الأزهـار.. و السـياسة فن، رسائله بدون كلمات/ صبحة بغورة

 أصدقاؤنا الأزهار" هكذا يحلو  وضع الأزهار في هذه المرتبة  الراقية  لما تتضمنه في ذاتها من معاني جميلة مستمدة من نوعها ومستقاة من شكلها ومدركة من لونها و متميزة من عطرها بالاضافة الى ما تعبر عنه بأكثر من مغزى يختصر الكلمات ويعكس طبيعة المشاعر لذلك جرى اعتبارها رسائل رقيقة  تفصح عن أسمى الأحاسيس بدون عبارات.
ارتبط التهادي بالورود والأزهار عند أصحاب الذوق الراقي في الفرح ، ومع تكريس هذه الثقافة أصبح للأزهار لغتها فعددها في الباقة الواحدة له مدلوله ولنوعها معناه وألوانها  تستثير مشاعر محددة ولعل في حديث الحب تصبح بحق رسول العشاق حاملة شريعة تحكي الأزهار أسرارها ، وهي أيضا  لغة حوار مع النساء فمنها من تخاطب المرأة الجميلة ، والمرأة الرقيقة  ،والمرأة الخجولة ، والنرجسية ، والوفية ..، انها لغة قديمة عامرة بالغزل فصارت زادا للشعراء والأدباء ، وهي صديق حميم لكل مريض يخفف وجودها بجانبه الألم والاكتئاب وتشرح نفسه للحياة بألوانها البديعة وتبهج فؤاده بأريجها  فيزيد تعلقه بالأمل في الشفاء .
ما من منزل يهتم بوجود الأزهار منسقة في أماكن تتلقاها  العين بالمتعة وتستقبلها النفس بالنشوة الا ويحكم على أصحابه بالذوق السليم ، انه فن يبوح عن أعذب المعاني في صمت جميل وبهدوء رومانسي امتد تأثيره الى مجال العمل السياسي والدبلوماسي كمجال للتعامل الذكي ، فنحن اذن بصدد فن آخر يعتمد على الكلمة المستغرقة في القول وعلى حسن التصرف المتضمن في الفعل ، ومن توخي الحرص على اللياقة في التعامل احتلت الأزهارمكانتها كرسالة تبليغ مجاملة أو تهنئة ، أوكتعبير عن مظهر تعاطف  لذلك يجري تكليف شخصيات معينة ذات خبرة بمهمة تنسيق المقرات الرسمية بالورود والأزهار ، ووجودها في الاستقبالات الرسمية رسالة محبة تحملها فتيات في عمر الزهور اللائي يحملنها في باقات مغلفة هدية لضيوف البلاد عند سلم الطائرة ، كما أصبحت الأزهار مظهر تهادي أساسي في حفلات الاستقبال الرسمية ، وغالبا ما يجري الربط سريعا بين حجم الباقة ونوعية ازهارها وبين مكانة مرسلها الرسمية أو رتبته في السلم الاجتماعي والعلاقة بين الاعتبارين علاقة طردية  ، والمجال السياسي والدبلوماسي محفوف بالكثير من الحساسية ومن ذلك توقيت ارسال باقة الزهور فهي تفقد معناها بعد احياء مناسبة ما قد لا تتكرر أو أن يكون أقرب موعد لتجديد احيائها بعد عام كالأعياد الوطنية مثلا ، وبذلك لا تكتسب الأزهار قيمتها كهدية في حد ذاتها وانما لتأثيرها عندما تقدم في التاريخ المحدد لمناسبة ما ، وفي مثال احتفال سفارة دولة ما باليوم الوطني في بلد التمثيل جرت العادة البروتوكولية أن يرسل أعلى هرم السلطة باقة أزهار للتهنئة بالمناسبة وأيضا وزير خارجيته ، ولا يمكن التصور أن يعمد الوزير الى ارسال باقة أزهارأفخم من باقة رئيس الدولة أو عاهلها لما يحمله ذلك من تجاوز. ان حضور الأزهار في المناسبات العائلية السعيدة بات تقليدا ثابتا  حيث  تكتمل بها مظاهر الجمال والمتعة ، وكذلك في للقاءات الرسمية بين قادة دول العالم  اذ يمكن ملاحظة وجودها على موائد المفاوضات فاللأزهار ذات الروائح العطرية المميزة تأثيرها  في تحسين المزاج و تحسين الشعور تجاه مشقة العمل اذ تساعد رؤية الأزهار المتفتحة في قدرة الانسان على تحمل حتى تبعات حالة الفشل .
من الأعراف الدولية أن يتضمن برنامج عمل رئيس دولة زائرالتوجه الى النصب التذكاري للترحم على شهداء ثورة البلد المضيف لتأكيد التعاطف مع أبناء هذا الوطن، ويلاحظ أن في معظم الباقات  تكون الأزهارالحمراء هي الغالبة حتى في اللقاءات الرسمية وذلك لمعنى هذا اللون الذي يتحدد في الوحدة والمحبة ، ومن حيث النوع لن يعقل وضع زهرة "التوليب" ذات اللون الوردي في المناسبات الرسمية بصفة خاصة لأنها تحمل معاني عاطفية جدا . 
 في ختام المنافسات الرياضيه يكرم أصحاب المراتب الأولى و الثانية و الثالثة بميداليات ذهبية وفضية وبرونزية على الترتيب ثم يهدى كل منهم باقة أزهار ، والفرق الوحيد أن الميداليات فرقت بين الأبطال حسب انجازاتهم الرياضية ثم وحدت بينهم باقات أزهار تماثلت في العدد و النوع .
من غرائب التاريخ في علاقة بعض الشخصيات السياسية بالأزهار أن كان فلاديمير لينين ( 2/4/1870 ـ 21ـ1/1924) نصير الثورة الماركيسية  يرفض وجود الأزهار تماما على مكتبه كما كان يكره الموسيقى لأنهما برأيه يورثان الرحمة في النفوس .
من المفارقات أن الأزهار الباعثة على جلب السعادة والأمل في الحياة تكون يوما هي السبب في وفاة شخص ما ، فقد حدث أثناء الحرب العالمية الثانية أن استدلت احدى العصابات اليهودية على شخص ضابط ألماني كبيربهدف الانتقام منه وذلك من نوع الأزهار التي كان يفضلها على مكتبه وهي زهرة  "المارجر لما رأوه في احدى المناسبات يعلقها في فتحة خاصة بأعلى معطفه فوقع اغتياله فورا.
ليس من باب المبالغة أن نرى الأمم تخصص أياما في  فصل الربيع من كل سنة تسميها " أعياد الورود" يشارك فيها المهتمين بزراعة الورود والأزهار ، ويتم الاستغلال الجيد للحدث بتوجيه اهتمام النشء  الى هذه المعارض لزرع ثقافة حب النباتات وللحث على المحافظة على الجمال الطبيعي وتشجع المشاركة في حملات تشجير المحيط  لتكريس الشعور بالمواطنة  ، وهكذا تكون للأزهار  دورها التربوي الهادف في حياتنا ولا تطلب منا سوى المحافظة عليها .

CONVERSATION

0 comments: