية وأجنبية" فقط، رغم وجود هذه المخططات وتأثيراتها السلبية، إذ أنّ اساس العطب هو في "الداخل" العربي الذي أباح ويبيح استباحة "الخارج" الدولي والإقليمي لكلِّ شؤون العرب وأرضهم وأوطانهم.
هذا الواقع العربي المرير الآن هو مسؤولية مشتركة بين الحاكمين والمعارضين معاً، فمِن المهمّ جدّاً إدراك مسؤولية المعارضات العربية عن مستوى الانحدار الذي عليه بعض الأوطان، حيث تحوَّل مطلب تغيير الحكومات إلى مقدّمة لتهديم مجتمعات وكيانات وطنية. 
فالمعارضات العربية معنيّةٌ بإقرار مبدأ نبذ العنف في العمل السياسي، وباتّباع الدعوة السلمية القائمة على الإقناع الحر، وبالتعامل مع المتاح من أساليب العمل السياسي، ثمّ بالتمييز الحازم بين معارضة الحكومات وبين تهديم الكيانات، حيث خلطت عدّة قوى عربية بين صراعها مع السلطات، وبين تحطيمها- بوعي منها أو بغير وعي- لعناصر وحدة المجتمع ولمقوّمات وحدته الوطنية.
وقد انشغل "المعارضون" العرب في مرحلة ما قبل تفجّر الانتفاضات الشعبية في العام 2011 بطروحات فكرية وسياسية متضاربة، حاولت تشخيص العلّة في المجتمعات العربية، فلم تجد لها من دواء إلا ما هو معروضٌ في السوق العالمي من أفكارٍ ونظريات!.
فهناك من حدّد المشكلة العربية حصراً في غياب المجتمع العلماني المدني، ورأى البعض الآخر سببها في الابتعاد عن الدين وأحكامه وشريعته! وقد تعامل البعض مع الأمراض المشتركة في الجسم العربي وكأنّ مصدرها علّة واحدة.. قد تكمن في اضطهاد المرأة العربية أو في غياب الديمقراطية، بحيث أنّ علاج هذه المشكلة أو تلك وحدها يشكّل - بنظر هذا البعض - الأساس لعلاج كلّ أمراض المجتمع العربي!
أيضاً، نظر البعض إلى البلاد العربية كأمَّة واحدة، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فأعاد أسباب تخلّفها الراهن ومصائب شعوبها المتعدّدة إلى غياب الوحدة السياسية بين العرب.. بينما نظر البعض الآخر إلى صيغة الكيانات العربية القائمة بمثابة السقف الأعلى الذي لا يجب تجاوزه حاضراً ومستقبلاً..! وبين هذا الطرح "الوحدوي العربي".. وذاك الطرح "الوطني الإقليمي"، دخلت جماعات "العولمة" التي تنظر لمشاكل العالم كلّه - ومنه عالم العرب - بمنظارٍ اقتصاديٍّ بحت، لا يعترف بهويّة ثقافية، ولا بخصائص حضارية مميّزة، ولا يميّز بين عدوٍّ محتل وبين شعبٍ شقيق، إلا بمعيار المصلحة الاقتصادية!
لكن رغم هذه التباينات الفكرية الواسعة، لم يختلف اثنان في البلاد العربية على أهمّية الإصلاح السياسي والاجتماعي.. الخلاف كان دائماً على الوسائل والكيفيّات. فالإصلاح الشامل المطلوب يحتاج إلى عملية تراكمية وتكاملية على المدى الطويل لا إلى عملية انقلابية ضدّ حكومات.. ووسيلته الناجعة هي الدعوة السلمية والإقناع الحر وليس بقوّة العنف المسلح التي تشرذم الأوطان، وقد تصل بها أحياناً إلى الحروب الأهلية.
أيضاً، صحيحٌ أنّ "الديمقراطية" و"العدالة الاجتماعية" هما أساسان لبناء المجتمعات من الداخل، لكن حينما يكون هذا "الداخل" متحرّراً من الاحتلال أو من سيطرة "الخارج".  أمّا عندما يخضع شعبٌ ما للاحتلال أو للسيطرة الخارجية، فإنّ مفاهيم ووسائل تطبيق الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية، ستكون فقط بما يتناسب مع مصالح المحتل أو المسيطر، لا بما يؤدّي إلى التحرّر منه أو من نفوذه المباشر.  
أمّا عن العامل الديني الهام في الحياة العربية فهو عنصرٌ هام لبناء الأساس الفكري والخلقي والقيمي لأيِّ حركة إصلاح عربية.. لكنّه يحتاج إلى تأصيل وإلى تمييز عن الجماعات التي تدّعي الوصل بالدين بينما تتناقض أفكارها وممارساتها مع جوهر كل الرسالات السماوية، بل هي أيضاً مسؤولة عن الانقسامات الطائفية والمذهبية التي جعلت "العدوّ" هو "الآخر" من الطائفة الأخرى، بدلاً من مواجهة المسؤول فعلاً عن سوء الواقع وفساده. 
إنّ الواقع الراهن للمنطقة العربية يقوم على مزيج من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في معظم البلاد العربية.
ومن الطبيعي أن تتحرّك جماعات معارضة للمطالبة بأوضاع أفضل ومن أجل حقّ المشاركة الفعّالة في الحياة العامّة، لكن المشكلة أنّ الحركات السياسية تحتاج إلى آفاق فكرية واضحة المعالم، وإلى أطر تنظيمية سليمة البناء، وإلى قيادات مخلصة للأهداف وليس لمصالحها الخاصّة .. فهل هذه العناصر كلّها متوفّرة في الحركات السياسية العربية المعارضة اليوم؟.
