هل سياسة التهدئة تحقق مصالح الشعب الفلسطيني؟/ سعيد الشيخ

هناك اتفاق وحيد غير معلن ولكن يطفو على السطح تجتمع عليه الحكومتان الفلسطينيتان في رام الله وغزة... والاتفاق هو تكبيل أذرع المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي.
الحكومتان تقفزان في خلافهما على كل الواقع الفلسطيني عندما تغمضان عينيهما عن حاجة الشعب الفلسطيني الضرورية للمقاومة خاصة في هذا الوقت، بعد وصول المفاوضات التي قادتها سلطة رام الله مع العدو الى طريق مغلق بالرغم من كل تنازلات السلطة الفلسطينية مقابل لا شيء يذكر لصالح الشعب الفلسطيني.
حكومة غزة التي تبدو على نقيض الاخرى في رام الله تنادي الى المقاومة باستمرار، ولكن أحد منذ زمن طويل لا يرى هذه المقاومة أو يسمع عنها. نسمع حديثا عالي النبرة ويبدو مقنعا عن "مصالح الشعب الفلسطيني" التي تتطلب التهدئة بمقابل اعتداءات شبه يومية من قبل الآلة العسكرية الاسرائيلية...ولكن هل حقا ان مصالح الشعب الفلسطيني تتحقق بالتهدئة؟ والى متى؟
حكومة حماس وهي تتحدث عن التهدئة المطلوبة من نفسها ومن بقية الفصائل،انما تبحث عن وسائل تدرء المخاطر عن جسمها الحكومي.. وهكذا كانت تفعل حكومة فتح في رام الله وما زالت. هكذا تفعل أي سلطة لا تقدم مصالح جماهيرها على مصالح النخبة الحاكمة. وهكذا كان يفعل النظام العربي ككل الذي قدّم سياسة التخاذل امام التحديات والغطرسة الصهيونية.
ما كانت حركة حماس تفوز بإنتخابات المجلس التشريعي عام 2006، لولا برنامجها الذي يضع المقاومة في اولى المهمات.والذي بدا آنذاك بديلا عن برنامج السلطة الذي وضع كامل بيوضه في سلّة المفاوضات.
لقد ذهبت سلطة رام الله في المفاوضات الى آخر الشوط الذي توقف كما هو معروف أمام التعنت الاسرائيلي في الاستمرار ببناء المستوطنات وشرط الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية . ولكن حكومة حماس التي تشكلت بعد فوزها التشريعي لم تذهب الى المقاومة، بل ذهبت الى إقصاء الاخرين حتى دانت لها السلطة كاملة في قطاع غزة، مع الوضوح الشديد بأن المقاومة باتت مجرد نشيد في مهرجان وشعار على الجدران.
رجل المقاومة الذي كان يحظى بتقدير واحترام أبناء الشعب، تحوّل بشكل ممنهج الى أداة للقمع على يد السلطتين المتنازعتين. وهو النزاع الذي يخفت فيه صوت فلسطين لتعلو أصوات اقليمية ومناطقية بغيضة تدعو لبرامج ضيقة لا تتضمن الاحلام الفلسطينية القائمة على الحقوق التاريخية.
لا يستطيع أي عاقل ان يغفل بأن التهدئة قد توقف سقوط أرواح بريئة. ولكن الى حين فاصل، نمنع عنده ان تتحوّل فلسطين الى حالة من الانكسار تفقد معها روحها المقاومة.. وفي الاثناء ان لا يستغل أصحاب هذا النهج الهدوء لصالح مشاريع يتنفذون من خلالها في مفاصل الحياة الفلسطينية، حيث بدأت تطفو مظاهر الثراء على شرائح واسعة مقربة من الدوائر الحكومية في غزة ورام الله، بالرغم من الحصار العسكري الاسرائيلي المضروب على غزة. حيث يؤكد المراقبون ان تأثيرات الحصار لا تظهر على كل سكان القطاع، وان عائلات عناصر حماس تبدو أحسن حالا. وهو ما أكدته لي شخصيا امرأة غزاوية التقيتها مؤخرا في ردها عن سؤالي حول أوضاع غزة :
" اصبحنا مثل مصر..لقد اختفت الطبقة المتوسطة.. إما فقراء معدمين تحت الصفيح، وإما أثرياء في علياء الابراج".
القيادتان الفلسطينيتان المتنازعان على وشك جولة اخرى من لقاءات المصالحة، فهل تضعان فلسطين ولا شيء سواها على طاولة الحوار كي تتم المصالحة..ويتم معها تعبئة القوى الشعبية لجولة جديدة من الصراع مع العدو. أم تظلان كل واحدة تشد كرسي السلطة لناحيتها..حتى يقول الشعب الفلسطيني كلمته ويدفن هذا الخزي الذي طال.

CONVERSATION

0 comments: