مع مرور الزمن تتطور الأمم وفى الغالب إلى الأحسن فلو رأينا الدول الغربية و شرق أسيا وأستراليا منذ قرنا من الزمان وحتى الأن سيجد أن هناك تطورا رهيبا تم صنعه بالكفاح والتعب المستمر ولكن للأسف الشديد تحولت مصر وباقى دول منطقة الشرق الأوسط إلى الإستثناء الوحيد فى العالم فمازلنا نصر على العودة إلى الوراء وأن نرجع للعيش فى الخيام كى ما يستريح ضمير الكثيرون لضمان العيش فى الجنة فى العالم الأخر.
ونحن فى مصر نمر بمرحلة عكسية لما كنا عليه عند قيام ثورة 1919 فالذى يصنع الفارق بين مصر الأن وسنة 1919 هو أن مصر كانت تبحث عن نفسها كدولة ناهضة باحثة عن الإستقلال وباحثة عن نفسها بين الأمم دولة ترفض الغرب كمحتل لكنها تبحث عن حضارته والأن كدولة باحثة عن الدولة الدينية تنطوى تحت لواء باقى الدول الدينية التى يحكمها التطرف والإنغماس فى الصراع مع الغرب وكأن مقدار نجاح الأمم مرتبط بوجود حالة حرب وصراع مع الأخر فنحن نبحث الأن أن نكون جزءا من خلافة دينية ننطوى تحت لواءها ونضحى بهويتنا المصرية وأن ننصهر فى بوتقة لا تعترف بحضارتنا على مدى ألاف السنين.
كان هناك رجلا وطنيا إسمه سعد زغلول يرى أن الدين لله والوطن للجميع بينما يقود المشهد السياسي جماعة قال مرشدها بوضوح وبدون مواربة طظ فى مصر وما قيل ليس زلة لسان ولكنه عقيدة تضع الدين فوق الدولة وتفضل المؤمن بالدين عن المواطن الصالح. وهذا هو الفرق الواضح بين مصر القرن العشرين والواحد والعشرين فقد هزمنا سعد زغلول فى ميدان التحرير و تم إختطاف الدولة المصرية لصالح التيار المتطرف الذى سيعيدنا ليس فقط لأوائل القرن العشرين بل سيرجع بنا لأكثر من عشرة قرون كاملة.
كان الصراع أيام سعد زغلول هو كيفية أن تتحرر مصر وتلحق بركب الدول المتحضرة وهو ما رأيناه من نهضة ثقافية وفنية وسياسية ديموقراطية أثرت الوطن والمنطقة كلها لعقود فكان أن أنجبت لنا مصر كوكبة من عمالقة الفن والثقافة جعلت من مصر هوليود الشرق وعاصمة الحضارة الشرقية ومحجا لراغبى البحث عن الشهرة والقيمة الفنية ومهجرا للفنانين والمثقفين والمبدعين حتى حدثت الردة الثقافية والفنية والسياسية فصرنا من الدول المتخلفة عن الركب الحضارى حين صار الفن حراما يبحث عن فنا شرعيا تحكمة قواعد جامدة وصارت الثقافة جريمة لأنها تتعارض مع تيارات متطرفة فكم رأينا أدباء وناشرين يحاربون ويحاكمون من أجل قصة أو كتابا ثقافيا لا يرضى عن الشيخ فلان أو المحامى علان فوجدنا أنفسنا طاردين للفن والفنانين والثقافة والأدباء
فى سنة 19 ولدت الديموقراطية والأحزاب الحقيقية وعشنا حياة حزبية نابضة تحكمها الأغلبية البرلمانية ولم يكن هناك فرقا بين مصرى وأخر ولم يكن الدين بل الكفاءة هو معيار الإختيار فكانت معايير الإختيار سليمة ونقية وليست ملوثة بفكر التطرف والجهل أما بعد قرابة قرنا من الزمان نجد أنفسنا باحثين عن ديموقراطية شكلية ستؤدى إلى حكما دينيا لا يقبل أن يشاركه شريك لأنه خروجا عن طاعة الحاكم والدين فى آن واحد مما يعد كفرا بواحا.
ومن المفارقة هو أن محطة سعد زغلول فى مترو الأنفاق تسبق الدخول إلى النفق المظلم الذى بدأه السادات بمغازلة التيار الدينى الذى قتله ثم تأتى محطة عبد الناصر الذى كان سببا فى تورطنا فى حروب لا طائل منها ثم عرابى التى تسببت هوجته فى إحتلال مصر ثم مبارك الذى فكك الدولة المصرية بالبحث عن التوريث ومن المصادفات أن المحطة الوحيدة التى تنعم بالنور الطبيعى هى محطة سعد زغلول بينما يستلزم الهبوط للنفق للمرور بمحطات الأخرين داخل النفق المظلم فنحن نريد سعد زغلول أخر يعيد لمصر مدنيتها وحريتها الحقيقية ولا نريد قائد حزب أو جماعة يعيد إحتلالنا بالفكر العربى الدخيل عن حضارة مصر الفرعونية والمصرية يعيد لحضارة الفراعنة قيمتها لا أن يغطى تماثيلها بالشمع أو أن يكسر رقاب تلك التماثيل نريد قائد يخرجنا من الظلام ولا يخاف خفافيش الظلام القادمين إلينا عبر صندوق الإنتخاب فأين أنت يا سعد زغلول وأرجوك لا تقل لنا مفيش فايدة
0 comments:
إرسال تعليق