الاتفاقيات المقدسة بين العرب واسرائيل/ ابراهيم الشيخ

منذ ان وقعت بعض الدول العربية الهُدن لوقف اطلاق النار سنة 1948 مع دولة العدو الصهيوني التي أصبحت مُلزِمة ومُقدسة للعرب فقط لان أي من الدول العربية لم تخرق هذه الاتفاقيات وذلك للخوف من هذا الغول الصهيوني الذي تم زرعه على ارض العرب وبالذات على ارض الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني شتى انواع القهر واقتلاعه من ارضه.
 وكرد طبيعي للاحتلال بدأ الفلسطينيون الذين لجئوا الى الدول المجاورة لفلسطين بأعمال المقاومة المسلحة، بعض الدول العربية ايدت هذه المقاومة وبعض الدول لم تعلن صراحة عن تأييدها التام لأعمال هذه المقاومة من حدودها اما خوفا من ردود الفعل الاسرائيلية أو احتراما  لاتفاقيات الهدنة التي وُقعت مع اسرائيل مسبقا.
 ان الحرب التي خاضها العرب في حرب الايام الستة عام 9671 والتي هاجمت اثناءها اسرائيل كل من مصر وسوريا والاردن واحتلت باقي الاراضي العربية ليكتمل احتلال فلسطين كاملة وبعض اجزاء من الدول العربية اي هضبة الجولان وصحراء سيناء المصرية شعر العرب بضعفهم واهمية المقاومة المسلحة لاستنزاف العدو واضعافه لذلك اتخذت بعض الدول العربية قرارا بمساندة المقاومة الفلسطينية المسلحة في اواخر الستينات.
ان حرب 1973 والتي كانت مفاجئة لاسرائيل حيث هاجمت كل من مصر وسوريا اسرائيل كان الهدف من هذه الحرب استرجاع الاراضي التي احتلت عام 1967 ولكن دون جدوى بقي اجزاء من سيناء والجولان تحت سيطرة اسرائيل بالرغم من ان العرب ادعوا الانتصار على هذا العدو ووقعت كل من سوريا ومصر اتفاقيات هدنة لوقف اطلاق النار مع اسرائيل.
ان توقيع مصر اتفاقية سلام بعد ذلك مع اسرائيل اسهم في استمرار الهدوء على الحدود بين البلدين وادى ذلك الى استرجاع سيناء بشروط مجحفة بالنسبة لتحرك الجيش المصري في هذه المنطقة، ولكن على الصعيد السوري فان الهدنة مستمرة منذ  نهاية حؤرب 1973 بدون خروقات وكأنها هدنة مقدسة، من المعروف ان توقيع أي هدنة الهدف منه وقف الاعمال العدائية بين الاطراف المتنازعة لا نهاية الحرب ولفترة زمنية محدودة لكن كما نرى بأن الدول العربية تحترم هذه الهُدن لعقود من الزمن والمستفيد الاكبر من هذا الوضع بالطبع هو اسرائيل.
ان الجبهة التي بقيت مشتعلة منذ السبعينات هي جبهة الجنوب اللبناني بحيث استمرت المقاومة الفلسطينية بقصف مستعمرات العدو حتى الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 وخروج المقاومة الفلسطينية من هذا البلد، ولكن المقاومة استمرت بأياد لبنانية واحتلت اسرائيل اجزاء من الجنوب اللبناني واضطرت في عام 2000 للانسحاب مرغمة بفعل المقاومة دون توقيع اي اتفاقية أو هدنة معلنة مع لبنان أو مع حزب الله.
 و في الحرب الاخيرة التي شنتها اسرائيل على لبنان في عام 2006 والتي انتهت  بإصدار قرار من قبل من الامم المتحدة باحترام وقف اطلاق النار بين البلدين وما زال محترما من الجهتين بالرغم من الخروقات الصغيرة.