أيضاً، فإنّ الواقع العربي الراهن تختلط فيه مفاهيم كثيرة لم تُحسَم بعدُ فكرياً أو سياسياً. وهذه المفاهيم هي أساسٌ مهم في الحركة والتنظيم والأساليب، كما هي في الأفكار والغايات والأهداف. فما هو الموقف من التعدّدية بمختلف أنواعها داخل المجتمع، وما هو الفاصل بين المقاومة المشروعة وبين الإرهاب المرفوض، وما هي العلاقة بين حرّية الوطن وبين حرّية المواطنين؟ وكيف يمكن الجمع بين الديمقراطية وبين الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي في كلّ بلد؟ وهل طريق الديمقراطية يمرّ في تجزئة الكيانات وإخضاعها للسيطرة الأجنبية؟
ثمّ ما هي آفاق هذا التغيير المنشود من حيث العلاقة مع إسرائيل، وهل ستكون "الشرق أوسطية" هي الإطار الجامع لدول المنطقة، أم ستكون هناك خطوات جدّية نحو تكاملٍ عربي شامل يعزّز الهويّة العربية المشتركة، ويأخذ بالنموذج الاتحادي الأوروبي كصيغة مستقبلية للعلاقة بين الدول العربية؟.
هذه تساؤلاتٌ مهمّة وتستدعي وقفةً مع النفس العربية عموماً، والإسلامية منها خصوصاً، للتساؤل عمَّ حدث ويحدث في المنطقة العربية من أعمال عنف مسلّح تحت مظلّة دينية وشعاراتٍ إسلامية؟
فأيُّ منطقٍ عربي أو إسلامي يُفسّر الآن كيف أنّ هناك هدنة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة اقتضت وقف العمليات العسكرية ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي، بينما تتصاعد موجة العنف المسلّح في عدّة دول عربية وتحت شعاراتٍ إسلامية؟! وهل هي بصدفةٍ سياسية أن يتزامن ذلك كلّه مع ارتفاع التعبئة الطائفية والمذهبية والإثنية في كلّ البلاد العربية!! ففي غياب المشاريع الوطنية التوحيدية الجادّة داخل البلاد العربية، على مستوى الحكومات والمعارضات، وفي غياب المرجعية العربية الفاعلة، أصبحت المنطقة العربية مفتوحةً ومشرّعة ليس فقط أمام التدخل الأجنبي، بل أيضاً أمام مشاريع التقسيم والحروب الأهلية التي تجعل المنطقة كلّها تسبح في الفلك الإسرائيلي.
ولعلّ رؤية ما حدث في السنوات الأخيرة، وما زال يحدث، من إشعال لمناخاتٍ انقسامية داخلية في العديد من البلدان العربية، لَتأكيدٌ بأنّ ما تحقّق حتى الآن هو خدمة المشاريع الإسرائيلية في تفتيت المنطقة العربية وأوطانها إلى دويلاتٍ طائفية ومذهبية متصارعة، تكون فيها "الدولة اليهودية" هي الأقوى وهي المهيمنة على باقي الدويلات. فالهدف هو تكريس إسرائيل "وطناً لليهود" بشكلٍ موازٍ مع تدمير وانهيار "الأوطان" الأخرى في المنطقة. أمّا "الوطن الفلسطيني"، فممرّه من خلال القبول ب"الاستيطان" و"التوطين" معاً. أي وطنٌ فلسطينيٌّ ممزّق أرضاً وشعباً.
قبل ثلاث سنوات، تردّد في "ميدان التحرير" بالقاهرة شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". ثم أصبح هذا الشعار عنواناً لانتفاضاتٍ شعبية عربية في أكثر من مكان. لكن لم يكن واضحاً في كلّ هذه الانتفاضات "كيف سيكون إسقاط النظام" ثمّ ما هو "البديل الذي يريده الشعب"، وأيضاً، ما هو الخطّ الفاصل بين "إسقاط النظام" و"عدم سقوط الوطن".
فالفاتحة كانت انتفاضاتٍ بإرادة شعوبٍ مقهورة، لكن الخاتمة اتجّهت نحو تفتيت الأوطان وتدويلها. هو الآن "زمنٌ إسرائيلي"، العربي فيه يقتل أخاه العربي.. وإسرائيل تتفرّج. هو "زمنٌ إسرائيليٌّ" حينما يسقط عشرات الألوف من المواطنين العرب الأبرياء ضحيّة صراعاتٍ داخلية بين أنظمة ومعارضين متعاون بعضهم مع قوى أجنبية. وهو "زمنٌ إسرائيلي" حينما لا يجوز الحديث عن مشاريع إسرائيل من أجل تقسيم الأوطان العربية، بحجّة أنّ هذا الحديث يخدم أنظمةً حاكمة!، ثمّ أنّ بعض قوى المعارضة العربية تعتبر أيَّ نقدٍ للتدخّل الاجنبي بمثابّة "دفاع عن النظام الحاكم"، وهي بذلك تضع نفسها في موقع المدافع عن الأجنبي ومصالحه لا عن مصالح الشعب الذي تدّعي تمثيله. 
فإذا كانت الحكومات هي المسؤولة أولاً عن حال شعوبها وأوطانها، فإنّ المعارضات هي المسؤولة أخيراً عن مصير هذه الشعوب والأوطان. المعارضات تتحرّك لمحاسبة الحكومات، فمن الذي سيتحرّك لمحاسبة قوى المعارضة التي فشلت في امتحان التغيير نحو الأفضل؟!. 
*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

نَاطُورُ الدُّجَى لآمال عوّاد رضوان ترجمها للفارسية الشاعر الإيراني جمال نصاري

ظِلاَلُ ثُقُوبِكِ.. تَيَقَّظَتْ مِنْ مَكَامِنِهَا
تَتَجَنَّى عَلَيَّ
تَعَرَّجَتْ فِي أَزِيزِ سَقِيفَةٍ مَتَأَهِّبَةٍ لِلْمَشَاكَسَةِ
لكِنَّهَا.. تَرَهَّلَتْ ذَائِبَةً
عَلَى مَرْمَى صَهِيلِكِ الْمَوْشُومِ بِالنَّدَى
وَمَا فَتِئَتْ تَدُكُّ
أَمْوَاهَ نَارٍ انْتَصَبَتْ أَطْيَافًا
عَلَى رِمَالِ الآهِ.. وَمَا هَجَعَتْ
نَاطُورُ الدُّجَى
بَاغَتَنِي بِإِفْكِ طُقُوسِ تَسَكُّعِهِ الْمُتَطَفِّلِ
خَلْفًا دُرْررررر ... اسْتَدِرْ حَيْثُكْ
أَنْتَ وَغَدُكَ الْفَضْفَاضُ فِي غلاَلَتِهِ
بَدِيدَانِ.. رَمِيمَانِ!
اُنْظُرْكَ لَبْلاَبًا مَنْسِيًّا
لَمَّا يَزَلْ يَكْتَظُّ بِالْقَيْظِ
فِي صَحَارَى مَاضٍ تَحَلْزَنَ بِالْحُزْنِ
هَا ضَفَائِرُ نَخْلِكَ
الْتَهَبَ فَجْرُ تَمْرِهَا
فِي سَرَاوِيلِ دَهْرِ ضَارٍ
ونَشِيدُكَ الْخَاشِعُ
كَمْ شَعْشَعَ مُتَفَيْرِزًا
مُرَفْرِفًا
هَا قَدْ شَاطَ نَبْضُهُ
عَلَى جُسُورِ تَلَعْثُمٍ مُتْخَمٍ بِالتَّفَتُّتِ
يَا أَيُّهَا الْبَحْرُ الْعَارِي
مِنْ مَوْجِكَ الْوَثَّابِ
أَلْقِ مَا بِرَحْمِ تَبَارِيحِكَ
مِنْ أَصْدَافِ مُحَالٍ.. لَمْ تَكْتَمِلْ بِمَعْبُودَتِكِ
أَيَا سَاهِيَ الْقَلْبِ هَوًى..
هَوَسًا
كَمْ يَقْتَاتُكَ يَمُّ الإِسْهَابِ
وَتَتَدَلَّهُ وَاجِفَا!
مَرَايَا عَزَاءٍ تَوَعَّدَتْكَ مُقَهْقِهَةً
أَشْعَلَتْ أَدْغَالَ أَضْلُعِكَ بِالإِعْيَاءِ
وَاسْتَنْزَفَتْ أَغَارِيدَ قَلْبِكَ النَّحِيلٍ!
لِمَ حَبَّرَتْكَ زَمَنًا بَهْلَوَانِيًّا
شَفِيفَ وَحْدَةٍ
كَسِيفَ تَرَنُّحٍ
عَلَى حَافَّةِ مَعْقَلٍ مُعَلَّقٍ؟
من ديوان (رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقودٍ)
**

پاسبان تاريکي
ترجمة الشاعر والكاتب الإيراني- جمال نصاري 
از کمين گاه هايشان سربرآورده اند سايه هاي سوراخ هايت
بر من افترا مي کنند
در صداي سقيفه اي که آماده ي اختلاف است عروج کرد
ولي ذوب شده، سقوط کرد
بر مکان شيهه ات که به شبنم خالکوبي شده است
همين که مي کوبيد
آب هاي آتشي که همچون طيفي ايستاده است
بر شن هاي افسوس و آرام نگرفت
پاسبان تاريکي
مرا غافلگير کرد با آيين هاي ولگردي و کودکانه اش
به عقب برررررگرد... همان جا که هستي، دور بزن
تو و فرداي پر زرق و برق با غل و زنجيرش
با کرم هاي ... سست!
به تو مي نگرم همچون گياه گم شده
و همچنان به گرما مملو است
در صحراهاي گذشته اي که اندوهگين اند
گيسوان نخل هايت
سپيده دم خرماهايشان ملتهب شده است
در شلوارهاي روزگار وحشي
و سرود متواضعت
فَيروز گونه و پرتکاپو
درخشان شد
رگ آن جنبيد
بر پل هاي زبان گرفته و مملو از ويراني
اي درياي عريان
از موج جهنده ات
نورانيتي در رحم سختي ها
از صدف هاي غير ممکي که در معبودت کامل نشده است
اي قلب عاشق و سر در گريبان
تا کي درياي گستردگي
تو را هوسناک مي برد
و قلب تپنده و آويزان
آيينه هاي سوگواري اي که قهقهه کنان تو را تهديد مي کند
گياهان سينه ات را با بيماري شعله ور کرد
و نغمه هاي قلب  لاغرت را خسته کرد
چرا روزگار پهلوانانه اي تو را نگاشتم
تنهايي گوارا
پنهاني تلوتلو خوران
بر کناره ي زندان آويزان هستی؟

التجديدُ في الغناءِ والموسيقى الشرقيّةِ وبعث المقاماتِ العربية/ حاتم جوعيه

"في الذكرى السنوية على وفاة الموسيقار محمد عبد الوهاب"

    (إختلفت  المشكلات والمهام  التاريخيه  بين عبده الحامولي  (سي عبده ) ومحمد عبد الوهاب ، لكن الاساس الراسخ عندهما كان الحفاظ على الكيان العربي المستقل لهذا الفن )
        
  إنَّ شهرَ أيار - مايو- هو شهر الرَّحيل عن الدنيا  لِمُطربِ القرن العشرين محمد عبد الوهاب ، ومطرب القرن التاسع عشر عبده  الحامولي المعروف ب( سي عبده ) ، وإن  باعدت بينهما تسعون سنة  بالتمام .  هذان العملاقان  
َملآ الدنيا وشغلا الناس وتركا أعمقَ الأثار في  الغناء ِالعربي المُتقن  وبقيت
أصداءُ صوتهما لا تزاحمهما أصداء صوتٍ آخر .    فالكاتبُ العربي الكبير نجيب محفوظ كتبَ على لسان بطل ثلاثيتهِ  الرّوائية- (السيدأحمدعبدالجواد) –  قوله :  " إنَّ  دولة َ الفنِّ  قد  انتهت  بانتهاءِ  " سي عبده  " .    أمَّا  عبد                         
الوهاب فأنهكَ  حياته المديدة َ في تجديدِ الغناء العربي على مراحل  متعاقبةٍ ُتوازي مراحله الصوتيّة  فكانَ له ُ في العشرينات تجديد ،  وفي  الثلاثينيات تجديد آخر، وفي كلِّ عقدٍ  بين الأربعينبات والتسعينيات لون آخر متميز من التجديد  .  منذ ُ فجر تاريخ الغناء العربي محمد عبد الوهاب هو أوَّلُ  ملحن ومطربٍ عربيٍّ صدرت عنه في مصر لوحدِها عشرة ُ كتبٍ  قبل أن يمضي على رحيل  عامان  فقط .  وشهر أيار -  مايو -  سنة 1901  وسنة 1991   يجمعُ  بين عملين  فنيين   َيبْدُوَان مختلفين ، لكنهما في الحقيقةِ متفقان فعبده الحامولي  في الأدوار الغنائيه يختلفُ عما   َقدَّمَهُ  عبد الوهاب  وأبدعه ُ في  تجديداتهِ  التلحينية ولكن  يجمعُ  بينهما إخلاصهما والتزامها لأصول ِ الغناءِ  العربي المُتقن ِ والموسيقى الشرقي الكلاسيكية الرَّاقية والعمل على توسيعها  وتطويرها وحمايتها من الهدم والتخريبِ والضياع  .  فالغناءُ العربي المُتقنُ  يَتَّسِعُ  لجميع ِ المذاهب  والمُحاولات التجديديَّة  ما  دامت لا  تستهدفُ  إلغاءَ هذهِ  الأصول العربيةِ  وإحلال الموسيقى الأوروبية  بدلا منه  .    

  تتضَّنُ الموسيقى العربية ُ في  بعض ٍ من  مقاماتِها  وايقاعاتِهَا  جميعَ  ما تحتويه ِ الموسيقى الأوروبية لأنَّ الموسيقى العربية بحرٌ  كبير لا  نهاية  لهُ ،   أما الموسيقى  الأوروبية  فهي المقامان الكبير والصغير  ويقابلهما  في  الموسيقى الشرقية  مَقامَا  النهاوند والعجم ، وهما قطرة  صغيرة من  بحر الموسيقى العربية (هذه هي العلاقة والرابطة بين أصول الموسيقى العربية والشرقية ) .    
   
      إنَّ جميعَ ما  دخل على الموسيقى الأوروبيه  من الأعمال التركيبيّة من    هارموني  وكونتروبوينت  الخ ...  فكله   يدورُ  في إطار  المقامين   الذين ذكرتهما  وهما   ( النهاوند  والعجم  أو المينور والماجير ) ،  بالرُّغم ِ  من اتساع  هذين  المقامين  لا  يستطيعان   إستيعابَ الحشد  الكبير الهائل   من المقامات العربيه .   ولهذا يعجزُ المستمع ُالاوروبي والامريكي  عن  تذوِّق الموسيقى  العربية  وفهم تركيبها الذي يتهادى ويتسامى أمامَ عينيه  وأذنيه .  ولهذا أيضا يقول بعضهم : إنهُ  يُفتقُرُ الى النظر العلمي من  تطويع الأغنيةِ  العربية  للعالميةِ ،  ولكن  هذا  الرأي  أو  هذه  الدعوة  العقيمة  لم   تنجَحْ   من  حيث   الاستغناء  عن  باقي  المقاماتِ   العربية  والاكتفاء   بالمقامين  الكبير  والصغير  من  أجل   تطويع  الاغنية  العربية  للعالميةِ  كما  يزعمُ البعضُ  .   وقد   برهنت على  زيفها   وعدم  صِحَّتِهَا  هذ  الدعوة   عندما اصطدمت   في  السنواتِ  الأخيرة   بالموجةِ  الغنائية  الهابطةِ   فانهزمت    تلك  الدعوة ُ المهجنة ُ الرخيصة على   الرغم  من  تقدُّم ِ الدعوة ِ والموجةِ    الهابطة   قليلا    .     
      وقد  كان  دعاة ُ  تغريبِ  الغناء ِ العربي  والموسيقى  العربية  ومحو  آثارهما وإحلال  الموسيقى والغناء الاوروبي محلهما يعتقدون  أنهما  على   وشك  النصر النهائي      .                                إنَّ  الموجة َ الهابطة َ
( الأغاني المهجنة – فرانكو  آرب )   حجبت  حاليًّا  الغناء العربي  المُتقن بعض الشيء ولم تقتصر على طردِ الموسيقى الأوروبية الرفيعة    الراقية ، ولكن احتجابَ الغناء العربي الاصيل المتقن أمر مؤقت وستنتهي قريبا تلك الموجة ُالهابطة الساقطة ويعودُ الغناءُ العربي الاصيل في مرحلته  الجديدة
المقبلة أهمَّ ممَّا كان عليه سابقا  وسيتخذ  طريقا  مستقلا  رائدًا  في الحداثةِ والتطوير والابداع وسينتصرُ في نهايةِ المطاف على  الفنِّ الهابط   الساقط وعلى  محاولاتِ  التغريب  التي  ترفع    شعارات   ( الموسيقى  الرفيعة ) واهدافها الحقيقية إزالة  الموسيقى العربية من  الوجود لأنها  متطورة  أكثر وأرقى  وأوسع  وأعذب وأجمل  ومتميزه عن  الموسيقى  الأجنبية  اذ  انها تخاطبُ  الجانبَ  الوجداني  والروحاني  في  الإنسان  فتأسرُ  ُلبَّهُ   وتهذبُ        أحاسيسه وطباعه  وتحدُو به  إلى عالم ٍ رومانسيٍّ  حالم  رائع  .   إنَّ  هذه القضايا التي نحن في صددِها  قد تصدَّى لها محمد عبد الوهاب ومعاصروه 
، أمثال : محمد القصبجي  وزكريا أحمد ورياض السنباطي ، وهم الرباعي الأعظم  في التلحين  .  ثم تصدى  لتلك الظاهرة التي  ذكرتها  الجيل  الذي تتلمذ عليهم  ، أمثال : أحمد  صدقي  ومحمود الشريف   وعبد العظيم  عبد الحق  ... ثم الجيل الثالث  : كمال الطويل  ومحمد الموجي  وبليغ حمدي  ، وبعض المغنين الملحنين أمثال فريد الاطرش ومحمد فوزي  .  وقد اختفى فجاة  معظم  هذ ا الرعيل  الأخير  بعد رحيل ِ الرعيل الاول  من  العمالقةِ وجهابذة  الفن وغصَّت الساحة وامتلات  بعشرات بل مئات  الملحنين  من  جيل    ( الدرابوكة)   المصرية    البلدية    وايقاعات   الديسكو    والبوب  والجاز  والروك  الخ... .    هنالك  بعضُ الموهوبين  من الذين   استسلموا  للموجةِ  الغنائيةِ   الهابطة   ولكن   الأكثرية   من   غير  الموهوبين   وهم   يعتبرون   انتهازيين   متسلقين   دخلاء  على  التلحين  والفن   كأصحابهم المغنيين الجدد الدخلاء على  الغناء  . 
              إنَّ  تسعين عاما  بين  رحيل عبده  الحامولي  (سي عبده )  سنة 1901 ورحيل  محمد عبد الوهاب سنة 1991 قد  أعادت   رسم  مشكلات الغناء  العربي بحيث كادت  تصبح مقطوعة َ الصلة ِبمشكلاتهِ  في عهد عبد الحامولي وزميله محمد  عثمان  ومحمد المسلوب  في  أواخر القرن التاسع عشر  فمهمة (سي عبده )  ومعاصريه ..  أي  رسالتهم   الفنية كانت  نفض وإزالة  التراب عن المقامات  العربية  وإحيائها  من  جديد ... هذه المقامات التي  أخذت  أسماءً   فارسية   وتركيّة   في  عصور  الانحطاط   السياسي والإجتماعي للأمةِ العربية بعد سقوط بغداد في قبضة هولاكو سنة 1258 م 
 .  فمهمة ُهؤلاء الرواد  الفنانين العمالقة هي إنطاق هذه  المقامات  العربيّة العائدة من غربتها الطويلةِ ، بلغةٍ ولهجةٍ جديدة   في  الغناء ،  تختلفُ  عن اللهجةِ ( العثمانية ) التي سادت أكثر من أربعمئة سنة على  الأقطار العربية ...  بإختصار فالحامولي  ومعاصروه  من الفنانين عملوا على ردِّ  وإرجاع فنّ الغناء في عصرهم الى تلك الاصول العربية الصحيحة ... وقد فعلوا كلَّ هذا بدقة واخلاص .          قبل مجيء عبده الحامولي  لم  يكن متداولا  في  مصر حينذاك سوى مقامات السيكاه والبيات والراست وشذرات من مقامات أخرى بلهجات بدائية  .  ويبدو هذا الامر واضحا في البحوث  العلمية  التي أجراها  علماء  الحملة  الفرنسية   الإستعمارية  التي  قادها   نابليون  على مصر عام 1798م  .    وهذه   البحوث   مدونة ٌ ولا  خفاء  بها . إنَّ  كتابَ "سفينة الملك"  للشيخ  شهاب الدين هو الذي  لفتَ الانظار  ونبَّه َ  الحامولي   ومن  سبقوهُ  ومن عاصروه  في  القرن  التاسع  عشر  إلى  ثراء  المقامات  العربية وكثرتها .      وفي زيارةِ  الحامولي  لاسطانبول  افتتحت  له أبواب  أخرى  في  التعرف الى  مقامات عربية غير  متداولة  في  مصر ومعروفة في اسطانبول ناطقة بلهجة غنائية عثمانية  ، مثل  مقام  حجاز كار وأجناسه  ، ومجموعة   من  المقامات  التي   تبدأ  بكلمة "شوق " مثل : ( شوق افزا)  و (شوق انكيز)     و ( شوق طرب ) .     وغيرها  ...    هذا   فضلا  عن   الماهور   والشاهيناز   والستنيكار  والدلنشين  وراحة  الارواح  ،  وغيرها من المقامات العربية  التي  أطلق َ عليها  الأتراكُ   والفرس  أسماء ً  تركية وفارسية بعد سقوط البلدان العربية في ايديهم
       إنَّ مهمة َ(سي عبده ) كما ذكرتُ سابقا هي بعث وإحياء وإعادة الوجه العربي إلى المقامات التي استعجمت ، فأدَّى  ( سي عبده ) ومعاصروه  هذه المهمة بنجاح كبير ، وتركوا للذين جاؤوا بعدهم تراثا رائعا  من الموشحات  والقصائد والأدوار تجسدت  وارتسمت  فيه  ملامحُ  معركتِهم  العنيفة  ضدَّ عوامل  الإنقراض التي  تجمعت وتآمرَتْ  ضد َّ الغناءِ  العربي  خلال  تلك الحقبة التاريخية الطويلة المظلمة .  
              كان لعبده الحامولي  (سي عبده ) صوتٌ رائع عظيم  وقال عنه معاصروه إنهُ يحتوي على ثلاثة دواوين ، أي أربعة وعشرين مقاما . وهذه المساحة ُالواسعة لم ُتتحَْ لصوتٍ بعد صوت عبده الحامولي  إلى يومنا  هذا .                  
فأقصى ما بلغته مساحة ُصوت محمد عبد الوهاب الذهبي في العشرينيات لم تزد  على   خمسة عشر مقاما ،  وأقصى  ما  بلغه  صوت  أم  كلثوم  خلال العشرينيات سبعة عشر أو ثمانية عشرمقاما  .   لا يُقاسُ  الصوتُ بمساحتهِ فقط بل بجمالهِ أيضا ومقدرته وندرةِ معدنه ِ وقد جمع الحامولي كما قال عنه النقاد الفنيون سعة المساحة إلى جمالها ومقدرة  الأداء ونفاسة  المعدن .  لقد سيطر عبده  الحامولي على الساحةِ الفنية  بمذهب  الغنائي  المتطور  الذي انبعثت  فيه  مقاماتُ  الغناء  العربي انبعاثا  جديدا من خلال الحانه  وألحان معاصريه   من   عمالقة  الفن   مثل :  محمد   عثمان   ومحمد  المسلوب .
                وأخيرًا  :   مهما  اختلفت  المشكلاتُ  والمهام ُ التاريخية   بين محمد عبد  الوهاب وعبده   الحامولي  (سي عبده )   فإن  الأساسَ   الراسخ المتين الذي بنى عليه  كل منهما  هو حلّ مشكلة الغناء في عصره  والحفاظ  على الكيان ِ العربي  المستقل  لهذا  الفن الأصيل ،  وانطاقه  بلهجةِ عصرهِ  ،  وتوسيع  آفاقِهِ   وطرد  المغرضين  والمتسلقين  على  الدوحة  الفنية  من المغنيين الساقطين المهجنين  التعبين  أعداء الأغنية  والفن  العربي  الراقي العريق ، ومن شتى أنواع الدخلاء والأدعياء  .
            

رحلة البابا المستحيلة من بيت لحم إلى القدس/ نقولا ناصر

(دخول البابا إلى القدس من بوابة الاحتلال تنازل سياسي هام وتراجع عن سياسة الفاتيكان السابقة يسلط الضوء على موقفه المتغير من المدينة المقدسة)

أيها "البابا فرنسيس، فلسطين تريد العدالة". كان هذا هو الشعار الذي رفعه المسيحيون من عرب فلسطين وغيرهم الذين شاركوا في مسيرة "أحد الشعانين" الماضي احتفالا بذكرى دخول السيد المسيح إلى القدس وهم يستغلون المناسبة للترحيب بزيارة البابا أواخر الشهر الجاري.

لكن مراجعة سريعة لتفاصيل برنامج زيارة البابا فرنسيس المعلن منذ السابع والعشرين من آذار / مارس الماضي لا يترك مجالا للشك في استسلام الفاتيكان لوضع الاحتلال الراهن القائم في فلسطين، ومن الواضح أن الاضطرار للتعامل مع هذا الوضع كأمر واقع مفروض بقوة السلاح الغاشمة لا ينطوي على أي عدالة بالتأكيد.

وإذا كان استسلام الحكومات والقادة السياسيين لهذا الوضع يمكن فهمه فإن من الصعب من الناحية الأخلاقية ومن الناحية السياسية فهم وتفهم استسلام قوة روحية ومعنوية بمكانة من يشغل الكرسي الرسولي في الفاتيكان لوضع كهذا يفتقد الحد الأدنى من العدالة.

حسب البرنامج المعلن لزيارة البابا فرنسيس أواخر أيار / مايو الجاري، فإن قداسته سوف "يودع دولة فلسطين" في نهاية نهار الخامس والعشرين  من الشهر مغادرا بطائرة هليوكبتر من بيت لحم "إلى مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب" لينتقل من هناك بطائرة هليوكبتر إلى القدس ليبدأ منها زيارته ل"دولة إسرائيل" في اليوم التالي!!

ولا يسع المراقب إلا التساؤل عن السبب في مسار حرف “يو-U" باللغة الانكليزية الذي سوف يسلكه البابا كي يطير مسافة مائة وستين كيلومترا تقريبا للوصول من بيت لحم إلى القدس بينما المسافة بين المدينتين المقدستين يمكن قطعها بالسيارة أو بالحوامة خلال دقائق.

قبل وبعد أن أعلن البابا فرنسيس عن زيارته ل"الأراضي المقدسة" في الخامس من كانون الثاني / ديسمبر الماضي حرصت دولة الاحتلال الإسرائيلي على الترويج بأن الزيارة سوف تتم بدعوة منها، بالرغم من عدة تقارير إعلامية تحدثت عن اقتراح بزيارة الأراضي المقدسة تقدم به بطريرك القسطنطينية الأورثوذكسي بارثولوميو بعد لقائه البابا فرنسيس في آذار / مارس عام 2013 ليلتقيا في القدس العام التالي احتفاء بالذكرى السنوية الخمسين لأول لقاء كاثوليكي- أورثوذكسي عام 1964.  

ففي الثاني من كانون الأول / ديسمبر الماضي بعد استقبال البابا له في الفاتيكان برفقة زوجته سارة قال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إنه وجه دعوة للبابا للزيارة بينما خاطبت سارة قداسته قائلة: "ننتظرك، لا نطيق صبرا". لكن المتحدث باسم الفاتيكان الأب فدريكو لومباردي قال إن البابا فرنسيس "مشغول للغاية" وإنه "لم يحدد موعدا للرحلة".

وفي آخر نيسان / أبريل الماضي استقبل البابا رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريز الذي وجه له دعوة مماثلة قائلا: "أنا أنتظرك في القدس، ليس أنا فقط، بل كل شعب إسرائيل". حينها قال لومباردي للصحفيين أيضا إن "البابا سوف يسره الذهاب إلى الأرض المقدسة" بالرغم من عدم وجود أي خطط ملموسة لديه للقيام بهذه الرحلة.

وبعد الإعلان عن زيارة البابا، نقل عن بطريرك كنيسة القدس للاتين الكاثوليك فؤاد الطوال قوله في مجالس خاصة إن البابا فرنسيس كان يرفض زيارة "إسرائيل" وإنه طلب أن يلتقيه مسؤولوها في القدس إن كانوا يرغبون في لقائه. ومن برنامج الزيارة الذي أعلنه الفاتيكان فإن البابا سوف يزور بيريز في مقر إقامته بالقدس ويستقبل نتنياهو في فندق النوتردام المطل على باب العامود شرقي المدينة المحتلة.

ومن الواضح أن الطرفين توصلا إلى تسوية أعطت للبابا ما أراد مقابل موافقته على أن يدخل القدس من مطار اللد (بن غوريون)، وهو ما يفسر مسار طيرانه من بيت لحم إلى القدس عبر مطار اللد، ولذلك دلالات سياسية لا يمكن أن يمر الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي عليها مرور الكرام.

فالأهمية السياسية لموافقة البابا على هذا المسار لا يمكن مقارنتها بموافقة قادة دولة الاحتلال على لقائه في القدس، فدخوله القدس من بوابة الاحتلال تنازل سياسي هام وتراجع عن سياسة الفاتيكان السابقة تجاه المدينة المقدسة واستسلام لاحتلالها وقبول أمر واقع بالوضع الذي فرضته دولة الاحتلال عليها من جانب واحد وهو تنازل يسلط الضوء على موقف الفاتيكان المتغير من المدينة المقدسة.

في الثلاثين من الشهر الماضي كتب الحاخام اليهودي الان سيلفرشتاين مقالا بعنوان "في مديح بابوات استحقوا شكرنا" جاء فيه: "لقد صنع (البابا) بولس الثاني التاريخ بإقامة علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان وبين إسرائيل. فالفاتيكان لن يدعو بعد الآن إلى تدويل القدس ... ولن يصر الفاتيكان بعد الآن على أن يكون حاضرا على طاولة المفاوضات، واعترف بأن عملية السلام يجب أن ينخرط فيها طرفا النزاع فقط، أي إسرائيل والفلسطينيون، ومن أجل تعزيز روابط الصداقة دشن البابا بولس الثاني الزيارات البابوية إلى الدولة اليهودية، ليشمل حجّه حائط المبكى (أي حائط البراق) وياد فاشيم (النصب التذكاري لضحايا المحرقة النازية) وغيرهما من المواقع الجوهرية للهوية اليهودية".

لقد كان موقف الفاتيكان في السابق ينطلق من تأييده لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 بتقسيم فلسطين، لكن الفاتيكان لم يعترف بدولة الاحتلال الإسرائيلي إلا في الشهر الأخير من عام 1993 بعد ثلاثة أشهر من اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها بتوقيع "إعلان المبادئ" (اتفاق أوسلو).

غير أن الفاتيكان بعد أن اعترفت الجمعية العامة الأممية بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها عام 2012 رحب بهذا الاعتراف ك"اساس قانوني" لاقامة دولة فلسطينية لكنه ذكّر ب"الاتفاق الأساسي" الموقع بينه وبين منظمة التحرير في 15 شباط / فبراير عام ألفين الذي استهدف "دعم الاعتراف بقانون خاص مكفول دوليا لمدينة القدس".   

وكان البابا فرنسيس قد طوّب في السابع والعشرين من الشهر الماضي بولس الثاني والبابا الأسبق يوحنا السابع والعشرين قديسين، وكان الأخير منهما قد "استحق مديح" اليهود عندما برأهم من دم المسيح عام 1965.

والبابا فرنسيس هو ثالث بابا يسير على خطا بولس الثاني الذي "دشن" الزيارات البابوية لدولة الاحتلال، وكما جاء في البرنامج المعلن لزيارته فإنه سوف يزور "المواقع الجوهرية للهوية اليهودية" في حائط البراق وياد فاشيم ومتحف الهولوكست إضافة إلى وضعه إكليل زهور على قبر مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل.

عندما بدأ البابا السابق بنديكتوس السادس عشر زيارته للقدس عام 2009 بزيارة ياد فاشيم، قال المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأورثوذكس إن "البابا بنديكت ليس مرحبا به في الأرض المقدسة في الظروف الحالية. إننا لسنا ضد زيارة البابا لياد فاشيم، لكن قبل أن يعبر عن تضامنه مع اليهود، ينبغي عليه أن يظهر التضامن مع مسيحيي فلسطين، ... إن ياد فاشيم الفلسطيني موجود في غزة. فليبدأ البابا زيارته بغزة أولا ... وإلا فإن هذه الزيارة ليست زيارة لنا، بل زيارة لإسرائيل."

وتعليقا على ذات الزيارة البابوية قبل خمس سنوات قال الأب الكاثوليكي منويل مسلم، راعي الكنيسة الكاثوليكية في غزة آنذاك، لوكالة الصحافة الفرنسية إن الوقت لم يكن مناسبا لزيارة "الأماكن المقدسة بينما القدس محتلة".

وما أشبه يوم البابا فرنسيس ببارحة سلفه بنديكتوس!

لقد أعلن الفاتيكان أن لزيارة البابا فرنسيس هدفان، الأول "الحج من أجل الصلاة" والثاني تعزيز وحدة المسيحيين بمناسبة مرور خمسين عاما على أول تقارب بين الكنيستين الكاثوليكية والأورثوذكسية.

لكن رون كرونيش الذي كان ضمن المستقبلين في دولة الاحتلال البابا يوحنا الثاني عام 2000 والبابا بنديكتوس عام 2009 وشهد كذلك توقيع اتفاق تبادل العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الفاتيكان قال إن هناك "أهدافا هامة أخرى" سياسية للزيارة تشمل تقوية العلاقات بين الكاثوليك وبين "اليهود في إسرائيل" وتأكيد "علاقاته القوية مع الشعب اليهودي والدولة اليهودية"، كما كتب كرونيش في هفينغتون بوست الاثنين الماضي.

وسوف يتحدث البابا فرنسيس عن "السلام في الأراضي المقدسة" بالتأكيد، لكن ملايين العرب مسيحيين ومسلمين سوف يعدّون كم مرة سوف ترد على لسانه خلال "حجّه للصلاة" تحت الاحتلال كلمات مثل "الاحتلال" وإنهائه و"العدالة" للشعب الفلسطيني الذي لم يعرف السلام منذ احتل الغزاة الصهاينة وطنه.

ولا يمكن الحديث عن زيارة البابا فرنسيس دون التطرق إلى القرار الذي اتخذه بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق الماروني بشارة بطرس الراعي بمرافقته، وهو قرار وصفته صحيفة السفير اللبنانية ب"الخطيئة التاريخية" وبأنه "سابقة خطيرة". وما زال قراره يثير عاصفة من الجدل الساخن بين الموارنة واللبنانيين لم تجد لها صدى حتى الآن في الأوساط الفلسطينية.

لكن تساؤل "السفير" عما إذا كان الراعي سيزور "المواقع الجوهرية للهوية اليهودية" وقبر هيرتزل ويلتقي بيريز ونتنياهو ويصافحهم برفقة البابا يظل تساؤلا قائما لا يكفي لعدم استنكاره دفاع الراعي عن قراره بالقول إنه ليس لديه "عمل ولا علاقة مع إسرائيل" وإنه ذاهب الى القدس للقول إنها "مدينتنا وهي القدس العربية".

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com