تضاربت الأراء حول نتيجة الأنتخابات وفوز الدكتور محمد مرسي بتحمل مسئولية إدارة شئون مصر . خلفية د.مرسي الأنتمائية لجماعة الأخوان المسلمين التي إستمرت لمدة مايقرب أو يزيد من 35سنة لا يمكن أن تنمحي من شخصيته وتكوينه . وهذا في حد ذاته سيجعل البعض يظن ويعتقد أنه سيؤثر على أداءه الرئاسي . بمعنى أخشى أن أقول أنه تابع للأخوان ، لكنه بدون شك سيضع مصلحة الأخوان في تحقيق أحلامهم السياسية التي لا يمكن لأحد أن ينكرها حتى لو أنكروها هم أنفسهم .
نعرف جميعا أن فكرة تكوين جماعة الأخوان بدأت دعوية ، تطورت الى دعوية وطنية لمحاربة المستعمر البريطاني وطرده من البلاد ، ثم بعد الأغتيالات التي قام بها القسم العسكري للجماعة تم التغير الواضح في نهج الجماعة ومحاولاتهم للوصول الى الحكم .
منذ ذلك الوقت وحتى الأن وإلى المنتهى لن تتخلى الجماعة عن فكرة عودة الخلافة الأسلامية التي إنهارت في وقت بداية ظهور الشيخ حسن البنا ودعوته الدينية التي إنصهرت في بوتقة الحكم الذي هدفه إحياء الخلافة مرة أخرى .
حارب حكام مصر قبل ثورة52 الجماعة . تم الأتفاق سراً بين الجماعة وحركة الضباط الأحرار بوجه عام وبالبكباشي جمال عبد الناصر بوجه خاص ، على مشاركتهم في الحكم إذا نجح الضباط بالأطاحة بالملك فاروق وتوليهم الحكم .
إنشغل الرئيس عبد الناصر بموضوع الأستحواز على السلطة ونجح في إقصاء اللواء محمد نجيب وتولى هو" عبد الناصر " جميع السلطات من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الوزارة وبقية القصة معروفة ,
لم يفِ عبد الناصر بوعده للأخوان وأصبحوا شوكة مؤلمة في ظهرة . وحتى الأن لا أحد يمكنه أن يقول الحقيقة . حقيقة واقعة المنشية الشهيرة التي وقعت في 18 أكتوبر عام 1954 وحكاية إطلاق الرصاص على عبدالناصر والتي تم فيها القبض على الفاعل . عن نفسي مازلت أتذكر على الرغم من مرور تلك السنين الطويلة صوت عبد الناصر وهو يصرخ بأعلى صوته "فليبقى كل في مكانه .. كلكم جمال عبد الناصر " واستمر في هذا القول بطريقة هستيرية حتى هتف الميدان بحياته . بعدها تم القبض على كل فاعليات الأخوان وفعلوا بهم ما فعلوا . فهل فعلا حاول الأخوان إغتياله أم أنها تمثيلية ملفقة لأعطاء الحق لعبد الناصر التخلص منهم ؟؟!! . أترك هذا للتاريخ على الرغم من عدم ثقتي في التاريخ العربي مع كل أسف .
أحلام الأخوان لا ولن تتغير . وقد رأينا في خلال 18 شهر العجب العجاب من تصرفات الأخوان والصراع الخفي بينهم وبين السلفين من جهة وبينهم وبين المجلس العسكري من جهة أخرى .
لم يعيروا إهتماما بنقض أقوالهم أو تغير أفعالهم . المهم أن يصلوا إلى ما يريدون ويستخدموا من يستخدمون لتحقيق مايصبون إليه . يتظاهرون ضد المجلس العسكري عندما لا يوافق على مطالبهم ويهتفون بسقوطه . ويمدحون المجلس عندما يلبي مطالبهم ، وأصبحت لعبة الميدان السيف المسلط على رقاب المجلس العسكري وأي جهة معارضة أخرى حتى لو كانت الجهة القضائية .
قُضيّ الأمر الذي كان مقضياً وأصبح الدكتور محمد مرسي رئيساً لأكبر دولة في المنطقة العربية وقد جارَ عليها الزمن بحكام أغواهم كرسي الحكم فنسوا وعودهم التي أقسموا بها برعاية مصالح الشعب المصري وأصبحت رعايتهم لأنفسهم وأتباعهم فقط " أهل الثقة " . أما الشعب فعرفوا نقطة ضعفه التي تنحصر في كلمة معسولة ووعود لا تتحقق وضرب المجتمع بعضه ببعض وتفعيل شيطان الطائفية هذا مسلم وذاك مسيحي ، هذا صعيدي والأخر فلاح ، هذا إخواني والثاني سلفي ، هذا قبطي أرثوذكسي لا يتبعه المسيحي البروستانتي والإنجيلي . إنتزعوا الحب من قلوبهم وزرعوا مكانها الكُره والحقد والضغينة . إتسعت رقعة عدم التواصل بين أبناء وطن كان الفرد فيه جزء هام من الكل يحب كل منهم الأخر ويسهر الجميع في مشاركة الأفراح والأطراح فرحين أو معزيين . وضاع الطريق من أقدامنا وصرنا نتخبط ولا نعرف إلى أين الأتجاه أو ماهوالسبيل للخروج من حالة الأستنفار التي بيننا جميعا .
جاء الأمل على يد شباب مصر الذين خرجوا وأصروا على التغير ومطالبتهم برحيل رأس النظام وقد تحقق لهم ذلك فتقاعسوا وظنوا أنهم قاموا بواجبهم تجاه وطنهم ولم تكن لهم فاعلية مؤثرة في كل الأحداث التي بدأت بتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدور الذي قام به في إدارة الوضع في مصر بعدم الشفافية والوضوح في موقفه بالنسبة للتيارات الأسلامية التي إزدادت مطالبها وتهديداتها عن طريق ميدان التحرير الذي أصبح برلمانهم يتوافدون إليه عند الضغط على المجلس ، ويبتعدون عنه إذا كانت العلاقة بينهم علاقة ود ومحبة إلى الوصول إلى إنتخابات مجلسي الشعب والشورى ، وتلاه إنتخابات رئاسة الجمهورية . ولا داعي بالطبع بالعودة في الحديث عن ما حدث فالكل يعرف ما وصلنا إليه من توهان وغموض ، ومن هو يحب هذا الوطن ومن يحب نفسه وأصبح المجتمع إما مجتمع فلول أو مجتمع التيارات الأسلامية وعاد التيار الليبرالي الحر إلى تقوقعه وعدم تفاعله بالصورة المطلوبة للتأثير في مجرى الأحداث.
أعلنت الهيئة القضائية الدستورية العليا بالأعلان الدستوري المكمل والذي تبعه حل البرلمان ، ثم نتيجة إنتخابات الإعادة . وكانت المفاجئة بنجاح الدكتور محمد مرسي بإعلانها من قبل جماعة الأخوان قبل الأعلان الرسمي للنتيجة .
تأخر إعلان النتيجة لأسباب ظننا أنها أسباب قوية وإذ بها ليست بالأهمية التي من أجلها يتأخر إعلان النتيجة . إنقسم كل فريق وبدأ اللغط حول نتيجة الفائز . في وسط هذا الخضم الهائل من التخبطات إذ بنا نفاجأ بكميات مهولة من الأسلحة يتم إكتشافها ويتم القبض على كل من قاموا بتهريبها داخل مصر . أسلحة من الممكن أن تدمر محافظات بأكملها . وهذا يضع علامات إستفهام خطيرة .
تم الأتفاق على أن يحلف الدكتور مرسي رئيس الجمهورية المنتخب القسم أمام هيئة اللجنة القضائية الدستورية العليا . حاولت الجماعة أن تمنع حدوث ذلك على أن يكون القسم بميدان التحرير أمام الشعب الذي هو مصدر السلطات . من الطبيعي أغضب ذلك الهيئة .
للخروج من المأزق وافق فخامة الرئيس مرسي المنتخب على حلفان اليمين يتم أمام الهيئة القضائية . لكنه ذهب إلى ميدان التحرير أولا وألقى خطبة أمام جموع الشعب شكر فيها كل من إنتخبه ووعد بأن يكون رئيساً لكل المصريين من إنتخبه ومن لم ينتخبه ثم قرأ عليهم القسم الذي المفروض أن يكون في قاعة اللجنة الدستورية ، وبهذا أعطى للميدان أهميته في صنع القرار.
في اليوم التالي السبت30 من يونيو توجه إلى مقر الهيئة القضائية الدستورية العليا لحلفان اليمين بعدها ذهب إلى قاعة الأحتفالات بجامعة القاهرة حيث كان في إستقباله أكثر من 2500 إمرأة ورجل سياسيين وغير سياسيين . وصل المشير طنطاوي ومعه مجموعة من أعضاء المجلس العسكري ورئيس الوزراء الدكتور الجنزوري والدكتور أحمد زويل والدكتور محمد البرادعي والأستاذ عمرو موسي وكان من الطبيعي أن تكون المقاعد الأمامية محجوزة لهم. لكن الغير طبيعي أن يكون الدكتور الكتاتني ضمن من جلسوا في الصف الأمامي بينما فضيلة مفتي الجمهورية في مكان أخر ولا مكان لفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ ورئيس مؤسسة الأزهر مما أغضب كثيرين .
قبل أن يلقي سيادة الرئيس خطابه ، فوجئنا بخطاب من سيادة المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة القضائية يلقيه قبل خطاب الرئيس .
ألقى سيادة الرئيس محمد مرسي خطابا خاطب فيه كل المصريين ووعدهم بوعود وعهود أهم ما فيها عمله على الأفراج عن الشيخ عبد الرحمن المحكوم عليه بالسجن المؤبد في أحد سجون أميركا وقد أثار ذلك حفيظة الكثيرين .
في نهاية الخطاب تلى القسم على الحضور الذين كانت غالبيتهم أعضاء وعضوات المجلس المنحل . من المؤكد هذا الفعل له دلالته ومغزاه ...
بعدها توجه سيادته إلى الهايكستب لأحتفال القوات المسلحة به .
عاش الشعب المصري منذ تخلي الرئيس السابق مبارك عن إدارة شئون البلاد والشعب المصري يعيش على صفيح ملتهب .
كنا نأمل أن تسير الأمور أفضل من ذلك . .
قدم الشعب المصري دماء شهداء ما كان يجب أن تراق ...
أهدرنا الكثير من الوقت والمال ما كان يجب أن يهدر ...
كل هذا بسبب عدم وضوح الرؤية بالنسبة لكل الأطياف التي أوصلتنا لكل هذا .
ومع ذلك الرسالة التي أحب توصيلها إلى كل المصريين هي :
** على الرغم من كل المعاناة التي عاناها الشعب المصري قبل الثورة وبعدها إلا أنه إكتسب شيئا هاما جدا وهو خروج ما كان مخزون عنده من قوة وقدرة على الصمود والوقوف في وجه كل من يحاول سلب حقوقه المشروعة في إختيار من يتولى خدمته وليس حكمه .
** المرأة المصرية الفلاحة وربة البيت والأستاذة والدكتورة والموظفة بكل صدق وأمانة أثبتت أنها قادرة على إثبات قدرتها في إتخاذ القرار وإختيار من تريد بكامل حريتها وإرادتها . وأنا واثق تمام الثقة لا ولن تقبل التهميش مرة أخرى . لا تتعجبوا إن رأيتم نساء مصر الفاضلات سيخرجن جماعات جماعات للمطالبة بحقوقهن ومساوتهن بالرجل في كافة الحقوق والواجبات . والوقوف في وجه أي فصيل يريد فرض سلطته عليهن سواء في الملبس والمظهر الخارجي أو في أي مجال من مجالات الحياة . المرأة المصرية حرة وتعرف قيمة نفسها وقد أثبتت ذلك .
** الأقباط المسيحيون.. ها أنتم أثبتم بما لايدع مجالاً للشك أنكم عنصر هام ومؤثر في تسير أمور وطنكم مصر جنباً إلى جنب مع أشقائكم من الأقباط المسلمين ولن تكونوا مجرد ذميين مهما كان الحاكم . لقد خرجتم إلى العالم الذي كان يراقب تحركاتكم وأبهرتونهم . لا بكاء على اللبن المسكوب .. بل العمل على إستمرار وجودكم فالقوي يحب ويحترم القوي مثله ولا يحب الخانع الضعيف المستسلم .
** هناك تفكير جدي في تكوين الهيئة الليبرالية الثالثة لتكون رمانة الميزان بين التيارات الأسلامية والتيار العسكري . إنضموا إلى هذه الأحزاب والتكوينات وكونوا جميعكم رجال ونساء ، مسلمين ومسيحيين ، نوبيين وبدو وكل من هو مصري وتعلموا مما حدث في الفترة الأخيرة ليكون لكم وجود قوي لا يجرؤ أحد على الأستهانة به .
عاشت مصر حرة أبية ..
عاش الشعب المصري حراً أبياً ..
بارك الله في الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وندعوا الله أن يلهمه الحب لمصر ولكل المصريين والعمل على أخذ مصر إلى الأمام وليس إلى الوراء .
0 comments:
إرسال تعليق