الوطن في عيون شكيب ارسلان/ عبدالواحد محمد

يعد الامير شكيب ارسلان من الشخصيات العربية البارزة   سياسيا والخالدة علي مر التاريخ المعاصر بمكنون فلسفته التي هي فلسفة مناضل عروبي  يؤمن بالوحدة العربية  والقومية ونبذ الطائفية التي تعوق تقدم الوطن والامير شكيب ارسلان  من مواليد (1869 م ) وقد قاوم المستعمر الفرنسي في الشام بكل ادوات الفارس الطامع في حريته وحرية وطنه ؟
كما شغف بالشعر والأدب والثقافة العربية ولقب بأمير البيان  لعمق مشاعره التي تنبض عشقا للوطن للكلمة العربية التي هي سفيرة وسحر البيان سحر وطن فيه كل مقومات الإبداع الفطري !
ومن  قصائد  الأمير شكيب ارسلان


أَسـائَـلُ دَمعي هَل غَدَوتَ مُجيبي إِذا شِـئـتَ أَطفى حُرقَتي وَلَهيبي
وَهَيهاتَ أَن يَقوى عَلى النارِ صيبِ وَريـحُ الـرَزايـا آذَنَـت بِهُبوبِ
لَـئِـن بَكَتِ الخَنساءُ صَخراً فَإِنَّهُ لَقَد باتَ يَبكي الصَخرُ طولَ نَحيبي
يَـقولونَ لي صَبراً فَقَد ذُبتُ لَوعَةً وَما ذوبَ مِثلي في الأَسى بِعَجيبِ
أَأَحـسَبُ قَلبي مِن حَديدٍ وَإِن يَكُن فَـكَـم مِـن شَرارٍ لِلحَديدِ مُذيبِ
وَقـالوا أَلا مَهلاً تَأسَ بِمَن مَضوا فَـلَـيـسَ مُصابٌ جازِعٌ بِمُصيبِ
فَـقُلتُ ذَروني وَالأَسى لَيسَ مُغنِياً كَـلامَ خَـطـيبٍ مَعَ كَلامِ خُطوبِ
أَجَـلَّ مَـقامي في المَحَبَّةِ وَالوَفا عَـنِ الـلَهوِ وَالسَلوانِ بَعدَ حَبيبِ
وَرُبَّ مُـحِـبٍّ بـاتَ يَسلو حَبيبَهُ أَلا تِـلـكَ أَجـسـامٌ بِغَيرِ قُلوبِ
أَفـي كُـلِّ يَـومٍ لِـلمَنِيَّةِ حادِثٌ يُـسـيـلُ مِنَ الأَجفانِ كُلَّ صَبيبِ
تَـعَـمَّـدنا رَيبَ المَنونِ بِضَربَةٍ أَبـى الـدَهرُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ
ومن مواقفه الخالدة في نبذ الطائفية نستعيد من ذاكرة الوطن تلك السطور التاريخية  التي تنم عن فلسفته  العربية الاصلاحية بعيدا عن الاهواء  بعيدا عن كل ما يعكر صفو الحياة العربية داخل الوطن لتكون شاهدة  بما يؤكد معدن رجل عظيم ورؤية رجل  يؤمن بالحرية يؤمن بالوطن فوق كل الاهواء التي من شأنها الضعف وقتل كل ملكات الإبداع في أجنة  ارحام وطن ؟
وفي ضوء تلك السطور التي حملت الخير وخرجت من ضمير إنساني لا يري غير النور بازغا للجميع تحرر وحرر لبنان من فتن الطائفية  الامير شكيب رسلان 
(موقف الأمير شكيب تاريخيا  من الطائفية)
بعد الحرب الطائفية في لبنان عام 1860 بين المسيحيين والدروز، كان النظام الجديد للبنان والذي تبناه ممثلو الدول الأوروبية الست الكبرى (فرنسا، إنجلترا،روسيا، ألمانيا، النمسا وإيطاليا) والباب العالي في حزيران 1861، كان مؤاتياً للطائفة المارونية، ويقوم على الاعتراف بالمبدأ الطائفي وتشجيعه له، فوفقاً لهذا النظام منح لبنان الحكم الذاتي المحلي في ظل حاكم مسيحي عثماني هو المتصرف، وكان نظام المتصرفية هذا وما يتبعه من تنظيم للقائمقاميات الطائفية لمصلحة الموارنة، وبسبب تهميش هذا النظام الجديد لجبل الدروز، حيث ظل الدروز على هامش التطور الاقتصادي الذي عرفه الموارنة بفضل الدعم الخارجي لهم، من الطبيعي أن يرى الأمير شكيب بأن الواجب يقتضي تدعيم موقع الأسرة الأرسلانية الدرزية في هذه القائمقامية، وأن يكون عل رأسها من يحمل تاريخ العائلة الفعلي ويجسد تراثها العربي الإسلامي ومن يعمل على التحام الدروز بالدولة العثمانية وتحقيق الذوبان الاستراتيجي للدروز وسط المحيط الإسلامي والسوري الأوسع.
لذا نجد الأمير شكيب غاص في الصراعات الحزبية الجبلية الضيقة في السنوات 1892 ـ 1908، وقام بعدة مأموريات عام 1902 في جبل حوران لإقناع الثوار الدروز هناك بالرجوع إلى طاعة الدولة العثمانية، وكان حاسماً وواضحاً في موقفه من ضرورة وحدة الدروز والتفافهم حول الدولة في تلك المرحلة، التي تميزت على حد وصف جميع المراقبين والباحثين بضعف الدروز وقوة الموارنة.
قام الأمير شكيب بجهود جبارة في توحيد القوى لإدراج جبل الدروز ضمن إطار الدولة، فقد أقام تحالفاً بين العائلات الدرزية والعائلات اللبنانية، وهذا التحاف قام بالحركة المعروفة باسم (المظاهرة الكبرى) حيث توجه وجهاء هذه العائلات على رأس وفود من أعيان البلاد من جميع الأقضية والطوائف إلى بيت الدين مطالبين بشمول الدستور لجبل الدروز ... ثم تحولت هذه المظاهرات إلى حركة عصيان جماهيري أرغمت المتصرف المسيحي على إعلان الدستور في جبل الدروز

كما كان أمير البيان  شكيب ارسلان من أوائل الداعين  لإنشاء الجامعة العربية  في اعقاب الحرب الاولي  1914 / 1917 م لتكون جامعة لكل الوطن جامعة تتبني قضاياه في ضوء التحديات الجسيمة من مستعمر  كما كان الامير شكيب ارسلان بعيد النظر في ضوء التقسيمات الصهوينية لفلسطين  ومحاولات تهويد فلسطين وهو ماحذرمنه  في العديد من زياراته ولقاءته بالزعماء العرب  وهو ماحدث نتيجة الغياب العربي  نتيجة الفتن والمؤامرات التي عصفت بالوطن ؟
كان رجلا تاريخيا  بمعني الكلمة في عصره بذل جهود كثيرة  وجبارة في تبني قضايا الوطن ولم يعرف الحديث بغير اللغة العربية  لسانا فصيحا في كل المحافل الرسمية رغم أجادته للعديد من اللغات الأخري  الانجليزية والفرنسية والتركية والالمانية  كان عربيا وعروبيا  في كل مواقفه الداعمة لحرية لبنان لحرية الوطن العربي ؟
ومن كتبه التي مازالت تخاطب العقل العربي في مكتباتنا العربية 

(تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط)

(الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية)
(رواية آخر بني سراج: تأليف الكونت دي شاتوبريان – ترجمة: شكيب أرسلان)
(السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة)

(شوقي، أو صداقة أربعين سنة)

(لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟)

كما تمتع بعلاقات صداقة وطيدة  الامير شكيب ارسلان مع رفقاء عصره ومن هؤلاء الاديب المعروف الشيخ رشيد رضا رفيق كفاح  طويل (وكتابه اربعين عام من الصداقة)  مع الشيخ رشيد رضا  يجسد ويؤرخ  ويعمق من تلك المشاعر بلغة التاريخ بلغة الصدق والإيمان بقضية وطن بنبل الصديق للصديق  بنبل فيه الوطن خالدا  ؟
وكان دائما ينشر  الامير شكيب ارسلان مقالاته  علي  صدر صفحات المنار التي كان يشرف عليها الشيخ رشيد رضا  احد التنويريين  العرب الذين كان لهم بصمة في عالم الثقافة مع الشيخ محمد عبده  والاديب والسياسي جمال الدين الافغاني  مصطفي كامل   سعد زغول  كما كان الامير شكيب ارسلان صديقا حميميا لأمير الشعراء أحمد شوقي  ( كتابة شوقي وصداقة اربعين سنة )  فلم يكن رجل سياسة بل كان  رجل سياسة وأدب من طراز فريد !
ولاريب نجد الامير شكيب ارسلان بعيد النظر في كل مقالاته التي كتبها في صدر الصحف  العربية والتركية باللغة العربية ومنها المنار في الاحساس بالخطر الديني والطائفية التي يروج لها المستعمر في عصره لكي  يقسم الوطن العربي وهو ما نراه في كثيرا من المشاهد المؤلمة والتي عصفت بالعراق اليوم العراق التاريخي  الذي وقع في براثن الطائفية بلغة أهل المكر والفتن !
لكن يبقي الامير شكيب رسلان مناضلا وشاعرا وأديبا عربيا بسيرته الملهمة لكل مبدعي ومبدعات وطن  بكل مشاعر التواصل عبر الإنترنت عبر الفيس بوك وتويتر والمدونات الإلكترونية بكل ملامح عصر عولمي عصر فيه شكيب ارسلان حاضرا وباقيا وخالدا بما صنعه من تاريخ لوطنه العربي  لوطنه لبنان لوطنه وشاغله الازلي الإنسان والآخر ؟!
بقلم 
عبدالواحد محمد 
كاتب وروائي عربي 
abdelwahedmohaned@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: