مقاربة بسيطة من جنوب الأرض/ أنيس غانم

قرأت، في نهاية الاسبوع الماضي، خبرا لم يعثر له على مكان في الصفحة الأولى في الصحف اليومية الاسترالية، ولا تصدّر النشرات الاخبارية، الاذاعية أو المتلفزة، بل مرّ مرور الكرام، في قسم المنوعات، أو الأخبار الاجتماعية.
الخبر مفاده، يا سادة، أن شخصا يدعى طوني أبوت، يزيد عمره عن 55 عاما، "يعمل" رئيسا للحكومة الفيدرالية الاسترالية منذ العام 2013، وسبق له ان كان زعيما للمعارضة الفيدرالية، لست سنوات سابقة، وشغل قبل ذلك منصبا وزاريا فيديراليا لسنوات عدة، تسلم درعا تقديرية من مفوضية متطوعي إطفاء الحرائق في ولاية نيو ساوث ويلز لخدمته التي تجاوزت عشر سنوات.
وتم إرفاق الخبر، حيث نشر، بصورة لمتلقي دروع التقدير مع المسؤولين عن المفوضية وإدارييها. وظهر رئيس الحكومة الفيدرالية واقفا، مرتديا زي المتطوعين، في الصف الثاني من الجموع مع زملائه الذين يتركون اعمالهم ومصالحهم للمساعدة في نوبات الحراسة والمكافحة، في موسم الحرائق الصيفي، من دون أي تعويض مادي.
تظهر الصورة عددا من الأشخاص بزي المسؤولين الرسميين يجلسون على كراسٍ، فيما يقف خلفهم متطوعون بسترات صفراء، يحملون دروعهم التقديرية، بينهم رئيس الحكومة (المنصب التنفيذي الأرفع في القارة الاسترالية) يبتسم، فرحا، "لرؤسائه". وبالتكريم الانساني الذي حصل عليه.
طوني أبوت، شخصية عامة في استراليا، وفي الولاية التي انتمي اليها. لا يعنيني من قريب أو بعيد على المستوى الشخصي، أو الحزبي، لأني قد اقترع لصالحه في الانتخابات المقبلة، أو قد لا أقترع. هذا الأمر ليس محط أولوياتي، على أهميته. قد اختلف مع سياسته في مواضيع الضرائب، الصحة، التربية، الدفاع. وربما قد يحصل على صوتي للأسباب ذاتها (هذا لا يعني أن أبنائي سيوافقونني الرأي، هذا شأن يعود اليهم).
ما يهمني، في هذه العجالة، هي المقاربة بين أبوت، وبين نظرائه من "مسؤولي" دول العالم الثالث. ويحضرني هنا خبر قرأته في الصحف العراقية مع بداية الألفية الثالثة يتعلق باختيار أهم الشخصيات الثقافية والعلمية والرياضية، الخ، في القرن العشرين. وكانت النتيجة (لماذا لم أصب بمفاجأة تقض مضجعي؟) أن المثقف الأول في العراق خلال القرن العشرين، هو الرئيس المفدى صدام حسين لصياغته رواية ولا أجمل، وأن رياضي القرن هو القائد الفذ والملهم صدام حسين لسباحته المميزة في نهر الفرات الذي “قطعه” من ضفة الى ضفة من دون مساعدة أحد. واعذروني إن نسيت اسم عالم القرن العشرين لعدم أهميته.
في أي حال، إن المدعو طوني أبوت يعمل، الى جانب خدمته لي ولأقراني الاستراليين كرئيس للحكومة، متطوعا في الشواطئ لإنقاذ الغرقى، ويقطع على دراجته، مع عدد من زملائه النواب (حكومة ومعارضة)، آلاف الكيلومترات جمعا للتبرعات لصالح البحوث الطبية.
تبا. ويريد أن يقنعني أنه زعيم. 
يدي الى قلبي تحييكم.
- سيدني

CONVERSATION

0 comments: