لبنان وكرة النار ـ 4/ شوقي مسلماني


منذ استصدار القرار 1559، بعد الغزو الأميركي الهمجي للعراق، ولبنان يشهد فصولاً عجيبة غريبة، وحتى إنّ بعضها ظهر سافراً في اصطناع الفتنة المذهبيّة، أو سافراً في تمترسه خلف خيارات إسرائيليّة، أو سافراً في إغراق لبنان بالمديونيّة، أو سافراً في اختلاق سياسيين دُمى ... وإلخ.
ولبنان لا يزال يعيش توالي هذه الفصول المجرمة من دون رؤية حكيمة جامعة، ومن دون رؤية تحديد من يكون الصديق ومن يكون العدو وما بينهما.
ولكن هذا ليس كلّ شيء لأنّ المسألة متشعِّبة والآراء متجاورة أو متنافرة.
وها هنا مداخلات جريئة:

1 ـ الدولة المدنيّة وقطع دابر العملاء
ـ جورج شمالي (أديب ورئيس تحرير مجلّة يولي نت)
لا أبالغ إذا قلت إن الدرب طويلة مع الأطماع الاسرائيلية، وأكون مراوغاً إذا قلت ليس هناك لبنانيين متعاملين مع إسرائيل، أما كيف تحوّلَ الشارعُ المناضل ضد المستعمرين وإسرائيل الى لا مبالاة فهذا ليس وليد ساعته أبداً.
لنبدأ من ما قبل 1559، القرار الذي كان للتيار الوطني الحرّ رأي واحد فيه فقط هو خروج سوريا من لبنان وإقامة أحسن العلاقات معها، أما الذين كانوا مع نظام المخابرات السوري أيام الرئيس حافظ الاسد ومع الطقم القديم الذي كان يشتم أميركا علناً ويعمل معها من تحت الطاولة هم كانوا أعزّ الاصدقاء الى غازي كنعان ورستم غزالي وغيرهم وشركاء معهم في السرّاء والضرّاء ولكن تغيّرت جلودهم لأن الرأسمالية دائما بإمكانها أن تغيّر جلدها وتحوّله بواسطة الإعلام من أسود الى أبيض.
الصراع اللبناني الإسرائيلي كان منذ ما قبل اختفاء السيد موسى الصدر ورفيقيه، لأن لإسرائيل، كما تبيّن من خطة هنري كيسنغر، أطماع في لبنان، وخاصة بمياهه، ثم لها خطة عمل كبرى وهي ألاّ تستقبل أي فلسطيني هجّرتْه من بيته عام 1948، وبما ان هناك فئة من اللبنانيين يقفون سدّاً منيعاً بوجه التوطين أصبحت القضية اللبنانية متعلقة بالقضية الفلسطينية.
لقد قامت الحرب اللبنانية التي فرضت على الشعب اللبناني بإيعاز أميركي محض وباتفاقات إقليمية، هذا مع العلم ان الطبقات الحاكمة والرأسمالية اللبنانية قد استعملت طبقة العمال، وأخيراً رمتْها خارجاً، وهذا طبعا يعود الى غباء اليسار الذي تعرضتُ له أنا شخصيّاً للكثير من الانتقادات، لأنني إنتقدتهم وقلتُ جهاراً هذه ليست ثورة هذه حرب طوائف اخترعتْها أميركا، وهربتُ الى استراليا، وهنا بما إن القضية اللبنانية متعلّقة بالقضية الفلسطينية وبروز حزب الله وحركة أمل وفئة لا يُستهان بها من الأحزاب المسيحية وقفتْ بكل جرأة لتقول للأمريكيين ولإسرائيل: لا للتوطين الفلسطيني، ويجب الاعتراف بحقّ العودة للفلسطنيين. وهكذا تم تجيير المعلوماتية الى المخابرات الفرنسية، ومع فئة كبيرة من اللبنانيين، ومع وزراء الداخلية بالوكالة ( قبل حرب تموز) وخرق كبير، وتعامل مع أناس مرموقين في وزارة الاتصالات، قررتْ المخابرات الاميركية والإسرائيلية أن تحطّم حزبَ الله وكل من يقف معه بعد تحطيم البنية التحتية اللبنانية كي يهبّ الشعب اللبناني ضد حزب الله، وفعلا كان الاسبوع الاول ممتازاً من قبل ثورة الارز في الدعاية والمنادات بالوقوف ضد حزب الله لأن تعدياته على إسرائيل ألزمها الحرب على لبنان، لكن وقوف مسيحيي لبنان طبعا غير "الجنس العاطل" واستقبالهم لأخوانهم الشيعة كسر المؤامرة الكبرى.
لبنانيون لا يمكن أن يطعنوا إخوانهم اللبنانيين، هكذا كان الشعار، فجنَّ جنون إسرائيل وهاجمت لبنان ودمّرت البنية التحتية، ولكن بقي الصمود وتعاظم، وبالمقابل ستبقى إسرائيل تدسّ وتوسّع أطماعها، وستتعامل مع أشخاص حوّلوا شارع الحرش والبسطة من مناضل ضد الاستعمار وإسرائيل الى لا مبالي بواسطة تجويع الناس، وأميركا تسعى جاهدة لتوسيع رقعة المشاكل الطائفية والمذهبية. وكما قلت سابقا لأطماع إسرائيليّة في المياه اللبنانية والعربية، والى شطب كلمة حق العودة.
الشيء المؤسف في لبنان هو هناك فئة وشريحة تنادي بالطائفية التوافقية، وتبعد كثيراً عن واقع روح العصر الذي نعيشه، الاحزاب اللبنانية لم تفعل شيئا للشعب سوى الدفاع عن الانبياء فقط والهاء الناس بالطائفية، أما بعد حرب تموز رأينا كيف تغيّر الخطاب الثقافي اللبناني من قبل بعض الاحزاب الوطنية والتي بالأساس هي مبنية على شريحة كبرى من الطائفية، وأخذت تنادي بدولة مؤسسات ودولة وطنية وشبكات إتصالات نظيفة وقطع يد المتعاملين مع إسرائيل، أما من وجهة نظري لطالما هناك عملاء على مستوى النواب والوزراء ستبقى الساحة مفتوحة أمام المشاكل، وستكون الطائفية والمذهبية الاداة في خلق المشاكل، وأظن إن هناك حلّين لا غير: إما ان تقوم دولة وطنية حقيقية، أو قطع دابر العملاء حتى تستقر الأمور.
أما من الناحية الاقتصادية فاذا لم يتوقف الهدر المالي ومن دون دراسة عميقة للميزانية من أجل العمل والنهوض بالمستوى المطلوب سيزداد العجز وسيزداد الدين وهذا ما تريده لنا بعض دول النفط حتى نكون تحت الامر الواقع وهو التوطين مقابل الدين أو الافلاس والمشاكل.
اللبنانيون فئة كبيرة منهم أصبحت مؤمنة بالمواطنية الحقيقية بعد أن عرفت الاساليب والخزعبلات السياسة التي أوصلتنا الى هذا المأزق، وهي ستقف الى جانب المقاومة التي تخيف العدو الصهيوني الذي لم يعد يتمرجل كما كان في السابق إلا في طيرانه المسموح من قبل الأمم المتحدة. سينتصر لبنان وستتغير الامور، حتى لو حصل إحتلال ستكون هناك مقاومة وطنية تشمل الجميع ضد المغتصب.
***

2 ـ الدور المكمّل للكيان الصهيوني
ـ يوسف أبو عمّار (مذيع وكاتب)
بالنسبة لموضوع رفيق الحريري، أعتقد ان هناك دوراً دولياً كان مطلوباً منه القيام به: (1) توطين الفلسطينيين في لبنان (2) ترويض قادة الدول العربية عبر جرِّها الى مشاريع إستثمارية تقود الى إضعاف بنية المجتمعات الهشة أساساً، وبهذا يمكن محاصرة هولاء القادة وإخضاعهم (3) التقرب الى بعض المفاصل الضعيفة في الانظمة العربية لإدخالها في مشروع الشرق الاوسط الجديد تكون تقويضاً للانظمة المعارضة للغرب من الداخل.
هذه بعض النقاط المفصلية في خطة إعطاء رفيق الحريري هذا البعد الدولي، ويراد منه إفهام الخاضعين للغرب انهم لا يتخلون عن عملائهم. لبنان غير متجه الى حلحلة الا إذا تمكّن من تحقيق المطلوب منه في التقرب الى واشنطن ليكون وطناً بديلاً للفلسطينيين وقاعدة حاضنة لشبكات التجسّس الاميركية في الخاصرة السورية (أحداث مخيّم نهر البارد وزجّ الجيش اللبناني في الاحداث والحديث عن قاعدة عسكرية أميركية مقابل صفقة أسلحة للبنان) إضافة اذا علمنا بالدور الذي لعبه لبنان كأداة وصل بين دول المتوسط والخليج العربي، خاصة اذا تعرّضتْ قناة السويس للاغلاق، ليس من النظام بل من العناصر المعارضة للوجود الاميركي، والمعارضة المتمثلة بحزب الله إحدى أكبر العثرات في وجه المخططات الغربية.
لبنان كان ولا يزل حاضنا للخط العروبي الوطني لمعارضي الانظمة العربية ويجب في هذه الحالة إضعاف واجتثاث كل ما هو وطني ليكون الامر درساً للدول المجاورة خاصة سوريا. السياسيون اللبنانيون ليسوا سواسية. البعض عارف بالمخططات ويعارض وآخرون يعلمون، لكن مصالحهم تتوافق مع المخطط ويجاهرون بذلك. الاداء الجيد لفهم المخططات الاسرائيلية والاميركية لم يظهر الا بعد ان شاهدنا التطور المختلف لحزب الله على المستوى السياسي والعسكري وهو ما لم تفلح فيه كل الانظمة العربية (حرب تموز كانت أقوى من حرب 73 واختراق العدو الاسرائيلي في العديد من القضايا لم تنجح فيه الانظمة العربية كما نجح فيه حزب الله) فالسياسيون المنضوون تحت الخط المقاوم لديهم القدرة على التحليل الايجابي فيما يروِّج الباقون لما يُراد منهم ان يفهموه (المد الفارسي الايراني لم نسمع به الا بعد ان شكّل خطراً على إسرائيل وعلى الغرب، حتى خلال المراحل الاولى للحرب العراقية الايرانية لم تكن الدعاية ضد الغزو الفارسي ظاهرة ملفته للانتباه الا في العراق لحشد الرأي العام) حتى الآن الإداء السياسي ليس بالمستوى المطلوب خاصة لجهة عدم الوصول الى الفهم لكيفية إدارة القضايا والتضليل الاعلامي القوي ضد كل ما هو وطني.
لبنان منذ إنشائه كان المقصود منه ان يكون محطة متقدمة للغرب ليدخل منه الى الشرق الاوسط. لا ننسى ان لبنان يلعب دوراً مكملاً للكيان العبري إذا ما تمّ فصله عن محيطه العربي.


CONVERSATION

0 comments: