الحياة مهما کانت، فإنها لاتتعدى مرحلة زمنية محددة سرعان ما تنتهي بالموت، وهذه حقيقة تقبل بها جميع الاتجاهات و المشارب الدينية و الفکرية و الفلسفية، ولأن الموت هو قدر ملازم للانسان کظله، فإن إنعکاسات هذا القدر"المفروض"، تتجسد في مختلف الافکار و التصرفات و النشاطات التي تبدر منه.
طالما کان الموت أمرا لابد منه، وطالما کانت الحياة مرحلة محددة سرعان مايسدل القدر ستاره عليه، فلماذا لانغتنم الفرصة و نستمتع بالحياة کما يجب! کلام يردده الکثيرون و قد يجدونه مجسدا بصورة مثالية في ما ينسب للخيام من شعر بهذا المعنى عندما يقول:
"غد بظهر الغيب و اليوم لي
وکم يخيب الظن بالمقبل
ولست بالغافل حتى أرى
جمال دنياي و لا أجتلي".
وهؤلاء الذين يفکرون بهذه الطريقة"السطحية" وذات البعد الواحد، يسعون للتجاهل او للتغافل عن جوانب أو أبعاد أخرى لها علاقة بالموت او بکلام أدق بمرحلة ما بعد الموت، فهم يتصورون بأن مجيئهم للحياة هو من أجل التمتع بزينتها و زخارفها و مظاهرها المختلفة وهم بهذا السياق يکادوا أن يکونوا مصداقا للآية الکريمة:( أيحسب الانسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم کان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذکر و الانثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)"سورة القيامة"، فالتفکير السارد الذکر، هو تفکير عبثي و غير منطقي لأنه، يسعى لقطع سلسلة الأسباب و المسببات عن بعضها البعض و يکتفي بخلق واقع مقطوع الجذور و منفصل تماما عن التفکير العقلاني المنطقي، بل إن الإنسان هنا هو في واقع أمره يسعى للهرب من حقيقة لا مناص منها و يتصور بأن لجوءه الى هکذا أسلوب في التعاطي مع الحياة سوف يمنحه أو يکفل له السعادة و المتعة اللازمتين و يمنع عنه کل أسباب الشقاء و المعاناة، لکن القرآن الکريم يتصدى هنا للإنسان وبصورة تدحيضية:( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد)"سورة البلد"، بمعنى أنه هل أنت أيها الإنسان بلجوئك الى هکذا اسلوب سطحي للتعاطي مع الحياة سوف تکون بمنأى عن المحاسبة؟! ان خلق الانسان لعالم وهمي و سطحي يمنحه نوعا من السعادة المؤقتة الکاذبة، ليس يعد هروبا من القدر الالهي لوحده فقط بقدر ما يعد هروبا من انسانية الانسان نفسه، إذ ان السعادة الحقيقية للانسان تکمن في إکتشاف ماهيته الانسانية و الاستفادة منها بالاسلوب الأمثل عبر حفظ جانبي معادلة الوجود(الانسان ـ الله)، والسعي لإکتشاف السبل و الطرق التي تقود لکي يحظى الانسان بحالة من التکامل و الرقي تمنحه سعادة روحية لا يمکن أن يحظى بمثيل لها مطلقا، وان خلق الهالات و الأوهام البصرية و اللذات النفسية المنقطعة عن العقل و المنطق لا تقود الانسان لکي ينال السعادة الحقة کما يفعل في إحيائه لمناسبات شتى(ومن ضمنها الاحتفال بأعياد رأس السنة)، حيث أن الانحلال الاخلاقي والخروج عن الدين وعن طاعة الله والزنى وشرب الخمر والبذخ و الإسراف من أجل التمتع بتلك المناسبة و يتصرف وکأن ما في يده من مال و إمکانية ملك مطلق له و ليس له أي منازع، لکن المنطق القرآني سرعان ما يواجه الانسان و يرشده الى طريق الصواب بمنطق عقلاني عندما يقول:(أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات بل لايشعرون)"سورة المؤمنون"، إذ ان إزدياد ثروة الانسان و رقي حاله او العکس من ذلك تماما، هو نوع من الابتلاء و الاختبار للانسان وانه سوف يسأل و يحاسب على کل ذلك يوما، وانه عندما يستسلم لذلك الاسلوب الاحادي الجانب الآنف، فإنه يرکن لهوى النفس(ونفس وماسواها، فألهمها فجورها و تقواها، قد أفلح من زکاها و خاب من دساها)"سورة الشمس"، إذ أن الانسان هنا وبدلا من أن يسعى لتنقية نفسه من الأدران و الشوائب و الشرور يساهم في المزيد من التمويه و التعتيم عليها، ذلك أنه(فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى)"سورة النازعات"، إذ ان إلغاء الجانب الحيوي و الاهم من الحياة و التشبث بجانب زائل و مؤقت منه، هو نفس منطق الطغاة و المتجبرين الذين يختارون طريق الظلم و الاستبداد و يرفضون منطق الحق و الصواب و يعتقدون"وهما"أنهم على حق، وان الطغيان هو الاسراف في اللامبالاة بالحقائق، ومن هنا فإن الانسان، وفي ذروة إحتفاله بأية مناسبة"ولاسيما أعياد رأس السنة"، عليه ان يتقي الله و يتذکر و يضع في الحسبان انه سوف يحاسب يوما على کل شاردة و واردة(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)"سورة الزلزلة"، وعليه أن يتذکر دوما بأن کل عام يمضي من عمره يعني المزيد من إقترابه من الموت وليس العکس أبدا.
وختاما، فإننا نعتقد بأن سعي الانسان للموازنة و التنسيق بين طرفي المعادلة(الدنيا و الآخرة)، هو في النهاية أفضل طريقة لکي يحظى بسعادة حقيقية مشيا و إقتداء" بالحديث النبوي الشريف:(إعمل لدنياك کأنك تعيش أبدا و أعمل لآخرتك کأنك تموت غدا)، وليس في وسعنا ونحن على أعتاب طي عام آخر من عمرنا إلا أن نردد الدعاء المأثور: اللهم يا محول الحول و الاحوال، حول حالنا الى أحسن الحال.
0 comments:
إرسال تعليق