تساؤلا ت ملحة على الواقع العربي ، نطرحها بحدة أكبر اليوم ، نتيجة المواقف الإيرانية المكشوفة من الثورات العربية ، موقف مؤيد بشكل غير واضح لثورتي تونس ومصر، مع محاولة تلبيس الثورتين أثوابا اسلاموية أصولية، بالترغيب أو ربما بأساليب لم تكشف بعد، لا أميل لقبول أن مجريات الأحداث نظيفة من الأيدي الغريبة عن مصالح الشعوب العربية المنتفضة. والأبرز، والمثير للتساؤلات والاستهجان، الموقف الإيراني السلبي من ثورة الشعب السوري، والدفاع المستميت عن نظام البعث السوري، وربما تكشف الأيام أن إيران تشارك في قمع الشعب السوري بأشكال مختلفة ومستترة ، عن طريق كسر امبارغو السلاح الذي فرضته أوروبا على سوريا، وتزويد النظام القبلي في دمشق، بما يحتاجه من أجل استمرار الجرائم ضد الشعب السوري، وليس مستبعدا المشاركة الإيرانية الفعلية في القمع الدموي، أو مشاركة عناصر من الحزب الإلهي اللبناني، دفاعا عن المتراس السياسي العسكري، للمشروع الفارسي( ولا أقول الشيعي) الاستراتيجي والتاريخي، في الشرق الأوسط.
فقط قصيري النظر لا يرون دوافع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وطموحاتها في الخليج العربي والعراق، وامتداد واضح إلى لبنان وسوريا، والسؤال الذي يطرح نفسه:
ما هو مصير الدول العربية لو امتلكت إيران السلاح النووي ؟ أليست توجهاتها في العراق والخليج ولبنان وسوريا اكبر دليل على خطر إيران نووية؟
فاقدي البوصلة يتوهمون أن امتلاك الجمهورية الإسلامية الإيرانية للسلاح النووي، في حال حصل ذلك، سيكون قوة للإسلام والمسلمين؟ ( عن أي نوع من الإسلام والمسلمين يتحدثون؟) ولكن ما نراه قبل السلاح النووي هو محاولات فرض الهيمنة، أو فرضها فعليا على العراق ودول الخليج، وفرضها على سوريا بالتوافق مع النظام الطائفي، ظنا من النظام السوري، أن إيران ستحمي قفاه، واستمرار سيطرته الفئوية الطائفية القمعية على مقدرات الدولة السورية.
من الصعب الحديث عن انجازات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية لسوريا الأسد، بل تراجع حاد في مستوى حياة الشعب السوري ، تضعضع الاقتصاد الوطني وارتفاع متواصل في البطالة والفقر ، قمع حرية الرأي و تنامي أجهزة المخابرات بشكل غير طبيعي ، والبعض يقول يوجد رجل مخابرات لكل 50 مواطن بالغ، واستمرار التضييق على ابسط حقوق الإنسان، مثل حق الاختلاف وحق المعارضة، وحرمان الشعب السوري من حرية التعبير وحق العمل السياسي، وتحويل سوريا إلى سجن إرهابي كبير، وحصار فكري لا يخجل أكثر الأنظمة فاشية في التاريخ البشري، تحت شعارات قومية فقدت رصيدها ولم تعد تقنع أحدا، وكأنه من شروط الإعتزاز القومي، تعميق الفقر وزيادة القمع وارتكاب الجرائم ضد الشعب، ووقف عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وضمان شهادات مرتزقة فكريين أمثال عزمي بشارة.
بغض النظر عن مصداقية الثورات كلها ، وفي دول الخليج أيضا. يجب أن نوضح أن استنكارنا لقمع ثورة البحرين لا يعني التماثل مع الموقف الإيراني. إيران بتبنيها، الذي لم يطلبه أحد، لثورة شعب البحرين، هي من الأسباب التي دفعت لتضافر الجهود الخليجية الرجعية لقمع الثورة. أي ساهمت بشكل غير مباشر ( ربما مباشر؟) بإفشال الثورة.. وارى أن لها مصلحة بذلك، خوفا من تأثيرها انجازها الثوري على المجتمع الإيراني المقموع من نظام الملالي الفاسد.. الذي يتحين الفرص هو أيضا، لقبر إلى غير رجعة ، نظام ولاية الفقيه!!
العرب حتى الآن، بسبب الأنظمة التي سادت، والتي ما زال بعضها يطيل من وجوده بالقمع الدموي، غير قادرين على اتخاذ قراراتهم، بما يتلاءم ومصالح دولهم ومجتمعاتهم. هذه مرحلة ليست سهلة الآن. إن امتلاك إيران للسلاح الذري سيغير نحو الأسوأ المكانة العربية في المنطقة خاصة، ودوليا أيضا. والتغيير بالغ الخطورة على ثورات التحرر العربية بالأخص!!
موقفي حول الموضوع ليس جديدا، طرحته سابقا ورأيت أن سباق إيران للحصول على السلاح النووي سيكون كارثة أيضا للشعب الإيراني.. الذي يعاني من مشكلات اقتصادية عويصة، ومن واقع اجتماعي مريع في تخلفه، ومن غياب الحقوق الديمقراطية وحقوق الانسان، ولن يكون السلاح النووي وسيلة لرفع مكانة المواطن، وتحرير حقوقه المصادرة من الجهاز الكهنوتي الإيراني. وبالطبع هناك جوانب أخرى .
*******
واقع العالم العربي اليوم يشبه واقع تركيا في الحرب العالمية الأولى – ( رجل العالم المريض ).. مجتمع مريض لا ينفع معه العلاج بالمسكنات. حدثت تحولات ثورية هامة حتى الآن، ولكن لم تتبين بعد الاتجاهات والنتائج من عملية التغيير.
بوضوح أقول، بدون أن تكون بدائل التغيير العربية "أتاتوركية" ( ديمقراطية علمانية)..ارى أن التغيير سيكون شكليا.
الفكرة القائلة أن إيران دولة إسلامية.. وامتلاكها للسلاح النووي سيكون لصالح الإسلام والعرب، هو أشبه بتنظير مرضى عقليين.
إيران ستدعم الحركات الشيعية الانفصالية، وتنمي الإسلام الشيعي السياسي الأصولي، وليس العقلاني، وتعمل على اتساع سيطرة الأصولية الشيعية، هذا ما نشهده في لبنان الآن، وسيدخل العالم العربي إلى عصر جليدي ( إيراني ) طويل جدا. .
المأساة في المنظر السياسي العربي، قبل الثورات الشعبية، هو الغياب الكامل لإستراتيجية عربية.. واستمرار حالة الطوارئ في الدول العربية المركزية وحالة القمع التعسفي والفساد في الأنظمة، وغياب أي تخطيط اقتصادي علمي تطويري لمجمل مرافق الحياة.. وعدم وجود نظام عربي مبني على استقلالية مؤسسات الدولة والرقابة والمحاسبة ..
في ظل هذا الوضع .. حتى اللغة العربية ستنتهي صلاحيتها التداولية.. ولا أعرف إذا كان سيتبقى من مرتكزات للفكر القومي العربي.
الثورات أسقطت بعض الأنظمة القديمة، وستسقط الباقي.. هل نرى فكرا تنويريا يقود الدول المتحررة نحو آفاق التنوير والتطور؟
هنا الجواب الحاسم حول كيف سيبدو مستقبل العالم العربي!!
لا تقدم، لا تطور، لا رقي، لا دولة حديثة، بدون تنوير ونظام ديمقراطي حسب نماذج الدول التي تهرب اليها العقول العربية !!
*****
لنتجرد مرة واحدة من المؤثرات الدينية التي تضلل الكثيرين
موضوع إيران لا علاقة له بالإسلام والمسلمين وعزة الإسلام والمسلمين .
في إيران يسمي الشعب الإيراني شيوخه وأئمته " بالعرب " احتقارا لهم... هناك تراجع هائل في كل ما يتعلق بالانتماء الإسلامي ..إحصائيات فرنسية أشرات إلى 30% ملحدين في إيران بعد 30 سنة من حكم الملالي. في أوروبا النسبة 25% ملحدين رسميا. الجامع الذي كان يضم 5000 مصلي لا تجد فيه اليوم 500 مصلي. أي أن الحكم الديني القمعي جاء باتجاهات مناقضة. هناك عودة واضحة للفارسية، وهذا حقهم المشروع ولا اسجله كانتقاد .. ولكن هناك تنامي بالغ الخطورة في الأطماع الإقليمية ، من النظام الديني الفاشي، في الخليج العربي ، حيت تحتل إيران جزرا عربية ، وأطماع واضحة بأرض العراق ، أو جعله دولا يتبع بعضها نظام طهران. عمليا القضاء على إمكانيات العراق التي كانت تبشر بنهضة عربية يحسب لها الحساب. وربما تنظر لفرض سيطرتها وسطوتها على نفط السعودية وسائر دول الخليج ..
لم يثبت أن السياسة تبنى على قواعد دينية .. بل اشد الأعداء لبعضهم هم المنتمون لنفس العقيدة الدينية. هل نسينا حرب المجاهدين الأفغان بالمجاهدين الأفغان؟ لا أريد الحديث عن التكفير والكراهية بين السنة والشيعة وحرمان الأقليات منهم في دولهم، من كافة حقوقهم المدنية والإنسانية . ولا أتحدث عن المسيحيين .. بل عن المسلمين .
السياسة تحكمها مصالح لا علاقة لها بالدين . تقررها المصالح الكونية المتعددة : مناطق نفوذ ، أمن قومي ، اقتصاد ، أطماع جغرافية لتعزيز الوضع الاستراتيجي للدول .. فتح أسواق وإخضاعها لمصالح اقتصادية للدولة المتنفذة .. تبوء مكانة دولية على خارطة السياسية والقرار الدوليان ..
" إسلام " إيران هو أفضل آلية سياسية لإخضاع العالم العربي وسحقه ... السؤال، هل يتصرف النظام الإيراني كنظام إسلامي ؟
الإسلام الإيراني مجرد آلية أخرى في تنمية النفوذ والقدرة على الامتداد ورفع مكانة المصالح الإستراتيجية الإيرانية ..
أين غابت الرؤية القومية العربية ؟
أين تلاشت فكرة الدولة العربية القومية الموحدة ؟
أين ذهب مشروع جمال عبد الناصر لبناء الدولة القومية الجبارة المتطورة وذات الكلمة الحاسمة في عالم لا يحترم الضعفاء؟
أليس من العار على دولنا "الوطنية الثورية الاشتراكية الشعبية الوحدوية.. الخ " أن تتخلف في مجال العلوم والتعليم والقضاء على الأمية والغرق في البطالة كآفة اجتماعية لا علاج لها تقود إلى هجرة أفضل العقول العربية ؟ وتريدون مواجهة إيران أو إسرائيل.. ؟ !
ماذا بنت دول القومية العربية أكثر من سجون الرأي ، وتطوير أجهزة القمع، والانفلات والتفنن في نهب ثروة شعوبهم ؟
لماذا يقبع أفضل المفكرين العرب في السجون (الوطنية) أو يختارون العواصم الأوروبية لحريتهم الشخصية والفكرية ؟
أمامكم نموذج من غير المريح الحديث عنه .. إسرائيل ( 7 مليون ).. يعجز 340 مليون عربي عن إقناعها بقبول خطة سلام عربية تعطيها كل مطالبها، أكثر مما تعطي للفلسطينيين. وهي الخطة السعودية التي ربما صيغت تفاصيلها في واشنطن .
والسؤال المقلق حقا: أي مستقبل للعالم العربي إذا ظهرت إسرائيل أخرى من ورائه اسمها إيران؟
المشكلة ليست فقط إيران النووية .. المشكلة أين النظام العربي القادر على مواجهة التحديات؟ أين الإستراتيجية العربية لبناء توازن في القوة الأمنية والاقتصادية والعلمية للعالم العربي أمام التحديات الرهيبة في العالم والشرق الأوسط ؟
سلاح نووي بيد إيران الملالي، لن يبقى من عزتنا القومية والدينية إلا الأطلال للبكاء على ذكرى عزة اندثرت!!
nabiloudeh@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق