الإحتلال سعى ويسعى دائماً الى ضرب وحدة الشعب الفلسطيني وتخريب جبهته الداخلية،وهذا الدور ليس بالجديد،بل هو قائم منذ ولادة دولة الإحتلال،وهو يدرك تماماً بان وحدة الشعب الفلسطيني من شأنها ان تشكل خطراً على وجوده،ولذلك وجدنا مثلاً انه لعب على وتر تقسيم شعبنا الفلسطيني في الداخل الى مجموعات سكانية دروز وبدو ومسيحيين ومسلمين،والهدف من ذلك هو ضرب وحدة الشعب الفلسطيني،من حيث تغيب هويته الوطنية وتذويب قوميته العربية،وإدخاله في تناحرات وصراعات طائفية،تارة بإظهار أبناء الطائفة الدرزية او البدو كمتعاونين مع الإحتلال من خلال التجند في جيش الإحتلال ومؤسساته الأمنية،وتارة من خلال إعطاء إمتيازات للعرب المسيحيين مقابل خدمتهم في الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية،ولكن هذه المحاولات الإسرائيلية الخبيثة فشلت في استمالة الدروز او البدو كمجموع او كتلة،وبقي التجند والخدمة في جيش الإحتلال فردي،وتشكلت لجان لرفض الخدمة في جيش الإحتلال،وعدد ليس بالبسيط من الدروز آثر السجن على الخدمة في جيش الإحتلال،ولكن الإحتلال واصل خطواته ومشاريعه ومخططاته،في إطار رؤيته بأن تزايد العرب في الداخل الفلسطيني وتشكلهم كأقلية قومية من شأنه تشكيل خطر على يهودية الدولة،ولذلك لجأ مؤخراً ومن خلال بعض رجال الدين المسيحيين وفي المقدمة منهم المطران المتصهين نداف الى محاولة التفريق بين أبناء الشعب الفلسطيني بمنح حقوق وإمتيازات للعرب المسيحيين من خلال الخدمة في جيش الإحتلال والتعاطي معهم على أساس انهم ليسوا عرباً،مما حدى بلجنة المتابعة العربية العليا والقيادات والأحزاب والمؤسسات العربية في الداخل الى اتخاذ موقف حازم برفض الخدمة المدنية او العسكرية في جيش الإحتلال ومؤسساته الأمنية،واعتبار ذلك محاولة إحتلالية رخيصة للتعامل مع ابناء شعبنا هناك على أساس طائفي وتجمعات سكانية،وكذلك شطب وتذويب هويتهم الوطنية والقومية،وكي وعيهم والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية.
وبعد إستكمال إحتلال فلسطين التاريخية،بقي هذا الهدف ثابتاُ في إطار إستراتيجية ورؤية الإحتلال لشعبنا،كبديل ونقيض له على هذه الأرض وتهديد وجودي لبقاء دولته وكيانه،ولذلك صعد من سياسة بث الفرقة وتسعير حدة الصراعات بين أبناء شعبنا الفلسطيني،وإدخاله في اتون التناحرات العشائرية والطائفية من خلال تشكيل لجان عشائرية مرتبطة به،يناط بها صلاحيات التحكم بالأمور الحياتية اليومية للمواطنين،ومع إشتداد المقاومة الفلسطينية وتوسع وإمتداد الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية،كان الإحتلال يجهد في خلق البديل للمنظمة من اجل إضعاف الحركة الوطنية،وتعزيز الفرقة والتناحر والخلاف بين أبناء الشعب الفلسطيني،فعندما جرى توقيع إتفاقيات كامب ديفيد في عام(1979)،عمل الإحتلال على إيجاد روابط القرى العميلة في محاولة منه للنيل من منظمة التحرير والحركة الوطنية الفلسطينية،ولكن المنظمة بمجموع فصائلها وشعبنا الفلسطيني الملتف حولها،اسقطوا هذا الخيار والنهج،ولكن هناك نقطة في غاية الأهمية،ان الإحتلال الذي يريد تنفيذ مخططاته ومشاريعه المشبوهة تلك،يهدف لجعل وتحويل المعركة بين أبناء الشعب الفلسطيني الى معركة داخلية،بما يضعف اللحمة والوحدة الداخلية،وكذلك حرف الصراع عن قواعدة وأصوله، وهو لم يكتفي مثلاً بمحاولة الإلتفاف على وحدانية التمثيل الفلسطيني(منظمة التحرير الفلسطينية) بخلق وإيجاد روابط القرى،بل سعى لطرح بديل آخر وهو الخيار الأردني،ولكن أيضاً وعي شعبنا وتمسكه بممثله الشرعي والوحيد أفشل هذا الخيار.
لم تتوقف محاولات الإحتلال عند هذا الحد،بل واصلها بشكل حثيث،حيث انه لعب دوراُ بارزاً في قيام الحركة الإسلامية وغض النظر عن انشطة وفعاليات الحركة الإسلامية في قطاع غزة من خلال المجمع الإسلاميي،ونحن هنا لا نخون الحركة الإسلامية،بل نرى بأنها تماشت مع طرح الإحتلال بخلق البديل لمنظمة التحرير الفلسطينية،وهذه المشاريع المشبوهة،وخاضت صراعاً مع منظمة التحرير الفلسطينية،وصل حد الإشتباك بين عناصر الحركة الإسلامية وقوى منظمة التحرير بالتحديد (الجبهة الشعبية وفتح) في غزة وجماعة بير زيت وغيرها.
جاء أوسلو وخلق حالة من الإصطفاف والخلاف في الساحة الفلسطينية،بين مؤيد ومعارض،ومن يرى في هذا المشروع والإتفاق ممر إجباري ومكسب وانتصار للشعب الفلسطيني،وبين من يرى بأن هذا الإتفاق له الكثير من المخاطر على الشعب الفلسطيني،وأضراره وتداعياته توازي النكبة،إذا لم يكن أكثر على شعبنا،من حيث تقسيمه للأرض والشعب وهتك وتفكيك النسيج الإجتماعي،ولتثبت التطورات لاحقاً بأن هذا الإتفاق الإنتقالي كما قال شمعون بيرس ثعلب السياسة الإسرائيلية،بأنه النصر الثاني لدولة الإحتلال،ومن بعد ذلك كانت الإنتخابات الفلسطينية التشريعية في كانون ثاني/2006،والتي فازت بها حركة حماس،وما اعقبها من رفض اسرائيلي – امريكي واوروبي غربي لنتائجها،ولتقود لاحقاً الى حسم عسكري وإنقلاب قادته حماس في تموز/2007،ولتقيم سلطتها هناك ويصبح الإنقسام واقعاً بين غزة والضفة الغربية (سلطتين) بمنهجين ورؤيتين وخيارين،الأولى(حماس) يرفض الإحتلال التفاوض معها،لأنها بوجهة نظرة حركة "إرهابية" والثانية عمادها حركة فتح يخوض معها مارثون تفاوضي دون منحها أي تنازلات جدية وحقيقية،وفشل المفاوضات العبثية والمستمرة منذ عشرين عاماً واحدة من الأسباب التي سرعت في إقامة ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني،فالإحتلال خلال تفاوضه مع السلطة الفلسطينية،كان يتذرع بأن سلطة الرئيس الفلسطيني ضعيفة وليست لها سيطرة على حماس،ذرائع وحجج لرفض تقديم تنازلات،وعندما أيقن الإحتلال بانه من الممكن أن يعود الشعب الفلسطيني للتوحد،شن عدوانه على شعبنا في قطاع غزة،وفي مقدمة أهدافه منع توحد شعبنا وعودة تواصله الجغرافي،ولكن فشل العدوان في تحقيق اهدافه وصمود المقاومة وإنتصارها أربك حسابات العدو،هذا العدو الذي سعى لإفشال حكومة"التوافق الوطني" عبر نشر انباء تتهم حماس بخطف ثلاثة مستوطنين في الخليل والذين وجدوا مقتولين لاحقاً،وجاء العدوان على غزة لكي يواصل الإحتلال لعبته ومساعيه لتخريب الجبهة الداخلية الفلسطينية،عبر نشر اخبار كاذبة وملفقة تستهدف إيقاع الفتنة بين (حماس وفتح)،وعندما شعر الإحتلال بأن الموقف السياسي الفلسطيني موحد وبوفد واحد في القاهرة،وأن الوفد ملتف حول مطالب المقاومة،خرجت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية "الشاباك" لكي تنشر فبركات إعلامية عن هيكلية لخلايا من حماس في الضفة الغربية سعت للإستيلاء على السلطة في الضفة الغربية،بهدف مشبوه ومقصود،هو تفكيك وحدة الموقف السياسي الفلسطيني،والضغط على الوفد الفلسطيني للموافقة على الشروط والمطالب الإسرائيلية،فيما يخص التهدئة والهدنة،وأيضاً إفشال أي مشروع يستهدف إستمرار وتطوير عمل حكومة "التوافق" الوطني،ومنه عودة الوحدة الجغرافية بين الضفة والقطاع،وعدم إعطاء حماس الشرعية من قبل المجتمع الدولي،وخصوصاً ان امريكا واوروبا الغربية اعترفت بحكومة التوافق الوطني.
الإحتلال سيستمر في مساعيه واهدافه الخبيثة لضرب وحدة الموقف الفلسطيني،ولإبقاء الإنقسام وشرعنته وتكريسه،لكي يواصل رفضه وتعنته الإستجابة لمطالب شعبنا الفلسطيني في الحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة لاجئيه،ولكن علينا اليقظة والحذر والعمل على إفشال مخططاته ومشاريعه المشبوهة.
0 comments:
إرسال تعليق