حين بدأ الحراك الشعبي السوري في سوريا قبل حوالي سنتين ، كنت قد وقفت وايدت هذا الحراك السلمي ورأيت فيه امتداداً لثورات ما يسمى بـ "الربيع العربي" ، خاصة وان المطالب الشعبية عادلة كمطلب الديمقراطية والحرية والتغيير والاصلاح السياسي والاجتماعي . لكن للاسف ان هذه التحركات السلمية اخذت منحى آخر وطابعاً عسكرياً تدميرياً، حيث اتسعت الاعمال العسكرية والتفجيرات الارهابية ، التي راح ضحيتها الآلاف من ابناء الشعب السوري العظيم . وقد اثبتت تطورات وتسلسل الاحداث ومجريات الامور بالدليل القاطع، ان ما يحدث ويجري في سوريا ليس ثورة ، وانما مؤامرة امبريالية واستعمارية بشعة وقذرة ودنيئة ومدمرة، وحرب عصابات دموية تقودها جماعات ارهابية مسلحة من السلفيين والاصوليين والتكفيريين الجدد والمتأسلمين المتطرفين ، الذين غسلوا ادمغتهم ب"الدين" والدين منهم براء ،وتسللوا الى الاراضي السورية عبر الحدود.
وهذه المؤامرة تستهدف تدمير وتفتيت الكيان السوري وضرب سوريا كدولة ممانعة تغرد خارج السرب، وتقف في خط الدفاع الاول امام الهجمة الاستعمارية والمخططات العدوانية والكوليونالية ، التي تستهدف شعوبنا وامتنا العربية وشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية والتحررية ، والرامية الى مصادرة الهوية العروبية والقومية، وتجزئة الوطن العربي، ومحاصرة محور الممانعة والمقاومة ، حتى تفرض على عالمنا العربي الحلول الاستسلامية والتصفوية وتنهب خيراته الطبيعية وموارده النفطية.
وفي الحقيقة ان المعارضة المسلحة عجزت عن زعزعة اركان النظام الحاكم او انجاز تسوية سياسية معه ، وللتغطية على عجزها وفشلها بدأت تتوسل وتطالب بالتدخل العسكري الخارجي لمساعدتها في القضاء على نظام بشار الاسد . وقد تم طرح هذه المسألة اولاً في جامعة الدول العربية ، التي بانت حقيقتها وانكشفت عورتها كأداة تنفيذية وختم مطاط بيد الادارة الامريكية والبنتاغون ومتساوقة مع السياسة الامبريالية ومشاريعها في المنطقة، ثم طرح موضوع المسألة السورية في مجلس الامن ، لكن الجهود الدبلوماسية التي بذلت من قبل امريكا وحلفائها اصطدمت بالفيتو الروسي- الصيني .
وفي ظل عجز العصابات المسلحة واستمرار الاقتتال الدامي استخدمت الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها، الجيش الاحتياطي الاستراتيجي في سوريا ، الجيش الحر المتمثل بالحركات السلفية والظلامية التكفيرية كقاعدة استراتيجية لها لتحقيق اهدافها والاطاحة بالنظام السوري المعادي والمناهض للسياسات التوسعية والعدوانية في المنطقة.
ان اكثر ما يؤلمنا ويحز في نفوسنا هو مشاهد الموت والدمار وانهر الدم التي سالت وتسيل من ابناء الشعب السوري .فبحجة الدفاع عن هذا الشعب يدمرونه ويلحقون به الأذى ويصادرون حقه في اختيار مستقبله واختيار النهج والمسلك السلمي لتحقيق مطالبه العادلة والمشروعة بالتغيير والاصلاح الشامل .
ومن نوافل القول ، ان سوريا الآن تواجه ارهاباً منظماً مدعوماً من المجتمع الدولي المخادع والمنافق والممالئ، ومن خلال وكلائه في قطر والسعودية وتركيا والخليج العربي، ويتعرض لاقذر وأسوأ واخطر مؤامرة بهدف تغيير الموقف السوري وتدجينه . هذا الموقف المعاضد للمقاومة والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني وللحلول التصفوية والاستسلامية، والرافض لاي تنازل يتعلق بحقوق الشعب العربي الفلسطيني . ولا ريب ان التدخل الاجنبي في الشأن السوري هو بمثابة اعتداء سافر على سيادة واستقلال سوريا كدولة عربية لها تاريخها وحضارتها واهميتها الثقافية والسياسية والاستراتيجية في المنطقة . وان هذه المؤامرة باتت مكشوفة للجميع ، والشعب السوري واع ومدرك تماماً لم يحاك ضده وضد وطنه في الخفاء والعلن ، وكلنا ثقة بانه سوف يجتاز هذه الازمة عاجلاً ام آجلاً ، وينهض من جديد ليبني سوريا الحب والوطن والمستقبل .
اخيراً، ان الخروج من المأزق السوري الراهن يتطلب اولاً وقبل كل شيء وقف الهجمات والعمليات العسكرية الارهابية ، والبدء بحوار وطني مسؤول بين قوى المعارضة الحقيقية وبين النظام السوري الحاكم بهدف اعادة الأمن للوطن السوري، والسعي لتحقيق الاصلاحات الجذرية العميقة ، وتوسيع هامش الديمقراطية ، وبناء المجتمع المتقدم والمتحرر والحضاري البعيد عن التعصب والتشدد والطئفية البغيضة والمقيتة.
0 comments:
إرسال تعليق