إسرائيل ومنابع النفط والإرهاب، ثلاثة كوابيس تلاحق الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتربك سياستها، وتضغط على إدارتها، وتسبب لها أزماتٍ وتحدياتٍ كثيرة ومتجددة، وتكلفها الكثير من الجهود والنفقات، وتضغط على ميزانيتها، وترهق دافعي الضريبة من مواطنيها، وتؤثر على سياستها، وتنعكس آثارها على مختلف جوانب الحياة فيها، وتمتد تداعياتها إلى مناطق النفوذ وأطراف التحالف، ولهذا فهي تسعى بكل جهودها للسيطرة عليها، وإيجادِ حلولٍ لها، بمفردها أو بالتعاون مع غيرها من الحلفاء أو أصحاب الشأن، ما يستغرق وقتها، ويأخذ جهدها، ويستنزف طاقتها، وهي على ذلك مجبرة وغير مخيرة.
إنها أزماتٌ متوارثة، يعاني منها الجمهوريون والديمقراطيون، العسكريون والسياسيون، الإداريون والتشريعيون، المسؤولون والمواطنون، ويتولى الجيش والمخابرات مع الرئاسة والإدارة التعامل معها، وينشغل فيها المفكرون والاستراتيجيون، والخبراء والمختصون، فيضعون الخطط والأفكار، ويقترحون على الإدارة مشاريع عمل، وتصورات مستقبلية، لضمان الوصول إلى أفضل النتائج فيها، لأنها تساهم بشكلٍ كبير في رسم استراتيجية الولايات المتحدة، وتلعب دوراً كبيراً في بناء علاقاتها، وتشكيل أحلافها، واستشراف مستقبلها، فضلاً عن وجود لوبيات الضغط الكبرى، التي تمارس ضغوطها على الإدارة لتتبنى مشاريعها، وتؤمن بمخططاتها، وتعمل على تذليل العقبات أمامها، وهي ليست جماعات ضغطٍ سياسية فقط، بل إن التكتلات الاقتصادية، والتجمعات التجارية قد تفوق الأولى وتهيمن عليها.
أما إسرائيل فهي الحليف الأقوى والأهم للولايات المتحدة، وهي القاسم المشترك للجمهوريين والديمقراطيين، وهي مطلب الشعب، وهَمُ جماعات الضغط والقوى السياسية، وعليها تتفق السياسة الأمريكية قديماً وحديثاً، في أن تكون إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة، والأكثر تفوقاً وتطوراً، وأن تشملها مظلة الحماية الأمريكية، فلا تتعرض للخطر، ولا تعاني من أزمة، ولا تشكو من مشكلة، ولا تترك وحدها، ولا يتخلى عنها الحلفاء ولا المناصرون، بل يقفون معها ويساندونها، ويؤيدونها في الحرب والسلام، وفي السياسة والاقتصاد، فلا يسمحون لدولةٍ بأن تهددهم، ولا لتنظيمٍ بأن يقض مضاجهم، ولا يقبلون لمؤسسةٍ دولية أن تصوت ضدهم، أو أن تدين سياستهم، أو أن تعترض على ممارساتهم، أو أن تؤيد أعداءهم، أو تقف إلى جانب خصومهم، وهو عهدٌ وتقليدٌ أعمى تتوارثه الإدارات الأمريكية، وتلتزم به ولا تحيد عنه.
أما من يفكر من الإدارة الأمريكية بالتخلي عن إسرائيل، أو تهديدها والضغط عليها، أو تقليص الدعم المقدم لها، أو مساعدة أعدائها، فإن مصيره الرحيل، وعليه تحل اللعنة والشتائم، وتفبرك أو تخلق له الفضائح والمخالفات، المالية والجنسية والسلوكية، الشخصية والعائلية، ليتعلم هو وغيره ألا يحيد عن الدرب، أو يتخلى عن الهدف، أو يفكر بأن يكون منصفاً عادلاً غير مناصرٍ للظلم أو مؤيدٍ للاعتداء، فهم مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة، رغم أنها لم تكن يوماً إلا ظالمة.
أما النفط فهو قلق الإدارة الأمريكية الدائم، وهاجس الشركات العملاقة، وأصحاب الرساميل الضخمة، ممن يستثمرون في الطاقة ومختلف قطاعات الإنتاج، فهو يقلقهم لندرته القادمة، ولتناقصه المستمر، وتراجع فرص إيجاد المزيد من الحقول الواعدة، في ظل الحاجات العالمية المتزايدة له، خاصة من قبل المنافسين الصناعيين الكبار في أوروبا والصين واليابان.
وهو ما يجعل الإدارة الأمريكية دائماً مهمومة لجهة السيطرة على منابع النفط العالمية، وبسط نفوذها على الدول المنتجة له، ونشر قواعدها العسكرية فيها، لئلا تفكر يوماً في التغيير، أو تستخدم ما في جوفها لممارسة الضغط، ولعل الكثير من الدول المنتجة له، وخاصة العربية منها، تخضع للإدارة الأمريكية، وتسلم لها بتأمين مصادر النفط والغاز، وتقبل بوصايتها عليها، وتوافق على نشر قواعدها العسكرية فيها، لأنها تعتقد أنها تحميها وتؤمن مستقبلها، وأن تضمن بقاءها وتحول دون تفكير آخرين بالاعتداء عليها، أو ممارسة ضغوطٍ على قيادتها، ومع ذلك فإن مستقبل النفط يشكل هاجساً استراتيجياً أمريكياً، ويجبرها على أن تكون سياستها أولاً لخدمة هذا الهدف والحفاظ عليه، وقد تخوض الحروب من أجله، أو تهدد بشنها لضمان امتلاكه، وعدم فقدانه.
أما الإرهاب بكافة أشكاله فهو الهاجس الثالث الذي تدعيه الإدارة الأمريكية، وتعلن دوماً أنها ضده، وأنها تحاربه، وفي سبيل مواجهته تبني التحالفات، وتعقد الاجتماعات، وتنسق بين الدول ومختلف الأجهزة الأمنية، وقد تعتدي على سيادة دولٍ، وقد تسقط أنظمة وحكومات، وتجبر غيرها على اتباع سياستها، وتنفيذ مخططاتها، وتطبيق تعليماتها، لجهة التضييق على المواطنين ومحاسبتهم.
وتعاقب أفراداً بعينهم، تتهمهم وتقتلهم، وتغير عليهم بغير استئذانٍ من حكوماتهم، أو بعلمهم ورغماً عنهم، فما أبقت على دولةٍ لم تقتل فيها، ولم تعتدِ على مواطنيها، وقد بنت لها في كثيرٍ منها سجوناً ومعتقلاتٍ سرية، زجت فيها مخالفةً لكل الأعراف الشرعية، بالمئات من مواطني ورعايا الدول الأجنبية، وفيها تمارس ضدهم كل أشكال التعذيب والإهانة والإساءة، غير مبالية بقوانين أو بحقوق الإنسان.
الثالوث الذي يقلق الولايات المتحدة الأمريكية ثالوثٌ ظالم، يضر بنا ويعتدي علينا، فهو يسرق خيراتنا، ويعتدي على حقوقنا، ويحرم أجيالنا ومواطنينا من التمتع بما أنعم الله به علينا وعلى بلادنا، إذ يسرقون نفطنا، وما أفاء الله به علينا، ثم يستخدمونه ضدنا، لإرغامنا وإذلالنا، ولإلحاقنا بها، وإجبارنا على اتباع سياساتها، والقبول بتوجيهاتها.
وهي تناصر الكيان الصهيوني الغاصب المحتل، وتؤيده في ظلمه، وتزيده في غيه، وتزوده بكل سلاحٍ ليقتلنا ويبطش بنا، ولا تفكر يوماً بالانتصار للحق، والوقوف إلى جانب المظلوم، رغم أنها ترى نتائج دعمها، وعواقب مساندتها، إمعاناً في الظلم، واستزادة في الغصب والمصادرة، وإصراراً على العناد والمكابرة.
أما الإرهاب الذي هو ثالث الثلاثة، فإن أمريكا هي التي صنعته، وهي التي تتولى كبره، وتقود جماعاته، وهي التي تمارسه بنفسها، وتنفذه بأدواتها، وتصدره عبر عملائها، وتوجهه أجهزتها، وتحركه حيث تريد، فتقتل وتفجر، وتخرب وتدمر، وتعتدي وتخترق وتخالف، ثم تدعي على الضعفاء، وتتهم الأبرياء، وتعاقب المسالمين وأصحاب الحقوق، وتدعي وأيديها ملطخة بكل الدماء أنها مظلومة ومستهدفة، وأنها تعاني من الإرهاب وتقاسي من ويلاته، وما عرفت أنها الشر المطلق، وأنها وثالوثها شيطانٌ مريد، وحلفٌ أعمى.
0 comments:
إرسال تعليق