إسرائيل وتفكيك السلطة الفلسطينية/ راسم عبيدات

ثمة تساؤلات تطرح بعد خطوة السلطة الفلسطينية بالإنضمام الى حوالي عشرين مؤسسة ومنظمة دولية،من ضمنها محكمة الجنايات الدولية،هل ستقدم اسرائيل على تفكيك السلطة الفلسطينية وتتحمل التبعيات المترتبة على هذا التفكيك؟؟أم انه ستعمل على ردع السلطة،تغيير قيادتها والتاكيد على دورها الوظيفي والخدماتي؟؟؟،وهل الطرف الفلسطيني جاهز لحل السلطة أو قانع بضرورة حل السلطة ووقف التنسيق الأمني،تمهيداً لتغيير دور ووظيفة السلطة،ام أن الطرف الفلسطيني الذي هدد فيه اكثر من مسؤول في السلطة بوقف التنسيق الأمني رداً على الإجراءات والممارسات والإعتداءات الإسرائيلية،سيبقي هذه الخطوة في إطار التهديد والضغط فقط؟؟تمهيداً لمتغيرات وضغوط دولية وإقليمية تساعده بالعودة الى طاولة المفاوضات مجدداً بشروط محسنة. 

هذه الإسئلة بحاجة الى إجابات شافية ومعللة إستناداً لعملية تحليل ملموس للواقع الملموس،فلعلنا ندرك حاجة الأحزاب الإسرائيلية بمختلف تلاوينها الحزبية،وبالذات الليكود الذي يتزعمه نتنياهو،الى ان تكون الورقة الفلسطينية والدم الفلسطيني والخطوة الفلسطينية بالإنضمام والعضوية إلى وفي محكمة الجنايات الدولية،التي ستصبح نافذة اعتباراً من نيسان القادم،وكذلك الأوضاع الأمنية وبالذات في مدينة القدس،حاضرة في البرامج والمزايدات الإنتخابية بين تلك الأحزاب التي ستخوض الإنتخابات في السابع عشر من أذار القادم،وخصوصاً أننا نشهد مشهد إسرائيلي مضطرب يعاني من السيولة الإنتخابية،وكذلك غياب الحزب القائد والنموذج القيادي،حيث تهم الفساد والرشوات واللصوصية والسرقات،تلاحق معظم قادة الأحزاب الإسرائيلية،والتي تتكشف كاحزاب يقودها لصوص ومجرمين وتجار.
اسرائيل ردت على الخطوة الفلسطينية بتجميد تحويل نصف مليار دولار من عائدات الضرائب الى السلطة الفلسطينية،وكذلك حركت مجموعة من المنظمات غير الحكومية الأوروبية والأمريكية المرتبطة بها،من أجل رفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية،كالتي تنوي رفعها منظمة "سلطة القضاء" على ثلاثة من قادة السلطة الفلسطينية بتهم إرتكاب جرائم حرب ضد مواطنين ومصالح اسرائيلية في إطار الضغط على السلطة،لكي تتراجع عن خطوتها بالطلب من المحكمة الدولية التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية بعد 13 حزيران/2014،وكذلك حركت اللوبي الصهيوني"الإيباك" في واشنطن وأنصارها في "الكونغرس" الأمريكي،من أجل العمل على قطع المساعدات الأمريكية المقدرة بحوالي (400) دولار سنوياً للسلطة الفلسطينية،وهي ستلجأ الى سلسلة اخرى من العقوبات،مثل منع التسهيلات وتقيد حرية الحركة والتنقل لقادة السلطة.
اسرائيل تدرك تماماً انها تعيش في منطقة مضطربة،حيث الفوضى تعم محيطها العربي،وبالتالي حل السلطة من شأنه ان ينقل تلك الفوضى والقوى المتطرفة الى داخل البيت الإسرائيلي،ويلقي عليها أعباء امنية كبيرة،وكذلك حل السلطة يعني عدم قدرة السلطة على دفع رواتب اكثر من (160) ألف موظف تشغلهم،ناهيك عن ان الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة ترتب عليها في ظل إستمرار الحصار وعدم تنفيذ برامج الإعمار،مشاكل إقتصادية وإجتماعية،واذا ما أضفنا الى ذلك عدم قدرة السلطة على دفع الموازنات والمصروفات التشغيلية لوزاراتها ومؤسساتها وأجهزتها،فهذا يعني بأن أزمات كبيرة جداً ستحدث،تفكك السلطة وتضعف من قدرتها على السيطرة على الوضع،لتحل محلها سلطة المافيات والمليشيات بمختلف مسمياتها،وخصوصاً أن قدرة القوى الفلسطينية بمختلف تلاوينها على ملء البديل والفراغ غير متوفرة،فهي غير جاهزة وتعاني من ازمات عميقة،وهذا ما نلمسه من خلال الهبات الجماهيرية في مدينة القدس،حيث فعلها ودورها محدود جداً.

لا يوجد توافق في اسرائيل أيضاً أن السطو على عائدات الضرائب ووقف تحويلها للسلطة الفلسطينية خطوة ناجحة في ردع السلطة الفلسطينية،فحتى رئيس الدولة ريفلين قال:- "بأن تلك الخطوة غير مجدية"،وكذلك الأمريكان والإتحاد الأوروبي انتقدوا تلك الخطوة،معتبرين ان من شأنها ان تؤدي الى رفع مستوى العنف وتدهور الوضع وإنزلاقه الى مرحلة خطيرة.

في ظني ان اسرائيل ستواصل تعطيل تحويل اموال الضرائب للسلطة الفلسطينية لفترة محدودة،ومن ثم ستفرج عنها،ولكن أغلب الظن بان الحكومة الإسرائيلية ستتعامل مع السلطة الحالية وفق ما تعاملت مع الرئيس الراحل أبا عمار،من حيث شن حملة إعلامية وسياسية عليه بأنه داعم ل"الإرهاب" وغير جدي في صنع "السلام" وقيادته ضعيفه وغير مسيطرة على الوضع،والتهديد بجعل حماس تسيطر على الضفة الغربية وإستمرار البحث عن البديل،وقد شرعت القيادة الإسرائيلية في إطار تهربها من دفع أية إستحقاقات جدية من أجل السلام في ذلك،حيث يجري الحديث عن لقاءات بين قادة اسرائيليين وآخرين فلسطينيين من خارج السلطة الفلسطينية،وكذلك اللوبي الصهيوني الأمريكي من امثال دنيس روس ومارتن انديك الخبيران في المنطقة،يساهمان في شن الحملة على السلطة الفلسطينية،حيث قال روس المتصهين في مقالة له:- بأن السلطة أفشلت الوصول الى إتفاق للسلام من خلال المفاوضات ثلاث مرات.
اسرائيل ستعمل في المرحلة الحالية على ردع السلطة الفلسطينية،تغيير قيادتها والتاكيد على دورها الوظيفي الخدماتي،وهي لن تقدم على تفكيك السلطة إلا إذا تبين لإسرائيل أن "التنسيق الأمني" الذي هو أحد أهم الوظائف والالتزامات التي يتعين على السلطة الوفاء بها بموجب اتفاقات أوسلو وما بعدها،إحجامها عن أداء هذا الدور، فإن احتمال "تفكيكها" سيقفز إلى صدارة الأولويات الإسرائيل، وعندها لن تقبل تل أبيب بمجرد وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية، بل ستخطو خطوات إضافية على طريق الانقضاض على السلطة ومؤسساتها.

السلطة الفلسطينية لن تحل نفسها من جانب واحد إستناداً الى جملة من الإعتبارات،يقف في المقدمة منها صراع النفوذ والمصالح والإمتيازات والتقاتل على السلطة،ولذلك حل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية،لا يستتبعه حل لها في القطاع،حيث حماس من يسيطر هناك،وبالتالي مثل هذه الخطوة تعزز من نفوذ وحضور وسطوة وسيطرة حماس،وتقلل من حضور ونفوذ فتح وسيطرة فتح على الوضع،والحل قد يؤدي الى إستقلال حماس في "إمارة" غزة،وهذا من شأنه ان يقضي على الحلم الفلسطيني في الدولة المستقلة والعودة وتقرير المصير،وهذا تحقيق للمشروع الإسرائيلي في الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. 

وقضية أخرى على غاية من الأهمية،فالحل للسلطة يعني بأنه على قيادة السلطة المواجهة ودفع الثمن اعتقالات وسجون ومطاردة وغيرها،فالعواصم العربية في هذا الزمن لن تكون مفتوحة امام القيادة الفلسطينية،فالظروف والأوضاع العربية تغيرت كثيراً،لا اردن ولا لبنان ولا تونس ولا حتى الدوحة ستكون جاهزة لإستقبال القيادة الفلسطينية ولربما تكون دمشق التي تكون جاهزة ولكن لا ترغبها السلطة الفلسطينية.
خيار السلطة وبقائها على كل علاتها،وبعد ربطها لأكثر من (160) موظف بمؤسسات النهب الدولية"البنك والصندوق الدوليين" قروض من اجل السكن والبناء والزواج والرفاهية وغيرها،يجعل مثل هؤلاء الموظفين يتمسكون بإستمرار وجود السلطة،ويجعلها تحظى بقاعدة شعبية نسبية تؤيد بقاءها وإستمرارها.

لا إسرائيل ولا المجتمع الدولي يقبل بتفكيك السلطة، كل لأسبابه، إلا في حال التوافق على بديل يملئ الفراغ؛ بديل اقليمي يقبل أولاً ثم يكون جاهزاً ثانياً، ولا يبدو ان ثمة بديل جاهز على الأقل، ما يبقي إسرائيل مع خيار التأكيد على بقاء السلطة اقتراناً بدورها الوظيفي الخدماتي، فحرب اسرائيل تنحصر على الإبقاء على الدور الوظيفي للسلطة، كسلطة حكم إداري ذاتي على السكان وليس على الأرض والموارد.

CONVERSATION

0 comments: