عُمان سلطنة صغيرة... وأفعال كبيرة/ راسم عبيدات

عُمان عضو في مجلس التعاون الخليجي...ولكن تميزت عن بقية اعضاء مجلس التعاون بثبات سياستها الخارجية...سياسة تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول...وعدم السماح كذلك بالتدخل في شؤونها الداخلية...ورؤيتها لحل الصراعات والخلافات بين الدول،او القوى المتصارعة والمتحاربة تقوم على أساس التفاوض وليس الحلول العسكرية...وهي تبقي على نفس المسافة بين الأطراف المتصارعة او المتخاصمة،وبما يؤهلها للعب دور في حل الصراعات والخلافات....ولذلك في الحرب العبثية والتي لا طائلة منها التي تشنها السعودية على فقراء اليمن،تبدو مسقط العاصمة المرشحة لإستضافة لقاء سعودي- يمني للخروج بحل سياسي للصراع الدائر هناك....وعُمان بفضل حنكة قيادتها وخصوصاً وزير خارجيتها بن علوي استطاعت أن تشكل عنواناً وقاسماً مشتركاً للكثير من الأطراف المتصارعة عربية وإقليمية ودولية،كمكان مقبول للتفاوض وحل الصراعات والخلافات بينها....فهي على سبيل المثال لا الحصر،لم تكن جزء من التحريض وخوض الصراع المذهبي السني- الشيعي الذي جيشت له السعودية وقطر ضد ايران وحزب الله، واللتان مولتا وحرضتا كل الدول والقوى والأحزاب عربية وإسلامية (سنية) على خوضه لحد الفتنة المذهبية،وكذلك دفعت السعودية المليارات للعديد من الدول،من اجل ثني الولايات المتحدة عن توقيع اتفاق بينها وبين طهران بشأن برنامج طهران النووي،ورغم كل ذلك لم تتورط عُمان في هذا الصراع،وبقيت بمنأى عنه،وبقيت تحتفظ بعلاقات متميزة مع ايران...وهذا الموقف هو الذي جعل مسقط محط ثقة طهران وواشنطن لقيادة حوار سري بينهما على أرضها،فيما يتعلق ببرنامج ايران النووي،ذلك الحوار الذي اتهمت فيه الرياض واشنطن بإدارة حوار مع طهران من خلف ظهرها...ولم تخش مسقط ردة الفعل السعودي عندما انكشف الحوار..وكذلك هي لم تتورط في الحملة الخليجية على حزب الله أو الحرب على سوريا،فقد بقيت تحتفظ بعلاقات جيدة مع قيادة حزب الله،وأبقت على علاقاتها مع سوريا،رغم القرار الخليجي ومجلس جامعة "الدول" العربية،وأبعد من ذلك لعل الكل منا يذكر بعد زيارة الرئيس المصري الراحل السادات لإسرائيل،وتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" اتخذت القمة العربية قراراً بطرد مصر من الجامعة العربية،ولكن عُمان أبقت على علاقاتها مع مصر،ورغم عضويتها في مجلس التعاون الخليجي ودخول القوات العراقية الى الأراضي الكويتية،لم تقطع علاقاتها مع العراق،وأيضاً وقفت نفس الموقف،عندما جيشت السعودية مجلس التعاون الخليجي ضد قطر،على خلفية تحريضها على السعودية وإحتضانها لجماعة الإخوان المسلمين،والتحريض النظام المصري القائم على انقاض حكم الإخوان.

نحن ندرك بأن ظروف وشروط الحل السياسي في اليمن لم تنضج بعد،وهناك من في السعودية يحلم بأن يفرض على الحوثيين صك إستسلام،من خلال تدمير كل البنى التحتية والمشافي والمدارس والمؤسسات الإقتصادية،متوهماً بأن ذلك سيشكل ضغطاً كبيراً على الحوثيين،وقد يفقدهم السيطرة على الوضع،من خلال تمرد الجماهير عليهم،متناسية بأن فقراء اليمن ليس لديهم ما يخسرونه،ولعل هذا الخيار السعودي أخذ بالتراجع،بعدما ثبت للقادة السعوديين بأن القصف الجوي لم يؤدي الى تعديل جدي على الأرض في ميزان القوى،وبنك الأهداف قد جرى إستنفاذه،ولم يعد هناك سوى خيار الحرب البرية المكلفة،تلك الحرب التي كانت السعودية تراهن على أن يكون حلفائها الباكستانيين والمصريين والأتراك جزء منها،بإعتبارهم القوة المركزية في هذه الحرب،ولكن هؤلاء الحلفاء والشكاء المحتملين،أثروا ان يقولوا للسعودية،نحن معك في القول والدعم السياسي والإعلامي،ولكن لن نضحي بجنودنا،فلدينا من الأزمات والأولويات ما يكفينا،باكستان القاعدة وطالبان،وليس فقط رفض البرلمان مشاركة جيشها في حروب خارجية،مصر ازمات اقتصادية واجتماعية وامنية كبيرة،وحرب على الإرهاب في سيناء،وتحديات امنية كبيرة في الداخل ناتجة عن ما يقوم به الإخوان من تخريب داخلي،والأتراك المخاوف من حزب العمال الكردي،والتورط في الأزمة السورية ودعم"داعش".
وكذلك الأمريكان الذين ورطوا السعودية،في هذه الحرب خادمة لمشروعهم الفوضى الخلاقة،تشظية وتفكيك الجغرافيا العربية،وتتفق ورؤيتهم بخوض العرب لحروب التدمير الذاتي،وكذلك مصانع أسلحتهم تزداد مبيعاتها واقتصادهم ينمو ويتطور.

لعل السعوديون باتوا على قناعة بأن الأولوية في العالم والإقليم للحرب على "الإرهاب" والقاعدة وليس للحرب على فقراء اليمن او ايران وحزب الله،والسعودية عليها أن تقنع تماماً بان المخرج من الأزمة اليمنية لن يكون إلا سياسياً،سياسياً وبما يجعل الحوثيين شركاء في القيادة والحكم،وليس بفرض شروط إستسلامية سعودية،والسعودية عليها ان تتعظ من فشلها ومازقها في العراق وسوريا ولبنان والبحرين.

عدم اتخاذ السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي موقفاً عدائياً من عُمان،بسب رفضها مشاركتهم حربها على فقراء اليمن،يفسر على انه ربما يدرك السعوديين،بأن حربهم على اليمن طالت او قصرت،لا بد من مخرج سياسي لها،وطبعاً الحوثيين لن يقبلوا ان تكون الرياض او الدوحة مكان التلاقي لمثل هذا الحوار،فهم يقبلون بان تكون عاصمة غير متورطة في الحرب عليهم،والأنسب لذلك هي العاصمة العمانية مسقط،التي استضافت ورعت اكثر من حوار،وكل المعلومات تقول على الرغم من لغة التشدد والقصف الجوي الذي تقوم به السعودية على اليمن،فإن هناك اتصالات جارية مع الحوثيين للوصول الى مخرج سياسي،وهذه الإتصالات والحوارات ترعاها مسقط،وحتى تنضج الشروط،تخرج الإتفاقيات الى العلن ،شروط ،إتفاقيات تحفظ للسعودية ماء وجهها ولا تخرجها مهزومة او منتصرة،اتفاقيات لربما يدعي كل من السعوديين والحوثيين انه حقق انتصاراً،ولكن في النهاية اتفاقيات تحقن دماء الفقراء،وتجبر السعودية على القبول بالحوثيين كشركاء في الحكم والقرار وإدارة البلاد،وحتى تحين اللحظة المناسبة على السعودية مراجعة سياساتها تجاه اليمن والمنطقة،فهي ليست بحاجة للمزيد من الهزائم والخذلان.

CONVERSATION

0 comments: