ترسيخ قيم المواطنة لدى النشء والشباب بين الواقع والمأمول/ دكتور ضياء دويدار

المواطنة هي موروث مشترك من المبادئ والقيم والعادات والسلوكيات بين الأفراد في الدولة الواحدة التي تسهم في تشكيل شخصية المواطن وتمنحها خصائص تميزه عن غيره من المواطنين في الدول الأخرى، كما أنها عبارة عن عضوية الفرد التامة والمسؤولية في الدولة أو أي مجتمع ما، وما يترتب على تلك العضوية من العلاقات المتبادلة بين الطرفين.
وبالتالي فإن المواطنة في أبسط تعريفاتها تتلخص في كونها قيم وسلوك وآداب وتكوين أخلاقي وذوق حضاري وتراث مرتبط بقيم وثوابت المجتمع وفلسفته في الحياة، فهي بذلك تتضمن حب الوطن والتعلق به، كما أنها صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه للوطن وفي نفس الوقت تمتع هذا المواطن بالحقوق والحريات الفردية والجماعية المنصوص عليها في دستور وقوانين الدولة، ومن منظور آخر يمكن القول بأنها الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية في نفس الوقت، وتعتبر الطائفية والقبلية والمذهبية والحزبية من أخطر التحديات التي تواجه بناء المجتمع الداخلي وتؤثر في وحدته الوطنية، ويجب على المواطن أياً كان انتماؤه الطائفي أو القبلي أو المذهبي أو الحزبي أن يكون ولائه الأول والأخير للوطن لأن الكل زائل لا محالة والوطن باقٍ على مدى الدهر.
وفي هذا الصدد يحضرني الإشارة إلى كلمات المستشار/ روفائيل بولس رئيس حزب مصر القومي خلال الندوة التي عُقدت بعنوان "المواطنة والهوية" بملتقى الشباب الذي عُقد على هامش فعاليات معرض القاهرة الدولي  للكتاب في نسخته الأخيرة 2015 " أن من أهم محاور المواطنة عدم التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو اللون أو الدين، وأن اللعب بأحد مقومات المواطنة من حقوق وواجبات يخلق فوضى شعورية ينتج عنها لفظ الوطن لأهله أو فتور الانتماء من الشعب تجاهه، وربما يصل الأمر إلى الشعور بفقد الهوية، وستظل المواطنة مسؤولية مشتركة بين الوطن وأبنائه بمعرفة كل منهما ماله وما عليه وخلق منظومة من التوافق تؤدى في النهاية إلى فرد ودولة يستحق كل منهما الانتماء للآخر".
ومن منطلق أن من أهم محاور المواطنة عدم التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو اللون أو الدين، فقد قدّم الرئيس عبد الفتاح السيسي للمصريين خلال حفل تنصيبه رئيساً لمصر ما يُشبه وثيقة عقد اجتماعي لحكم ما أسماه "مصر الجديدة" تطرّق خلالها إلى كيفية معالجة القضايا الداخلية والخارجية لمصر، ومشيراً إلى مفهوم المواطنة باعتبارها المبدأ الحاكم للحياة على أرض الوطن، فلا فرق بين مواطن وآخر في الحقوق والواجبات.
وتأكيداً على ما سَلف قام الرئيس السيسي كأول رئيس في التاريخ المصري بزيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مرتين، الأولى لتهنئة الأخوة المسيحيين بأعياد الميلاد وحضور قداس عيد الميلاد المجيد، والثانية لتقديم واجب العزاء في 22 مواطن مصري مسيحي ذهبوا للأراضي الليبية بحثاً عن العمل وتوفير لقمة العيش لذويهم ونالوا شهادتهم على أيدي بعض دواعش ليبيا لعائن الله عليهم، وهو ما يثبت درجة التقارب المتزايدة بين رئاسة الجمهورية والكنيسة. 
وقد أثارت تلك الزيارتان ردود فعل واسعة النطاق بين مؤيد ومعارض في لحظة تحتاج فيها الدولة إلى تكاتف أبناء الوطن الواحد، كما أنهما جاءتا في توقيت مناسب لتؤكدا على مبدأ سرمدي وهو أن الدين لله وأن الوطن للجميع، ولتوصيل رسالة رادعة لأعداء الوطن في الداخل قبل الخارج مفادها أنه لا أحد يستطيع أن يفرق بين المسلمين والمسيحيين على كنانة الله في أرضه باعتبارهم نسيجاً واحداً وشركاءً في الوطن، وهو ما يبرهن أيضاً على أن الأقباط ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.
وخلال لقائه منتصف الشهر الجاري بوفد الكونجرس الأمريكي برئاسة النائب الجمهوري رودني فريلنجيوسن رئيس اللجنة  الفرعية لشؤون الدفاع بلجنه الاِعتمادات بمجلس النواب الأمريكي، فقد أكد الرئيس السيسي حرص مصر على تحقيق الأمن والاستقرار للشعب المصري والحفاظ على النسيج الوطني المصري وإعلاء قيمة المواطنة والمساواة بين كافة المصريين الذين لا يتعين التفريق فيما بينهم على أي أساس.
وبالنظر الى واقع مفهوم المواطنة في الحالة المصرية نجد أنه لا يزال حتى الآن غير مٌدرَك بشكل كاف لدى غالبية النشء والشباب -بل الكبار أنفسهم- فضلاً على أن هناك تمايز في إدراك بعض أبعاده وغياب البعض الأخر وبخاصة بٌعدي التعددية والحرية والمشاركة السياسية، الأمر الذي يستوجب تبني رئاسة الجمهورية لبرنامج عملي قابل للتطبيق على أرض الواقع وعلى وجه السرعة من شأنه التركيز على أهمية تجديد الثقافة الوطنية وتعزيز قيم المواطنة لدى أبناء وأطياف الوطن بأفق إنساني ديمقراطي وتعزيز الانتماء إلى الذات وإعادة بناء الثقافة الوطنية من داخلها وربطها بهموم وقضايا الوطن، وهذا البرنامج يُقترح أن يتضمن ما يلي:
- إصدار قانون مكافحة التمييز وتجريم الحض على الكراهية الدينية.
- إصدار قانون دور العبادة للمسلمين والمسيحيين.
- تكثيف المبادرات المجتمعية المناهضة للتمييز والسلام المجتمعي.
- إطلاق مبادرة مجتمعية لدعم وتعزيز مفهوم المواطنة لدى النشء والشباب تكون الريادة فيها للشباب أنفسهم. 
- الاهتمام بالنشء والشباب في الكنيسة والمسجد وإعادة تصحيح مفاهيمه الخاطئة عن مبادئ المواطنة.
- ابتكار برامج هادفة للأنشطة التي تنمي لدى الشباب الإحساس بالمواطنة وتعرفهم بحقيقة الصراع الإيديولوجي والتيارات الفكرية المتصارعة، وتوعيتهم بمخاطر العصر وتعرفهم بمفهوم الانتماء، وترسيخ الُمثل العليا لديهم.
- إيلاء مفهوم المواطنة الأهمية القصوى في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام المختلفة.
- المشاركة في إعداد وتنظيم وإدارة دورات تثقيفية وتدريبية للكوادر الشبابية لحثهم على المساهمة في نشر وتعزيز ثقافة وقيم المواطنة (مفهوماً وممارسةً) في فضاء المؤسسة التعليمية والأندية الرياضية ومراكز الشباب.
- تفعيل برلماني الشباب والطلائع المنفذين من خلال وزارة الشباب والرياضة كونهما الأساس التدريبي على مفهوم المواطنة. 
- إطلاق قنوات خاصة بالشباب من شأنها تصحيح المفاهيم الخاطئة التي سيطرت في العقود المنصرمة على فكر النشء والشباب، وتوضيح مفهوم المواطنة وحب الوطن في أنفسهم. 
وختاماً يمكن القول بأن ما سبق ذكره من مواقف للرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن المواطنة ضاربًا بوجه الحائط كل من انتقده وكفَّرهُ وفي مقدمتهم رموز الدعوة السلفية؛ يعتبر مثلاً يحتذى به لجميع المسؤولين المصريين كالرؤساء القادمين بعد انتهاء مدة رئاسته والوزراء والمحافظين ليهتدوا به في أعماله وحكمته في عدم التفرقة بين أبناء الوطن الواحد في كافة الحقوق والواجبات حتى يتحقق الأمل لبناء مصرنا الغالية، كما يعتبر نموذجاً مصرياً خالصاً في الدعوة لصقل وتنمية وتدريس قيم المواطنة  بين صفوف النشء والشباب قبل الكبار، وذلك من منطلق أن المواطنة أكثر من مجرد انتماء يتم إثباته بالأوراق الثبوتية وبطاقات الهوية، وهي ليست التغني بالولاء والانتماء القولي فقط، وإنما ممارسة الولاء والتجذّر في الوطن والاعتناء به وبمصالحه العليا على نحو وثيق ومستمر في مختلف الظروف والأوقات، وفي ارتباط مصيري لا يقبل الانفصام، وأن المواطنة لا بد أن تمارس من جانب جميع أبناء الوطن بدوافع ذاتية وقناعات نابعة من الإيمان بأهميتها.

CONVERSATION

8 comments:

محمد عرابي يقول...

المواطنة هي معانقة الذات للذات، وحلول العلة في معلولاتها دونما حاجة لمنطق دفتر الحالة المدنية، ولا حتى البصمات الدالة عن جوهر الأشياء، ولا هي جينات تتلاقح فيما بينها فترتسم عبرها الكينونة النابعة من ماغما الفلسفة الوجودية للأشيا، اذن نحن في حاجة الى ترسيخها فعلا لدى صفوف النشء والطليعة والشبيبة وكبار السن من الاباء والامهات

عبدالكريم أنيس يقول...

المواطنة هي عملية تشاركية يشارك فيها المواطن بصناعة القرار ومجريات الأمور، تشتد جذورها، كلما أحس المواطن أن له قيمة في ما يجري ويدور حوله من أحداث، حيث يلاحظ أنه كلما كانت المواطنة تمارس على أرض الواقع اليومية. فتجد نائبه بالبرلمان يخاف منه كمواطن وكناخب يحدد مصيره، وتجد الحكومات ورؤسائها في حالة ترقب لمدى رضى الجماهير الشعبية عن أدائها ومناقشة برامجها التي تطيح بها إن لم تنفذ على أكمل وجه، وليس حالة المواطن النعامة، الذي يمشي الحيط الحيط ويا رب السترة، أو تلك المواطنة المقّزمة التي تعترف بالمواطن فقط في حالة تأديته للواجبات وتقنين الحقوق وعصرها عصراً حتى بات هذا المواطن مجرد حقل تجارب في كل المجالات الضريبية والحقوقية وحتى السياسية وعليه القبول فقط والهتاف بدون انقطاع مرددا شعارات تم إفراغها من محتوياتها من كثرة التكرار.

انمار فارس يقول...

إهمال باقي النسيج الوطني ووجهة نظره المختلفة والتي تقدم صورة مختلفة بل ومغايرة أحياناً عن ما تراه الأنظمة الرسمية هو ممارسة قمعية لا تخدم الوطن في شيء، وأن الاعتراف بالآخر المختلف فكراً ورؤية في ما لا يمس الأخلاق العامة والأديان السماوية، هو من حقوق المواطنة التي يجب أن ينشغل الجميع بتطبيقها قولاً وفعلاً، ومن هنا فان الرئيس السيسي قدم نموذجا جيدا لتدعيم قيم المواطنة لدى قطبي الوطن وخيوط وأوبار نسيجه الواحد ولعله خير مثال يحتذى به في الدول والاوطان التي تشتمل على فئات متعددة كما هو الحال في العراق وسوريا والاردن ومصر ولبنان وغيرها من البلدان العربية

محمد محفوظ يقول...

التربية على المواطنة تتطلب باستمرار استعدادا نفسيا للتضحية في سبيل صيانة حق المواطنة المتساوية، وممارسة مجتمعية واعية لتوطيد أواصر العلاقة بين تنوعاتنا الأفقية والعمودية، وكفاحا وطنيا مستديماً، ومن الجميع لطرد كل العناصر التي تفضي وتؤدي إلى توتير العلاقة بين أبناء الوطن الواحد

بدرية يقول...

فعلا المواطنة والانتماء الوطني ليس بأوراق ثبوتية وأختام، لا هي شعارات مستهلكة تتشدق بها الأفواه على المنابر، بل المواطنة هي روحك التي ارتبطت بذرات تراب الأرض التي تعيش فيها وعليها وتلك الحدود وهذه المياه الاقليمية وذلك المجتمع بكل طوائفه، مواطنتك هي إنجازك، هي بصمتك في وطنك ... فماذا فعلينا لأوطاننا

الديناري يقول...

زيارة السيسى للكاتدرائية حذفت من القاموس كلمة مسلم ومسيحى، وهو بذلك يرسخ عهدا جديدا من المساواة كان واضحًا وجليًا في مضمون كلماته التى سطر بها المشهد الأخير فى حكم جماعة الإخوان الإرهابية فى 3 يوليو بأن مصر على مشارف عهد جديد، حيث وقف السيسى الذى كان وزيرًا للدفاع آنذاك وبجواره الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فى مشهد يدل على أن مصر لا يمكن أن تتقدم إلا بعنصرى الأمة، ويوماً تلو الآخر دخلت مصر فى عهد رئيس حرص على أن يكون حاضرًا ممثلا عن الأزهر والكنيسة فى كافة المناسبات الرسمية وغير الرسمية، وفى أول عيد للأقباط كان حاضراً فى زيارة إلى الكاتدرائية، وقد وصفت بـ"التاريخية" مثلما تناولها هذا المقال، حيث خاطب خلالها جموع الشعب المصرى موجهاً التهنئة لشعب مصر بمناسبة عيد الميلاد المجيد، وفى أوقات المحن، لم يتردد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الثأر لدماء أبنائه، وأمر بشن ضربات جوية ضد معاقل تنظيم داعش داخل الأراضى الليبية، رداً على قتل عصابات التنظيم الإرهابى 21 مصرياً فى محاولة للتفرقة بين المسلمين والأقباط وبث الذعر فى نفوس الشعب المصرى. كان رد الرئيس الرئيس آنذاك دليلاً على أن الدم المصرى لم يعد رخيصاً، سواء كان مسلماً أم قبطياً، ليحبط كل مخططات إشعال الفتنة، وليؤكد تمسك مصر بالمساواة والمواطنة، ويؤكد بما لا يدع مجالاً لشك أنه رئيس لكل المصريين.

غير معرف يقول...

حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الكاتدرائية المرقسية وسط احتفالات وقداس عيد الميلاد وكذلك لتقديم واجب العزاء في أبناء مصر الذين قتلوا بأيادي داعش الملوثة بدماء الابرياء ايا كانت ديانتهم هو بمثابة تطبيق حقيقي لمادة المواطنة التي زينت مواد الدستور وروح ثورتي 25 يناير و30 يونيو، كما تعتبر رسالة لا تقبل الشك مفادها أن المواطنة ستكون بل أصبحت منهج الحكم في مصر خلال السنوات المقبلة

غير معرف يقول...

كلام جميل