منذ تسلم محمود عباس رئاسة السلطة الفلسطينية، وهو يرفع شعارات لا انتفاضة، لا مقاومة، لا انضمام مكتملاً إلى المنظمات الدولية، إلى الحد الذي أدت فيه هذه السياسة إلى حالة من الارتخاء في قطاع من الشارع الفلسطيني، خصوصاً في أوساط المؤيدين للسلطة، أو بالأحرى، المستفيدين من وجودها. وعليه، أدركت دولة الاحتلال أن في وسعها عمل ما تشاء من دون رادع، وأن توغل في القتل، وتتعنت في المفاوضات، وتسرق مزيداً من الأراضي الفلسطينية من دون أي حسابات قلق .
معروف أن إسرائيل تريد للشعب الفلسطيني أن يختفي من الوجود، لكي تعيش بسكينة واطمئنان، وتحقق أحلام الصهيونية، هذا نعرفه. لكن، ما يتأكد يوماً بعد يوم، أن هناك قوى ودولاً غير دولة الاحتلال تريد للشعب الفلسطيني أن يستكين، وأن لا يقاوم الاحتلال، وكأن الشعب الفلسطيني يشكل استثناء على الكرة الأرضية، ولا يجب السماح له بمقاومة احتلال وطنه، ولا أن يطالب بحقوقه. .
من بالغ الأسى، أن أول من يحاول ترويض هذا الشعب هو سلطته التي نشأت نتيجة اتفاقيات أوسلو المشؤومة، والتي لم تحقق للشعب الفلسطيني شيئاً، سوى بناء سلطة تعمل وتسهر على راحة المستوطنين وأمنهم في الضفة الغربية، في تنسيق أمني مذل مع دولة الاحتلال. وتعمل هذه السلطة كل ما في استطاعتها، للحفاظ على بقائها وبقاء الطبقة المستفيدة من وجودها، بالقيام بالمهمات الموكلة لها من الاحتلال .
من الثابت أن في وجود السلطة الفلسطينية مصلحة للإسرائيليين، وحماية لهم أكثر من أي فلسطيني. فإذا كانت هذه السلطة لا تريد، وهي حقاً لا تريد، المقاومة ومحاربة إسرائيل، وإذا كان هذا هو شعار محمود عباس، فلماذا لا تترك الفلسطينيين لحالهم، وأن تتوقف عن التضييق على المقاومة. ماذا تريد السلطة أكثر من الجرائم التي تحصل على الأرض الفلسطينية، للتوجه إلى الأمم المتحدة، وتستكمل الانضمام إلى المعاهدات الدولية، وتبدأ في إجراءات معاقبة الاحتلال في المحاكم الدولية المختصة .
مقابل سياسة السلطة الفلسطينية، تحاول حركة حماس العمل على الاستمرار في نهج الكفاح المسلح، وهنا، ليست حماس وحدها من تنتهج هذا الدرب، إنما أكثرية الشعب الفلسطيني وفصائله معها، لكن السلطة الفلسطينية التي لا تجيد سوى لغة التلعثم في المفاوضات مع عدو متغطرس، تعمل، ليل نهار، على عكس ما تريده أغلبية الشعب الفلسطيني.
عربياً، منذ زمن، أصبحت القضية الفلسطينية لا تشكل الهم الأكبر للدول العربية، وبعد انطلاق الربيع العربي، وبدء مشروع شرذمة العرب طائفياً، زاد الانشغال عن فلسطين، وليس هذا فقط ما يضير، إنما يجري محاصرة قطاع غزة من مصر، وهي أكبر دولة عربية، بسبب ارتهانها لمعاهدة سلام مع إسرائيل، ومن أجل إرضاء إسرائيل، تختفي الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية، عند حكام مصر من العسكر، ويغلق معبر رفح أمام الفلسطينيين الذين يحتاجون الدواء والغذاء، كما السلاح والبارود، وكأن إسرائيل أصبحت أقرب وأعز على مصر من الفلسطينيين.
الدول العربية أعلنت، منذ زمن، أنها لا تريد محاربة إسرائيل، وهي لا تساعد الشعب الفلسطيني على ذلك، بل تعمل على ترويضه وقمعه، لكي لا يحمل بندقية، ويدافع عن حقوقه، فالحدود المتاخمة لإسرائيل محمية جيداً، وأصبح الفلسطيني الذي يريد محاربة إسرائيل يلاحق بتهمة الإرهاب في هذه الدول.
أما الدول الغربية، فتعامل إسرائيل كدولة استثنائية، يحق لها من جرائم ما لا يحق لغيرها، عبر دعمها بكل الوسائل السياسية والعسكرية والمادية، ودعمها في أروقة الأمم المتحدة، واستعمال حق النقض "الفيتو"، ضد أي قرار يدين جرائمها، ما يزيد من شراسة إسرائيل، ويشجعها على مزيد من القتل والتهجير، وإقامة مزيد من المستوطنات وسرقة الأراضي، بتسهيلات غربية وتواطآت عربية .
كل هذا التآمر لم يوقف الفلسطينيين عن النضال والمقاومة، لأجل حقوقهم وأرضهم، ومحاولات ترويض هذا الشعب جميعها باءت بالفشل، أمام إصرار الشعب الفلسطيني على مقاومة محتليه.
0 comments:
إرسال تعليق