مؤسسات القدس.. أزمات متكررة وحلول غائبة/ راسم عبيدات

..... نعم الاحتلال هو المسؤول الأول والمباشر عن التضييق على المؤسسات المقدسية وخنقها ومحاصرتها،فهو من يمنعها من تقديم خدماتها والقيام بعملها في مدينة القدس،منذ عام 1967 وحتى اللحظة الراهنة،وفق خطة منظمة وممنهجة تستهدف تفريغ المدينة من مؤسساتها والعمل على اسرلتها وتهويدها أغلق الاحتلال 32 مؤسسة مقدسية،وعملية الإغلاق طالت مؤسسات في مختلف قطاعات ومفاصل  العمل"التعليم، النساء،الأندية والمراكز الشبابية،العمل الثقافي والاجتماعي والاغاثي " ومبررات  وذرائع الاحتلال دائماً جاهزة ارتباط أو علاقة  تلك المؤسسات مع منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني والإسلامي،وكإجراء شكلي وروتيني يقوم الاحتلال بإغلاق المؤسسة المعنية لمدة شهر ومن ثم يقوم ما يسمى بوزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بتمديد عملية الإغلاق لمدة عام لتتبعها أعوام أخرى وبلا نهاية،وبالمناسبة لم يجري إعادة فتح أي مؤسسة فلسطينية صدر أمر بإغلاقها من قبل أجهزة مخابرات الاحتلال.
والمسألة هنا مستوعبة ومفهومة احتلال يمارس كل أشكال وأنواع الإرهاب والبلطجة وخارج على القانون الدولي،ولا يخجل أو يتورع من مثل هذه الممارسات،ولكن ثمة سؤال على درجة عالية من الأهمية؟؟، ألا وهو أن أكبر من هذا العدد بكثير من المؤسسات المقدسية  المغلقة بفعل الاحتلال وأوامره،مؤسسات فلسطينية مقدسية رحلت طواعية عن المدينة ونقلت مركز عملها وخدماتها إلى مناطق محيطة بالقدس خارج جدار الفصل العنصري أو إلى مدينة رام الله،وحتى لا نتجنى فإن الاحتلال مارس ضغوط ومضايقات على تلك المؤسسات،ولكن ما هو غير مفهوم  ومبرر،هو هل نريد احتلال خمس نجوم؟ وهل عملية النقل جرت خضوعاً إلى إرادة المؤسسات الداعمة والتي 90 % من الأموال التي تقدمها لتلك المؤسسات له أولويات واعتبارات وأهداف سياسية واقتصادية،بمعنى آخر هل هناك صفقات سرية في هذا الجانب،اشتراط التمويل بالرحيل عن القدس  ؟،أو أن وراء الأكمة ما وراءها؟،وأنا  وشعبنا في القدس بحاجة الى تفسيرات مقنعة حول الرحيل الطوعي لتلك المؤسسات،وكذلك لماذا تصمت السلطة والقوى والفصائل على ذلك؟،ناهيك عن أن أكثر من نصف الأموال التي تقدمها المؤسسات الداعمة،تعود بالفائدة على ما يسمى بالموظفين الأجانب"الخبراء"  حيث الرواتب المرتفعة جداً ومصاريف  أساطيل سياراتهم وأجور بيوتهم وغيرها،يضاف إلى ذلك الدور الذي تلعبه في إحداث عملية اختراق وتشويه للوعي السياسي لقيادة تلك المؤسسات وإجراء وإحداث عملية تتغير في أوضاعها الاقتصادية والطبقية،وبما يضمن تحييدها او كف يدها عن المشاركة الفاعلة والجدية في العمل والفعل المقاوم،فهي تصبح أسيرة لمصالحها ومواقعها الوظيفية ،وهذا نفس الدور الذي تمارسه المؤسسات الرأسمالية الدولية من بنك وصندوق النقد الدوليين مع السلطة الفلسطينية وما يسمى بالدول المانحة او الداعمة،حيث أصبح كل موظفي السلطة وعائلاتهم أسرى الرواتب المقدمة لهم عن طريق تلك المؤسسات،حيث جرى ربطهم بالبنوك، قروض إسكان وسيارات وتعليم وغيرها،وبالتالي أصبح صرف الراتب لهم أهم من أي شان وطني آخر.
وبالعودة لمؤسسات المقدسية فهي تعيش أزمات متكررة ليس فقط جراء اعتمادها على التمويل الأجنبي والمساعدات العربية والفلسطينية،بل هناك عوامل أخرى حيث البطالة المقنعة وغياب الهيكلية والتنظيم الإداري والفساد المالي،وضعف المساءلة والمحاسبة  وغياب الرقابة في تصويب أوضاع تلك المؤسسات،عوامل جوهرية في أزمة تلك المؤسسات،ففي الأزمة الأخيرة التي عصفت بمستشفى المقاصد الخيرية،فرغم تحدث التقارير للجان تقصي الحقائق المشكلة الداخلية والخارجية  منها عن وجود فساد في أكثر من مفصل من مفاصل العمل في تلك المؤسسة لكن كان واضحاً ان سياسة"الطبطبة" و"لم الطابق" هي التي حكمت عمل تلك اللجان،حيث اختزلت أزمة المقاصد في هدر مال عام والحصول عليه بطريقة غير مشروعة بتحميل المسؤولية لموظفين أو ثلاثة رغم ان تقرير لجنة تقصي الحقائق الداخلية أشارت إلى أضعاف أضعاف هذا العدد ممن لهم دور في تلك القضية من نهب وهدر للمال العام والحصول عليه بطريقة غير مشروعة،وخلل مالي وإداري في أكثر من جانب ومجال،والخلل في المؤسسة ليس وقفاً على هذا الجانب ولا يجوز بالمطلق اختزال الأزمة التي تتكرر وتنفجر بشكل أعمق واشمل سنويا نتيجة سياسة "الطبطبة والتستر من أعلى في قضية موظفين او ثلاثة؟.
وأزمة المقاصد ليست هي الوحيدة،بل تتكرر في أكثر من مؤسسة من المؤسسات الكبرى،فشركة كهرباء القدس،كصرح ومعلم من معالم السيادة والوجود الوطني  في القدس،تجري تصفيتها بطريقة تثير الكثير من الأسئلة والشكوك والريبة،فديوان الشركة البالغة 500 مليون شيكل نتيجة إن البعض يريد أن يشرعن الفساد ونهب المال العام وإلباسه ثوب الوطن والوطنية،ولو جرى إقرار قانون الكهرباء الذي قدمه الرئيس ابو مازن،فإن وقف عمليات السرقة او تقنينها إلى أقصى حد من شأنه أن يسمح للشركة بأن تقوم بتحسين جودة ونوعية خدماتها،وزيادة الإنتاجية وتطوير ورفع كفاءة  ومهنية العاملين فيها،وأيضا  أن لا تقوم برفع سعر تكلفة التيار الكهربائي  على المواطنين،ولكن يبدو ان حيتان السرقات يتمتعون بدور ونفوذ قوي في التأثير على صناع القرار من اجل عدم إقرار قانون الكهرباء،وهنا يجب المساءلة للسلطة من قمة الهرم  رئاسة ومجلس وزراء ووزراء ولجنة تنفيذية،لماذا لا يجري إقرار قانون الكهرباء،وما هي الأسباب الحقيقة الكامنة خلف عدم إقراره. ؟؟
اما المؤسسات التعليمية فواضح ان الاحتلال يريد ان يسيطر بشكل كلي على العملية التعليمية في القدس،حيث انه نجح في غرس أنيابه في جسد المدارس الخاصة والأهلية،عندما استغل حاجتها قبل ثلاث سنوات الى المال،وبدأ بضخ المال المشروط إليها ليصل إلى ما مجموعة 102 مليون شيكل سنوياً،وعندما شعر بأنها قد تورطت في ذلك،بدأ في التكشير عن أنيابه ومحاولة فرض شروطه واملاءاته،بالطلب من المدارس الخاصة والأهلية بتطبيق المنهاج الفلسطيني المحرف والمشوه في مدارسها،والمسالة ليست وقفا على المناهج بل تتعداه الى التحكم في الإشراف والعملية التعليمية كاملة،وفي ذروة الهجوم على المدارس الخاصة من قبل  بلدية الاحتلال ودائرة معارفها،لم نتلمس وجود خطة مواجهة فلسطينية لا  على المستوى الرسمي او الشعبي لكيفية التصدي وافشال هذا المخطط على الرغم من ان الجهد الشعبي كان سابقا للجهد الرسمي بشكل كبير،ولعل القرار الأخير من قبل مجلس الوزراء بالتوزيع المجاني للكتب الدراسية الفلسطينية على طلبة مدارس القدس،لن يحل المشكلة،ليس لكون الكتب موجودة في مخازن التربية والتعليم خارج جدار الفصل العنصري،وما يعنيه ذلك من مخاطر وصعوبات في كيفية إيصال الكتب للمدارس داخل الجدار،بل العملية ابعد واخطر من ذلك،وكذلك لا يحق للمدارس الخاصة والأهلية مقايضة الموقف الوطني بالمال المشروط،فواجبها ان تعد تقريراً دقيقاً ومعللاً عن احتياجاتها المالية،حيث أنها تحصل على مال مشروط من بلدية الاحتلال وتفرض أقساط مرتفعة جدا على الطلبة،وهذا لا يعني ان لا تعمل السلطة على توفير الدعم المالي لها من اجل ان تتصدى وتفشل الخطوة الإسرائيلية،فنجاح هذه الخطوة يعني كي واحتلال وعي طلبتنا وسرقة وتزوير تاريخنا والعبث بجغرافيتنا وتشويه ثقافتنا وهويتنا وإضعاف انتماءنا.
وفي الختام نقول بأنه أن الأوان لإجراء  عملية مراجعة شاملة لأوضاع المؤسسات المقدسية من حيث الوقوف على أوضاعها وهمومها ومشاكلها والخدمات التي تقدمها،وهل تقدم خدمات حقيقية للمقدسيين أم أن البعض منها مجرد يافطات وعناوين من أجل ان تحصل على الدعم والمساعدة لخدمة أهداف ومصالح شخصية وخاصة؟؟،وكذلك المراجعة تعني بأنه علينا أن لا ننظر الى تلك المؤسسات ونتعامل معها ونقدم لها الدعم والمساعدة من منظور الفئوية والعصبوية،فأي مؤسسة مقدسية وطنية ونظيفة وتقدم خدمة  للقدس والمقدسيين علينا واجب دعمها ومساندتها.

CONVERSATION

0 comments: