الانتخابات الأمريكية والقضية السورية/ محمد فاروق الإمام

منذ انطلاقة الثورة المباركة في سورية ونحن نسمع العديد من المحللين عرباً وغربيين وأمريكيين أن مفتاح الحل للأزمة السورية هو بيد الولايات المتحدة المنشغلة بحملة الانتخابات الرئاسية فيها بين حزبيهما التقليديين الديمقراطي والجمهوري، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية الحالية تعمل على إدارة هذه الأزمة وليس حلها، وبقينا لأكثر من سنة ونصف ونحن نسمع وتيرة نبرة التصريحات الأمريكية بين صعود وهبوط انعكاساً عما يجري على الأرض، ولكن هذه النبرة لم تتجاوز القول "على الرئيس بشار الأسد أن يرحل" دون الإشارة إلى نظامه.
وبالفعل لعبت الإدارة الأمريكية دوراً غير أخلاقي ودون المستوى الإنسان في تعاملها مع القضية السورية والدم السوري المسال على مدار 18 شهراً، وأتخمتنا بالتصريحات الجوفاء التي كانت تزيد من تغول النظام السوري في ارتكاب أفظع المجازر الوحشية التي لم يسجل التاريخ الإنساني مثيلاً لها عبر مراحل التكوين المجتمعي للإنسان وانتقاله عبر الحضارات المتنوعة والمتطورة.
الحملة الانتخابية بين الحزبين المتنافسين في الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطي الذي يسعى للتجديد للرئيس الأمريكي الحالي باراك أوبامى، والجمهوري الذي يريد تنصيب ميت رومني بدلاً منه، ولكل منهما برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي يعتقد كل منهما هو الذي يلامس مشاعر الأمريكيين ويحقق لهم مصالحهم، ومن المعروف أن الأمريكيين يتأثرون بالبرامج الاقتصادية والمجتمعية بنسبة 80-90% في حين أن السياسة الخارجية لا يتعدى تأثيرها 10% في أحسن الحالات، وهذه النسبة يقدرها الخبراء والمحللون بنحو عشرة ملايين ناخب، وهي قوة لا يستهان بها في ترجيح كفة أحدهما على الآخر في النتيجة، من هنا نستطيع القول أن نسبة الأمريكيين العرب والمسلمين هي كبيرة جداً ضمن هذه القوة التي قد ترجح كفة أحدهما على الآخر – كما قلنا – إذا تمكن من إقناع هؤلاء بأنه سيحقق لهم مطالبهم في هذا الاتجاه، ولعل مطلب هؤلاء الرئيسي يتمثل – كما تقول التقارير – في وقف شلال الدم في سورية ودعم الثورة السورية وإسقاط النظام فيها وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتكفل له حريته وكرامته وإنسانيته وحقه في اختيار شكل ونظام الحكم في سورية الغد.
وهنا يمكن تصور المشهد التنافسي بين هذين المرشحين حول كسب قلوب ومشاعر أفراد هذه القوة التي يمكن أن تحسم النتيجة لصالح من يقدم الوعود الناجعة والمتقاربة مع أحلامهم وأمانيهم!!
الرئيس أوباما أخفق في تقديم أي حل يساعد السوريين في تحقيق آمالهم في إسقاط النظام الاستبدادي الذي يحكمهم منذ نصف قرن تقريباً، بل إن الكثير من الخبراء والمحللين والمراقبين يقولون أنه وقع في أخطاء كبيرة أطالت من عمر النظام ومكنته من ارتكاب كل هذه المجازر البشعة التي أتت على 30 ألف شهيد وأكثر من مئة ألف جريح ونحو هذا العدد من المفقودين وأكثر من ربع مليون معتقل وتهجير أكثر من نصف مليون إلى خارج الوطن ونزوح نحو خمسة ملايين داخل الوطن يعيشون في عذابات وخوف ورعب، وحرمان حتى من أبسط مقومات الحياة الماء والغذاء والدواء والاتصالات، ناهيك عن تدمير عشرات المدن والبلدات والقرى التي سوى معظم أحيائها بالأرض، وكان بإمكان أوباما فعل الكثير لإنهاء هذا الملف المأساوي، متذرعا بالفيتو الرووسي تارة وبعدم وحدة المعارضة السورية تارة أخرى، والخوف ممن سيأتي بعد بشار الأسد، وكل هذه الذرائع هي من نسج خياله وانعكاساً لحالة فقدان التوازن التي يعيشها، وقد فعل أسلافه الكثير في إنقاذ العديد من الشعوب التي تعرضت لما تتعرض له سورية، وأقصى ما يعرضه أوباما في هذا الملف رحيل الأسد وإيجاد خروج آمن له.
المرشح الجمهوري ميت رومني قد يكون أوفر حظاً باستمالة هذه القوة بما يؤكده على أنه سيسقط الأسد ونظامه، وأنه سيعمل ما بوسعه لتحقيق أماني الشعب السوري في إقامة دولته المدنية الديمقراطية التعددية، وسيقدم المساعدات في بناء ما دمره النظام من مدن ومؤسسات بعد إسقاطه.
أمام هذا التنافس بين الحزبين الأمريكيين على السباق إلى كرسي الرئاسة سارع وزير الخارجية الروسي لا فروف إلى التعهد بالعمل بمقررات جنيف التي سبق واتفقت عليها دول مجلس الأمن الدائمين تحسباً لما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأمريكية.
وكلمة أخيرة لابد من الإشارة إليها: ماذا لو أقدم باراك أوباما على فعل شيء على الأرض تجاه القضية السورية، وساهم مساهمة فعالة في إيجاد مناطق آمنة وحظر جوي في سورية وتقديم الدعم التسليحي واللوجستي والمخابراتي للجيش السوري الحر والتعهد بالتعاون مع المعارضة السورية على إسقاط النظام، إذا ما شعر أن منافسه الجمهوري بات قاب قوسين أو أدنى من البيت الأبيض، عندها ولاشك فإنه وحزبه سيحظى بتأييد هذه القوة (عشرة ملايين ناخب) المؤثرة في نتائج الانتخابات والتجديد له، وهذا ما يؤكده المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "نهاد عوض" بقوله: "إن الصوت الإسلامي في أمريكا موحد وليس مشتتًا وأن الأمريكيين المسلمين متماسكون في توجهاتهم الانتخابية وأن أصواتهم تذهب لمن يدعم قضاياهم أولاً وأخرًا"، وقال عوض في حوار مع الراية القطرية مؤخراً: "الناخب المسلم الأمريكي ليس محسوبًا على أحد فمن يستجيب لقضاياه يحظى بثقته ويأخذ أصواته ومن ينتهكها يخسر صوته لأن المسلمين الأمريكيين يتعاطون مع مصالحهم وحقوقهم مباشرة، وأن مواقف المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية يجري تقييمها والقياس عليها وبناء على ذلك يقرر الناخب المسلم لمن سيمنح صوته في الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل".

CONVERSATION

0 comments: