الحدث الأبرز ، على المستوى الإعلامي المحلي كما الوطني ، إن على مستوى الصحافة المطبوعة أو الإلكترونية أو السمعية البصرية ، هو إعتقال صاحب عمود " تشوف تشوف " مدير نشر جريدة " المساء " رشيد نيني .
ولعل المتبع لما تبثه القنوات الفضائية الأجنبية ، سيقف عند حجم الحدث ، ليس لدى المتتبعين لمساره الصحافي فحسب ولكن حتى بالنسبة لزملائه في المهنة ، التي أصبحت تحتاج أكثر من أي وقت مضى ، هامشا مهما من الحرية ، لكي تتنفس وتقوم بدورها ، كما يجب وليس كما يطلب منها .
لأن لا صحافة حرة بدون حرية و لا مصداقية لها إن لم تتحدث لغة الشارع و تماهت معه ، حد الانصهار .
26 يوما مرت حتى الآن ، دون أن يطل رشيد نيني ، على قرائه ، من خلال عموده اليومي ، الذي شد إليه الكثيرين وكان السبب وراء نجاح المجموعة الإعلامية " مساء ميديا " وإن غاب في حديث العديد من المتضامنين معه ، استحضار تجربة "الهجرة السرية" التي عاشها رشيد نيني في إسبانيا ، التجربة الأليمة ،التي صقلته وجعلت منه رشيد الذي نعرفه .
لقد كانت تجربة قاسية ، بكل المقاييس ، بحيث جعلت الكثير من القراء يقبلون على كتابه " يوميات مهاجر سري " ، حتى قبل أن تعرف النجومية ، طريقها إليه ، عبر عموده " تشوف تشوف " بجريدة " الصباح " وما نفاذ الطبعة الأولى من المكتبات وترجمته لأكثر من لغة ، إلا دليل على أن هذه السيرة لا تشبه كل السير ولها ميزتها الخاصة ، التي أعطتها فرادتها ، التي ميزت الكتاب عن دونه من الكتب المعروضة في المكتبات و الأكشاك .
سيرة ذاتية ، كشفت لنا الوجه الآخر ، للمهاجرين السريين في أوروبا عموما وفي إسبانيا على وجه التحديد ، فقر مدقع ، خوف دائم من الطرد ، مهانة السؤال ، قلة الحيلة وضيق ذات اليد و كل ما من شأنه أن يدفع بالمهاجرين ، إلى الإحساس بمرارة الغربة و في الاعتقاد يقينا ، أن الجنة لا توجد في الأرض و أن الملائكة لا يحلقون في إسبانيا حيث عانى من جشع أرباب العمل .
الكتاب الذي تحدث ، من خلاله عن نجاحاته ، إخفاقاته و خيباته وعن معنى أن تكون مهاجرا سريا ، بلا أوراق إقامة وبلا أفق تطمح إليه ، غير أن تكون مواطنا كامل المواطنة ، فلا تستطيع إلى ذلك سبيلا .
معنى ، أن تكون مفلسا في أوروبا و بلا أهل وبلا أصدقاء ، فقط وحدها الأحلام المجهضة ، من تدفع بك ، إلى أن تكون سارقا ، شاذا و شخصا حقيرا بلا مبادئ ولا قيم .
أن تعيش مهاجرا سريا ، في أوروبا ، يعني أتوماتيكيا ، أن تكون بلا كرامة و أن تكون أنت لست أنت ، بل أحدا غيرك ، يرضى عن نفسه ، أن تضيع زهرة عمره ، في أحقر المهن و أوضعها و بلا ضمانات .
هذا إلى جانب ، أن هذه السيرة ، تحدث من خلالها عن العديد من التفاصيل الصغيرة ، وعن الكثير من الأشياء ، التي قد لا يلتفت إليها أحد .
فهل يفعلها ، رشيد نيني ، ثانية ويطل على قرائه ، بكتاب عن تجربته في السجن ، عن التفاصيل التي عاشها ، من اليوم الأول ، من اعتقاله وعن الأسئلة التي وجهت إليه ، في مخافر الشرطة وردهات المحاكم و عن الأحاسيس والأفكار التي خامرته لحظتها و عن المحيطين به ، وعن حياته بعيدا عن القلم و الزملاء والأمكنة ؟ا .
إنها ، ستكون حقا ، تجربة مثيرة و تستحق الكثير من الاهتمام والمتابعة و القراءة ، لكن رشيد رنيني ، باعتقاله ومحاكمته بالقانون الجنائي بدل قانون الصحافة ورفض سراحه المؤقت ، لن تزيد إلا مزيدا من تعلق قرائه به ، كقلم له أسلوبه المميز و طريقته الخاصة في قراءة الأحداث والملفات ، التي لا يقترب منها أحد وكانت السبب وراء اعتقاله بسجن عكاشة .
إن فعلها ، ثانية و أنا لا أشك في ذلك ، سيعيد للقراءة عافيتها كما عادت للصحف المحلية ، وليظهر بالملموس أنه ليس هناك أزمة قراءة بل ليس هناك ما يستحق القراءة وفي أن تقتطع له بعض الدراهم من جيبك ، وغير قليل من الوقت ، بحثا عن الحقيقة الضائعة .
هامش :
" يوميات مهاجر سري " / الكاتب رشيد نيني
0 comments:
إرسال تعليق