بشكل مباغت ودون اعلانات مسبقة وقعت الأطراف الفلسطينية المختلفة اتفاق المصالحة أو بالأحرى الورقة المصرية مع الملاحظات عليها، رغم أن التقارير كانت تتحدث عن الاربعاء أو الخميس، لكن ولأسباب كثيرة نتفهمها تماماً، تم التوقيع اليوم وبدأ فصل جديد من العلاقات الفلسطينية الفلسطينية.
وبعيداً عن التصريحات والتصريحات المضادة التي صدرت من هنا وهناك خاصة حول التنسيق الأمني أو المعتقلين السياسيين أو حتى الاتفاق نفسه ان كان وُقع كما هو ودون تعديل، وغيرها من الأمور التي لم تشكل عائقاً أمام التوقيع، إلا أن ملاحظات سُجّلت على حفل التوقيع واخراجه، وعلى الاتفاق ومضمونه.
لكن قبل سرد تلك الملاحظات، يجب توضيح موقف شخصي يرفض المصالحة التي تعتمد سياسات "تبويس اللحى" و"عفا الله عما سلف"، كما أرفض رمي طوق النجاة لمن أجرموا بحق شعبنا وقضيته، لكن في ذات الوقت أؤيد وبكل قوة مصالحة ووحدة وطنية فلسطينية مبنية على أسس ومعالم واضحة، وضمن ضمانات نجاح كررتها ولأكثر من مرة منها، آليات تنفيذ واضحة وبسقف زمني محدد، ابعاد العناصر التوتيرية، اقرار مبدأ المحاسبة والمعاقبة، التراجع عن كل ما أضر بشعبنا وقضيته وغيرها.
هذا موقف شخصي بحت، لا يحمل أي مزاودة أو "معلمية" على أحد، ولا يمثل انتقاداً لأحد، لكن في ذات الوقت يرفض رفضاً تاماً تشبيه من يعارض اتفاق المصالحة بشكله الحالي - وأنا منهم لاشك – بأنه عميل ومندس ويخدم مصلحة الاحتلال كما صرح بذلك ناطقو فتح وحماس على السواء، لا يحجرن أحد على رأينا لو سمحتم!
من حقنا أن نعترض ومن حقنا أن نسأل التالي:
- الاتفاق بعموميته يضبط نسق الادارة الداخلية للشعب الفلسطيني، انتخابات، محاكم، قضاة، حكومة وغيرها من الأمور، لكن ما هي الضمانات أن يسمح الاحتلال بأي شيء من هذه الأمور؟
- فريق السلطة يتعهد برفع الحصار واعادة اعمار غزة فور التوقيع: كيف له ذلك؟ وهل الأمر بيده ليفعلها؟ وان كان يملك فلماذا منع الأمر لسنوات؟
- نتساءل لو رشحت حماس أحد أعضائها لانتخابات الرئاسة وفاز في الانتخابات، هل سيستطيع أن يمارس أية مهام في الضفة؟
- النواب الذين سينتخبون على غير مزاج الاحتلال سيكون مصيرهم الاختطاف والسجن كما حدث بعد انتخابات عام 2006، ما الذي تغير اليوم لنتفاءل بانتخابات رئاسية وتشريعية بعد عام؟
- أما م.ت.ف والمجلس الوطني فهذا أمر آخر: من الذي يحق له الترشح والتصويت في انتخابات المجلس الوطني المفترض أن يشمل كل أبناء الشعب الفلسطيني أينما تواجدوا؟ هل يعلم أحد عدد أو توزيع الفلسطينيين في دول الشتات البعيدة عن حدود فلسطين؟
- م.ت.ف اليوم للا ميثاق ولا مرجعية، وان كانت الورقة المصرية قد احتاجت لسنوات للتوقيع عليها، ما هو الوقت المطلوب لاتفاق الفصائل والقوى الفلسطينية على ميثاق جديد؟ بالتأكيد لن يكون سنة من تاريخ التوقيع
- هل علينا أن نصدق أنه بقدرة قادر وفي ليلة وضحاها سيتوقف التنسيق الأمني وستنتهي العمالة للمحتل؟ بمعنى هل تغير القوم حقاً؟
- يتحدثون عن حكومة برنامج الرئيس، ألم يكن رئيساً منتهي الصلاحية وبرنامجه للمفاوضات والسلام مرفوضاً حتى حين؟ وها هو اليوم نمر حمّاد يطالب بأن توافق حماس على ان يكون برنامج الحكومة الانتقالية القادمة هو برنامج عباس، بل أكثر من ذلك فهم يتحدثون أن حكومة التكنوقراط لا علاقة لها بالسياسة، أي أشبه بروابط القرى السابقة!
- أيمكننا أن نتفاءل ونحن نسمع التأكيدات من حسين الشيخ أن التنسيق الأمني ضرورة وسيستمر في ظل أي حكومة؟ أو تأكيد أركان السلطة الالتزام بالاتفاقات الموقعة؟ أو بشائر نبيل أبو ردينة أن اتفاق المصالحة سيساهم في تحريك عملية السلام والمفاوضات؟
- وسؤال مباشر: ما الذي تعرفه حماس ولا نعرفه عن تغير حال القوم وتبدلهم؟ هل هناك ما تحدثوا به عبر قنوات اللقاءات السرية التي يعشقونها والتي أفضت للاتفاق على الاتفاق الأسبوع الماضي؟
- في العام 2009 رفضت قوى المقاومة الفلسطينية أن ينزل عليهم عبّاس من فوق ليلقي كلمة ويغادر كأنه امبراطور متوّج، اليوم يتكرر الأمر فيغيب عبّاس عن التوقيع ويكلّف عزام الأحمد، ثم تتحدث التقارير أنه سيلقي كلمة في احتفال التوقيع غداً أمام الضيوف والمدعوين، أرأيتم ان كرر مواقفه السابقة حول المفاوضات والاعتراف بشرعية المحتل وأنتم تنظرون بعد التوقيع والاحتفال؟
- من أركان الورقة المصرية أن محمود عبّاس هو الأساس والمرجعية، وأعطته من الصلاحيات ما لا يملك، هذا إن أقررنا بأن له صلاحيات أصلاً، كيف سيتم التعامل ان "تنّح" عباس كعادته، وفي ذلك سوابق كثيرة منها تعيين وزيراً للداخلية بعد اتفاق مكة ورفض عبّاس لأسماء فتحاوية بلغ عددها وبحسب معلوماتي ستة أسماء.
لا نتخذ الاحتلال فزّاعة لكنه يتحكم بكل شيء، لأنه وببساطة احتلال، بمعنى إما أن تكون السلطة والحكومة والتشريعي على مزاجه، أو أنه يعتقل ويعرقل، وبمعنى آخر الحديث عن انتخابات وسلطة وحكومة ونواب ووزراء في ظل الاحتلال هو وهم، حكومة تعمل وتستأذن وتنسق مع الاحتلال هي حكومة عميلة، وحكومة وسلطة ضد الاحتلال هي مقاومة ضد الاحتلال، لا ثالث للأمر.
خلاصة القول أنه ما من شيء تغير لنتفاءل بنجاح المصالحة رغم أجوائها الاحتفالية، المواقف هي ذاتها، والشخوص هم أنفسهم، والمشاكل التي تعترض الوحدة الوطنية هي هي لم تتبدل.
في السابق قلنا أن اتفاق المصالحة لن يتم، وان تم فلن يُطبق، وإن طبّق فسيكون تطبيقاً اختيارياً لبعض النقاط ثم تتم عرقلته، لا زلنا عند رأينا رغم كل أجواء الاحتفال.
نكرر أنه ما من شريف غيور يرفض المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، لكن المصالحة التي يبنى على أسس واضحة وبرنامج واضح، وما نراه أن برنامج المفاوضات وبرنامج المقاومة لا يمكن أن يلتقيا أبداً، لا نقول خطان متوازيان، لكن متافران.
وقعوا، احتفلوا، صافحوا وعانقوا بعضكم البعض، لن يغير ذلك من الأمر شيئاً، فعلتموها أكثر من مرة وفي أكثر من مدينة، من القاهرة إلى مكة إلى صنعاء، مروراً بوسطاء من كل مكان، كلها لم تنجح، لأن عوامل النجاح كانت كلها غائبة، ونراها كذلك اليوم أيضاً.
ومع ذلك نتمنى أن يكون هناك ما لا نعرفه من عوامل النجاح، وأن يكون هناك تبديلاً وتغييراً حقيقياً في المواقف، وعودة لثوابت قضيتنا، ونية صادقة في احداث طلاق بائن مع أوسلو وافرزاتها، وبرنامج وطني صادق لمواجهة الاحتلال لا للجلوس معه على طاولة المفاوضات وبغطاء من باقي القوى والفصائل تحت شعار المصالحة.
لكن لا نعتقد ذلك، وأدعو الله صادقاً أن أكون مخطئاً، وأن يوفق الله سبحانه وتعالى شعبنا وقياداته لما فيه الخير والصلاح.
ننتظر ونترقب وما غد لناظره ببعيد.
0 comments:
إرسال تعليق