إن القائمين على الأنظمة الديكتاتورية يعملون كل ما بوسعهم على تغييب الشفافية وتشجيع الضبابية والغموض قدر المستطاع لأنهم في مثل هكذا حالة يستطيعون أن يهيمنوا على كل خيرات وموارد المجتمع وكلما إزدادت الضبابية, إزدادت معها طمأنينة الحاكم, بأن لا أحدا يستطيع أن يفك طلاسم فساده وإختلاسه وإن كان الباحثين عن ذلك من أحدق المدققين الحسابيين. هذه الزمرة من الحكام والمتسلطين يفضلون العيش في المياه العكرة لكي يستطيعوا أن يتستروا على فسادهم وتصبح محاسبتهم صعبة للغاية وكلما كانت المياه عكرة أكثر كلما إزداد طغيان وفساد الحاكم وبقدر ما إنتعش هو وحاشيته.
من المعروف بأن "النظام" السوري لا يعرف ما معنى الشفافية ولا يوجد شيئا من هذا القبيل في قاموس إدارته للبلاد, وإذا أراد أحدا ما أن يُدخل شيئا ما من الشفافية على نظام حكمه, وإستفسر حول موضوع له علاقة بالشأن العام وأصرّ على ذلك, فمن الممكن أن يتم تقزيمه وتهميشه أو يصبح مصيره مجهولا, لأن الحاكم يرى في ذلك شيئا من المساس بحدود المحرمات, فعلى سبيل المثال, كان لا أحدا يجرؤ على السؤال عن الدخل الذي تحصل عليه الدولة من مبيعات البترول السوري والذي كان لا يظهر في ميزانية الدولة وكانت قيمته حوالي خمسة مليارات دولار سنويا وكان هذا المبلغ يذهب إلى حساب القصر الجمهوري مباشرة.
إن أحد أهم أسباب إنطلاق ثورتنا المجيدة هو مكافحة الفساد والمحسوبية وإرجاع إلى المواطن حريته وكرامته المسلوبة ولكن ما نسمعه ونقرأه في وسائل الإعلام حول تصرفات بعض القائمين على إدارة مؤسسات المعارضة السورية, مثل الإئتلاف والحكومة المؤقتة والمنظمات الإغاثية, تدعو إلى الحزن والإحباط وينتابنا في بعض الأحيان شعورا بأن هؤلاء "المسؤولين" يتصرفون وكأن لا حسيب لهم ولا رقيب وأن ما يقع بين أيديهم من قوت لشعبنا الجائع والمشرّد يعتبرونه مالا سائبا وأن لهم الصلاحية الكاملة بالتصرف به كما يشاؤون.
نحن نعلم أن لسان الناس لا يرحم وأن هنالك من يضخم هذه المعلومات أو الإشاعات ويبالغ بها وبمقدارها وحجمها ولكن إذا كان يريد القائمون على هذه المسؤولية أن يحموا أنفسهم من تلك الإشاعات والدعايات عليهم أن يلتزموا بالنزاهة والشفافية وخاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها ثورتنا لأننا نعلم بأن هنالك عدد كبير من الأبواق المأجورة من طرف "النظام" وهنالك أجهزة للدعاية تعمل ليلا نهارا من أجل تشويه صورة ثورتنا وقتل مصداقيتها ومصداقية القائمين عليها.
على إدارة الإئتلاف ورئاسة الوزراء وكل وزير في الوزارة المُقالة أن يضعوا - إن لم يفعلوا ذلك إلى هذا اليوم - أمام أعين كل المواطنين وبكل شفافية ووضوح ما أنجزوه من مشاريع خلال توليهم لمهامهم وما صرفوه من أموال من أجل ذلك وأين ومتى ولماذا تم صرفها. إضافة إلى ذلك هنالك من يشتكي بأن رئاسة الوزراء وبعض وزارات وإدارات الثورة السورية تحولت إلى مراكز ومجمعات عائلية ومناطقية.
على قيادة المعارضة السورية أن تكون قدوة في النزاهة والشفافية وتعمل على كسب ثقة المواطن وسد الأفواه المفتوحة والمهيئة لنقل الدعايات والأكاذيب وأن تحمي نفسها من كل حملات التهميش والتشويه بحرصها على شفافية ما تقوم به ولأن الشفافية كذلك من إحدى أهم الركائز الأساسية للديمقراطية.
علينا أن نتحاشى الإخطاء وهي صغيرة ومنذ البداية وقبل أن تستفحل ويفوت الأوان لأن ما بعد ذلك سيصبح كل ما يُبنى عليها في عداد الأخطاء ولو كان ذلك صحيحا.
0 comments:
إرسال تعليق