لولا المقاومات لبقيت حدود الدول العربية هادئة تماما دون ازعاج هذا العدو من تنفيبذ مخططاته التوسعية. ونرى بأن حدود الدول العربية الثلاث اي الاردن وسوريا ومصر تبقى هادئة ولا تسمح هذه الدول حتى الاقتراب من هذه الحدود ومحاربة ادخال قطعة سلاح واحدة للمقاومة الفلسطينية الى غزة عن طريق مصر والى الضفة الغربية عن طريق الاردن وذلك خدمة لاسرائيل وابداء حسن النية والسلوك تجاه هذا العدو لان هذه الدول وقعت اتفاقيات سلام يعتبرونها مقدسة ومُنزلة غير قابلة للتغييراوالتعديل ويحترمون هذه الاتفاقيات ضاربين بعرض الحائط بمصير الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال ويبقى المستفيد الاكبر من هذه الاتفاقيات العدو الصهيوني الذي كبل هذه الدول بهكذا اتفاقيات مذلة.
بعد اتفاقية اوسلو المشؤومة التي وقعت عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل حاول الفلسطينيون تنفيذ التزاماتهم بكل اخلاص من اجل اقامة دولتهم على اراضي عام 1967بالرغم من معارضة فئات كثيرة من الشعب الفلسطيني لهذه الاتفاقية الا ان اسرائيل تنصلت من كل التزاماتها التي نصت عليها هذه الاتفاقية، كان من المفروض اعلان دولة فلسطينية بعد خمس سنوات من تاريخ توقيع هذه الاتفاقية ولكن بالعكس اسرائيل اعادت احتلال المدن الفلسطينية ولم تلتزم اسرائيل الا بالنواحي الامنية أي مسألة التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية من اجل الحفاظ على امنها وتُعتبراسرائيل هي المستفيد الاكبرمن هذا الوضع وللاسف تحترم السلطة الفلسطينية هذا التنسيق وتدافع عنه وتبررذلك باحترام الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل وكأنها مقدسة.
 اما من الناحية الاخرى فأن اسرائل تخرق الاتفاقيات كل يوم بالدخول الى المدن الفلسطينية وتقوم بالاعتقال والقتل وسرقة اراضي الضفة الغربية. اما بالنسبة لحركة حماس ومنذ سيطرتها على قطاع غزة التزمت بعدة هُدن واصبحت حماس تمنع كل من يحاول قصف اوباجراء اي عملية فدائية الا بمعرفتها اوبموافقتها، لكن بالمقابل ايضا اسرائيل لا تحترم هذه الالتزامات وتخرقها متى يحلولها اكان امنها مهددا ام لم يكن.
 اما بالنسبة لمصر فان المجلس العسكري والرئيس الجديد يطمأنون اسرائيل بأن اتفاقية كامب ديفيد ستحترم ومن غير المعروف كيف سيتم التعامل مع هذه الاتفاقية في المستقبل، هل سيجري تقييمها وتعديلها في ظل المعادلات الجديدة التي حصلت في مصر، هذه المعاهدة كانت مقدسة بالنسبه للنظام السابق الذي لم يغير ولم يطالب  بأي تعديل او الغاء لأي من بنودها والتي تعتبر صك استسلام لمصر مقابلمساعدات  مالية وعسكرية والتي مصر بغنى عنها لانها لا تذهب للشعب المصري وانما المستفيد من هذه المساعدات الجيش المصري فقط وتعتبرهذه الاتفاقية اكبر هدية حصلت عليها اسرائيل لان هذه المعاهدة تعتبر نصرا بحد ذاته لاسرائيل وانجازا عظيما بتحييد اكبر دولة عربية عن الصراع العربي الاسرائيلي.
 ان الوضع الجديد الذي تعيشه مصر نتيجة الربيع العربي وتغيير النظام فيها تستطيع ان تغير قواعد اللعبةان ارادت  وذلك عبر اجراء بعض التعديلات على بنود هذه المعاهدة لصالحها، فمصر ليست ضعيفة فبشعبها وجيشها قادرة على فرض ما تريد لانها تعتبر عامل مهم بالنسبة للاستقرار والحرب في المنطقة.
ان كل هدنة اواتفاقية توقع مع دولة الاحتلال تعتبر دائما لمصلحتها واطالة عمرهذا الاحتلال وتقويته لفرض شروط الذل والاستسلام على الاطراف العربية كُلٌ على حدة، والدول العربية بضعفها تعطي المبرر لاستمرار اسرائيل بالبقاء فوق القانون.
كاتب وصحفي فلسطيني

CONVERSATION

0 comments: